مصرعلوم وتكنولوجيا

منظمة الصحة العالمية في عيدها الـ 75: محطات مضيئة وشراكة استراتيجية

“إن التاريخ يشهد على سجل حافل من تعاون مصر المثمر مع منظمة الصحة العالمية، حيث شرفت مصر منذ منتصف القرن الماضي باستضافة مقر المكتب الإقليمي للمنظمة الذي يدعم الأنشطة الصحية لما يزيد على خمسمائة مليون مواطن، في اثنتين وعشرين دولة، في شرق المتوسط.” بتلك الكلمات استهل الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس منظمة الصحة العالمية، ويأتي الاحتفال بعد محطات صعبة اجتازتها البشرية خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أثبتت أن الاستثمار في صحة الإنسان هو الأهم على سلم أولويات أي دولة. 

نشأة منظمة الصحة العالمية

في أبريل 1945، خلال مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة (UN) الذي عقد في سان فرانسيسكو، اقترح ممثلو البرازيل والصين إنشاء منظمة صحية دولية وعقد مؤتمر لصياغة دستورها. وفي 15 فبراير 1946، أسند المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة إلى الأمين العام الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر. واجتمعت لجنة تحضيرية تقنية في باريس في الفترة من 18 مارس إلى 5 أبريل 1946، ووضعت مقترحات للدستور تم عرضها على مؤتمر الصحة الدولي في مدينة نيويورك المنعقد من 19 يونيو إلى 22 يوليو 1946. وبناء على هذه المقترحات، صاغ المؤتمر واعتمد دستور منظمة الصحة العالمية، الذي وقّعه في 22 يوليو 1946 ممثلو 51 دولة عضوا في الأمم المتحدة و10 دول أخرى.

وأنشأ المؤتمر أيضًا لجنة مؤقتة للاضطلاع بأنشطة معينة للمؤسسات الصحية القائمة، إلى حين دخول دستور منظمة الصحة العالمية حيز النفاذ. وتنص الديباجة والمادة 69 من دستور منظمة الصحة العالمية على أن تكون المنظمة وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة. وتنص المادة 80 على أن الدستور سيدخل حيز النفاذ عندما تصدق عليه 26 دولة عضوًا في الأمم المتحدة. ولم يدخل الدستور حيز التنفيذ حتى 7 أبريل 1948، عندما صدقت عليه الحكومة السادسة والعشرين من أصل 61 حكومة موقّعة. وافتتحت جمعية الصحة الأولى في جنيف في 24 يونيو 1948 بوفود من 53 دولة من أصل 55 دولة عضوًا. وقررت أن تتوقف اللجنة المؤقتة عن الوجود في 31 أغسطس 1948، على أن تحل منظمة الصحة العالمية محلها.

وتعمل منظمة الصحة العالمية اليوم تقريبًا مع 194 بلدًا، وعلى الخطوط الأمامية في أكثر من 150 موقعًا، حيث تقود استجابة العالم لحالات الطوارئ الصحية، والوقاية من الأمراض، ومعالجة الأسباب الجذرية للقضايا الصحية، وتوسيع نطاق إتاحة الأدوية والرعاية الصحية.

وتتمثل المهمة الرئيسة لمنظمة الصحة العالمية في تعزيز الصحة والحفاظ على سلامة العالم وخدمة الضعفاء. وتعمل حاليًا على تحقيق “غايات المليارات الثلاثة” التي تسعى إلى أن تحقق بحلول عام 2025 (بدءًا من عام 2019) استفادة مليار شخص إضافي من التغطية الصحية الشاملة، وتوفير حماية أفضل لمليار شخص آخر من حالات الطوارئ الصحية، وتمتع مليار شخص إضافي بمستوى أفضل من الصحة والرفاه.

إسهامات منظمة الصحة العالمية

أسهمت منظمة الصحة العالمية منذ نشأتها في العديد من الإنجازات التاريخية في مجال الصحة العامة العالمية ومنها:

المضادات الحيوية: كانت فترة (1950) الحقبة الكبيرة لاكتشاف المضادات الحيوية المعروفة اليوم، وبدأت منظمة الصحة العالمية بتقديم المشورة بشأن مسؤولية الدول عن استخدامها.

شلل الأطفال: في 1988، تم تأسيس مبادرة استئصال شلل الأطفال العالمية، في الوقت الذي تسبب فيه المرض في إصابة أكثر من 35000 ألف شخص سنويًا. ومنذ ذلك الحين، انخفض عدد حالات شلل الأطفال بنسبة تزيد على 99٪ بسبب التطعيم ضد هذا المرض في جميع أنحاء العالم.

مرض الجدري: في عام 1979، تم القضاء على مرض الجدري في أعقاب حملة التطعيم العالمية الطموحة على مدار 12 عامًا، بقيادة منظمة الصحة العالمية.

مرض السل: في عام 1995، أطلقت استراتيجية الحد من مرض السل. وفي نهاية عام 2013، ومن خلال هذه الاستراتيجية، تم الحفاظ على حياة أكثر من 37 مليون شخص من خلال تشخيص مرض السل وعلاجه.

الإيدز والسل والملاريا: في عام 2001 استضافت منظمة الصحة العالمية في البداية الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، وهو آلية جديدة للشراكة والتمويل والذي أنشئ بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى والجهات المانحة الرئيسية.

معدل وفيات الأطفال: في عام 2006، انخفض عدد الأطفال الذين يموتون قبل عيد ميلادهم الخامس إلى أقل من 10 ملايين طفل لأول مرة في التاريخ الحديث.

أمراض القلب والسكري والسرطان: في عام 2012، وضعت الدول الأعضاء في المنظمة أهدافًا عالمية للمرة الأولى لمنع ومكافحة أمراض: القلب، والسكري، والسرطان، وأمراض الرئة المزمنة، وغيرها من الأمراض غير المعدية.

فاشية فيروس الإيبولا: في عام 2014، تفشى مرض فيروس الايبولا بشكل أكبر من أي وقت مضى في العالم في منطقة غرب أفريقيا. وقامت أمانة المنظمة بتنشيط استجابة غير مسبوقة للفاشية، ونشرت آلاف الخبراء والمعدات الطبية؛ وقامت بتعبئة الفرق الطبية الأجنبية وتنسيق عملية إنشاء المختبرات المتنقلة ومراكز العلاج. وفي عام 2016، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وصول حالات الإيبولا في غرب أفريقيا إلى الصفر، لكنها حذرت من احتمال تفجر المرض مرة أخرى، ودعت البلدان في المنطقة إلى البقاء في حالة اليقظة والاستعداد.

أبرز مبادئ دستور منظمة الصحة العالمية

تمحور دستور منظمة الصحة العالمية حول عدة مبادئ منظمة كان أبرزها: 

اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز.

التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية.

صحة جميع الشعوب أمر أساسي لبلوغ السلم والأمن، وهي تعتمد على التعاون الأكمل للأفراد والدول.

ما تحققه أي دولة في مجال تحسين الصحة وحمايتها أمر له أهميته للجميع.

تفاوت التنمية في البلدان المختلفة في تحسين الصحة ومكافحة الأمراض، ولا سيما الأمراض السارية، خطر على الجميع.

النشأة الصحية للطفل أمر بالغ الأهمية؛ والقدرة على العيش بانسجام في بيئة كلية متغيرة أمر جوهري لهذه النشأة.

إتاحة فوائد العلوم الطبية والنفسية وما يتصل بها من معارف لجميع الشعوب أمر جوهري لبلوغ أعلى المستويات الصحية.

الرأي العام المستنير والتعاون الإيجابي من الجمهور لهما أهمية قصوى في تحسين صحة البشر.

الحكومات مسؤولة عن صحة شعوبها ولا يمكن الوفاء بهذه المسؤولية إلا باتخاذ تدابير صحية واجتماعية كافية.

مصر ومنظمة الصحة العالمية.. تعاون وتكامل

تعاونت مصر مع منظمة الصحة العالمية في تنفيذ عدة مبادرات صحية كانت الأكثر تأثيرًا في المجتمع المصري، إضافة إلى سبل التعاون الأخرى، ويأتي أبرز محطات التعاون بين منظمة الصحة العالمية والدولة المصرية في الآتي: 

  • مبادرة 100 مليون صحة: 

قامت الدولة المصرية بتحسين تغطية الرعاية الصحية من أجل الكشف عن الأمراض غير المعدية وعوامل الخطر التابعة لها (السمنة، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع السكر في الدم) والسيطرة عليها، بما في ذلك أوقات الأزمات والطوارئ أيضًا. فتعاونت منظمة الصحة العالمية مع البنك الدولي ووزارة الصحة والسكان في عمل فحص على الصعيد الوطني للكشف المبكر عن الأمراض غير المعدية والسيطرة عليها، حيث أنها تمثل هي وعوامل الخطورة التابعة لها ٨٤٪ من مجمل الوفيات في مصر.

وقد انطلقت مبادرة 100 مليون صحة بتكلفة 7 مليارات جنيه في سبتمبر 2018 لتغطية ما يقرب من 50 مليون مواطن؛ لتعزيز صحة المصريين من خلال إجراء مسح طبي لاكتشاف المصابين بفيروس (سي) بشتى أنحاء الجمهورية، وكذلك الكشف عن الأمراض غير السارية مثل: السكري، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة؛ للحد من حدوث مضاعفات مستقبلية للمصابين بتلك الأمراض.

وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية مبادرة 100 مليون صحة غير مسبوقة في نطاقها الهائل وجودة وسرعة تنفيذها، وامتدت خدمات المبادرة الرائدة لتشمل العديد من الدول الأفريقية والآسيوية؛ تفعيلًا من مصر لدورها ومسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي.

  • مبادرة نور حياة: 

تعد مبادرة نور حياة إحدى المبادرات الرئاسية المهمة، والتي انطلقت عام 2019، وتهدف إلى مكافحة ضعف وفقدان الإبصار من خلال: التشخيص والكشف المبكر عن المسببات، ورفع الوعي لدى المواطن؛ للوصول بمصر خالية من الإعاقة البصرية التي يمكن تجنبها. ويتم ذلك بإجراء الكشف الطبي على ٥ ملايين طالب بالمرحلة الابتدائية، بالإضافة إلى مليوني مواطن من الحالات الأولى بالرعاية، وتوفير مليون نظارة طبية، وإجراء ٢٥٠ ألف عملية جراحية في كافة محافظات الجمهورية.

وينفذ صندوق تحيا مصر المبادرة بالتعاون مع إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة التي سخَّرت كافة تجهيزات المستشفيات التابعة لها لإجراء العمليات الجراحية، فضلًا عن توفير الكوادر الطبية المتخصصة، بالتنسيق مع وزارة الصحة والسكان والتنسيق مع منظمة الصحة العالمية لتوفير الدعم الفني للمبادرة.

جدير بالذكر أن عدد المستفيدين من المبادرة منذ إطلاقها حتي عام 2020 تعدي المليون مستفيد؛ إذ تم إجراء الكشف الطبي على 165 ألف و873 مواطنًا بالغًا، وتم إجراء 13 ألف و602 عملية مياه بيضاء للحالات المتطلبة تدخلًا جراحيًا، وكذلك صرف العلاج لـ 77 ألف و151 مريضًا، وإجراء الكشف الطبي على 881 ألف و18 تلميذًا بالمرحلة الابتدائية، وتسليم 91 ألف و81 تلميذًا نظارات طبية بعد اكتشاف اصابتهم بأحد مسببات ضعف الإبصار، وذلك في 10 محافظات تم تطبيق المبادرة بها وهي: القليوبية، والشرقية، والدقهلية، والسويس، وبني سويف، والمنيا، وقنا، والأقصر، والإسكندرية، ومطروح.

  • إعلان منظمة الصحة العالمية مصر مركزًا إقليميًا لتصنيع لقاحات الحامض الرسولي (mRNA)

يمثل اعلان منظمة الصحة العالمية مصر مركزًا إقليميًا لتصنيع لقاحات الحامض الرسولي تتويجًا للريادة المصرية في مجال تصنيع الأدوية واللقاحات، وتكليلًا للجهد المبذول في إبراز الإنجازات المحققة في مجال البحث العلمي. جدير بالذكر نجاح الدولة المصرية في إنتاج كمية ضخمة من اللقاحات محليًا، إلى جانب تطوير هيئة الدواء المصرية لتتواكب مع الإجراءات القياسية لمنظمة الصحة العالمية، فضلًا عن منح حقوق الملكية الفكرية للقاحات والأدوية المصنعة.

  • حصول هيئة الدواء المصرية على مستوى النضج 3

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن هيئة الدواء المصرية، وهي السلطة التنظيمية الوطنية للقاحات في مصر، قد وصلت إلى مستوى النضج 3‏(ML-3) ‎ –  وهو ثاني أعلى مستوى في تصنيف منظمة الصحة العالمية للأجهزة التنظيمية الوطنية. وبهذا تكون هيئة الدواء المصرية أول جهة تبلغ مستوى النضج 3 بشأن الجوانب التنظيمية للقاحات في إقليم شرق المتوسط والتاسعة على مستوى العالم.

ويستند تصنيف منظمة الصحة العالمية إلى أداتها العالمية للمقارنة المرجعية لضمان جودة اللقاحات ومأمونيتها وفاعليتها؛ فبلوغ مستوى النضج 1 يعني وجود بعض من عناصر الجهاز التنظيمي المعني، أما مستوى النضج 2 فيشير إلى وجود جهاز تنظيمي وطني آخذ في التطور يؤدي المهام التنظيمية الأساسية بشكل جزئي، ويؤكد مستوى النضج 3 وجود جهاز تنظيمي مستقر ومتكامل وجيد الأداء.

 يأتي ذلك في إطار تقديم منظمة الصحة العالمية الدعم المستمر لهيئة الدواء المصرية منذ عام 1998، مع تسريع وتيرة الدعم منذ عام 2006، حيث قدمت المنظمة الدعم التقني إلى هيئة الدواء المصرية عبر عدة بعثات، بالإضافة إلى المتابعة المستمرة عبر الإنترنت، وذلك في إطار جهود المنظمة لتعزيز القدرة التنظيمية للمنتجات الطبية في جميع الدول الأعضاء في المنظمة.

المصادر

1- منظمة الصحة العالمية وجمعية الصحة العالمية – نبذة تعريفية، منظمة الصحة العالمية.

2- دستور منظمة الصحة العالمية، منظمة الصحة العالمية.

3- السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة، هيئة الأمم المتحدة. 

4- مبادرة 100 مليون صحة، رئاسة الجمهورية.

5- مبادرة نور حياة، الهيئة العامة للاستعلامات، مارس 2022.

6- هيئة الدواء المصرية تبلغ ثاني أعلى مرتبة في تصنيف منظمة الصحة العالمية للسلطات التنظيمية الوطنية، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، أغسطس 2022.

7- القائم بأعمال وزير الصحة يستعرض تقريرًا عن الحالة الوبائية محليًا وعالميًا، الهيئة العامة للاستعلامات، فبراير 2022.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى