
معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا: يجب حل نزاع سدّ النهضة الإثيوبي وتجنب “الصدام”
عرض- نسرين الصباحى
بعد تسع سنوات من المفاوضات، ينفد الوقت للتوصل إلى حل وسط بشأن سدّ النهضة الإثيوبي الكبير، ويبدو الخلاف المرير بين إثيوبيا ومصر والسودان حول سدّ النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق بمثابة الحالة الكلاسيكية لقوة لا تقاوم كأن تلتقي بجسم غير قابل للتغيير.
وعليه، نشر معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا (ISS)اليوم الخميس مقالاً بعنوان: Ethiopia’s Nile dam dispute must be solved soon، للكاتب Peter Fabricius.
أشار المقال إلى فترة التفاوض بين الدول الثلاث منذ تسع سنوات مع بدء بناء سدّ النهضة، كما وصلت الجولة 12 من الفصل الأخير من المفاوضات إلى طريق مسدود الأسبوع الماضي، حيث بدأت هذه المحادثات في نوفمبر 2019 بوساطة من الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة البنك الدولي.
ذكر “المقال” أنه من المقرر أن تبدأ إثيوبيا الآن في ملء السد المُكتمل بنسبة 76٪ من جانب واحد في غضون أسابيع قليلة عندما يأتي موسم الأمطار، مما قد يزيد حدة التوترات إلى نقطة الانهيار، حيث تعهدت مصر باستخدام ” كافة الوسائل المتاحة” لتأمين إمداداتها من المياه، وقامت مصر بإحالة النزاع إلى مجلس الأمن لتداعيات سدّ النهضة على استقرار السَلم والأمن الدوليين.
وأضاف ” المقال” أنه بلا شك نزاع صعب، حيث تعتمد مصر على مياه النيل الأزرق بحوالي 82٪ من احتياجاتها المائية وتخشى أن يؤدي سدّ النهضة- الذي سيضخ في النهاية 74 مليار متر مكعب من المياه – إلى خفض الكثير من هذا الإمداد.
وأوضح “المقال” أنه على النقيض من ذلك، تصر إثيوبيا على أن لها حقوقًا طبيعية في استخدام النيل لرفع شعبها من الفقر المدقع وتحفيز النمو الاقتصادي…مشيرا إلى ذكره وزير الخارجية الإثيوبي “جيدو أندارجاشيو” أمام مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي إنه يحتاج إلى 16 توربينًا في السد لتوليد الطاقة الكهرومائية – حوالي ستة جيجاوات منها – لتوفير الكهرباء لأكثر من 65 مليون إثيوبي يفتقرون إليها الآن.
وأفاد “المقال” أنه في حين أن السودان إلى حد كبير الطرف الثالث في هذا النزاع، وقد تأرجح موقفه، يمكن أن يرى فوائد السد بشكل رئيسي لشراء الكهرباء، ولكن لديه مخاوف بشأن السلامة حيث أن السد قريب جدًا من حدوده.
وأوضح أن الطرفين اتفقا على كيفية ملء إثيوبيا للسد، وكمية المياه التي ستطلقها عندما يكون هناك أمطار كافية. وافقت إثيوبيا أيضًا على إطلاق كميات محددة مُسبقًا من المياه – اعتمادًا على مستوى تدفق النيل الأزرق لخزان السد حتى في سنوات الجفاف.
وذكر المقال أن مصر تريد التزامات من أديس أبابا في فترات الجفاف متعددة السنوات التي تمتد من أربع إلى خمس سنوات. وتريد من إثيوبيا تعويض مصر والسودان بعد مرور فترات الجفاف الطويلة بإطلاق المزيد من المياه لتعويض انخفاض التدفقات خلال فترات الجفاف…بينما تقول إثيوبيا إن إطلاق الكثير من المياه سيخفض مستويات السدّ حيث لا تستطيع التوربينات توليد طاقة كافية.
واستشهد المقال بما ذكره “شريف عيسى” سفير مصر لدى جنوب أفريقيا اليوم أن البنك الدولي الأسبوع الماضي، قدر أنه حتى في أسوأ موجة جفاف، يمكن لإثيوبيا توليد 70٪ على الأقل من الطاقة الكهربائية.
وأضاف “عيسى” أن “هناك ضرورة لمعرفة كمية المياه التي سنحصل عليها في المستقبل حتى نتمكن من التخطيط لزراعتنا”، مشيراً إلى أن مصر تستخدم حوالي 86٪ من مياه النيل في الزراعة. لكن أبدت إثيوبيا استياءها من الاقتراح بأنه من خلال الاضطرار إلى التعويض عن انخفاض تدفق المياه أثناء فترات الجفاف، فإنها ستجد نفسها مديونة بالمياه إلى دولتي المصب.
وتَكُمن القضية الرئيسية الأخرى العالقة في المفاوضات هي أن مصر تريد آلية لتسوية المنازعات عن طريق التحكيم الدولي المُلزم. بينما تصر إثيوبيا على ترتيب يتم تسوية النزاعات عند نشوئها من خلال المفاوضات بين الدول الثلاث فقط.
وأضاف السفير “عيسى”، أن إثيوبيا تبني موقفها على حقها المطلق في تحديد كيفية إدارة السد ومياهه، لكن السيادة ليست مطلقة عندما تتحدث عن مصدر مياه عبر الحدود، ويقول إن إصرار إثيوبيا على بدء ملء السد ربما في غضون أسابيع أو أيام – مع أو بدون اتفاق شامل مع دول المصب حول كيفية إطلاق المياه – ينتهك إعلان المبادئ عام 2015.
اقترح معهد الدراسات الأمنية في وقت سابق من هذا العام، ضرورة مشاركة الاتحاد الأفريقي بشكل أكبر في النزاع، حيث يؤدي الخلاف إلى تفاقم العلاقات بين ثلاثة أعضاء رئيسيين في الاتحاد الأفريقي إلى مستويات خطيرة، بل يهدد إلى الصراع. ويتوجب على الاتحاد الأفريقي من خلال قيادته السياسية وأجهزته مثل مجلس السَلم والأمن الأفريقي وهيئة الحكماء الإفريقية، إشراك الأطراف بشكل استباقي في تهدئة التوترات وبناء الثقة بين مصر وإثيوبيا.
واختتم المقال بأنه حتى الآن، يبدو أن الاتحاد الأفريقي مشاركًا فقط إلى الحد الذي كانت جنوب إفريقيا تراقب فيه المفاوضات بصفتها رئيس الاتحاد الأفريقي لعام 2020. لكن الدور الجوهري للهيئة القارية- يفضل أن يضع السدّ في نهاية المطاف في سياق خطة تنمية إقليمية أوسع للنيل، ويمكن أن يساعد في نزع فتيل الصراع على المدى الطويل، وينبغي إيجاد حلول تناسب جميع الأطراف وبسرعة في ظل بداية هطول الأمطار في غضون أسابيع أو أيام قليلة.