تحركات المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي: هل تُستأنف مفاوضات سد النهضة؟
بدأ المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي “مايك هامر” جولة تتضمن كلًا من مصر والإمارات وإثيوبيا خلال الفترة بين 24 يوليو والأول من أغسطس 2022؛ بهدف إحياء عملية التفاوض حول السد الإثيوبي، والوصول إلى حل يحقق مصالح جميع الأطراف ويسهم في المزيد من السلام والاستقرار في المنطقة. وتستهدف الزيارة كذلك مناقشة الاتحاد الأفريقي في بعض القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها في إثيوبيا.
وتأتي تلك الزيارة بعد أقل من شهرين على تولي “هامر” مهمته خلفًا للمبعوث السابق “ديفيد ساترفيلد” الذي استقال من منصبه بعد 3 أشهر فقط من تولي المهمة، في إشارة واضحة إلى التغير الذي طرأ على استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في التعامل مع قضايا إفريقيا والشرق الأوسط.
البدء بالقاهرة: نتيجة حتمية لخطوات سابقة
وصل المبعوث الأمريكي “مايك هامر” إلى القاهرة في الرابع والعشرين من يوليو الجاري، ليلتقي في اليوم التالي مباشرةً بمقر وزارة الخارجية المصرية عددًا من المسؤولين في الوزارات التي شاركت في المفاوضات حول السد الإثيوبي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب “كريم درويش”. وقد ناقش المشاركون في الاجتماع الأمن المائي لمصر، والخلافات القائمة حول السد الإثيوبي، وبعض القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين المصري والأمريكي، وسبل تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين.
الجدير بالذكر أن زيارة المبعوث الأمريكي جاءت بعد لقاء الرئيس السيسي بنظيره الأمريكي “جو بايدن” على هامش “قمة جدة للأمن والتنمية” في 16 يوليو 2022، حيث أكد الرئيس الأمريكي على دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر وصياغة قرار دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف ويساهم في منطقة أكثر سلامًا وازدهارًا.
وتأكيدًا لما دار في الجلسة بين الرئيسين، فقد أشارت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية “جيرالدين جريفيث” بعد اللقاء إلى دعم الولايات المتحدة للجهود التي تبذلها مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى حل يحقق مصالح الدول الثلاث، وأكدت على تشجيع الولايات المتحدة لأطراف الأزمة على استئناف الحوار لأنه لا يمكن أن يأتي الحل من طرف خارجي، ولكن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم أي مساعدة فنية أو تقنية إذا قامت الأطراف الثلاثة بطلب ذلك بصفتها مراقبًا في العملية التفاوضية التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
ويمكن النظر إلى زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” إلى القاهرة في 11 مايو 2022، التي سبقتها زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية لمصر في التاسع من مايو 2022 بوصفها أحد الإجراءات التحضيرية التي اتخذتها الولايات المتحدة لخلق حالة من التقارب بين الجانبين المصري والأمريكي بشأن القضايا التي تمس أمن المنطقة والتي من بينها “قضية سد النهضة”. وقد أكد الرئيس السيسي خلال لقائه بالمستشار الأمريكي على ثبات موقف مصر فيما يتعلق بضرورة التوصل إلى اتفاق شامل وملزم لجميع الأطراف بما يحفظ الحقوق المائية لمصر ويحقق مصالح الدول الثلاث.
وتعكس التحركات الأمريكية سالفة الذكر انتباه الإدارة الأمريكية لأهمية الدور المحوري الذي تلعبه مصر في حل قضايا المنطقة بوجه عام، ويتضح أن الإدارة الأمريكية الحالية تدرك جيدًا واقع الوضع المائي لمصر وأهمية التوصل إلى حل بشأن السد الإثيوبي لما له من تأثير سلبي على الأمن المائي لمصر، الأمر الذي يدفعها إلى ممارسة دور أكبر وأكثر فاعلية لدفع جميع الأطراف نحو الوصول إلى اتفاق ملزم حول السد تنفيذًا لما جاء في بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر 2021 بعد توقف المفاوضات منذ إبريل 2021 واستمرار إثيوبيا في ممارساتها الأحادية التي تضر بدولتي المصب السودان ومصر.
ولا يتوقف الأمر عند الولايات المتحدة، فقد دعم الاتحاد الأوروبي أيضًا حق مصر في المطالبة باتفاق ملزم حول السد الإثيوبي وفقًا لما جاء في البيان المشترك للاجتماع التاسع لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي في 20 يونيو 2022، فأكد البيان على أهمية النيل كمصدر وحيد للموارد المائية والحياة في مصر في إطار الندرة المائية الفريدة بها، وضرورة التوصل إلى اتفاق مقبول لدى كافة الأطراف وملزم حول ملء وعملية تشغيل السد.
وعدّ الاتحاد الأوروبي التوصل لهذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن بمثابة أولوية قصوى من أجل حماية أمن مصر المائي، ودعم السلام والاستقرار في المنطقة ككل، وعبر عن استعداده لدعم المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي وممارسة دور أكثر نشاطًا، في حال كون هذا الدور مفيدًا ومرغوبًا فيه من جانب كافة الأطراف، عبر إتاحة خبرة الاتحاد الأوروبي الثرية في إدارة الموارد المائية المشتركة بما يتوافق مع القانون الدولي. وأكد أن الوصول إلى اتفاق سيخلق القدرة على التنبؤ، ويفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية في الطاقة والأمن الغذائي والأمن المائي.
زيارة أديس أبابا في ظل تناقض التصريحات
وفقًا للخارجية الأمريكية، فإن المبعوث الأمريكي “مايك هامر” سيتشاور مع الاتحاد الأفريقي، الذي تجري تحت رعايته محادثات سد النهضة، حول التقدم المحرز في إيصال المساعدات الإنسانية، والمساءلة عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، فضلًا عن الجهود المبذولة لدفع محادثات السلام بين الحكومة الإثيوبية وسلطات تيجراي. وهو ما يشير إلى أن الزيارة لن تقتصر على مناقشة الخلافات حول السد الإثيوبي فقط، وإنما ستمتد لقضايا الشأن الداخلي الإثيوبي التي قد تمثل أوراق ضغط على الحكومة الإثيوبية، ومن المتوقع أن يتم التطرق إلى المناوشات المستمرة في إقليم الفشقة بين إثيوبيا والسودان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المبعوث الخاص الأمريكي للقرن الأفريقي الأسبق “جيفري فيلتمان” كان قد أجرى جولة مشابهة لما يقوم به “هامر” في مايو 2021، ولكنه لم يحقق أي تقدم يُذكر فيما يتعلق بقضية السد الإثيوبي، وذهبت القضية بعد ذلك إلى مجلس الأمن، ولكن الاختلاف هذه المرة يتمثل في وجود كبير المفاوضين الإثيوبيين السابق “سيلشي بيكلي” في منصب السفير لدى الولايات المتحدة، والذي كان قد صرح في 10 يونيو 2022 باستعداد بلاده للعودة من جديد للتفاوض حول السد تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، الأمر الذي قد يعد مؤشرًا على عودة المفاوضات بعد انتهاء زيارة “مايك هامر” لأديس أبابا” تحت رعاية السنغال الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وبمشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
ولكن على النقيض تمامًا من تلك التصريحات وفي خطوة تعبر عن النوايا الإثيوبية للاستمرار في التصرفات الأحادية، فقد وصفت إثيوبيا في وقت سابق بيان الاتحاد الأوروبي بشأن سد النهضة بأنه متحيز وغير مقبول بكل المعايير، وأنه يهدف إلى ضمان الحصة التاريخية لمصر من الاتفاقيات الاستعمارية والتي لا تعطي الحق لبقية دول حوض النيل، ووصفه المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية بأنه لا يراعي المصالح المشتركة بين الدول، وأنه يحافظ على المصالح المصرية فقط، ليؤكد بذلك على السياسة الإثيوبية المتبعة في الهجوم على أي طرف يدفع نحو التوصل إلى اتفاق ملزم يحفظ الحقوق المائية المصرية.
الإمارات: حليف الجميع
يعد اختيار الإمارات لتكون الضلع المتمم لمثلث جولة المبعوث الأمريكي واستبعاد السودان أمرًا غير منطقي للبعض، حيث ذهبت بعض التحليلات إلى أنه إذا كان الغرض من الجولة في المقام الأول هو مناقشة قضية السد الإثيوبي، فإن مناقشة الأمر مع السودانيين ضرورة لا غنى عنها لضمان عودة المفاوضات وسيرها وفق رؤية أطراف الأزمة الثلاثة. ولكن في ظل تقارب الرؤى المصرية السودانية واتفاق الطرفين على أن الأضرار الناجمة عن ملء وتشغيل السد بشكل أحادي تمس البلدين بنفس القدر، فقد يكون ذلك سببًا في تفضيل الإدارة الأمريكية وجود طرف ثالث محايد يتمتع بعلاقات جيدة مع طرفي الأزمة وهو الإمارات العربية المتحدة.
وقد يرجع تفضيل الإمارات للعب دور أكبر في هذه القضية إلى العلاقات الجيدة التي تتمتع بها الإمارات مع إثيوبيا، خاصةً بعد المساندة التي قدمتها لحكومة آبي أحمد في مواجهة جبهة تحرير تيجراي، والمساعدات الإنسانية الكبيرة التي قدمتها الإمارات لإثيوبيا أثناء جائحة كوفيد-19. إضافةً إلى ذلك، فإن الإمارات تعد رابع أكبر مستثمر عالمي في أفريقيا بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية على التوالي، والمستثمر الأول خليجيًا في إفريقيا، بحجم استثمارات قدرها 25 مليار دولار خلال الفترة من 2014 إلى 2018، الأمر الذي يشير إلى إمكانية لعب الإمارات دورًا إيجابيًا في التوصل لحل لازمة السد الإثيوبي.
يضاف إلى ما سبق أن الإمارات تلعب دورًا محوريًا في حل النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا في منطقة الفشقة، حيث تداولت بعض الصحف عرضًا إماراتيًا يتمثل في تأجير السودان مساحات واسعة من الإقليم المتنازع عليه للمزارعين الإثيوبيين لفترات طويلة، في مقابل أن تتحمل الإمارات دفع قيمة الإيجار، ولكن لم تتم الموافقة على هذا العرض إلى الآن.
الصين: كلمة السر وراء التحرك الأمريكي
أصبحت الصين المنافس الأقوى للولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي بعد التوسع في الاستثمارات وتوطيد العلاقات الدبلوماسية مع دول المنطقة؛ فقد عيّنت الصين مبعوثًا خاصًا لمنطقة القرن الأفريقي نظرًا إلى أهميتها بالنسبة لتوسيع النفوذ الصيني في إفريقيا، وتسعى بكل قوة إلى استتباب الأمن في تلك المنطقة لحماية تجارتها التي يمر أغلبها عبر هذه النقطة المهمة؟ وتعمل بكين كذلك على تعزيز وجودها في مناطق مشروعها القومي “الحزام والطريق”.
علاوةً على ذلك، فقد عرض المبعوث الصيني إلى القرن الأفريقي شيويه بينغ، في 20 يونيو 2022 أثناء مؤتمر السلام الذي قادته الصين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وبحضور وزراء ومسؤولين من السودان والصومال وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وجيبوتي التوسط في النزاعات الدائرة بالمنطقة، الأمر الذي يمثل تهديدًا مباشرًا للوجود الأمريكي في القرن الأفريقي، ويعد هذا العرض محاولة صينية واضحة لإزاحة الولايات المتحدة من المنطقة ولعب دور الوسيط في محادثات السلام وتنسيق التعاون المشترك بين دول المنطقة.
من خلال ما سبق، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من وراء تحركاتها في منطقة القرن الأفريقي إلى تعزيز حضورها في المنطقة، وتوسيع نطاق مصالحها في مواجهة التوسع الصيني. وترجمت الولايات المتحدة رغبتها في تعزيز وجودها في المنطقة من خلال جولة المبعوث الخاص للدول الثلاث، ودعوة قادة إفريقيا إلى حضور القمة الأمريكية الأفريقية التي تعتزم الولايات المتحدة عقدها في واشنطن منتصف ديسمبر 2022 لاستقبال حوالي 50 من قادة الدول الأفريقية. وكذلك يمكن النظر إلى زيارة “هامر” إلى الدول الثلاث بكونها مؤشرًا على اقتراب عودة المفاوضات حول أحد أهم القضايا التي تمس أمن المنطقة، وهي أزمة السد الإثيوبي، بعد توقف دام لأكثر من عام في ظل وجود طرف يتمتع بعلاقات قوية مع جميع الأطراف وهو الإمارات العربية المتحدة.