العراق

تصاعد التوتر.. هل تغلق الولايات المتحدة سفارتها في بغداد؟

تتزايد الضربات التي تتعرض لها المصالح الأمريكية في العراق في وقت بدأت فيه واشنطن بالفعل في خفض أعداد قواتها الموجودة في العراق والانسحاب من قواعد عسكرية في الأرض العراقية على إثر عدد من الضغوط السياسية والعسكرية. إلا أن هذه المعطيات أخذت منحى جديدًا مع تلويح الولايات المتحدة بغلق سفارتها في بغداد بعد الضربات الصاروخية المتكررة في محيط السفارة والمنطقة الخضراء. مما يطرح تساؤلات حول إمكانية أن تتخذ واشنطن هذا القرار حقًا، وما يمكن أن يحدث في الساحة العراقية خلال الفترة المقبلة.

الأهداف والدوافع

أفادت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية (25 سبتمبر) أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حذر العراق هذا الأسبوع بشكل خاص من أن الولايات المتحدة ستغلق سفارتها في بغداد إذا لم تتحرك الحكومة العراقية لوقف هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على السفارة. وأفادت مصادر عراقية أن بومبيو تحدث مع الرئيس العراقي برهم صالح وحذره من أنه إذا تم غلق السفارة بهذه الطريقة فستتم تصفية كل من تورطوا في الهجمات، وخاصة فصائل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.

وأعلنت السفارة الأمريكية في بغداد (27 سبتمبر) أنها ستُجري سلسلة من الاختبارات التي تشمل معدات وإجراءات وتدريبات الطوارئ. وتقف عدة دوافع وأهداف وراء هذا التحذير والتهديد الأمريكي للقيادة العراقية، ومنها:

  • الاستهداف المستمر

لم تتوقف الهجمات التي تشنها الميلشيات والفصائل المسلحة في العراق على المصالح الأمريكية، وكانت هذه الضربات أحد الأسباب التي دفعت واشنطن ودول التحالف الدولي ضد داعش لتخفيض وجود قواتها على الأراضي العراقية بالانسحاب من نحو 8 قواعد عسكرية، آخرها الموقع رقم 8 في معسكر التاجي ببغداد (23 أغسطس) عقب الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن (19 أغسطس) في إطار الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد الذي بدأ (11 يونيو).

الزيارة التي وُصفت من قبل مراقبين بالإيجابية استقبلتها الميلشيات والفصائل المسلحة بزيادة وتيرة وحدة هجماتها بالصواريخ والعبوات الناسفة على المصالح الأمريكية في العراق، وخاصة استهداف أرتال عسكرية ومقر السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء في بغداد وبعثات دبلوماسية أخرى مثل استهداف سيارات دبلوماسية بريطانية في بغداد بعبوة ناسفة (15 سبتمبر).

ورغم توجه ومساعي الكاظمي لمواجهة الميلشيات وما أسماه “السلاح المنفلت” في العراق وصل عدد هذه الهجمات والضربات–حسب إحصاءات إخبارية- إلى 25 هجومًا خلال الشهر الجاري، و24 هجومًا خلال الشهر الماضي. وقد تواترت أنباء عن وقوع هجومين متفرقين استهدفا رتلين كانا ينقلان معدات للتحالف الدولي في محافظتي ذي قار وبابل (27 سبتمبر) وهجوم استهدف رتلًا أمريكيًا شرق بغداد (28 سبتمبر).

التصعيد العسكري من قبل الميلشيات في مواجهة الولايات المتحدة ودول التحالف لم تسهم رسالة التحذير الأمريكية في الحد منه، بل على العكس ازداد. ففي الوقت الذي قدّم فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مبادرة دعمها رئيس الوزراء لتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في هذه الهجمات أكدت عصائب أهل الحق في بيان لزعيمها قيس الخزعلي رفضها لهذه المبادرة، قائلًا “لا يوجد في العراق موضوع اسمه استهداف الهيئات الدبلوماسية والثقافية، إنما الموجود هو استهداف سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي سفارة تابعة لدولة تحتل العراق، بعد أن رفضت الإدارة الأمريكية تطبيق قرار مجلس النواب والحكومة العراقية بسحب القوات، الصادر قبل أشهر، أما باقي الهيئات الدبلوماسية فهي تمارس عملها بشكل طبيعي دون أن يعتدي عليها أحد”.

وكذلك قال زعيم ميلشيا النجباء أكرم الكعبي “ما زلنا ننتظر المواقف الرسمية من القوى جميعا بخصوص الثكنة العسكرية المنتهكة للسيادة العراقية، والتي وضعتها أمريكا وسط بغداد باسم سفارة لتعيث في العراق فسادًا وتخريبًا.. للمقاومة موقفها إن سكت جميعهم، خصوصا أن الأسلحة الدقيقة دخلت الخدمة”.

  • الضغط على الحكومة

اتخذت حكومة مصطفى الكاظمي عدة إجراءات وقرارات للحد من نشاط الميلشيات والفصائل المسلحة في العراق، إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق الهدف المنشود بوقف هجمات الميلشيات على البعثات الدبلوماسية وقوات التحالف الدولي، ولم تسهم كذلك في حصر السلاح في يد الدولة العراقية وأجهزتها كما يهدف الكاظمي.

ولذلك جاءت رسالة التحذير التي وجهها وزير الخارجية مايك بومبيو للقيادة العراقية لزيادة الضغوط عليها من أجل اتخاذ قرارات أكثر صرامة وجرأة في مواجهة هذه الميلشيات التي باتت أداة لتعميق حالة عدم الاستقرار في العراق. وذلك لما تدركه القيادة العراقية من أن قرارًا مثل ذلك ستكون له الكثير من العواقب السياسية والأمنية والاقتصادية على بغداد.

وأدت هذه الرسالة إلى بعض الإجراءات:

1 – إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي (25 سبتمبر) إغلاق مكاتب تابعة للحشد الشعبي وفصائل أخرى في مطار بغداد الدولي فضلًا عن إغلاق مكاتب جهاز الأمن الوطني وهيئتي النزاهة والمساءلة. وإقالة عدد من قيادات الحشد الشعبي والجيش العراقي (26 سبتمبر). استمرارًا لقرارات مشابهة أخرى اتخذها الكاظمي خلال الفترة الماضية، ومنها تعيين وزير الدفاع السابق خالد العبيدي وكيلًا لشؤون العمليات في جهاز المخابرات الوطني (14 سبتمبر)، وإقالة فالح فياض رئيس هيئة الحشد الشعبي من منصب مستشار الأمن القومي وتعيين وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي بدلًا منه (4 يوليو).

2 – زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (26 سبتمبر) إلى إيران، وهي زيارة عدّها مراقبون بهدف إقناع إيران بضرورة الضغط على الميلشيات ووقف الهجمات. وقال الناطق باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف (28 سبتمبر) إن وزير الخارجية أفصح للرئيس الإيراني حسن روحاني عن “رؤية الحكومة في التعامل مع التحدّيات الراهنة”.

3 – بيان مشترك (27 سبتمبر) عن الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي يؤكد دعم جهود الحكومة في حصر السلاح بيد الدولة ومنع استهداف البعثات الدبلوماسية، والتمسك بمخرجات الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، وطلب دعم الحكومة العراقية لاستكمال جهودها في تعزيز سلطة الدولة. تزامنًا مع أنباء عن انتشار الفرقة الخاصة العراقية داخل المنطقة الخضراء في بغداد.

سيناريوهات

يطرح الوضع الراهن سيناريوهين لما يمكن أن تؤول إليه الأمور فيما يخص غلق السفارة الأمريكية في بغداد، ومن ثم ما يمكن أن يحدث على الأرض العراقية خلال الفترة المقبلة التي تشهد انتخابات الرئاسة الأمريكية (3 نوفمبر) ومساعٍ من الحكومة العراقية لإجراء انتخابات مبكرة (2021).

  • سحب البعثة الدبلوماسية وبدء مواجهة مباشرة

هو الخيار الذي يطرحه تلويح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للرئيس العراقي برهم صالح وهو غلق السفارة في بغداد وسحب البعثات الدبلوماسية من العراق، وجاء هذا التلويح –حسب مصادر أمريكية- بعد أن وردت معلومات للإدارة الأمريكية عن وجود نية لدى إيران والميلشيات المسلحة في العراق لاختطاف أمريكيين من بعثتها الدبلوماسية واتخاذهم كرهائن.

قرار غلق السفارة وسحب البعثة الدبلوماسية سيكون إيذانًا ببدء حرب جديدة بين الولايات المتحدة من جهة والميلشيات المسلحة وإيران من جهة أخرى سيكون العراق هو ساحتها. فحينها ستضمن واشنطن أمن وسلامة أفراد بعثتها بعد إجلائهم، ويصبح المجال أمامها مفتوحًا لاستهداف الميلشيات بشتى السبل، سواء بقصف جوي لمواقعها، أو بعمليات خاطفة، أو باستهداف عدد من قياداتها مثلما حدث في مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس (3 يناير).

ولكنّ تحركًا مثل هذا سينضوي على عدد من المخاطر، منها أن الانسحاب الدبلوماسي الأمريكي من العراق ستعقبه انسحابات لبعثات دبلوماسية غربية أخرى من العراق، وسيمثل ذلك تسليمًا من واشنطن للعراق إلى طهران، والقضاء على المشروع الإصلاحي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والذي دعمته واشنطن في أكثر من مرة، وتقوية دعائم الميلشيات والكتل السياسية الموالية لها في المشهد العراقي المستقبلي، وهو ما ستصوره طهران بأنه انتصار في مواجهة الولايات المتحدة، فضلًا عن تعميق أزمة عدم الاستقرار في العراق على إثر هذه المواجهات التي ستبدأ بين واشنطن والميلشيات.

  • الإبقاء على الوجود الدبلوماسي وتوجيه بعض الضربات

الخيار الثاني والأكثر ترجيحًا هو أن تُبقي واشنطن على وجودها الدبلوماسي في العراق، سواء من مقر السفارة في بغداد أو بنقل البعثة الدبلوماسية إلى مقر القنصلية الأمريكية في أربيل بإقليم كردستان والقيام بالمهام الدبلوماسية من هناك مؤقتًا، ثم القيام بعد ذلك إما باستمرار الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة العراقية ودعمها استخباريًا لمواجهة الميلشيات المسلحة، أو قيام واشنطن بتنفيذ بعض الضربات المحدودة في مواجهة هذه الميلشيات.

فواشنطن التي تصر على إبقاء قواتها في العراق وعدم تنفيذ قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي العراقية لن تقبل بغلق سفارتها وسحب بعثتها الدبلوماسية ووضع الرئيس ترامب في موقف انهزامي قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصة وأن الديمقراطيين ومرشحهم للانتخابات جو بايدن سيستخدمون ذلك للتدليل على فشل سياسة ترامب في مواجهة إيران وتحييدها في العراق، ودفع الولايات المتحدة إلى حافة حرب.

ويحقق هذا الخيار لواشنطن الإبقاء على نفوذها ووجودها داخل العراق، ودعم حكومة الكاظمي في مشروعها لتحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات المبكرة وجذب الدعم الاقتصادي الدولي في مقابل تنفيذ الحكومة للمطالب الأمريكية فيما يخص مواجهة الميلشيات، والضغط على الكتل السياسية المماطلة والمعرقلة لإنجاز قانون الانتخابات.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى