السد الإثيوبي

مركز أمريكي يستعرض “مخاطر نزاع السد الإثيوبي” على مصر والسودان

عرض- نسرين الصباحي

في ظل تزايد التنافس على المياه العذبة في حوض النيل بشكل ملحوظ منذ ثلاثة عقود، وتفاقم الوضع عام 2011 بعد بدء إثيوبيا بناء ما تصفه بسد “النهضة” دون إخطار مُسبق للبلدان الواقعة على ضفاف النهر، حيث ولّد هذا المشروع التحدي الأكثر استعصاءً بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأكثر النزاعات على المياه العذبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعقيدًا وربما الأكثر زعزعةً للاستقرار. 

واستكملت إثيوبيا سدها خلال المحادثات الثلاثية التي طال أمدها منذ عام 2011 دون الامتثال لقواعد القانون الدولي تجاه مصر والسودان، وفى فبراير2020 رفضت إثيوبيا الالتزامات تجاه جيرانها، وفي يونيو 2020 أعلنت عزمها على ملء السد خلال شهر يوليو دون التوصل إلى اتفاق ما دفع مصر والسودان لتقديم طلب رسمي لمجلس الأمن الدولي للتدخل لمخاطر السد على السَلم والأمن الدوليين.        

وعليه، نشر المجلس الأطلسي–  Atlantic Councilمقالاً بعنوان: نزاع سد النهضة يخلق مخاطر لمِصر والسودان ، للكاتبة “أمل قنديل” خبيرة مصرية ومحللة سياسات المياه، والمديرة السابقة لبرنامج تغير المناخ والبيئة والأمن البشري بمعهد الشرق الأوسط.

تناولت” قنديل” مخاطر نزاع سد النهضة على مصر والسودان من خلال استعراض؛ العملية الفنية والقانونية مُتعددة الأطراف، وتقييم الأثر البيئي والاجتماعي لسدّ النهضة، وتَعثر المفاوضات وتنصل إثيوبيا من الاتفاقيات الدولية، والطاقة والموارد غير المُستغلة في إثيوبيا.   

العملية الفنية والقانونية مُتعددة الأطراف          

ذكر المقال أن البنية التحية لسدّ النهضة عالية المخاطر؛ وهذا ما أكدته المنظمات الدولية؛ مجموعة البنك الدولي، ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، والبرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة، لاعتبارات حقوق الإنسان والبيئة العالمية – لجميع الأطراف داخل وخارج البلد المُضِيف، والغرض من هذه العملية الفنية والقانونية حماية الأمن البشري والسلام، وتستند هذه العملية جزئياً إلى مبادئ القانون الدولي البيئي كمقدمة لإعمال قانون حقوق الإنسان، حيث تعترف معظم دول العالم بالترابط بين هذه القوانين.    

وعليه، كان تنفيذ السد الإثيوبي كمشروع عابر للحدود غير شامل حقوق الإنسان والنتائج الأمنية، حيث عملت إثيوبيا على تطوير سدّ النهضة دون إشراك دول المصب في القضايا الجوهرية التي تؤثر عليهم أو تسمح لهم بتقييم كامل ومُستقل للسدّ من خلال تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي، ويعتبر هذا التقييم أحد المعايير الأساسية في القانون البيئي الدولي المُطبق والقانون العرفي، وهما مطلوبين قبل أن تطور الدول أي مشروع .            

تقييم الأثر البيئي والاجتماعي ESIA لسدّ النهضة      

يستلزم حدوث تقييمات للأثر البيئي والاجتماعي للسد الإثيوبي كحق قانوني للدول المتضررة، حيث لا تنتهي مدته، على الرغم من أن فائدته تقل عندما يُنفذ في وقت متأخر، وتعتبر تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي من الأمور الحاسمة لتجنب أو تخفيف أي ضرر متوقع، وفي حالة غياب هذا التقييم لا يمكن فهم الأضرار بشكل كامل أو الاستعداد لها أو تخفيفها، ويسمح هذا التقييم بالوصول إلى أحدث المعلومات حول الاهتمامات والمعايير الهندسية والهيدرولوجية والبيئية المُتعلقة بسدّ النهضة لإجراء تقييم مُستقل كما أفادت لجنة الخبراء عام 2013.         

أشار المقال إلى اختراق إثيوبيا لاتفاقية 1997 بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، كما تراجعت إثيوبيا عن تعهدها في إعلان المبادئ (DoP) لعام2015 ، الذي نص على إجراء تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي واستخدامها قبل عملية ملء وتشغيل سدّ النهضة، وكان الإنجاز الوحيد على هذا التعهد المزيد من أعمال بناء سدّ النهضة، حيث واصلت إثيوبيا بناء سدّ النهضة بسرعة دون الحاجة إلى الإجراءات القانونية المطلوبة.       

وبالتالي، مع الافتقار إلى المعرفة اللازمة لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي العابر للحدود، تمكنت إثيوبيا من التحايل على التزام قانوني رئيسي آخر- وإجراء تعديلات في مشروعها لتجنب حدوث ضرر كبير على دول المصب وإعطاءهم الوقت الكافي للتخفيف من هذه الآثار، حيث تدعي أديس أبابا أن سدّ النهضة سيخلق فوائد مشتركة عبر الحدود، ولكن هذا ليس له أساس واقعي حيث لم يتم إجراء تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي. علاوة على ذلك، أعلن المسؤولين الإثيوبيين مرارًا وتكرارًا أن السدّ مسألة سيادة، ومع ذلك، فإن مفهوم السيادة على مورد طبيعي مشترك ليس له مكان في القانون الدولي للمياه العذبة.       

تَعثر المفاوضات وتنصل إثيوبيا من الالتزامات القانونية  

أشار المقال إلى تنصل الحكومة الإثيوبية من الالتزامات القانونية الدولية الأخرى في ظل حصولها على امتياز الوصول إلى تسع معاهدات على الأقل تمتد إلى أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر حتى الآن، التي تتضمن حماية حقوق مياه النيل العذبة في مصر، وأديس أبابا من الموقعين على اثنين منهم، واحدة في النظام الملكي والأخرى ​​في نظام الجمهورية، حيث ألغت إثيوبيا نظامها الملكي عام 1975، وكانت عضو في الأمم المتحدة لمدة 30 عامًا.      

وأوضح المقال تعثر المحادثات بين مصر والسودان وإثيوبيا في ظل وساطة الولايات المتحدة والبنك الدولي خلال الفترة من نوفمبر 2019 إلى فبراير 2020، ورفضت أديس أبابا اتفاقية مُلزمة مع مصر والسودان بشأن ملء خزان سدّ النهضة وتشغيله، وتم إعداد الاتفاقية بناءً على مقترحات من الفرق القانونية والفنية المصرية والإثيوبية والسودانية مع مساهمة فنية من البنك الدولي.    

إبريل 2020، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي “آبى أحمد” أن ملء خزان سدّ النهضة سيبدأ بحلول فصل الخريف حتى بدون اتفاق. وعليه، قدمت مصر خطاب رسمي إلى مجلس الأمن الدولي في مايو الماضي، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” لاستئناف المفاوضات وفقًا لإعلان المبادئ، الأمر الذي يتطلب استكمال تقييم الأثر البيئي والاجتماعي قبل عملية الملء واستخدامها كمرجع للمضي قدمًا وفقًا للقانون الدولي، لكن المحادثات انهارت مرةً أخرى بعد وقت قصير من استئنافها.     

يونيو 2020، زاد تفاقم الوضع إعلان وزير الخارجية الإثيوبي أن ملء سدّ النهضة سيبدأ في شهر يوليو، ورداً على ذلك، قدمت مصر على الفور طلب للتدخل من مجلس الأمن الدولي استنادًا للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتعلق بتهديدات للسَلم والأمن الدوليين، كما أعرب السودان أيضًا في رسالةً أخري إلى مجلس الأمن الدولي عن قلقه الشديد بشأن اندفاع إثيوبيا إلى ملء السدّ دون اتفاق مشيرًا إلى مخاطر كبيرة على حياة الملايين في السودان.     

الطاقة والموارد غير المُستغلة في إثيوبيا  

على عكس مصر والسودان، فإن إثيوبيا ليست فقيرة في المياه العذبة، لديها أحواض أنهار تمتد عبر 94% من أراضيها بما في ذلك نظم الأنهار الداخلية حوالى 28% من البلاد، في حين أن أكثر من 50%  في السودان و96٪ في مصر أراضي جافة، وعلاوة على ذلك، تعتمد إثيوبيا بشكل مفرط على الطاقة المائية في ظل مخاطر التغيرات المناخية وتقلب هطول الأمطار في شرق أفريقيا، ومع ذلك توفر الطاقة الشمسية في إثيوبيا بديلاً آخر لتطوير الطاقة النظيفة، وإذا طورت إثيوبيا من مواردها الحرارية الجوفية غير المستخدمة Geothermal Resources، فستحسن أمن الطاقة وتخفف من التوترات السياسية والعسكرية التي أوجدها سدّ النهضة وفقًا “لبول سوليفان” خبير أمن الطاقة الدولي في جامعة الدفاع الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية.    

 أفاد المقال أن تاريخ حكومات إثيوبيا مقلق مع الدول التي تشترك معها جغرافيا في الأنهار والبحيرات بما في ذلك الصومال، كينيا، والسودان، لكن أزمة سدّ النهضة تشكل سابقة خطيرة في أفريقيا- باعتبارها موطن لربع الأنهار العابرة للحدود في العالم، والتي توفر90% من المياه العذبة للقارة، فأفريقيا موطن لمعظم البلدان الأكثر فقراً في العالم وثلثي بلدان مبادرة إطعام المستقبل Feed The Future Initiative، وهى مبادرة الحكومة الأمريكية لمُكافحة الجوع والأمن الغذائي العالمي.       

وإجمالاً؛ تفاقم عملية التنمية غير المبدئية لسدّ النهضة من مخاطر نشوب صراعات المياه العذبة العابرة للحدود والمواجهات الحدودية في هذه المنطقة الهامة، ولدي أوروبا والولايات المتحدة الفرصة لإيجاد حل عادل لنزاع النيل، وذلك لعدة أسباب منها؛ مصر دولة محورية ليس فقط لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن أيضًا للتجارة الدولية، فتُعد مصر بوابة تجارية إفريقية مهمة وتوفر الأمن الحيوي لقناة السويس التي يمر خلالها النفط العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة، ويحسن الاستقرار قدرة القاهرة على الحد من النشاط غير القانوني عبر الحدود بين ليبيا والصومال ومناطق الحرب في آسيا. في حين يمكن أن يؤدي تفاقم ندرة المياه العذبة إلى إثارة توترات محلية وعرقية في السودان ودفعه إلى حافة الهاوية، وهذا يمكن أن يوسع الاضطرابات في أفريقيا. ولذا، يتوجب أن تستند أي استراتيجية لحل أزمة سدّ النهضة بشكل سلمي على ضرورة احترام إثيوبيا لقواعد القانون الدولي، وإجراء تقييم الأثر البيئي والاجتماعي، وضمان تجنب الآثار النهائية على دول المصب.          

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى