ليبيا

الغرب الليبي.. بين فوضى الميليشيات وصراعات الوفاق

لم تقتصر تداعيات التدخل التركي في ليبيا على الأوضاع الميدانية العسكرية، بل امتدت لتشمل الأوضاع المعيشية والسياسية غرب ليبيا، وقد كانت هذه التداعيات، تمامًا عكس ما كان يروج له الأتراك وبعض وجوه حكومة الوفاق، الذين بشروا القطاعات الشعبية الليبية في عموم البلاد، وفي المنطقة الغربية بشكل خاص، بأن القادم أفضل على كافة المستويات، خاصة المستوى المعيشي والأمني.

تجاذبات حكومة الوفاق … الخلافات تشتد

تشكيلة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وكذلك المجلس الأعلى للدولة، تنطوي في أساسها على تناقضات شخصية بين المشاركين فيها، خاصة بعد استقالة أربعة من أعضائها، وهم موسى الكوني وعلى القطراني وفتحي المجبري وعمر الأسود، وتضارب مصالح ما تبقى من أعضاء فيها، وهم محمد عماري زايد وعبد السلام كجمان وأحمد حمزة وأحمد معيتيق وفائز السراج، وهذا الأخير أستغل النقص في تعداد أعضاء المجلس، للقفز على شرط الإجماع، الذي ينص عليه اتفاق الصخيرات، في حالة التصويت على أي قرار جديد للمجلس.

ظلت هذه التناقضات إلى وقت قريب، محصورة خلف الأبواب المغلقة، لكن بعد أن ابتعدت المعارك عن حدود العاصمة طرابلس، بدأت إرهاصات وتداعيات هذه التناقضات، في الظهور تدريجيًا على السطح.

شهد شهر يوليو الماضي، بداية تصاعد هذه التناقضات، حين أرسل وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، طلبًا رسميًا إلى وزير المواصلات ميلاد معتوق، يطالبه فيه بضرورة أشعاره مسبقًا بأسماء الأشخاص الذين يستقلون الطائرات الخاصة، المنطلقة من مناطق سيطرة حكومة الوفاق غرب البلاد، وعدم السماح بإقلاع هذه الطائرات إلا بعد صدور إذن كتابي من وزارة الداخلية.

الهدف الذي تم الترويج له من وراء هذا الطلب، هو السيطرة على عمليات نقل قادة الميليشيات إلى خارج البلاد وبالعكس، لكن أهداف باشاغا من وراءه كانت أكبر من ذلك، فهو من جهة يريد استهداف ميليشيات العاصمة بشكل مباشر، من خلال التضييق على حرية استخدامهم للرحلات والطائرات الخاصة، ومن جهة أخرى، يحاول الإيحاء داخليًا وخارجيًا، بالقدرة على الضبط والسيطرة، وعلى فرض إرادته حتى على زملائه في حكومة الوفاق.

تجاوب وزير المواصلات مع طلب زميله وزير الداخلية، دفع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، إلى إصدار منشور، يخاطب فيه وزير المواصلات، بعدم التجاوب مع طلب باشاغا، بحجة أن مثل هذه الطلبات، هي من اختصاص رئيس المجلس الرئاسي حصرًا.

الخلافات الداخلية في حكومة الوفاق، امتدت في نفس الشهر، لتشمل شخصيات أخرى، منها نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، الذي اصطدم مع فائز السراج في عدة محطات، ففي السادس عشر من يوليو الماضي، أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، قراراً باسم المجلس، يعين من خلاله لجنة لتسيير أعمال شركة خدمات النظافة في طرابلس، والمكونة من ستة أفراد، واللافت في هذا القرار، أنه تضمن تعيين المدعو محمد أبراهيم بن إسماعيل، رئيسًا لهذه اللجنة، علمًا أنه ينتمي لميليشيا (النواصي)، وسبق وشغل منصب مدير إدارة الخزانة السابق بوزارة المالية، وسبق وأن أصدر وزير المالية في حكومة الوفاق فرج بومطاري، قرارًا بإقالته على خلفية اتهامات بالفساد المالي والإداري.

ردًا على هذا القرار، أوعز نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، إلى مدير مكتبه، بإرسال طلب إلى مدير إدارة الشؤون القانونية والشكاوى في المجلس، من أجل إيقاف وتجميد قرار السراج، وترافق مع هذا الطلب، تصريحات صحفية لمعيتيق، أتهم فيها السراج بممارسة الديكتاتورية، وتفادي التشاور مع نوابه حول القرارات الحكومية، وتفضيل الانفراد بالقرار، وهو ما ردت عليه الأوساط الموالية للسراج، بالترويج إلى أن موقف معيتيق ينبع من مصالح شخصية، حيث ادعت هذه الأوساط، وجود روابط مالية واقتصادية تربطه بالشركة محل القرار.

الشهر الجاري شهد تصاعد في هجوم بعض أقطاب المجلس الرئاسي، على رئيس المجلس، وأصبح كل من أحمد معيتيق وعبد السلام كجمان، يمثلان جبهة قوية تواجه ما يراه البعض، توغلاً من جانب رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، على قرار المجلس، وهذا كان واضحًا من خلال عدة تصريحات صحفية لمعيتيق، وكذلك من خلال رسالة، أرسلها عضو المجلس عبد السلام كجمان، إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية، طالب فيها بعدم صرف أية مخصصات مالية من جانب المجلس الرئاسي، دون مناقشتها واقرارها في اجتماعات رسمية، كما طلب أيضًا من رئيس الهيئة، حفظ التوافق الداخلي في المجلس الرئاسي، ومنع ما يراه (تفردًا) في اتخاذ القرارات.

ولمواجهة هذه الجبهة، أوعز رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، إلى بعض القادة العسكريين التابعين لرئاسة أركان قوات حكومة الوفاق، بإصدار بيانات لافتة، هاجموا فيها بشدة كل من كاجمان ومعيتيق، البيان الأول أصدره ما يسمى رئيس منطقة طرابلس العسكرية، اللواء عبد الباسط مروان، الذي ذكرهما بالاسم، مشيرًا إلى ما يراه أدوارًا تخريبية يحاولان القيام بها، في الغرب الليبي. والبيان الثاني، صدر بعد يوم من البيان السابق ذكره، وحمل توقيع وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، أعرب فيه عن دعمه لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وهاجم ما يراه (استغلالًا) من جانب بعض الأطراف السياسية، للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن في الغرب الليبي.

هذه التجاذبات الداخلية، امتدت آثارها إلى المرافق الحكومية في الغرب الليبي، ففي تزامن مريب، تعرضت صالة الوصول في مطار مصراته، إلى أضرار جسيمة، نتيجة حريق ضخم شب فيها دون أسباب واضحة، والمريب في هذا الأمر، أنه جاء بعد أيام قليلة، من رسالة أرسلها نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد معيتيق، إلى رئيسه فائز السراج، يطالبه فيها بإصدار قرار يتيح لوزير المواصلات، تضمين إنشاء محطة ركاب جديدة ومطورة في مطار مصراته، ضمن مشروع تطوير المطار.

وزير الداخلية … ما بين رعاية بعض الميليشيات، ومناهضة بعضها الآخر

بالتزامن مع هذا الوضع الحكومي المتأزم، بدأت في الأشهر الأخيرة، بوادر توتر معلن بين وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، وبمعيته ميليشيات مدينة مصراته، وبين ميليشيات العاصمة طرابلس. كانت هذه التوترات في الأشهر الماضية، مستترة بفعل معارك غرب طرابلس مع الجيش الوطني، وكانت تنحصر في آثار تواجد مئات الآلاف من المرتزقة السوريين، لكن مؤخرًا باتت هذه التوترات أكثر وضوحًا، وتشمل الجوانب السياسية والاقتصادية، وكذلك رؤية باشاغا حول مستقبل الوضع الميليشياوي في العاصمة.

ففصائل طرابلس، باتت تنظر بعين الريبة، إلى خطوات باشاغا الأخيرة حيال ملف الميليشيات، وترى أنها تهدف إلى إنهاء تواجد كافة الميليشيات الموجودة في العاصمة، وفي نفس الوقت، دعم ميليشيات مصراته، واستيعابها داخل الأجسام الأمنية والعسكرية التابعة لحكومة الوفاق. هذه القناعة أكدتها بعض قرارات باشاغا، منها دعمه لمحاولات تكليف الميليشاوي المعروف (عبد الغني الككلي)، بمنصب دبلوماسي في احدى سفارات حكومة الوفاق في المغرب العربي، وذلك في مقابل قبوله بحل الميليشيا التي كان يقودها، وهي ميليشيا (الأمن المركزي)، إحدى أهم ميليشيات العاصمة.

هذه العلاقة المتوترة بين باشاغا وميليشيات العاصمة، كانت من أهم دوافع قيام ميليشيا (ثوار طرابلس)، بعرض عسكري في العاصمة طرابلس مؤخرًا، تحت أسم جديد وهو (الكتيبة 166)، وأصبحت إداريًا تحت سلطة رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق، وذلك في خطوة تعتبر ردًا على إيقاف المخصصات المالية، التي كانت وزارة الداخلية تمول بها هذه الميليشيا، خلال السنوات السابقة.

يضاف إلى ما سبق، التصدعات السابقة في العلاقة بين باشاغا وميليشيات العاصمة، بعد اتضاح حجم المبالغ المالية والامتيازات التي حصلت عليها العناصر السورية المرتزقة، وهو ما أثار حفيظة بعض الميليشيات المتواجدة في العاصمة، ودفعها لمغادرة مواقعها، مثل ميليشيا (لواء المحجوب)، التي انسحبت في فبراير الماضي، من مواقعها داخل العاصمة إلى مدينة مصراته، بعد اندلاع خلاف بينها وبين فتحي باشاغا، حول المستحقات التي يتم تسليمها للمرتزقة السوريين، وقد سبق وهاجم أحد قادة ميليشيا (النواصي)، المدعو الرملي الطرابلسي، وزير الداخلية باشاغا، مهددًا إياه بطرده هو والمرتزقة الذين أتى بهم من سوريا خلال ساعتين.

التطور الأبرز في هذه الصراعات الداخلية، هو بدء تشكل ما يشبه (جبهة) من جانب ميليشيات العاصمة، ضد وزير الداخلية فتحي باشاغا، وجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وهذا كان واضحًا من خلال بيان شديد اللهجة أصدره تجمع يضم أبرز ميلشيات العاصمة، وهو (قوة حماية طرابلس)، الذي يضم ميليشيات باب تاجوراء وثوار طرابلس والنواصي والردع وميليشيات أخرى، وهاجمت فيه بضراوة جماعة الإخوان المسلمين، واتهمتها بإنهاك الدولة الليبية، ونشر الفساد والتخريب فيها.

في مقابل ميليشيات طرابلس، دعا المفتي السابق الصادق الغرياني، خلال إحدى المداخلات التلفزيونية، ميليشيات المدن المحيطة بالعاصمة، مثل صبراتة ومصراته والخمس والزاوية، إلى التلاقي فيما بينهم، بهدف تشكيل حكومة أزمة في طرابلس، وهاجم في تصريحاته كافة وزارات حكومة الوفاق، واتهمها بالفساد وعدم الأهلية. 

اللافت أن بعض الميليشيات، ومنها ميليشيا (لواء الصمود)، أعلنت مواقف مغايرة لكل ما سبق، ففي تصريحات للقيادي في هذه الميليشيات أحمد بن عمران، أكدت على التزامها بالقتال إلى جانب حكومة الوفاق، لكنها في نفس الوقت أعلنت أنها متحالفة حاليًا مع الميليشيات الأخرى ذات التوجه الأصولي، ولن تسمح بأي تهديد لمكتسباتها الحالية، ولن تقبل بأي تفاوض مع الجيش الوطني الليبي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى