ليبيا

انتهاكات المليشيات … ماذا كشف تقرير الأمم المتحدة حول استهداف مركز تاجوراء؟

أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR)، تقريرًا حول استهداف مجمع الضمان في تاجوراء، 2 يوليو 2019، والذي تناول طبيعة المجمع والضربات التي استهدفته، والآليات القانونية للتعاطي مع الحادث. كذلك استعرض التقرير مجموعة من النتائج والتوصيات للأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة بالأزمة، وسبل منع تكرار هذه الحوادث. ورغم من محاولات التوظيف الموجهة لنتائج التقرير المحدودة في تحميل الجيش الوطني الليبي مسئولية تلك الضربات، فإن هذه الورقة تسعى لكشف أبرز ما جاء فيه من توثيق لانتهاكات المليشيات المسلحة لحكومة الوفاق الوطني، وكيف أنها تمارس أنشطة يُمكن اعتبارها جرائم حرب بالقانون الدولي، وأنها تقوم بتوظيف مراكز الاحتجاز والمجموعات المحتجزة من المهاجرين في أنشطة عسكرية، وصولاً الى خلاصة عامة للقراءة في هذا التقرير وآليات البناء عليه لإيقاف انتهاكات المليشيات المستمرة.

مجمع الضمان بتاجوراء نموذجًا لانتهاك القانون الدولي الانساني

يُعد مجمع الضمان بتاجوراء أحد النماذج المتكررة في ليبيا لسيطرة المليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق على المواقع المدنية واستخدامها كدروع بشرية لتأمين المواقع العسكرية، والتوظيف القسري للمهاجرين في الأنشطة القتالية. وقد كشف تقرير البعثة الأممية في ليبيا أن المجمع يضم العديد من المنشآت التابعة لحكومة الوفاق الوطني، ومقرًا تابعًا لوزارة العدل والشؤون الاجتماعية، بالإضافة الى مقر للجنة المحلية لدعم المهاجرين غير الشرعيين، ومركزًا لاحتجاز للمهاجرين التابع للأخيرة. كما يحتوي المجمع على مقر لواء الضمان -مليشيا مسلحة تابعة لحكومة الوفاق الوطني تابعة لوزارة الداخلية- وورش تصليح وتخزين المعدات والأسلحة والذخائر المستخدمة في الأنشطة القتالية.

Image result for ‫مجمع الضمان ليبيا‬‎

وأكد التقرير على انتهاك لواء الضمان بقيادة “عادل دريدير” لمسئوليته وفقًا للقانون الإنساني الدولي؛ إذ لم يبذل اللواء جهودًا كافية لحماية المحتجزين المدنيين، واتخاذهم من موقع مرفق الاحتجاز مجمع يضم مقراتهم وأهدافهم العسكرية الأخرى، مما يعرض المهاجرين واللاجئين المحتجزين لخطر كبير. كما فشل لواء الضمان في إبعاد المحتجزين عن الاهداف العسكرية المُحتملة أو نقل المعدات العسكرية من منطقة مركز الاحتجاز رغم وقوع ضربة سابقة على المجمع في مايو 2019، وهو ما اعتبره التقرير تصرف “يرقى إلى حد انتهاك لواء الضمان والوكالة الوطنية لالتزامهما باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين الخاضعين لسيطرتهم من آثار الهجوم”. وبالتالي فقد جاء التقرير كاشفًا لاستخدام مليشيات الوفاق للأهداف المدنية، وخصوصًا مراكز احتجاز المهاجرين، دروعًا بشرية لحماية المعدات والعتاد العسكري من ضربات الجيش الوطني الليبي. وهو ما يعرض المدنيين لخطر الوقوع في مرمى العمليات والأنشطة العسكرية بين الطرفين. 

انتهاكات مستمرة ضد المهاجرين

أوضح التقرير وجود أنماط متعددة من الانتهاكات تُمارس ضد المهاجرين بمراكز الاحتجاز، فقد استعرض التقرير وجود أنشطة للمليشيات لإجبار المهاجرين في آداء أعمال متعلقة بالعمليات العسكرية؛ فخلال مقابلات البعثة من مجموعة من المهاجرون كشفوا عن تعرضهم بشكل روتيني للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي عناصر المليشيات، وأشاروا إلى تعرضهم للضرب بأنابيب المياه والقضبان المعدنية وأعقاب البنادق والعصي، كذلك إجبارهم على وضع أوضاع غير مريحة كالقرفصاء لفترات طويلة، واللكم والركل. كما أُجبر عددًا منهم على العمل في ورشة إصلاح المركبات العسكرية والأسلحة والذخيرة، وتم نُقل عددًا منهم للعمل في الميناء لتفريغ المواد العسكرية. وتضمنت انتهاكات المليشيات إخفاء وجود اعداد من المهاجرين وعدم إبلاغ البعثة الأممية بهم، ففي 3 نوفمبر 2019، تم إبلاغ البعثة بوجود حوالي 110 مهاجرًا ولاجئًا في طرابلس، كانوا محتجزين بتاجوراء لم يتم تسجيلهم بعد لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

Related image

وأشار التقرير الى احتمالية وقوع بعضهم في عمليات تجنيد قسري ضمن صفوف مليشيات الوفاق. وأفاد مسئولي لجنة دعم المهاجرين المحلية للجنة التحقيق أن كل المهاجرين واللاجئين في مركز احتجاز تاجوراء تقدموا بطلبات للانتقال إلى بلد ثالث آمن بسبب المخاوف من النزاع الحالي، وأن حكومة الوفاق أعلنت إغلاق ثلاثة مراكز احتجاز للمهاجرين واللاجئين في ليبيا، بما في ذلك مركز احتجاز تاجوراء، إلا أنه حتى تاريخ إصدار التقرير، ظل المركز مفتوحًا ويضم 200 مهاجر ولاجئ. وكشف التقرير عن تصفية عدد من المهاجرين بعد الغارة التي استهدفت ورشة إصلاح المعدات العسكرية، حيث وقعت عمليات إطلاق النار في مركز الاحتجاز -وفقًا لعدد من الشهود- إذ أطلق رئيس مركز الاحتجاز الرصاص على ثلاثة مهاجرين من الذكور واللاجئين الذين كانوا يحاولون فتح الأبواب والهروب من المبنى خلال القصف، ولم يقدم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أسماء الضحايا أو أي تفاصيل أخرى؛ لتخوفهم من انتقام المليشيات. وعززت البعثة طرحها لعملية تصفية اللاجئين بما أظهرته كاميرات المراقبة بالمجمع، حيث كشفت وجود حراس مسلحين ببنادق هجومية خارج الحظيرة خلال الغارات. وأنه بمواجهة مدير المركز بتلك الإفادات فقد رفضها، بينما أكد أن أفراد الأمن التابعين للجنة المحلية لدعم المهاجرين أنهم كانوا مجهزين بالبنادق، ومن ضمنها ثلاث بنادق هجومية من طراز 47 AK- على الأقل. 

تزييف الأدلة والتلاعب بمسرح التحقيق

أشار التقرير الى أن البعثة قد قامت بعدة زيارات لموقع الحادث في الفترة من 3 الى 6 يوليو 2019، وقد أظهرت المعاينة وجود مبنيين تم اصابتهم في المجمع، الأول هو ورشة لإصلاح المركبات العسكرية على بعد حوالي 105 متر شرق مركز الاحتجاز، يستخدم في تقديم الخدمات للمركبات العسكرية، وقد أدى القصف إلى تدمير سيارة بيك آب مزودة بمدفع رشاش مزدوج كانت داخل الورشة وقت الانفجار، وقد سارعت المليشيات الى إزالتها من الموقع في صباح يوم 3 يوليو. وأكد التقرير وجود طلقات ذخيرة عيار 23 ملم على أرضية المبنى، وقد أفاد عناصر المليشيات أنها ذخيرة قديمة. وقد ذكر التقرير أنه “كان من الواضح أنه تم بذل جهود لتطهير المنطقة داخل المبنى حيث أن المعدات المتحركة للأرض كانت قيد الاستخدام بالقرب من المبنى“. 

Related image

ووفقا للتقرير تم نقل المهاجرون واللاجئون المصابون إلى أربعة مستشفيات مختلفة في طرابلس، وهي مستشفى جامعة طرابلس، ومستشفى معيتيقة، ومستشفى أبو سليم، والمركز الوطني للقلب (وتسمى أيضًا مستشفى تاجوراء للقلب)، وفي 19 أغسطس 2019، سافرت البعثة إلى مرفق التجمع والمغادرة، في طرابلس، حيث تم نقل معظم الناجين، لمقابلتهم، لكن عناصر الحشد المليشياوي رفضت دخولهم، رغم تأكيدات نائب وزير الداخلية للهجرة بأنه سيتم منح كيانات الأمم المتحدة الوصول إلى موقع المهاجرين. كذلك تزامن زيارة البعثة الأممية للموقع، 3 يوليو 2019، مع وجود تحقيق جنائي ليبي حول الحادث تقوده وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، وطلبت البعثة رسمياً اطلاعها على نتائج التحقيق، وحتى وقت إصدار هذا التقرير، لم تكن هذه المعلومات قد وردت بعد الى الأمم المتحدة.

نتائج وتوصيات محدودة

جاء التقرير محملاً بالعديد من النتائج المحدودة، التي تؤكد أنه لم يتم بالشكل والإجراءات الميدانية التي تساعد في الوصول الى حقيقة المسئولية حول إستهداف مركز الاحتجاز؛ حيث اعتمدت اللجنة على تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد مسماري، أن القوات الجوية شنت غارات جوية على منطقة طرابلس في 2 يوليو على هدف مشروع في تاجوراء -ورشة لواء الضمان العسكرية- بعد جمع معلومات مخابراتية على الأرض. وبالتالي استند التقرير الى رواية أن الجيش الوطني هو من قصف الورشة ومركز الاحتجاز معًا، متجاهلةً نفي الجيش الوطني الليبي مسؤوليته عن قصف مركز الاحتجاز، والذي وصفه بأنه جريمة ارتكبتها جماعات إرهابية. وأعرب عن أمله في إجراء تحقيق مستقل في الحادث.

Image result for ‫البعثة الاممية الى ليبيا‬‎

كما قدم التقرير رؤية أن نقاط دخول القنابل في كلا المبنيين تشير أن الذخائر المستخدمة كانت موجهة، ورغم عدم وجود أدلة كافية لتحديد نوع نظام التوجيه المستخدم وعدم وجود أي براهين تدل على وجود قنابل موجهة من النوع المشار إليه في هذا الحادث في حوزة الجيش الوطني أو مليشيات الوفاق، إلا أن التقرير قد ألمح الى دور طيران داعم للجيش الوطني قد أضطلع بمهمة قصف المركز وورشة المعدات العسكرية. وكانت التوصيات المشمولة بالتقرير مركزةً على منح تعويضات للضحايا، واتخاذ تدابير لعدم تكرار هذا الحادث. كذلك إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وشاملة في ملابسات الغارة على المجمع والانتهاكات التي ترتكبها المليشيات بحق المهاجرين، لاسيما قتل ثلاثة منهم في مركز تاجوراء على أيدي عناصر المليشيات، واتخاذ خطوات فورية لضمان عدم احتجاز المهاجرين واللاجئين بالقرب من الأهداف العسكرية المحتملة، والدعوة لإغلاق جميع مراكز احتجاز المهاجرين، والامتثال التام لحظر الأسلحة تمشيًا مع قرار مجلس الأمن.

ومجمل القول، فإن ممارسات المليشيات لأنشطة ترقى لجرائم الحرب وخرقها المستمر لمبادئ القانون الدولي الإنساني هي سمة أصلية في التنظيمات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وستستمر تلك الخروقات والممارسات اللاإنسانية طالما ظلت تلك المجموعة مستترةً بستار حكومة -غير معتمدة- يجهر المجتمع الدولي بالاعتراف بها، رغم افتقادها القدرة على السيطرة على عناصر تلك التنظيمات المسلحة، التي تعدد المواجهات فيما بينها بل التي وصلت الى اقتحام مؤسسات حكومية وتهديد القائمين عليها. ويبقى أن التقرير الاممي الأخير قد كشف حجم الممارسات والجرائم التي تُمارس ضد المهاجرين، وهو ما يستلزم إيجاد دعم دولي لأنشطة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ومساعدتها في حسم ملف حل تلك المليشيات والتنظيمات الإرهابية، بما يضمن عدم إدماجها بالمؤسسات الأمية الموحدة، وكذلك ملاحقة كل من تورط منهم في الجرائم التي سبق الإشارة اليها.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى