
آسيا
قمة شنغهاي بالهند.. الإشارات والنتائج
شهدت العاصمة الهندية نيودلهي انعقاد القمة الثالثة والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون SCO يوم الرابع من يوليو الجاري بشكل افتراضي، شارك فيها الدول المؤسسة وهي الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى إيران وبيلاروسيا ومنغوليا، وكذلك باكستان.
جاءت القمة تأكيدًا لطرح رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” في قمة عام 2018 لشعار SECURE “نحو منظمة شنغهاي للتعاون آمنة”، وذلك اختصارًا لأهم القضايا التي تريد الهند طرحها على طاولة النقاشات، وهي الأمن Security والاقتصاد Economy والترابط Connectivity والوحدة Unity واحترام السيادة Respect for Sovereignty and Territorial Integrity والبيئة Environment.
بين الإشارات الصريحة والمبطنة
- اتفقت القيادتين في الهند والصين على مبدأ الأمن والسلام، فقد تبنت الهند في رؤيتها لرئاستها للقمة مبادئ الأمن والتنمية وغيرها من القضايا، وأشار الرئيس الصيني “شي جين بينج” إلى ضرورة بذل جهود حماية السلام الإقليمي وضمان الأمن المشترك وحل النزاعات من خلال الحوار، واعتبر أن لمنظمة شنغهاي دورًا في تعزيز التسوية للقضايا الساخنة عالميًا وحماية الأمن الإقليمي دون الإشارة المباشرة للأزمة الأوكرانية.
- لكن هذا لم يمنع “مودي” من الإشارات المبطنة حين نوه بأن بعض الدول تستخدم الإرهاب العابر للحدود كأداة لسياستها بجانب توفير مأوى للإرهابيين، على اعتبار أنها باكستان. وفي مسألة الحدود أيضًا أشار إلى ضرورة تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان والعمل على مكافحة الإرهاب والتهريب، وأهمية قيام منظمة شنغهاي بدور في تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين هناك لضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية كأداة لنشر عدم الاستقرار في دول الجوار، منتقدًا ازدواجية المعايير في التعامل مع هذه الأمور الخطيرة في إشارة للصين.
- من جانب آخر، حذر رئيس الوزراء الباكستاني “شهباز شرف” من استخدام الإرهاب كأداة لإحراز النقاط الدبلوماسية، وأكد ضرورة محاربته بقناعة كاملة خاصةً ما يسمى إرهاب الدولة في إشارة مبطنة للهند بقتل الأبرياء في كشمير.
- لم يمنع حضور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للقمة الترويج لمواجهة روسيا في الحرب مع أوكرانيا، فقد أشار إلى أن المجتمع خرج موحدًا ضد محاولة مجموعة “فاجنر” التمرد على الحكم، كما اعتبر أن العقوبات الغربية المفروضة على موسكو لم تفقدها عزيمتها في الصراع، وأنها مستمرة في مواجهة الضغوط الغربية عليها لأن القوى الخارجية تنفذ مشروعًا لجعل روسيا دولة عدائية لكنهم يشنون “حرب هجينة” ضد روسيا.
- كما حاول انتهاز الموقف أيضًا لإثارة القضايا المتعلقة بالدول النامية خاصةً الديون والفقر والأمن الغذائي، وما قد تؤدي إليه من صراعات وأزمات عالمية.
- وجدد “بوتين” التزام منظمة شنغهاي ببناء نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، مستندًا للقانون الدولي مع الحفاظ على الدور التنسيقي للأمم المتحدة، وحاول “شي” التأكيد على ذلك من خلال رفض محاولات إثارة حرب باردة جديدة أو التحريض على الثورات الملونة وخلق تكتلات في المنطقة.
- ارتباطًا بذلك، روّج “شي” لبعض الأمور المتعلقة بسياسة بلاده الخارجية، مثل إبداء الاستعداد لتنفيذ مبادرة الأمن العالمي مع جميع الدول، والعمل على تعزيز تسوية الخلافات من خلال الحوار والتسوية السياسية للقضايا الحاسمة على الأجندة الدولية.
انضمام إيران
- حضرت إيران القمة كعضو في المنظمة بعد الموافقة على ذلك في القمة السابقة التي عقدت في أوزبكستان، وقد أشار الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” إلى أن “مزايا عضوية إيران الرسمية ستبقى خالدة”، واعتبر أن “إيران تعتقد أن شنغهاي منظمة ذات مؤشرات وقدرات كبيرة وموقع متميز”، لذا عبر ارتياحه للانضمام أملًا أن يساهم تواجد إيران في ضمان الأمن الجماعي والتنمية المستدامة.
- تذهب التحليلات إلى أن انضمام إيران للمنظمة، سيوفر لها الفرصة لتعزيز رغبتها بتقوية علاقتها مع كل من الصين وروسيا العضوين الأكبر في المنظمة، كما سيمنحها القدرة على المناورة الدبلوماسية مع الغرب خاصةً في المفاوضات متعددة الأطراف المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني المتوقفة في الوقت الحالي.
- ارتباطًا بذلك، ففي إطار سياسة طهران بالتوجه شرقًا في عهد “رئيسي”، تساهم عضويتها في محاربتها للعزلة المفروضة عليها من الغربي بسبب برنامجها النووي، إذ ستساعدها العضوية في تعزيز علاقتها مع الصين في مجالات عديدة مثل الطاقة والدفاع والتسليح.
- من ناحية أخرى، من الإضافات التي تكتسبها إيران ستكون قدرتها على تطوير الممرات الاقتصادية، وذلك مثل ممر شمال- جنوب الذي دشّنته مع روسيا والهند ويمر عبر بعض دول تلك المنطقة، ويفتح المجال أمام دول آسيا الوسطى للاستفادة من بنيتها التحتية وموانئها التي قد تخدم البضائع الدولية. ويساهم أيضًا في تعزيز مكانتها على المستوى الإقليمي خاصةً بفتح آفاق جديدة لحل القضايا الأمنية والتنموية التي تشهدها المنطقة، ويمكّنها من لعب دور أكثر مركزية في التعامل مع مستجدات الوضع في أفغانستان، بجانب تعزيز التجارة والتعاون المربح مع دول الجوار في آسيا الوسطى، فقد أشار المتحدث باسم إدارة الجمارك الإيرانية إلى زيادة الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى دول منظمة شنغهاي بنسبة 20% في الربع الثاني من عام 2022 بقيمة 5.5 مليار دولار.
ملاحظات حول مخرجات القمة
- وضعت الهند عدة أسس جديدة للتعاون تحت رئاستها لقمة هذا العام؛ الشركات الناشئة والابتكارات، والطب التقليدي، والشمول الرقمي، وتمكين الشباب، والتراث البوذي المشترك. كما تم إنشاء آليتين جديدتين في المنظمة شنغهاي للتعاون هما مجموعة العمل الخاصة حول الشركات الناشئة والابتكار ومجموعة عمل الخبراء بشأن الطب التقليدي وذلك بناء على مبادرة هندية.
- البعض يرى أن التحول في انعقاد القمة بشكل شخصي إلى الافتراضي يرجع إلى احتمالات عدم حضور الرئيس الصيني، بجانب الشد والجذب بين الدول الأعضاء الذي تشهده الآونة الأخيرة خاصة الهند وباكستان والصين مع وجود عدد لا بأس به من الدول الأعضاء المعادين للغرب، مما قد يضفي بعض الإحراج على الهند التي اختتم رئيس وزرائها زيارة ناجحة إلى الولايات المتحدة قبل القمة، ومع ترجيح انضمام بيلاروسيا العام المقبل بالإضافة لإيران هذا العام أن تتبنى المنظمة مواقف معادية للغرب في المستقبل حول قضايا عالمية، لكن البعض يرى أن تواجد دول آسيا الوسطى بالإضافة للهند ذات العلاقات الجيدة مع الغرب سيمنع حدوث هذا في المستقبل.
- افتراضية القمة لم تسمح للهند بالتواصل المباشر مع الدول الأعضاء من آسيا الوسطى وإيران، وهذا يستلزم منها بذل جهد أكبر في المستقبل لتعزيز تلك العلاقات والشراكات الثنائية معها.
- أكد الإعلان الخاص بالقمة على مجموعة أمور، منها؛ ضرورة التعاون لمكافحة التطرف والانفصالية، والعمل للقضاء على الظروف المساعدة على انتشار الإرهاب، وتجفيف قنوات تمويله، والقضاء على الخلايا النائمة والملاذات الآمنة للإرهابيين.
- لم يشر البيان إلى الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه أشار للتعاون مع إيران في إطار خطة عمل شاملة حول الوضع في أفغانستان.
- من أهم ما نادت به القمة كانت الرغبة في التعامل بين الأعضاء بالعملات المحلية، في إطار التخلي عن الدولار الأمريكي، إذ تعمل المنظمة على تنفيذ خارطة طريق للانتقال إلى العملات الوطنية في التجارة المشتركة. فمع الحرب الروسية الأوكرانية صعد نظام “كروس بوردر” للمدفوعات كمقابل لنظام “سويفت” لتجنب العقوبات، لكن بدأ الأمر في التزايد مع استخدام العملات المحلية للدول بدلًا من الدولار. فقد لفت “بوتين” النظر إلى ارتفاع نسبة التجارة بين روسيا والدول الأعضاء بنسبة 37%، وأن أكثر من 80% من المعاملات بين بلاده والصين تتم بالعملات المحلية للبلدين، وارتفعت إلى 40% بينها وبين الدول الآسيوية بالروبل.
- أحد أصداء القمة كان إبداء الجزائر رغبتها في الانضمام للمنظمة بصفة مراقب، وأشار وزير الخارجية “أحمد عطاف” إلى أن هذا يأتي كخطوة قبل تقييم الوضع لاتخاذ القرار بتقديم طلب للانضمام بشكل رسمي. وتنبع أحد الأسباب وراء ذلك التوجه هو ما لمّح له بأنها تسعى للاستفادة من التحول الاقتصادي الذي تشهده منطقة آسيا الوسطى، بالإضافة إلى ما يجمعها بعلاقات قوية مع كل من روسيا والصين، إذ تجمعها مع الصين شراكة استراتيجية الأولى من نوعها مع دولة عربية منذ عام 2014. كما تجمعها مع روسيا اهتمامات مشتركة في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا. كذلك، تشارك الجزائر وجهة النظر بإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب التي تدعمها المنظمة، بالإضافة لمبادئ الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ومكافحة الإرهاب. قد يساعد الجزائر هذا الانضمام في المستقبل بالدخول لمجموعة بريكس التي تشكل ربع الناتج العالمي.
- يشير هذا الأمر إلى توجه المنظمة الحثيث لتوسيع مجال عضويتها، فقد سبق أن صرح الأمين العام للمنظمة بأن رغبة التوسعة تعد بمثابة ظاهرة ملهمة، ويؤكد أن القيم التي تروج لها المنظمة على مدار السنوات الماضية باتت معروفة بشكل كبير مما دفع دول عديدة في إبداء الانضمام لها.
- تشير توسعة العضوية إلى توطيد العلاقات بين أعضاء من مناطق مختلفة بما يجعل ميزان التجارة الدولي يميل نحو الشرق بما يجعلها تقدم فرصًا للتجارة والاستثمار أمام شركات جديدة ليس فقط على مستويات الاقتصاد والتكنولوجيا، بل التطرق إلى القضايا الأمنية والدبلوماسية يساهم في تعزيز التعاون بين دول الجنوب.
- يدور الحديث أيضًا حول انضمام تركيا في حالة فشل حصولها على فرصة دخول الاتحاد الأوروبي، ففي عام 2012، حصلت أنقرة على صفة شريك الحوار خلال قمة بكين، وباتت أول دولة ترأس نادي الطاقة للمنظمة في عام 2017 دون حصولها على العضوية الكاملة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية