ليبيا

توظيف سلبي لهدنة هشة … الى أين تتجه حكومة الوفاق؟

تسعى الأطراف الليبية الى استثمار الهدنة المقررة منذ 13يناير الجاري في أعقاب الدعوة الروسية لوقف إطلاق النار، فعلى الجانب الشرقي يتجه البرلمان الليبي والقيادة العامة للقوات المسلحة لتثبيت التقدمات الأخيرة سياسيًا وميدانيًا، وإتاحة الفرصة لمسارات التسوية الاقتصادية والأمنية والسياسية -التي تحظى برعاية الأمم المتحدة- لإظهار جدية رغبتهم في توحيد وحفظ مقدرات الدولية الوطنية الليبية. أما على الجانب الغربي، فتكشف أنشطة حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي عن محاولاتها لاستعادة التوازن أمام تقدمات الجيش الوطني مؤخرًا، وخصوصًا بعد سيطرته على مدينة سرت ودخوله منطقة الاحياء جنوب طرابلس، وتتجه لذلك عبر توظيف المليشيات المسلحة للتقدم وإستعادة نقاط ميدانية غرب سرت، وتدعيم صفوفها بالمرتزقة وحماية قاعدة معيتيقة من سلاح الجو الليبي. وهو ما لا يتعارض -وفقًا لرؤية الوفاق- مع استمرار وقف إطلاق النار؛ كونه يؤجل تقدم القوات المسلحة ويمنحها الوقت اللازم لتعويض خسائرها، وإعادة تنظيم صفوفها وتطعيمها بالمليشيات المتطرفة والمرتزقة السوريين. وتبحت هذه الورقة في اتجاهات عمل حكومة الوفاق الوطني، والدول الداعمة لها، لاستثمار الهدنة في إعادة التوازن بين ميليشياتها وقوات الجيش الوطني، واستشراف مسارات التسوية بأبعادها المختلفة في ظل استمرار ذات السياسيات داخل الوفاق وداعميها.

إعادة التوازن وتعويض خسائر الميليشيات

تتعدد نماذج وتحركات الوفاق الوطني لتعويض خسائرها خلال الفترة السابقة، ومحاولة تنفيذ عمليات نوعية ونقل تكنولوجيا متقدمة للاستعداد لقتال ما بعد الهدنة، ويمكن استعراض أبرز تلك التحركات كما يلي:

نقل المزيد من المرتزقة السوريين:

 كشفت عدة تقارير وصول العديد من الرحلات الخاصة بنقل العناصر السورية المنقولة الى طرابلس للمشاركة في القتال ضمن صفوف مليشيات حكومة الوفاق، بعد إعلانها الالتزام بوقف إطلاق النار، كما استمرت مكاتب استقبال العناصر السورية بالمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في شمال سوريا في حشد تلك المجموعات تمهيدًا لنقلها الى ليبيا. وترتفع الأرقام الرسمية التي تتناول إحصاءات لأعداد هذه العناصر، فقد أكد المبعوث الاممي الى ليبيا “غسان سلامة” أن العدد وصل الى 2000 من المرتزقة السوريين، فيما ارتفع العدد وفقًا للمرصد السوري لحقوق الانسان الى 3250 مرتزق، وصرح الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، اللواء أحمد المسماري، وتيرة نقل المرتزقة تصاعدت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وبالفعل تم ارسال المئات منهم الى طرابلس. 

Image result for ‫مرتزقة سوريين ليبيا‬‎

نصب منظومة دفاع جوي بقاعدة معيتيقة:

 أصبح قاعدة معيتيقة بوابة ثمينة لدى الوفاق وتركيا؛ حيث يمثل المنفذ الجوي الوحيد لطرابلس، وتعتمدان عليه بشكل أساسي في استقبال المرتزقة السوريين، ونقل المعدات العسكرية التركية والروسية التي تدعم بها صفوف المليشيات، كذلك احتواءه غرف إدارة العمليات والطائرات المسيرة التي يقوم عليها قوات تركية، ناهيك عن أن القاعدة مُلحق بها مطار مدني مما يسهم في عمليات التمويه خلال عمليات الشحن العسكري، ويساعد في توظيف أي ضربات للجيش الليبي ضدها بأنها اعتداء على مرافق مدنية. واتساقًا مع تلك الاهمية وتراجع قدرات الوفاق والمليشيات لتضمن تأمين القاعدة، نقلت ونصبت القوات التركية منظومة دفاع جوي من طراز (3I-HAWK PIP-)، وهو ما كشفت عنه تقارير مصورة لبعض مستخدمي القاعدة، ثم أكدته تقارير صادرة عن جهات إعلامية تابعة لحكومة الوفاق، فضلاً عن المعلومات التي صرح بها المتحدث باسم الجيش الوطني. 

Image result for ‪I-HAWK PIP-3 تركيا‬‏

محاولة استعادة المناطق المحررة:

 تدرك حكومة الوفاق صعوبة موقفها التفاوضي بعد التقدم الذي أحرزه الجيش الوطني، والذي حسم خلاله السيطرة على مدينة سرت واقترابه من مدينة مصراته على بُعد 100كم منها، كذلك تقدمه الواضح في مناطق جنوب العاصمة وتمكنه من دخول حي أبو سليم ومشروع الهضبة. وتسعى المليشيات لتحقيق أية تقدم مضاد خلال الهدنة بأقل تحرك عسكري ممكن؛ لانتزاع انتصار معنوي والبناء عليه كدليل على قدرة ميليشياتها على التصدي للجيش، وإظهار أن الحل العسكري غير محسوم لصالح الجيش الوطني وأنه وسيلة قد تلجأ لها إذا ما تعطل الحل السياسي أو أتى بما لا يتوافق ورغباتها. وجرت محاولات عدة لاختراق تقدمات الجيش على كافة خطوط المواجهة، كان آخرها محاولة استعادة مدينة سرت عبر فرض السيطرة على منطقة أبو قرين جنوب شرق مصراته، وهو ما فشلت فيه المليشيات ومكن القوات المسلحة من التقدم والسيطرة على المنطقة بأكملها بالإضافة الى منطقة وادي زمزم، وأصبحت مدينة مصراته خيارًا جديدًا للجيش الوطني إذا ما عادت العمليات العسكرية للواجهة من جديد.

Related image

الحصول على عتاد عسكري متقدم تقنيًا

تمكنت حكومة الوفاق من دعم عناصرها بالعديد من الأسلحة المتقدمة؛ لتكون أكثر قدرةً على مواجهة ضربات الجيش الوطني في مواجهات ما بعد الهدنة. وتضمنت تلك الأسلحة مضادات للطائرات وأنظمة للتشويش على الطائرات المسيرة التابعة للقوات المسلحة، كذلك وفر الدعم العسكري التركي دفعات جديدة من الطائرات المسيرة وغرف التحكم والعناصر التركية القادرة على التحكم في تلك المنظومات؛ لتعويض الدفعات السابقة التي أسقطها الدفاع الجوي بالجيش الوطني مسبقًا، والتأكيد على أن قوات الوفاق لديها قوات جوية تقاسم الجيش في السيطرة على الأجواء الليبية. وقد ارتبط نقل الأسلحة الحديثة لمليشيات الوفاق بنقل قوات تركية وخبراء لإدارة عمليات التدريب والاعداد للمواجهات القادمة، وضمان التوظيف الجيد للمعدات والاليات الجديدة وعدم وقوعها بأيدي الجيش الوطني بسهولة مثلما حدث في مدينة سرت.

Related image

مستقبل التسوية في ظل سياسيات الوفاق

تجسد ممارسات وسياسات حكومة الوفاق وأنقرة تقويضًا بين للهدنة وعملية وقف إطلاق النار، وتهدد بشكل داعم بانهيارها وعودة العمليات العسكرية. وقد عبرت بعثة الأمم المتحدة عن ذلك في بيان نص على إنها “تأسف أشد الأسف للانتهاكات الصارخة المستمرة لحظر التسليح فى ليبيا، حتى بعد الالتزامات التي تعهدت بها البلدان المعنية خلال المؤتمر الدولي الذي عقد فى برلين حول ليبيا”. ويقود ذلك الى أهمية تفعيل مظلة برلين الدولية لاحترام حظر التسليح ووقف العمليات العسكرية، بالإضافة الى تطبيق الالتزام الذي وقع عليه الرئيس التركي -وفقًا لتصريحات غسان سلامة- والمعني بسحبه للمرتزقة السوريين الذين تم نقلهم لدعم حكومة الوفاق، وإيقاف أي نشاط لنقل المزيد منهم الى ليبيا.

ومما سبق، فقد فرغت حكومة السراج وداعميها الهدنة من مضمونها الحقيقي كوسيلة لوقف التصعيد والبناء عليها لترسيخ مسارات التسوية كقاعدة عمل وطنية، واستغلتها من أجل إعادة بناء قوة عسكرية وتسليح عناصرها بأسلحة حديثة؛ مستهدفةً تضييق الفجوة بينها وبين الحالة الميدانية والمعنوية للجيش الوطني. ومما سبق فإن الاستثمار السلبي للهدنة يعزز تهديدات ومخاطر انهيارها، وتجدد نزاع مسلح أكثر اشتعالًا من المراحل السابقة، ويجعل طرابلس ومصراتة والزاوية -المدن الباقية تحت سيطرة المليشيات- بؤر لتحشيد واجتذاب عناصر المرتزقة والمتطرفين ومن على شاكلتهم من المجموعات الإرهابية التي تجد في بيئات الصراع حواضن لفكرها وأنشطتها، وهو ما يعزز تهديد تصاعد انتشار التنظيمات الإرهابية والعنف في سائر المناطق الليبية.

وخلاصة القول، فعلى الأطراف الدولية المنخرطة بالأزمة، وخصوصًا مجموعة برلين، كبح التحركات المقوضة لاستمرارية الهدنة، والتعجيل بآليات لمراقبة عملية تطبيق قرار مجلس الامن بوقف تصدير السلاح الى ليبيا. وعلى الصعيد الإقليمي ودول الجور الليبي، فهناك حاجة ماسة لتحرك تلك الفواعل وإيجاد ضبط لتحركات نقل العناصر المتطرفة والارهابية والمرتزقة وفقًا لمظلة دولية-إقليمية كالاتحاد الافريقي والجامعة العربية، وتفعيل أدواتها بشكل جماعي لوقف خطر تحول ليبيا الى مفرخة للتنظيمات الإرهابية الهاربة من ضربات القوي الدولية في سوريا والعراق، والأخرى التي توظفها أنقرة لخدمة مصالحها المشبوهة بالأزمة. فضلاً عن دعم جهود الأطراف الوطنية والاجسام الشرعية الليبية والمكونات المجتمعية في تحقيق الاستقرار، ورفض دخول ليبيا كساحة لاحتواء المجموعات الإرهابية والمرتزقة التي ستسعى في المراحل القادمة لتغيير التركيبة السكانية بمناطق الصراع؛ لضمان استمراريتها واستثمار ليبيا كمحور انطلاق بنشاطها في القارة الافريقية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى