
بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة
تنفيذا للمرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الذي عقد بين الجانبين في 15 يناير الماضي، بدأت كل من بكين وواشنطن في التراجع عن فرض بعض التعريفات الجمركية الإضافية على واردات الآخر، وذلك بعد مرور عامين على بدء الخلاف التجاري. بعد عقد الاتفاق، كتب هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أنها تعد “خاتمة رائعة إذا ما تمكنت الولايات المتحدة والصين، بعد أربعين عاما، من دمج جهودهما ليس لهز العالم، وإنما لبنائه”.
ملامح المرحلة الأولى من الاتفاق
يتكون الاتفاق من 96 صفحة في ثمانية فصول حول حقوق الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا والمنتجات الغذائية والزراعية والخدمات المالية وتنظيم صرف العملات الأجنبية والتوسع التجاري وحل المنازعات والأحكام النهائية.
تضمن الاتفاق موافقة الصين على زيادة قيمة وارداتها من السلع الأمريكية بواقع 76.7 مليار دولار في العام الأول من الاتفاق. وأشار ترامب إلى أن بلاده سترفع كافة الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، حال توقيع الأخيرة على المرحلة الثانية من الاتفاق التجاري الذي ستبدأ مفاوضاته قريبًا.
وفقًا للاتفاق، سترتفع قيمة مشتريات الصين في العام الثاني من المرحلة الأولى لتبلغ الزيادة الإجمالية في قيمة الواردات 200 مليار دولار، تضاف إلى الرقم الأساسي من الواردات الصينية للسلع الأمريكية، التي بلغت في 2019 نحو 123 مليار دولار، بينما بلغت في 2017، قبيل الحرب التجارية بينهما 187 مليار دولار.
نص الاتفاق أيضًا على شراء الصين سلعًا أمريكية مصنعة، إضافة إلى واردات أخرى في قطاع الطاقة الأمريكية، وواردات في قطاع الخدمات، وألا تجبر الصين الشركات الأمريكية العاملة على أراضيها، بتسليم التكنولوجيا الخاصة بها. وذلك مقابل تخفيض الولايات المتحدة نسب الرسوم الجمركية التي فرضت في سبتمبر الماضي، وإلغاء ضرائب الاستيراد الإضافية مستقبلا، يضاف إلى ذلك، فإن الاتفاق يتضمن شروطًا حول ضمان الولايات المتحدة لإمداد السوق، وهو ما قد يعني أن الولايات المتحدة سترفع الحظر على صادرات الرقائق إلى الصين التي تستورد رقائق بقيمة 300 مليار دولار سنويًا.
ردود الفعل بين التفاؤل والتشاؤم
ذهبت التعليقات الأولية على الاتفاق بأنه متوافقًا مع التوقعات التي تعكس ما أكده المسئولون الصينيون منذ فترة طويلة بأن أي صفقة يجب أن تكون متوازنة وعادلة وأن تتضمن مبادرات. كذلك، بدا الاتفاق تعبيرًا ضمنيًا على دخول شركة هواوي للسوق الأمريكية بعد الإشارة لشركات الاتصالات الصينية التي أدرجتها واشنطن على القائمة السوداء.
خلال مراسم التوقيع في البيت الأبيض، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق بأنه “خطوة مهمة، لم يسبق أن اتخذت من قبل مع بكين، تجاه مستقبل من التجارة العادلة والمتبادلة مع الصين”. وأشاد الرئيس الصيني شي جين بينغ فيما بعد بالاتفاق كإشارة إلى أن البلدين يمكنهما حل خلافاتهما بالحوار.
وعليه، توالت التعليقات، إذ أشارت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إلى أن الاتفاق سيقلل من حالة عدم اليقين التي أعاقت النمو الاقتصادي العالمي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني، وسيتم إلحاق توقعات المنظمة ضمن تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي الذ عُقد في دافوس يناير الماضي لتحقيق مزيد من اليقين. وفقًا لحسابات سابقة لصندوق النقد الدولي، سيؤدي النزاع التجاري بين بكين وواشنطن لخسارة قدرها 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو حوالي 700 مليار دولار بحلول عام 2020.
وأشار السفير الصيني في مصر بمقال له إلى أنه تم التوصل للمرحلة الأولى من الاتفاق استنادًا لمبادئ المساواة والاحترام المتبادل، ليساهم في تعزيز التنمية المستقرة للعلاقات الاقتصادية التجارية بين البلدين وتعزيز ثقة السوق العالمية، وخلق بيئة جيدة للأنشطة التجارية والاستثمارية. أكد أيضًا أن الصين ستواصل الحفاظ على النظام التجاري المتعدد الأطراف. كذلك فقد توقع خبراء اقتصاديون أن تساهم المرحلة الأولى من الاتفاق في إنعاش النمو العالمي من خلال زيادة الاستثمارات، وانخفاض احتمالات حدوث ركود هذا العام.
لكن على جانب آخر، تظهر توقعات متشائمة تشير إلى أن الاتفاق ما هو إلا مجرد إجراء سياسي من قبل دونالد ترامب للفوز بإعادة انتخابه، بالإضافة إلى أن الجزء الأكبر من الرسوم التي فرضت خلال الحرب التجارية لا يزال قائما، ومن غير المتوقع أن يطول أمد الانفراج.
تحديات في مواجهة الاتفاق
رغم بدء إجراءات تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، طالب وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 15 فبراير الجاري الولايات المتحدة باحترام توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن فيروس كورونا الجديد، وخلق ظروف مناسبة لتطبيق الاتفاق، وعدم تبني قيود غير ضرورية بشأن التجارة والأفراد، مشيرًا إلى أن إصدار الولايات المتحدة تحذيرا للسفر من الدرجة القصوى ضد الصين، سيتسبب في بعض التحديات الخاصة بتطبيق الاتفاق.
واعتبر أن الفيروس مؤقت وأن بلاده على استعداد لتنفيذ الاتفاق الذي سيعود بالنفع على البلدين والعالم أجمع، وأكد أن انتهاء الفيروس سيزيد من الطلب الاستهلاكي مرة أخرى ليتعافى الاقتصاد الصيني بسرعة ويواصل نموه خاصة في ظل الإصلاحات التي تسعى لها بكين.
أما على مستوى التحديات الخارجية، فهي تظهر في الضغط على أسواق أخرى وشركاء رئيسيين للصين بشكل أساسي بسبب التزاماتها بتوسيع المشتريات الأمريكية، بالإضافة للتأثير على المنتجات عالية الجودة من الأسواق الأخرى مثل أوروبا، واليابان، وجنوب شرق آسيا، وهو ما لا تريده الصين التي ترغب في زيادة تعاملها مع جميع الأسواق.
على جانب آخر، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيرفع دعوى أمام منظمة التجارة العالمية في حال ألحق أضرارا بمصالحه، لكن أبلغت الصين أن الشركات الأوروبية لن تتضرر من الاتفاق. بالإضافة لنية الاتحاد لتوقيع اتفاق مع بكين هذا العام حول حماية الاستثمارات.
ختامًا، من المفترض أن تساهم المرحلة الأولى من الاتفاق في استقرار وازدهار المجتمع الدولي، لكن الأمر يتطلب حسن نية الطرفين خلال التنفيذ لبث الاستقرار في الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة التي يخيم عليها عدم اليقين.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



