
سقوط مدوي … هكذا تتكشف انتهاكات أردوغان في ليبيا
كشفت عدة أحداث بالساعات الأخيرة استمرار النظام التركي في انتهاك المخرجات والتعهدات التي أتفق عليها المشاركون في مؤتمر برلين، وغيره من جولات الحوار الثنائي ومتعدد الأطراف، لوضع حد للتدخل الخارجي بالأزمة الليبية، وإيقاف تغذية الصراع بالمرتزقة والسلاح وهو ما يُعد صورة واضحة لمخالفة قرارات مجلس الامن والشرعية الدولية. وقد ظهرت عدة تقارير داخل وخارج ليبيا تعزز التورط التركي في دعم المليشيات المسلحة والمجموعات المتطرفة والارهابية التابعة لحكومة الوفاق. ويتناول هذا التقرير ما جرى الكشف عنه من دعوات للمرتزقة السوريين التابعين لأنقرة موجهة للشعب الليبي لدعمهم وقبول وجودهم بالقتال في طرابلس، كذلك عملية احتجاز السفينة المتورطة بنقل السلاح من تركيا الى حكومة الوفاق، والتي تم احتجازها بميناء جنوة الإيطالي.
رسائل المرتزقة … استعطاف أم إعلان وجود رسمي
وجه عناصر المرتزقة السوريون -الذين نقلتهم أنقرة الى طرابلس- رسائل عدة للشعب الليبي، عبر مجموعة من المقاطع المصورة، تضمنت تلك الرسائل التعريف بأنفسهم بأنهم ثوار سوريون -وحددوا أيضًا مناطقهم في سوريا- وأنهم يوجهون تلك الرسائل للحكومة والشعب الليبيين. وأنهم جاؤوا لنصرة الشعب الذي طلب دعمهم، وأنهم اختاروا ليبيا بين العديد من الساحات التي تطلب الدعم، وأنهم يضحون بأنفسهم من أجل نصرة إخوانهم في ليبيا. وتحمل تلك الموجات المتلاحقة من رسائل المرتزقة دلالة كبيرة على وجود رفض واسع للتدخل التركي في ليبيا، وبشكل أكبر لوجود المرتزقة وقتالهم الى جانب مليشيات الوفاق ضد الجيش الليبي.
ويحاول المرتزقة تخفيض حدة هذا الرفض الليبي لوجودهم، والذي امتد الى كل المستويات بما فيها عناصر مليشيات الوفاق ذاتهم؛ إذ كشفت عدة تقارير عن معارضة عدة تجمعات مليشياوية لاستعانة الوفاق بتركيا والمرتزقة لأنها تُعد إهانة للكبرياء الليبي من جهة، وأنهم يحصلون على مبالغ طائلة لم تقدمها حكومة الوفاق لهم خلال جولات القتال الماضية من جهة أخرى. كما تعززت حالات الرفض لوجود المرتزقة السوريين مع ارتكازهم بمدينة طرابلس وإقامة نقاط تفتيش للسكان، وتداول مقاطع تظهرهم يتقاضون رواتب مقابل القتال بطرابلس، بالإضافة الى ما تم كشفه من وقوع صدامات بينهم وبين عناصر من المليشيات الليبية في مطار معتيقية في وقت سابق.
ومما سبق، فإن رسائل المرتزقة رغم أنها جاءت في إطار طلب الدعم من سكان طرابلس وداعمي الوفاق، وهو نموذج يمكن تفسيره أنه جاء في إطار محاولة إكتساب التعاطف والدعم، إلا أن تلك الرسائل المنتشرة بشكل كبير يحمل بين طياته إعلان عن وجود رسمي لتلك المجموعات السورية المرتزقة في قلب معارك طرابلس، وهو إقرار لأمر واقع مفاده أن المرتزقة أصبحوا فاعل منخرط بالصراع بشكل أو بآخر وأن وجودهم تم بطلب من حكومة الوفاق، وبالتالي فهم يروا وجوب أن يتم قبول وجودهم ومشاركتهم بمعسكر الغرب الليبي وألا يحاول الفاعلين بهذه الجبهة التعارض معهم أو الانتقاص من دورهم. كذلك تأتي تلك الرسائل حاملةً تطمينات للمرتزقة المُحتمل انتقالهم الى ليبيا في الوقت القادم، وأن العناصر السورية في طرابلس قد نجحت في إيجاد موطئ قدم وتحقق اندماجًا وتأثيرًا متصاعدًا يمهد لحصد نفوذ أكبر حال وصولهم بالدعم والتمكين؛ وذلك من شأنه تحفيز المزيد من المرتزقة السوريين لاتخاذ المسار ذاته.
السفينة “بانا” … خرق تركي مستمر لحظر التسليح
لم تتوقف أنقرة عن تهريب الأسلحة والعتاد العسكري لمليشيات حكومة الوفاق، رغم تعهدها في مؤتمر برلين بالتوقف عن ذلك، وأصبحت السفن التجارية والخطوط الجوية المدنية أداة معتمدة لدى نظام أردوغان لمخالفة قرارات مجلس الامن، وانتكاس تعهداتها المتكررة بالالتزام بتمكين الحوار السياسي والحيلولة دون تفاقم الصراع. وفي سقطة جديدة كشفت السلطات الأمنية الإيطالية عن احتجازها لسفينة الشحن “بانا” في ميناء جنوة، منذ 2فبراير الجاري، بعد الاشتباه في تورطها بعمليات تهريب أسلحة من تركيا إلى ليبيا.
السفينة “بانا” هي سفينة شحن مركبات تم بناؤها في عام 1980، تبحر تحت علم لبنان، وقدرتها الاستيعابية 4401 طن. كشف تقرير عسكري فرنسي، 28يناير2020، رصد حاملة الطائرات الفرنسية “شارل دي جول” للسفينة رفقة فرقاطة عسكرية تركية قرب السواحل الليبية، وأنها نقلت أسلحة الى حكومة الوفاق.
وهو ما أكده المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، أن “بانا” سلمت المليشيات أسلحة تركية تضمنت دبابات وعربات مدرعة، كذلك قاذفات صواريخ ومدافع هاون، بالإضافة الى أسلحة نوعية أخرى.
وتُظهر البيانات الأخيرة للسفينة أنها كانت قد نقلت شحنات الى ميناء مصراتة غرب ليبيا، في 14 يناير2020، قبل توجهها الى ميناء جنوة واحتجازها.
ومع رسو السفينة في ميناء ميسينا في جنوة -شمال غرب إيطاليا- لإجراء فحوصات وصيانة عطل أصابها، توجه الضابط الثالث الى مركز الشرطة البحرية بالميناء وسلم نفسه وطلب اللجوء السياسي الى إيطاليا؛ لأن “بانا” كانت تقوم برحلات غير قانونية لنقل الأسلحة من إسطنبول الى طرابلس، وقدم أدلة مصورة تؤكد أن السفينة متورطة في تهريب أسلحة ودبابات وآليات من تركيا إلى ليبيا. وعلى الفور، قامت وحدات مكافحة الجريمة المنظمة والشرطة الخاصة الإيطالية “ديغوس” باحتجاز السفينة واخضعت قائدها للتحقيق، وبمراجعة سجلات السفينة ظهرت عمليات تلاعب بأجهزة الإرسال والاستقبال، وأكد الفحص المبدئ أن الأشهر الأخيرة تم فصل أجهزة التتبع الملاحي، وتم إخفاء السفينة من نظام الملاحة البحرية الدولي، وهو ما دفع السلطات الإيطالية للتصريح بأن الأدلة الأولية تؤكد وجود أنشطة غير قانونية قامت بها “بانا”، وتم توجيه تهمة الإتجار غير المشروع بالسلاح لقبطان السفينة.
مُجمل القول،
توالت وتصاعدت سقطات النظام التركي المستهدف زعزعة استقرار وأمن الإقليم، بذات التصاعد في توجيه أدواتها المختلفة -نقل المرتزقة وتهريب السلاح- نحو مزيد من تقويض مساعي الحل في ليبيا، وسعيها لتمكين المليشيات والتنظيمات الإرهابية من استعادة توازنهم في معادلة البحث عن تسوية الصراع الجاري. وبعد إعلان المليشيات والمرتزقة السوريين عن انخراطهم في القتال، وكشف السلطات الإيطالية عن تهريب الأسلحة والمعدات التركية الى طرابلس أصبح من الواضح للعيان أن النظام التركي لا يلتزم بأية ضوابط أو تعهدات، وبالتالي فإن إنجاح مسارات التسوية في ليبيا يستلزم إيجاد آلية شفافة لدول الجوار الليبي والدول المعتدلة المهتمة بالأزمة لضبط الحدود والمرافئ؛ لإيقاف الانتهاكات التركية. كما يتطلب أن تتحرك البعثة الأممية بشكل إيجابي لتوثيق تلك الخروقات ودفع مجلس الامن الى مواجهة السلوك التركي بمظلة المنظمة الأممية.