السد الإثيوبي

سد النهضة: موقف مصري ثابت وعودة محتملة لمجلس الأمن

أكد الرئيس السيسي خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيسة وزراء الدنمارك “ميتا فريدركسن” في 13 مارس 2023، على ثبات الموقف المصري تجاه قضية سد النهضة الإثيوبي، حيث شدد من جديد على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد دون إضرار بالمصالح المائية لدولتي المصب. ووفقًا لحديث الرئيس السيسي، فإن الموقف المصري ما زال قائمًا على مبدأ التعاون المشترك والاعتراف بحق إثيوبيا في التنمية، على الرغم من استمرار الأخيرة في خطواتها الأحادية في تعلية السد وملء الخزان، دون وضع مصالح مصر والسودان في حساباتها.

التزام مصر بالمسار التفاوضي لحل الخلاف

على الرغم من إعلان إثيوبيا عزمها المضي قدمًا نحو الملء الرابع لخزان السد خلال موسم الأمطار القادم مثلما فعلت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أن القيادة السياسية في مصر ما زالت تصر على الالتزام بالمسار التفاوضي لحل النقاط الخلافية، إعمالًا لما جاء في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا؛ فمنذ توقيع الاتفاق اتخذت مصر كل الخطوات الممكنة لحل القضية سلميًا بدءًا من عقد اجتماعات ثلاثية بين وفود الدول الثلاث المعنية بالقضية، ومرورًا بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ثم الاتحاد الأفريقي، وصولًا إلى مجلس الأمن الذي حث إثيوبيا على التعاون للتوصل إلى اتفاق والتوقف عن اتخاذ خطوات أحادية استفزازية.

ولم تتفاعل إثيوبيا بشكل إيجابي مع كل الجهود سالفة الذكر، حيث شرعت في الملء الأول في 2020 لتتمكن من تخزين 5 مليارات متر مكعب دون موافقة مصر أو السودان على هذه الخطوة، ثم تجاوزت كمية المياه المخزنة وراء جسم السد 8 مليارات متر مكعب من المياه في 2021، ووصلت إلى 18 : 22 مليار متر مكعب خلال موسم أمطار العام الماضي. ولم تبدِ إثيوبيا الاهتمام الكافي بدعوات الوسطاء ومجلس الأمن لها للتوقف عن اتخاذ الخطوات الأحادية، وامتد الموقف الإثيوبي ليشمل تصريحات عدائية تجاه مصر واتهامات للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمحاباة مصر على حساب مصالح الإثيوبيين. 

على النقيض من الموقف الإثيوبي الاستفزازي، ظل الموقف المصري ثابتًا ليؤكد على أن حق إثيوبيا في التنمية لا ينبغي أن يضر بالأمن المائي المصري. وعملًا بمبدأ إظهار حسن النوايا، فقد عملت مصر خلال السنوات الثماني الماضية على تنمية مواردها المائية المحدودة بطرق شتى شملت: إصلاح البنية التحتية لنظام الري المصري وتبطين الترع، والتوسع في محطات معالجة الصرف الصحي للاستفادة من المياه في مشروعاتها الزراعية، وإنشاء المزيد من محطات تحلية مياه البحر لتحسين متوسط نصيب الفرد في مصر من المياه، لتؤكد أن رغبتها في الحفاظ على حصتها المائية من نهر النيل نابعة من حاجة مواطنيها الحقيقية لهذه الكمية وأكبر وليس طمعًا في موارد الآخرين، إلا أن هذه الجهود لن تكون كافية في حال حجزت إثيوبيا كميات مياه كبيرة أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد.

ورغم تعقد الموقف وإصرار إثيوبيا على تنفيذ الملء الرابع- والذي من المقدر أن يصل بكمية المياه المخزنة وراء السد إلى 40 :50 مليار متر مكعب من المياه- دون توقيع اتفاق ملزم والاكتفاء باتباع سياسة إخطار دولتي المصب بإجراءات الملء، إلا أن ذلك لم يغير موقف القيادة السياسية في مصر من المفاوضات، حيث استمرت مصر في الجلوس على طاولة التفاوض مع السودان وإثيوبيا سواء تحت رعاية الاتحاد الأفريقي أو بوساطة أطراف أخرى، رغبةً منها في التوصل إلى اتفاق شامل وملزم يحقق التنمية لإثيوبيا ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان.

عودة محتملة لمجلس الأمن

لجأت مصر والسودان إلى مجلس الأمن بسبب السد الإثيوبي في 2020 للمرة الأولى، إلا أن المجلس أحال القضية للاتحاد الأفريقي الذي لم يتمكن على مدار ثلاث سنوات تقريبًا تحت رئاسة جنوب أفريقيا ثم الكونغو ثم السنغال من تقديم أي جديد أو إحراز تقدم نحو التوصل إلى اتفاق. وفي 2021، عادت مصر والسودان من جديد لمجلس الأمن لمناقشة القضية في ظل استمرار إثيوبيا في اتباع سياستها الأحادية المستفزة، وتقدمت تونس خلال تلك الجلسة بمشروع قرار تتوصل بموجبه الدول الثلاث لاتفاق في غضون 6 أشهر، إلا أن هذه الخطوة لم تؤتِ ثمارها، واستمرت إثيوبيا في الملء الأحادي للمرة الثانية.

ونظرًا للوضع العالمي المتأزم في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، لم تحظَ قضية السد الإثيوبي بالاهتمام الكافي خلال 2022، وتجمدت المفاوضات بشكل شبه كامل مع محاولات إماراتية للوساطة لم تحقق الغرض المأمول، حيث اجتمعت وفود الدول الثلاث في أبو ظبي مطلع مارس الجاري، إلا أن كل طرف تمسك بموقفه ولم تسفر الاجتماعات عن أي تقدم يذكر.

ولعل جمود الموقف بهذا الشكل بالتزامن مع إقدام إثيوبيا على الملء الرابع خلال الأشهر القليلة المقبلة، هو ما دفع جامعة الدول العربية إلى اعتماد قرار بشأن السد الإثيوبي وطرحه كبند دائم على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية؛ تأكيدًا على التزامها بحماية حقوق مصر والسودان المائية.

وقد تضمن قرار جامعة الدول العربية الذي صدر بالإجماع، دعوة إثيوبيا إلى التفاعل بشكل إيجابي وإبداء المرونة في هذه القضية من أجل التوصل إلى اتفاق يتماشى مع القانون الدولي الذي يمنع وجود سيادة مطلقة على نهر دولي عابر للحدود، ولكن الخارجية الإثيوبية رفضت هذا القرار وأصدرت بيانًا تطالب فيه الجامعة العربية بترك القضية للاتحاد الأفريقي، باعتبارها قضية أفريقية تتطلب حلًا أفريقيًا. 

في الأخير، يمكن القول إن تطور الأحداث بالنمط الحالي يشبه كثيرًا ما حدث في 2020، حيث وصلت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة إلى طريق مسدود، وهو ما دفع جامعة الدول العربية إلى تبني قرار داعم لموقف مصر والسودان في المفاوضات حول السد الإثيوبي، لجأت بعده مصر لمجلس الأمن؛ وهو ما ينبئ بإمكانية لجوء مصر لمجلس الأمن من جديد قبل شروع إثيوبيا في الملء الرابع، حيث إن تعلية جسم السد هذه المرة سوف يسمح لإثيوبيا بتخزين ما يقرب من 50 مليار متر مكعب من المياه بزيادة قدرها 28 مليار متر مكعب عن الكمية المخزنة بالفعل، وهو ما من شأنه أن يؤثر على تدفقات مياه نهر النيل لكل من السودان ومصر، وهو ما ترفضه مصر رفضًا قاطعًا في ظل واقع يؤكد أنها ضمن الدول الأكثر جفافًا في العالم ولا تمتلك الفرصة لتحمل أي نقص في حصتها من المياه.

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى