
دراسة ترصد كيف تحولت “ممتلكات المعارضة التركية” كغنائم لـ”أردوغان”
يُعد حق التملك من ابرز الحقوق الطبيعية التي اقرتها الشرائع الدينية، ونصت علية الدساتير والمعاهدات الدولية، وعلي الرغم من ذلك فقد دأبت حكومة الرئيس رجب طيب اردوغان بتجاهل هذا الحق خاصة للمخالفين لسياستهم، فقامت بمصادرة اموالهم، واستولت علي مؤسساتهم, لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، فبات انصار الأستاذ كولن- وخاصة رجال الأعمال– ضحية لهذه التصفية الصارمة. حيث تم الاستيلاء علي شركاتهم ، وتعيين حراس لها لهم صلة قوية بحزب اردوغان، ذلك قبل ان تصادر الحكومة اصول تلك الشركات نهائيًا وتوجيه ادعاءات لأصحابها لا اساس لها من الصحة, منتهكة بذلك الدستور التركي والمعاهدات الدولية الملزمة بأن لكل شخص طبيعي حق التمتع السلمي بممتلكاته.
وقد بلغت تلك الاجراءات التعسفية تجاه رجال الأعمال درجة اضطرتهم الي تقديم طلبات للحصول علي ” شهادات فقر“. كما ادي تأجيج الحكومة لمشاعر الكراهية ضد المتعاطفين مع الخدمة الي زيادة وتيرة الهجوم علي تلك المؤسسات، وصلت الي حد اطلاق النار علي اصحاب هذه الشركات والمؤسسات وتعرضهم الي معاملة غير انسانية وحرمانهم من الاحتياجات الأساسية اللازمة بشكل تعسفي اثناء اعتقالهم.
وبالرغم من تلك الانتهاكات الصريحة، فلم تخجل الحكومة التركية من الحديث عن عدد الشركات التي تمت مصادرتها، حيث صرح محي الدين جلال عام 2018، وهو رئيس صندوق تأمين الودائع الادخارية ” TMSF ” بقيام الأمناء بإدارة 1022 شركة، بلغت قيمة اسهمها حوالي 3,3 مليار دولار امريكي وقيمة اصولها نحو 8,5 مليار دولار امريكي.
الا ان الأرقام التي ذكرها جلال لم تتضمن الاصول الخاصة بحوالي 127 شخصية و 19 اتحادًا بالإضافة الي 15 جامعة و 49 مستشفيي علاوة علي 174 منفذًا اعلاميًا و 1419 مؤسسة وما يقرب من 2271 من المؤسسات التعليمية التي صادرتها الحكومة. حيث تقدر القيمة الاجمالية لجميع الأصول بنحو 17 مليار دولار امريكي.
في هذا الاطار يقدم تقرير ” ممتلكات المعارضة غنائم اردوغان بعد مسرحية الانقلاب” بيان حقائق بشأن انتهاكات الحكومة التركية المتعددة لحقوق الملكية، كما يهدف التقرير الي عرض ابرز الشركات التي تمت مصادرة اصولها وأموالها في تركيا وحجم هذه الأموال.
مراحل سطو اردوغان علي ممتلكات المعارضة

تشابهت الممارسات الغير عادلة للحكومة التركية والخاصة بتأميم ممتلكات معارضيها، مع ما فعله جوزيف مكارثي من مطارده وهمية للشيوعية بأمريكا، وعمليات التطهير الستالينية في ثلاثينات القرن الماضي، وانقسمت هذه الممارسات الي عدة مراحل:
المرحلة الأولي “التوعد”
استهدفت خلالها الحكومة التركية حركة الخدمة بعد عمليات الفساد التي تم الكشف عنها عام 2013، وظهر فيها تورط عدد من وزراء حكومة اردوغان، واستولت السلطات التركية في البداية علي بنك اسيا، عام 2015, بعد توعد اردوغان لحركة الخدمة التي زعم بأن لها صلة وثيقة بكشف عمليات الفساد المتورطة فيها اعضاء حكومته.
المرحلة الثانية “بدء التنفيذ”
كثفت السلطات التركية خلالها من ممارستها القمعية ضد الخدمة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، فصارت الاعتقالات بالجملة وفي 5 اغسطس 2016، تعهد اردوغان بإيقاف انشطة الشركات التي لها صله وان كانت بسيطة بحركة كولن، وبالفعل فقد تم مصادرة اكثر من 1000 شركة قدرت اصولها بنحو 11,5 مليار دولار وذلك في وقت محاولة الانقلاب الفاشلة.
المرحلة الثالثة ” التوغل”
وبحلول عام 2018، وطبقا لبيان المديرية العامة لسجل الأراضي في تركيا, فقد تم في هذه المرحلة، نقل ما يقرب من 5853 عقارًا الي وزارة المالية واحالة 2117 عقارًا الي المديرية العامة للمؤسسات, بالإضافة الي نقل اجمالي 6700 عقارٍا يمتلكها أعضاء مزعومون في حركة كولن الي مؤسسات عامة.
أبرز الأصول والشركات التي صادرتها حكومة اردوغان
بويداك القابضة |
تأسست بويداك القابضة عام 1957 في قيصري وتنوعت قطاعاتها ما بين صناعة الأثاث والمنسوجات والمنتجات الكيميائية والخدمات المصرفية والتسويق والحديد والصلب وتقديم الخدمات اللوجستية والطاقة وعمليات المعالجة الآلية للمعلومات. وبلغت قيمة مبيعات الشركة في 2016 نحو 5.5 مليار ليرة تركي. وعقب محاولات الانقلاب الفاشلة، اعتقلت السلطات التركية ثلاثة من رجال الأعمال البارزين وهم مصطفى بويداك رئيس مجلس الإدارة واثنين من كبار المدراء التنفيذين شكري وخالد بويداك. وفي الحادي عشر من يوليو عام 2018 وجهت محكمة قيصري الى مصطفى بويداك واخرين تهمة إدارة جماعة إرهابية، بالإضافة الى مساهمة أسهم المدعي عليهم والتي كانت قد وضعت بالفعل تحت ادرة المفوضين المعينين من قبل الحكومة. يُذكر ان أصول الشركة تُقدر بنحو 7.8 مليار ليرة، وتبلغ قيمة مبيعاتها نحو 3.8 مليار ليرة. |
ناكسان القابضة |
تأسست ناكسان القابضة عام 1960 على يد السيد محمد نقيب أوغلو وشرعت العائلة في بيع الاغطية المصنوعة من البولي إيثلين والأغطية الخاصة بالصوبات الزراعية. وأضحت ناكسان شركة عالمية لديها أنشطة في كل من الأسواق المحلية والدولية، بفضل طاقتها الإنتاجية التي تبلغ نحو 200.000 طن سنويًا. وبعد فترة وجيزة من محاولة الانقلاب، تم إلقاء القبض على مالك ناكسان القابضة جاهد نقيب اوغلو وابنه وتم وضع ناكسان القابضة تحت إدارة الأمناء. وأُعتقل جاهد نقيب اوغلو مرة أخرى بعد يوم واحد فقط من إطلاق سراحه ووضع تحت الإقامة الجبرية في يناير 2018. وذلك؛ بسبب الادعاءات الموجهة الي الشركة بارتباطها بحركة كولن وتقديمها الدعم المادي لها. يُذكر ان الخطط الاستثمارية لشركة ناكسان تزيد عن 1.5 مليار ليرة تركي في عام 2016. |
بنك آسيا |
تأسس بنك آسيا فب أكتوبر 1996 كسادس هيئة للتمويل الخاص في تركيا. امتلك بنك آسيا رأس مال ابتدائي يُقدر بنحو 2 مليون ليرة بالإضافة الى 900 مليون ليرة تركي كرأس مال مدفوع، وبحلول عام 2009 وصل اجمالي أصوله نحو 14 مليار ليرة تركي. وفي عام 2010، ذكرت مجلة (The Banker) أن مركز بنك آسيا قد ارتفع 47 مركزًا في التصنيف بقائمة أفضل 1000 بنك حسب تصنيف البنك الدولي ليصبح في المركز 473 بدلًا من 520. وأصبح بنك آسيا أكبر بنك مساهم في تركيا، وذلك قبل مصادرته وإغلاقه بعد ذلك بسبب مزاعم علاقات بينه وبين حركة الخدمة بقيادة فتح الله كولن التي اعتبرت حركو تهدد الأمن القومي التركي. وبالتالي فقد بنك آسيا جزءًا كبيرًا من ودائعه وعقوده المبرمة مع الوكالات الحكومية وانخفض صافي دخل البنك بنسبة 81%. حينها طلب كولن من محبي حركة الخدمة ان يقوموا بإيداع أموال في البنك من أجل منع حدوث الإفلاس. وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة 2016 أعلن صندوق تأمين الودائع الادخارية أنه سيتم تجميد عمليات بنك آسيا كما شرعت محكمة الاستئناف العليا باعتبار ان كل هؤلاء الذين لبوا الدعوة بإيداع أموالهم بالبنك متهمين بمساندة حركة إرهابية وبدأت محاكماتهم وطالبت بسجنهم مدة لا تقل عن 6 سنوات. |
على كرفانجي |
هو أحد أغنى أغنياء إسطنبول، كان يمتلك العديد من الممتلكت العقارية، وتنازل عن جميع ممتلكاته لابنه بعد ان بلغ السبعين من عمره وانتقل للعيش بجنوب افريقيا وهناك تبرع بمبلغ 34 مليون دولار لبناء مجمع مساجد على الطراز العثماني – يُسمى الكلية النظامية-بمدينة جوهانسبرغ. وبعد محاولة الإنقلاب الفاشلة، صادرت الحكومة التركية شركاته وممتلكاته العقارية بزعم ان هذا المسجد أصبح مأوى لأتباع حركة كولن الفارين من تركيا. واضطر على كرفانجي الى مغادرة جنوب افريقيا بعد ذلك بسبب التهديدات التي تلقاها من المسؤولين الأتراك. |
هاكان شوكور |
هو لاعب كرة قدم تركي مشهور معتزل، كان يلعب مهاجمًا في فريقه. بلغ أجمالي تمثيل شوكور لتركيا نحو 112 مرة وأحرز 51 هدفًا، مما جعله يعتلي قائمة هدافي تركيا ويحتل المركز التاسع عشر عالميًا. وفي يونيو 2011 تم انتخاب شوكور عضوًا في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية، وفي ديسمبر 2013 استقال شوكور المعروف بتعاطفه من حركة كولن من منصبه وكانت الحكومة التركية حينئٍذ قد بدأت بالفعل في استهداف من ينتمون الى حركة الخدمة. وفي فبراير 2016 أُتهم شوكور بالإساءة الى الرئيس أردوغان في تغريده له على تويتر وبعدها صدر أمر بالقبض عليه وأُتهم بأنه أحد أعضاء جماعة إرهابية مسلحة. وفي يونيو 2016 فرّ شوكور هاربًا الى سان فرانسيسكو وقد أصدرت محكمة إسطنبول قرارًا بمصادرة جميع حساباته المصرفية وسياراته وأصوله التي كانت تُقدر بما يُقارب 200 مليون ليرة تركية. |
كايناك القابضة |
بدأت كايناك هولنج في خدمة قطاع النشر لأول مرة في عام 1979. وكانت كايناك هولدنج تُقدم خدماتها لجميع أنحاء تركيا وتمارس الأنشطة التجارية مع أكثر من 100 دولة خارجية. وقبل محاولة الإنقلاب الفاشلة في نوفمبر 2015، قررت محكمة السلام الجنائية في اسطنبول وضع شركة كايناك القابضة تحت إدارة المفوضين بذريعة وجود صله بينها وبين حركة الخدمة وقد شمل القرار 19 من الشركات التابعة لها. وفي نوفمبر 2017 أصدر مكتب المدعي العام بالأناضول في إسطنبول مذكرة إعتقال بحق 102 من موظفي كايناك وطالب المدعون سجن كل موظف مدة اثنين وعشرين عامًا ونصف. |
فاروق جولّو |
أحد رجال الأعمال البارزين، كان يدير سلسلة مطاعم ومقاهي حاملة لأسمه، كما صنف كأحد أكبر منتجي البقلاوة في تركيا وتبعه في هذا المجال ما يقرب من 70 محلًا في تركيا. وفي سبتمبر عام 2016، تم اعتقاله ضمن 28 رجال اعمال اخرين، وفي يناير عام 2017 وضعت الحكومة التركية ممتلكات جولَو تحت اشراف مفوضين من قِبلها، وبالتالي تولي صندوق تأمين الودائع الادخارية الاشراف علي تلك الممتلكات . |
مجموعة سوفاري للملابس |
تأسست مجموعة سوفاري عام 1967م. ومثلت الشركة علامة تجارية لبيع الملابس الجاهزة بالجملة من هذا الحين، حيث كانت من المنافذ القليلة للبيع بالتجزئة والجملة فجمعت سوفاري منتجاتها وعملائها في 152 متجرًا تابعًا لها في تسع دول. تم مصادرة سوفاري في اكتوبر عام 2016، وقد كانت المجموعة حينها تمتلك اكثر من 150 فرعًا بتركيا وحدها، و 148 فرعًا في 14 دولة أخري, وقدر مبيعات الشركة السنوية بنحو 150 مليون ليرة تركية. |
شركة إنانلار للإنشاءات |
تأسست الشركة عام 1965، متخذة اسطنبول مقرًا لها وتركزت أنشطة الشركة على قطاع الإنشاءات العقارية، بشكل رئيسي في تشييد وبيع المنازل، ومزود معتمد للمبيعات والخدمات الخاصة بعلامات تجارية مثل شركة رينو وداسيا وهيونداي. بلغ اجمالي مبيعات الشركة السنوي ما يقدر بنحو 600 مليون ليرة تركي، وبعد محاولة الانقلاب تم اعتقال مالك الشركة سردار عنان في اغسطس عام 2016، وتوالت العقبات على الشركات التابعة له حتى اعلنت افلاسها عام 2017. |
في يابي |
تأسست في يابي عام 2006، علي يد فكرت عنان. قامت الشركة بتشييد ما يقرب من ستة الاف منزل بمواقع مختلفة. تمت مصادرة الاصول المملوكة للشركة عام 2016, فقد حينها في يابي أكثر من 20 شركة واعتقل بتهمة دعم حركة الخدمة ماليًا. كما صادرت السلطات التركية جزيرة تابعة للشركة في بحر ايجة قدرت بنحو 32 مليون دولار سنويًا قبل ست سنوات. |
عصمت عقيل |
رجل أعمال اقام في انطاليا، واستثمر امواله في شركات النفط والشركات العقارية، امتلك عصمت مشاريع بملايين الدولارات، من بينها شركات ضخمة تخصصت في الانشاءات وبيع السيارات بالتجزئة. سجن عصمت في اكتوبر عام 2016, وحكم عليه بالسجن ست سنوات اعلن خلالها افلاسه . |
عمر فاروق كافورمجي |
المدير التنفيذي لمجموعة ايدينلي, والممثل الرسمي لعلامات تجارية مثل كاشاريل وبولو يو اس وبيبر كاردان في تركيا. وتصدر مجموعة ايدينلي منتجاتها الي اكثر من ستين دولة حول العالم. القي القبض علي عمر فاروق في سبتمبر 2016, وبحلول شهر مايو 2017 , افرج عنه صحيًا لا انه وبعد شهر القي عليه القبض مرة اخري, انتقد حينها زعيم حزب المعارضة الرئيسي، قرار القبض عليه وصرح بأن اعادة اعتقاله غير عادلة غير دستورية . |
هل من سبيل لوقف الممارسات الغاشمة على المعارضة التركية؟
نص الاعلان العالمي لحقوق الانسان بالحق في التملك، ولا يجوز حرمانه مما يملكه بطريقة استبدادية، وفي ضوء الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان التي تنص علي احقية كل شخص طبيعي أو اعتباري التمتع السلمي بممتلكاته ولا يجوز انتزاعها الا للمصلحة العامة وبما يتفق مع الشروط المنصوص عليها في القانون والمبادئ العامة للقانون الدولي ينبغي علي تركيا وفقًا لتلك المعايير اتخاذ الاتي:
- معالجة النتائج السلبية التي نتجت عن عمليات الحجز والمصادرة في فترة ما بعد الانقلاب
- سرعة اعادة ممتلكات رجال الأعمال اليهم، ومحاكمة المسؤولين الذين قاموا بانتهاك قواعد القانون الأساسية مثل حقوق الملكية
- اقرار تركيا بالتزاماتها الدولية الخاصة بمعاهدات حقوق الانسان واحترام حقوق الملكية الخاصة بمواطنيها، باعتبار الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان جزءًا اصيلًا من القانون المحلي التركي حسب قرار المحكمة الدستورية التركية في السابع من فبراير عام 2008.
- مواجهة المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان تلك الانتهاكات للحكومة التركية باعتبارها انتهاكًا جماعيًا وليست مجرد قضايا فردية خاصة بأشخاص منتمين الي حركة كولن.
وختامًا تتعرض المعارضة التركية لعمليات تجريف ممنهجه من قبل السلطة الحاكمة في كافة القطاعات ، وتتعاظم مخاوف هؤلاء الضحايا في ظل قلة المعلومات التي توجد لديهم و تضاربها مع بيانات حكومة اردوغان المضللة بالإضافة الي حرمانهم من التمثيل القانوني والضغوط السياسية لذلك يجب ان تتحرك الادارات المعنية بالأمم المتحدة ومجلس أوروبا بشأن هذه الابادة الجماعية المنظمة والتي يتعرض لها المتعاطفين مع افكار الخدمة والذين عانوا بالقدر الكافي من ممارسات منتهكة لحرياتهم علي مرأي ومسمع من الجميع تحت وطأة حكومة اردوغان.