
أزمة اللاجئين: السلاح التركي المتجدد في وجه الاتحاد الأوروبي
بحلول صباح الجمعة الموافق الثامن والعشرين من فبراير للعام الجاري. استيقظ الأوروبيون على مشهد أعاد لأذهانهم تدفق موجة اللجوء السورية الكبيرة في عام 2015. فقد أكد مسؤولون أتراك عدم اعتراضهم لسبيل المهاجرين الراغبين في التوجه لأوروبا، وتم تعميم قرار على القوات البحرية وخفر السواحل بعدم اعتراض أي قوارب للمهاجرين المغادرين الأراضي التركية باتجاه أوروبا.
تلك الخطوة التصعيدية التي جاءت كأولى نتائج اجتماع أمني طارئ ترأسه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.
وجاء القرار باسم “فتح الأبواب”، على إثر مقتل ما يزيد عن ثلاثين جنديًا تركيا في إدلب، في ضوء المواجهات التركية السورية الأخيرة بمنطقة شمال سوريا، أخر جيوب المعارضة السورية.
الدعم الأوروبي لليونان
على إثر القرار التركي، تجمعت مجموعات من المهاجرين لم يكن قوامهم الرئيسي السوريون فقط بل كان وسطهم العديد من الأفغان والإيرانيين والسودانيين والإريتريين واليمنيين والعراقيين والصوماليين، على طول المنطقة العازلة بين تركيا واليونان، في انتظار فرصة لعبورهم.
وبعكس ما حدث في 2015، لم تتساهل اليونان فيما يخص استقبال النازحين وطالبي اللجوء، بل قامت على الفور بتشديد الحراسة الأمنية لحدودها المتاخمة للحدود التركية. وأعلنت تعزيز دورياتها الأمنية على حدودها بعد الإعلان التركي.
فيما أفاد مصدر في الشرطة اليونانية أن الدوريات على الحدود تضاعفت. وتوجه رئيس الأركان العامة اليوناني ووزير الشرطة إلى المنطقة، بينما أكدت الحكومة رفع التأهّب على الحدود “إلى أقصى درجة ممكنة”.
وعلّق رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يروج للأخبار الكاذبة، وأن أوروبا لن تخضع للابتزاز التركي، مشيرا إلى أن لبلاده كل الحق في حماية حدودها.
وعلى إثر ذلك علّق طلبات اللجوء لمدة شهر في سابقة، لم تحدث في ذروة موجة اللجوء 2015\2016. وأرجع ذلك ان من يحاولون اقتحام الحدود اليونانية ليسوا سوريون هاربون من الحرب، بل هم أشخاص يتلقون الدعم الكامل من الحكومة التركية، وهي من تقوم بنقلهم.
وقد دعّم الاتحاد الأوروبي موقف اليونان فيما يخص حماية الحدود الخارجية للاتحاد. فأصدر وزراء خارجية الكتلة يوم الجمعة بيانًا قالوا فيه إن الاتحاد الأوروبي “يرفض بشدة استخدام تركيا لضغوط الهجرة لأغراض سياسية”.
وتوجّهت السيدة فون دير لين رئيسة المفوضية، والسيد ديفيد ساسولي رئيس البرلمان الأوروبي، والسيد تشارلز ميشيل رئيس المجلس الأوروبي بشكل عاجل إلى اليونان لإظهار تضامنهم مع اليونان، وتعهدوا بمساعدة أثينا في السيطرة على حدودها، ووعدوا بتقديم 350 مليون يورو لدعمها. وفى السياق ذاته علقت فون دير لاين إن من يسعون إلى اختبار وحدة أوروبا سيخيب أملهم. فلن تضعف الضغوط من عزيمتنا، ووحدتنا ستنتصر.
وامتدت ردود الأفعال إلى تصريحات كبار المسؤولين الأوروبيين. فصرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها تتفهم توقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحصول على قدر أكبر من العون من أوروبا للتعامل مع أزمة اللاجئين، لكنها أضافت أن عليه ألا يستغل اللاجئين لإبداء استيائه. كما أكد وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، أن أوروبا لن ترضخ للابتزاز الذي تمارسه تركيا في قضية الهجرة، وستظل حدودها مغلقة أمام المهاجرين الذين ترسلهم أنقرة.
واعتبر المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، ان تلك الأزمة هي محاولة من قبل تركيا لابتزاز الاتحاد، مضيفاً أن التكتل أمام “امتحان” بشأن إن كان بمقدوره حماية حدوده الخارجية.
ارهاصات التصعيد التركي الأخير
لا يعد القرار التركي بفتح الأبواب مفاجئة، فلطالما لوّح الجانب التركي باستخدام ورقة اللاجئين في وجه الاتحاد في مواضع مختلفة وعلى خلفية العديد من القضايا الخلافية بينه وبين الاتحاد، والتي أدت إلى تعليق العديد من جوانب الاتفاق المنظم للهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مارس 2016.
ففي 8 سبتمبر العام الماضي، هدد أردوغان بإغراق الاتحاد الأوروبي بـ 5.5 ملايين لاجئ سوري ما لم يتلق دعمًا دوليًا لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا.
وقال “إنهم إذا لم يقدموا لنا الدعم اللازم في هذا الصراع، فلن نتمكن من إيقاف 3.5 ملايين لاجئ من سوريا ومليوني شخص آخرين سيصلون إلى حدودنا من إدلب”. وهو ما يتوافق مع تعليقاته الحالية، التي تربط ما بين حل أزمة اللاجئين ودعمه في شمال سوريا.
وقد سبقها في 22 يوليو، تصريح مولود جاويش أوغلو (وزير الخارجية التركي) بإن تركيا علقت صفقة قبول المهاجرين غير الشرعيين بينها وبين الاتحاد الأوروبي، على إثر عدم موافقة الاتحاد الأوروبي على تحرير التأشيرة للمواطنين الأتراك، التي يعد جزء من اتفاق الهجرة.
وتم ربط التعليق أيضاً بقرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 15 يوليو، بوقف المحادثات رفيعة المستوى مع أنقرة، كجزء من العقوبات المفروضة على التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، بالإضافة لخروقتها المستمرة لحقوق الانسان وتقويضها للنظام الديمقراطي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.لذا فإن دوافع التصعيد التركي لطالما كانت موجودة.
إلى ما سيؤول التعامل الأوروبي في مواجهة التصعيد التركي الأخير؟
يقع الاتحاد الأوروبي بين شقي الرحي فيما يخص أزمة اللجوء. فمن ناحية ان ازمة اللجوء في 2015، مازالت تبعاتها على تماسك الهيكل الداخلي للاتحاد مستمرة حتى الأن. فقد ساهمت تلك الازمة في تصاعد للتيارات اليمينية الرافضة للعديد من القوانين المنظمة داخل الاتحاد والتي تهدد بتفككه. وكذلك رفض العديد من الدول استقبال اللاجئين وهو ما عزز الانقسامات داخل الكتلة، في وقت يتم فيه توجيه العديد من الاعتراضات على نظام دبلن المنظم لعملية اللجوء في الاتحاد، والذي يضع كامل الضغط على دول المواجهة، كل هذا وهناك أزمة بسبب انتشار فيروس كورونا والذي يحجم الحركة داخل أوروبا، كل هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، لم تتوان تركيا على التسبب في العديد من المشاكل للاتحاد. فبجانب الابتزاز بورقة اللاجئين، فهجومها على الأكراد بشمال سوريا، ودعمها للعناصر المتطرفة سوريا وليبيا، واستمرار تنقيبها غير المشروع قبالة سواحل قبرص، وتقويضها للديمقراطية في البلاد، وتأليب الجاليات التركية في ألمانيا وفرنسا، كل هذا يعمق مشاعر العداء الأوروبي لها.
إلا أنه برغم كل تلك المشاكل يظل خيار الاتفاق مع تركيا هو الخيار الأفضل بالنسبة للاتحاد. وهو ما ظهر في تصريحات رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية بعد اجتماعهم الاثنين الموافق 9 مارس الجاري ببروكسل مع الرئيس التركي، بشأن اتفاقهم مع تركيا على إعادة النظر في اتفاقية الهجرة المبرمة في مارس 2016. وذكرت فون دير لاين حينها إنه سيجري إجراء تحليل حول الجوانب التي لم يتم تنفيذها في الاتفاق ومعرفة سبب ذلك.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي إلى أن الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيف بوريل، سيبدأ مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، العمل حول اتفاقية الهجرة.
وسبق ذلك يوم الأحد الموافق الثامن من مارس، أشاره رئيسة المفوضية الاوروبية فون دير لاين إلى ضرورة ضمان حق اللجوء ودعم تركيا واليونان ونقل الأشخاص، خاصة القُصر، العالقين على الجزر اليونانية لأوروبا. على إثر ذلك أعلنت الحكومة الألمانيّة، أنّ تحالفاً تطوّعياً من دول الاتّحاد الأوروبي يعتزم استقبال ما يصل إلى 1500 مهاجر قاصر تقطّعت بهم السبل في الجزر اليونانيّة.
لذا فأن السبيل لمحاولة تخفيف حدة تلك الأزمة يكمن أولًا في محاولة إيجاد حل لتسريع وتيرة معالجة طلبات اللجوء الخاصة العالقين على الجزر اليونانية، ومحاولة الضغط على الحكومة اليونانية لحل تلك الأزمة والسماح لمفوضية اللاجئين بتنقيح تلك الطلبات وتسهيل حياة اللاجئين المكدسين في مساحة تتسع لسدس عددهم الذي يزيد عن 42 ألف شخص.
وكذلك الدفع لإصلاح نظام دبلن الخاص باللجوء، للوصول إلى توزيع عادل بخصوص حصص اللاجئين، وتخفيف الحمل على دول المواجهة. بالإضافة لإصلاح جوانب الخلل في اتفاق الهجرة التي تم توقيعه مع تركيا والذي لم ينُفذ من أيا من جوانبه إلا الجانب الخاص بصرف أموال المساعدات المواجهة للاجئين، فقد تلقت أنقرة 4.7 مليارات يورو من أصل 6 مليارات تعهَد الاتحاد الأوروبي بمنحها لها، صُرف منها 3.2 مليارات وفق المفوضية الأوروبية. وتم ادارتها من قبل مرفق الاتحاد الأوروبي الخاص باللاجئين في تركيا بنجاح، حيث حسّن حياة العديدين من اللاجئين.
لذا يجب أن يُطمئن الاتحاد الأوروبي تركيا بأنها ستواصل دعمها للاجئين في السنوات المقبلة، مع تزويدها بأموال إضافية، إلا انه يجب ان يُلزم الجانب التركي بعدم الاستمرار في استخدام تلك الورقة. وأيضا ان يربط المساعدات بدعم اللاجئين في مناطق آمنة داخل سوريا، يضمن تأمينها الجوانب المتناحرة المختلفة سواء النظام التركي أو الروسي السوري، وهو ما يتوافق مع تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الذي طالب بإقامة منطقة محمية بشمالي سوريا، داعياً روسيا إلى توفير الضمانات الأمنية لذلك، كما أعلن عن تقديم بلاده 100 مليون يورو للمحتاجين في إدلب، في حال ضمان سلامة وصول تلك المساعدات.
وأخيرًا فإن الحل الأمثل هو انتهاء الحرب في سوريا وعودة اللاجئين لبلادهم، ولكن في ظل ضبابية هذا الحل، تظل تلك الخطوات هي الأفضل لتعزيز الموقف الأوروبي في وجه الابتزاز التركي.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية