
حظر دخول المنتجات التركية.. صفعة سعودية على وجه الاقتصاد التركي
يتلقى الاقتصاد التركي ضربة تلو أخرى، هذه المرة بطلها المملكة العربية السعودية، حيث أفادت صحيفة “جمهوريت” التركية المعارضة بأن المملكة قررت رسميًا حظر دخول كافة المنتجات التي تحمل شعار “صنع في تركيا” إلى اراضيها، بداية من 1 أكتوبر المقبل، كما ألزمت المستوردين بالتوقيع على التزام بعدم الشراء من تركيا، وطالبت الشركات التي تعمل على أراضيها، على سبيل المثال شركة أولكر، بعدم احضار مواد خام من أنقرة. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها حظر منتجات تركية في السعودية منذ 30 عامًا من العلاقات التجارية بين البلدين.
وقد حظي القرار بتأييد شعبي واسع، حيث تصدر هاشتاج #حظر_المنتجات_التركية، قائمة الترند السعودي على موقع تويتر.
الحملات الشعبية السعودية –والرسمية أيضًا- على موقع تويتر لمقاطعة المنتجات التركية ليست جديدة، فقد تم شن حملة مماثلة عام 2018، انضم لها عجلان العجلان، رئيس غرفة تجارة وصناعة الرياض، إلى الحملة حيث كتب على تويتر: “مع استمرار القيادة التركية وأردوغان في عداءهما واستهداف قيادة المملكة، ندعو أكثر من أي وقت مضى لمقاطعتهما، في جميع المجالات – الواردات والعمالة والمعاملات مع الشركات التركية “.
تكررت الحملة الشعبية مرة أخرى في مايو الماضي، لكنها شملت أيضًا مواطنين وكتابا وسياسيين ورجال أعمال من عدة دول عربية أخرى إلى جانب السعودية، وملأت هاشتاجات #قاطعوا_المنتجات_التركية، و#وقفوا_الاستيراد_من_أردوغان، و#مقاطعة_تركيا و#لا_للمنتجات_التركية، ساحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكد المشاركون فيها أن الأموال التي تتحصل عليها تركيا جراء تسويق بضاعتها في الدول العربية تتحول إلى سلاح موجه إلى وجه أبناء تلك الدول.
ليست المرة الأولى
القرار السعودي الأخير ليس الأول من نوعه الذي تتخذه المملكة لتضيق الخناق اقتصاديًا على أنقرة، حيث لجأت الرياض للسلاح الاقتصادي في مواجهة الهجمات التركية المتتالية عليها، إذ تم زيادة ضريبة القيمة المضافة على المنتجات التركية الداخلة إلى البلاد من 5 إلى 15%، خلال العامين الماضيين، فضلًا عن التأخير في السماح بدخول شحنات البضائع التركية وتركها عالقة في ساحات الانتظار بالمعابر الجمركية، ما ينتح عنه تلف البضائع المحملة على متنها، وتكبد المصدرين الأتراك خسائر مالية كبيرة، حيث يكلف طن السلع الفاسدة المصدر ما بين 25 إلى 35 ألف دولار، وقد تكبدت تركيا خسائر بقيمة 2.6 مليار دولار عام 2018، من جراء تلك السياسة.
ففي العام الماضي، احتجزت السلطات السعودية 80 شاحنة تركية تنقل منتجات النسيج والمواد الكيميائية إلى السعودية عبر ميناء ضبا نحو 10 أيام، فضلًا عن تأخر إصدار تصريح الدخول لما يقرب من 400 حاوية تحمل الفواكه والخضروات قادمة من تركيا إلى ميناء جدة احتجزتها نحو 24 يومًا، ما تسبب في تلف نحو 7 آلاف طن من الفاكهة والخضروات.
كما تم فرض حظر على دخول المنسوجات التركية من المنافذ الجوية والبرية، وأصدرت هيئة الغذاء والدواء السعودية في أغسطس الماضي قرارًا بإيقاف منح إذن الاستيراد البيض التركي والأوكراني والأردني، لحماية المنتج المحلي. إضافة إلى منع الشركات التركية من دخول العطاءات العامة مثل تلك المتعلقة بشراء الأدوية.
وتكرر السلطات السعودية بين الحين والآخر طلبها من المستوردين والشركات المحلية بعدم الحصول على منتجات تركية.
ولم يقتصر الضغط السعودي على الاقتصاد التركي على التبادل التجاري بين البلدين فقط، لكنه شمل دعوات قادها سياسيون وصحافيون ونشطاء، خلال العام الماضي، في الصحف وعلى توتير تطالب بالامتناع عن زيارة تركيا، تحت شعار “تركيا ليست آمنة”، استجابة لوقوع عدد من حوادث الاعتداءات على مواطنين سعوديين وممتلكاتهم في تركيا، حيث تعرض بعض الأشخاص لعمليات نشل وسرقة لجوازات سفرهم ومبالغ مالية في بعض المناطق في تركيا من قبل مجهولين، إذ شهدت السنوات الخمس الماضية الاعتداء على أكثر من 55 سائحًا سعوديًا وسرقة نحو 165 جواز سفر وهاتف ذكي.
وتصنيف تركيا من ضمن أخطر 10 دول على السياح في العالم، فضلًا عن تحذيرات دول غربية كبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا لمواطنيها من خطر زيارة تركيا، كونها تضم 21 موقعًا خطرًا على السياح الأجانب.
وقد أسفرت الحملة عن انخفاض عدد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا بنسبة 40٪ خلال العام 2019 مقارنة بالعام السابق له 2018، حيث تراجعت أعدادهم إلى المرتبة 11 بعد أن كانوا في المرتبة الرابعة في 2018، وذلك بحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية. وأكد مدير العلاقات العامة بشركة ركسون السعودية للسياحة، حسام الناغي، في نوفمبر 2019، أن تركيا لم تعد الوجهة المفضلة للسائح السعودي نظرًا لعدم تمتعها بالأمن الذي يبحث عنه السائح، حيث وصل الانخفاض في حجوزات الرحلات إلى تركيا لنحو 70%.
وخلفت تلك الحملة أثرًا سلبيًا على اقتصاد أنقرة بالنظر إلى أن السعودية من أكبر الدول التي ترسل سياح إلى تركيا، حيث يمثل السائحين السعوديين ما نسبته 2% من حجم السياحة التركية بواقع 639 ألف سائح، وينفق السائح السعودي نحو 500 دولار يوميًا، وفقًا لدراسة أجراها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض عام 2018.
كذلك، لم تنسى العقوبات الاقتصادية السعودية على تركيا محاربة الغزو الثقافي التركي للعقول العربية، حيث قررت مجموعة “إم بي سي”، أكبر المحطات الفضائية العربية وأكثرها مشاهدة، التي يديرها رجل الأعمال السعودي، وليد آل إبراهيم، ومستثمرون سعوديون آخرون، في مارس 2018 وقت بث الدراما التلفزيونية التركية، وهو ما أثر على عائدات اقتصاد أنقره. يذكر أنه تم استئناف العرض في 26 يونيو الماضي.
أضرار بالغة على الاقتصاد التركي
وجهت السعودية بقرارها حظر دخول المنتجات التركية ركلة جديدة لاقتصاد أنقرة المتهاوي، ويُمكن معرفة حجم الضرر الناتج عنها بالنظر إلى أن السعودية تحتل المرتبة الـ 15 ضمن قائمة الدول التي تصدر إليها تركيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 1.27مليار دولار عام 2019، بواقع 3.18 مليارات دولار صادرات تركية إلى المملكة، مقابل 3 مليارات دولار من الواردات. وتأتي منتجات الأثاث المنزلي والفواكه الطازجة والخضروات والمواد الغذائية والمنسوجات على رأس قائمة الصادرات التركية إلى السعودية، فعلى سبيل المثال، تحصل المملكة على كافة تجهيزات الفنادق تقريبًا من تركيا.
وبالتالي يعني هذا القرار إغلاق أحد الأسواق الشرق أوسطية الهامة للمنتجات التركية، ما يترتب عليه أضرار بالغة على آلاف الشركات والمصدرين الأتراك، فضلًا عن تضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة في مدن هاتاي وغازي عنتاب وديار بكر الواقعة جنوب شرق تركيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة هي رابع أكبر وجهة تصدر إليها مدينة غازي عنتاب منتجاتها، وقد بلغ حجم صادرات المدينة إلى السعودية 255 مليون و743 ألف دولار في الفترة من يناير إلى أغسطس عام 2019، انخفض إلى 209 ملايين و623 ألف دولار، في الفترة ذاتها من العام الحالي، مع الوضع في الاعتبار تأثير جائحة كورونا على حركة الاقتصاد، ويحتل السجاد المرتبة الأولى في صادرات المدينة إلى المملكة، فيما يأتي قطاع الأغذية في المرتبة الثانية.
ويساهم هذا القرار في تفاقم الأوضاع الاقتصادية المزرية في تركيا، إذ سيترتب عليه إغلاق أحد مصادر العملة الأجنبية، وتقليص حجم الاحتياطات النقدية الأجنبية التي تراجعت إلى ما دون حد الكفاية، بحسب صندوق النقد الدولي، مسجلة 86.53 مليار دولار بحلول نهاية يونيو من العام الجاري انخفاضًا من 102.5مليار دولار في أول العام. ووفقًا لتقديرات معهد التمويل الدولي في شهر مايو، شهدت تركيا أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية في احتياطيات النقد الأجنبي بين الاقتصادات الناشئة الكبرى، منذ نهاية فبراير.
ويترجم انخفاض النقد الأجنبي إلى مزيد من تدهور قيمة العملة التي سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق اليوم الثلاثاء 29 سبتمبر إلى نحو 7.8477 دولارًا مدفوعة بالقلق من تورط أنقرة في الصراع الدائر الآن بين أرمينيا وأذربيجان بإجمالي تراجع خلال العام الحالي نسبته 24%. وينعكس انخفاض الليرة التركية على ارتفاع معدلات التضخم التي بلغت نسبتها خلال العام الجاري 11.77%.
وينعكس الوضع الاقتصادي المتدهور على انخفاض معدل النمو ومستويات مرتفعة من عجز الموازنة، وارتفاع معدل البطالة وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، وقد تسببت هذا الوضع الاقتصادي المتدهور في زيادة معدلات الانتحار بين صفوف العمال الأتراك، إذ كشفت بيانات صادرة عن مجلس صحة العمال والسلامة المهنية، أن 433 عاملًا تركيًا انتحروا خلال السنوات السبع الأخيرة بسبب ظروف العمل السيئة.
هل يُمكن أن تنضم الإمارات والبحرين ودول أخرى؟
يثير القرار السعودي التساؤلات بشأن إمكانية انضمام كل من الإمارات والبحرين إليه، في ظل تصاعد اللهجة العدائية الرسمية التركية تجاه البلدين مؤخرًا مع اتجاههم لتوقيع اتفاقيات لإقامة العلاقات مع إسرائيل، إلى الحد الذي هدد فيه أردوغان بدراسة قطع العلاقات الدبلوماسية مع البلدين. ومن الجدير بالذكر، أن هذا يحدث في وقت تحتفظ تركيا بعلاقات قوية مع إسرائيل في كافة المجالات.
وقد شهدت الآونة الأخيرة، حرب تصريحات بين الدول الثلاث، الإمارات والبحرين من جانب وتركيا من جانب آخر، بشأن تدخلات أنقرة في ليبيا، حيث دعت أبو ظبي أنقرة إلى التوقف عن التدخلات في الشؤون الليبية والعربيّة، وهو ما قابلته تركيا بوصف المساندة الإماراتية للجيش الوطني الليبي “بالأعمال الضارة في ليبيا”، وأدعى وزير الدفاع التركي أن أبو ظبي تدعم منظمات إرهابية معادية لتركيا في ليبيا وسوريا، مهددًا بان بلاده ستحاسب الإمارات على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين، وهو ما اعتبرته البحرين استفزاز مرفوض يتناقض مع الأعراف الدبلوماسية، ووصفه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بمنطق “الباب العالي والدولة العليّة” المرفوض.
ويهيئ هذا الجو المتوتر الطريق أمام البحرين والإمارات للسير على نهج الرياض، ويفتح الباب أمام التوقع بإمكانية اتخاذ البلدين قرارًا مماثلًا للقرار السعودي، كخطوة عقابية لأنقرة ستضاف إلى مجمل الخسائر التي تلقتها في الآونة الأخيرة، خاصة إذ علمنا أن الإمارات تأتي على رأس دول الخليج في حجم التبادل التجاري مع تركيا بنحو 9.107 مليار دولار، في حين يبلغ حجم التبادل التجاري مع البحرين 321 مليون دولار.
ويشي تحرك كهذا بتكون تحالف ثلاثي خليجي ضد تركيا، على غرار التحالف الرباعي الذي يضم الدول الثلاث بالإضافة إلى مصر ضد قطر. ويجمع التحالف الخليجي الثلاثي الممكن إنشاؤه موقف مناهض للمشروع الاستعماري التوسعي التركي في المنطقة، بما يضمن تنسيق سياسيي أمني تجاه التحركات التركية.
وفي سياق مطالب توحيد الجهود العربية لتضيق الخناق على أنقرة، دعا الكاتب والمحلل السياسي السعودي، خالد الزعتر، دول الخليج لطرد العمالة التركية منها، في ظل استمرار سياسات أردوغان العدائية تجاه الدول الخليجية، إذ إن تحويلات العمالة التركية في الدول الخليجية تساهم في إنعاش الاقتصاد التركي.
كما دعا المستثمرين الخليجيين في تركيا إلى أن يتخذوا موقفًا تجاه هذه السياسات العدائية بخاصة وان استثماراتهم تقدر بنحو 19 مليار دولار، وتشكل ما نسبته 9.4 % من مجمل الاستثمارات الأجنبية في السوق التركية، حيث تحتل دول الخليج المرتبة الثالثة كأكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في تركيا بعد بريطانيا وهولندا.
ويلعب المستثمرون الخليجيون دورًا كبيرًا في إنعاش الاقتصاد التركي؛ فقد بلغ عدد الشركات الخليجية المستثمرة في تركيا 1973 شركة، منها 1040 شركة لمستثمرين سعوديين، يعمل منها 250 شركة في مجال الاستثمار العقاري فيما تعمل باقي الشركات في قطاعات أخري أهمها صناعة الغزل والنسيج والملابس، والسيارات، والصناعات المعدنية والصناعات الغذائية والاستهلاكية، كما ساهم مواطنو الخليج في دعم نشاط الاستثمار العقاري التركي خلال السنوات السابقة حيث اشتروا أكثر من ربع العقارات التي بيعت للأجانب في عام 2017 واحتل المستثمرون السعوديون والكويتيون المرتبة الثانية والثالثة على التوالي في شراء المنازل التي تم بيعها للأجانب، وهو ما يعني أن توقف هذه الاستثمارات جزئيًا يعني انهيار قطاعات كاملة في الاقتصاد التركي.
وفي حالة تم اتخاذ قرار عربي موحد ضد تركيا، كأن اتخذ اتحاد الغرف التجارية العربية قرارًا بمقاطعة الدول العربية جميعًا لمنتجات تركيا، فإن ذلك يعني خسارة الاقتصاد التركي لما يقرب من 70 مليار دولار. وفي حال اتخذ اتحاد الغرف السياحية العربية قرارًا بوقف السياحة من الدول العربية إلى تركيا فإن ذلك يعني خسارة أنقرة ما يقرب من 30 مليار دولار. وهي ستكون ضربة قاسمة للاقتصاد التركي المنهار بالفعل.
ختامًا، يضاف القرار السعودي الأخير إلى سلسلة من الهزائم التي تلقتها تركيا على الساحة العربية والشرق أوسطية مؤخرًا، والتي لا شك سوف يكون لها انعكاساتها على تصاعد الغضب الشعبي داخليًا على سياسة أردوغان التي لم تجلب لتركيا واقتصادها سوى الخسائر المتوالية، خاصة أن حظر دخول المنتجات التركية إلى المملكة سيكون له انعكاس مباشر على الأوضاع المعيشية للأتراك الذين سوف تتضرر صناعاتهم وتجاراتهم بفعل هذا القرار، وهو ما سيدفعهم إلى ممارسة المزيد من الضغوط على حكومة أنقرة، لإجبارها على الدخول في حوار مع نظيرتها السعودية يفضي إلى التوصل لصياغة ما بما يضمن استقرار العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية