
حتى لا تتحول ليبيا لـ”سوريا جديدة”.. هل ستنجح برلين؟
في تحول جديد على خط الأزمة الليبية، قد يفضي لحل لأزمتها العالقة منذ تسع سنوات، تعقد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤتمر دولي في برلين بقيادة الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في ليبيا. تسعى ألمانيا من خلاله لقاء كل الأطراف الفاعلة والمتداخلة في الأزمة الليبية على طاولة واحدة. لإعاده مستقبل ليبيا إلى الليبيين أنفسهم، وتحرير البلاد من صراعات النفوذ الدولي، الذي تسبب في حروب أهلية حولتها إلى دولة فاشلة.
يعقد مؤتمر برلين الأحد 19 يناير بمشاركة عدد من كبار القادة والمسؤولين، حيث أكد حضوره رئيس حكومة الوفاق فايز السراج والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإضافة إلى 8 دول ومنظمات: بريطانيا وفرنسا والصين وإيطاليا والكونغو والإمارات والجزائر والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
ليبيا.. صراع دموي متفاقم وأوراق مكشوفة
كانت ولا زالت ليبيا مسرحا للتدخلات الخارجية منذ عام 2011، حيث كانت البداية بالعملية العسكرية التي قام بها حلف الناتو “فجر أوديسا” للإطاحة بالعقيد معمر القذافي. مروراً بالتدخل الفرنسي – الإيطالي والاهتمام النابع من السيطرة على حقول النفط، وانتهاءا بالتدخل الروسي الساعي لرسم مستقبله واستعادة نفوذه في الشرق الأوسط مرة أخرى، بالإضافة إلى “الاحتلال التركي” الذي أعاد للأذهان التاريخ الدموي للدولة العثمانية، والذي أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال: “نحن في تلك الأراضي (ليبيا)، حيث صنع أجدادنا التاريخ، لأننا دعينا لرفع الظلم والاضطهاد”.
إن التدخلات الخارجية في ليبيا، كان لها أثر سلبي على كل المجهودات الرامية إلى إعادة الاستقرار بالبلاد. وأحد أبرز أهداف مؤتمر برلين هو وقف كل التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، وعدم استخدام النفط “كأداة حرب”. خاصة بعد إعلان تركيا التدخل العسكري المباشر في ليبيا، حيث كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن عدد المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا إلى ليبيا بلغ 3660 مقاتل، في زيادة جديدة تشير إلى إصرار تركيا على استمرار التدخل العسكري في ليبيا، وهو التدخل الذي أثار انتقادات إقليمية ودولية عدة. وانتشر مقطع فيديو لبعض المرتزقة التابعة لميليشيات سورية موالية لتركيا، داخل طائرة ركاب، أثناء توجهها إلى العاصمة الليبية طرابلس.
وغادر المرتزقة سوريا بعد وعود وإغراءات تركية مادية وغير مادية، إذ وقع هؤلاء المرتزقة عقودا لمدة ستة أشهر مقابل ألفي دولار لكل مقاتل شهريا، وهو مبلغ يعادل 40 ضعفا من المقابل الذي كانوا يحصلون عليه في سوريا. كما وعدت حكومة الوفاق الليبية بدفع الفواتير الطبية للجنود الجرحى، وأنها ستتحمل مسؤولية إعادة القتلى منهم إلى سوريا. وذلك بالإضافة إلى “الوعد الأهم” وهو منح الجنسية التركية للمقاتلين السوريين. وتتوجه الطائرات على شكل رحلات داخلية وهمية، ولا يتم إدراجها في قائمة الرحلات، كما لا يتم العبور من الحدود الرسمية، كي لا يتم تقديم ثبوتيات عن الواصلين، في حال أرادت المحكمة الدولية فتح تحقيق بالأمر.
مسودة البيان الختامي لمؤتمر برلين
سيقترح مؤتمر برلين حول ليبيا تقسيم عملية تسوية الأزمة إلى ست “محاور” على غرار التسوية السورية، وسيضع آلية دولية لتنفيذ مضمونها. وحسب مسودة البيان الختامي لمؤتمر برلين، فإن مسارات العمل الستة المقترحة هي وقف إطلاق النار، وتطبيق حظر توريد الأسلحة، واستئناف العملية السياسية، وحصر السلاح في يد الدولة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية واحترام القانون الإنساني. وتنص الوثيقة على إنشاء آلية تحت رعاية الأمم المتحدة، تنقسم إلى قسمين، أولهما يتمثل في لقاءات يعقدها شهريا ممثلون رفيعو المستوى عن الدول القائمة بالوسطة في تسوية الأزمة الليبية مع تقديم تقرير حول نتائج كل لقاء، أما القسم الثاني فسيكون على شكل مجموعات عمل تعقد اجتماعاتها مرتين في الشهر في ليبيا أو تونس.
ومن المفترض أن يحال البيان الختامي بعد تبنيه في مؤتمر برلين، إلى البحث في مجلس الأمن الدولي.
وفيما يلي بعض التفاصيل عن المحاور الست:
وقف إطلاق النار
يحث البيان الأطراف المتحاربة في ليبيا على وقف إطلاق النار، معربا عن ترحيب المشاركين في المؤتمر بـ”انخفاض حدة القتال في البلاد بعد 12 يناير”، وكذلك “المشاورات التي عقدت في موسكو في 14 يناير لتهيئة الظروف لاتفاق وقف إطلاق نار”. ويدعو البيان إلى “وقف إطلاق النار من جانب جميع الأطراف المعنية”، والذي يجب أن يؤدي على المدى الطويل إلى “وقف شامل لجميع الأعمال العدائية، بما في ذلك العمليات التي تنطوي على استخدام الطائرات فوق أراضي ليبيا”، على أن تتولى الأمم المتحدة مراقبة سير تنفيذ الهدنة. وتدعو الوثيقة أيضا لوقف كافة تنقلات قوات الأطراف المتحاربة أو نقل قوات “من أجل تقديم دعم مباشر لتلك الأطراف في جميع الأراضي الليبية منذ بدء سريان الهدنة”، في إشارة تشمل على ما يبدو تحرك تركيا لإرسال قوات إلى ليبيا دعما لحكومة الوفاق الوطني.
حظر توريد الأسلحة
في مشروع البيان، يتعهد المشاركون في المؤتمر بالامتثال الكامل وغير المشروط لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بحظر الأسلحة، ويناشدون مجلس الأمن فرض عقوبات على البلدان التي تنتهك حظر الأسلحة واتفاق وقف إطلاق النار.
العملية السياسية
تقضي العملية السياسية بتشكيل حكومة موحدة ومجلس رئاسي في ليبيا، حيث تقول الوثيقة: “ندعم الاتفاق السياسي الليبي كأساس قابل للحياة للتوصل إلى حل سياسي في ليبيا. كما ندعو لإنشاء مجلس رئاسي فاعل وتشكيل حكومة ليبية واحدة موحدة وشاملة وفعالة، يصادق عليها مجلس النواب”. ويدعو مشروع البيان جميع أطراف النزاع إلى استعادة العملية السياسية تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) والمشاركة فيها بشكل بناء لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ومستقلة. كما يطلب البيان من مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية اتخاذ إجراءات ضد الجهات التي تعرقل العملية السياسية، ويؤكد أهمية الدور الذي تلعبه دول الجوار في ضمان الاستقرار في ليبيا.
الإصلاحات الأمنية
يشير مشروع البيان المشترك إلى الحاجة لإصلاح قطاع الأمن في ليبيا. ويقول: “ندعو إلى استعادة احتكار الدولة للاستخدام القانوني للقوة”. كما يعرب المشاركون في القمة عن دعمهم لإنشاء القوات المسلحة الليبية الموحدة وقوات الأمن الوطني والشرطة، الخاضعة للسلطات المدنية المركزية، بناء على المحادثات التي عقدت في القاهرة والوثائق ومخرجاتها. يدعو البيان لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ويقترح تشكيل لجنة خبراء اقتصاديين بشأن ليبيا، تسهيلا لإنجاز هذه العملية. ومن المفترض في النتيجة وضع آلية من شأنها أن تعيد إعمار الاقتصاد في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق الوطني الجديدة”.
الاقتصاد
يدعو البيان لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ويقترح تشكيل لجنة خبراء اقتصاديين بشأن ليبيا، تسهيلا لإنجاز هذه العملية. ومن المفترض في النتيجة وضع آلية من شأنها أن تعيد إعمار الاقتصاد في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق الوطني الجديدة”.
المعايير الإنسانية
يؤكد المحور الأخير على أهمية احترام المعايير الإنسانية وحقوق الإنسان في ليبيا، ويدعو لتحسين أداء المؤسسات القضائية، ووضع حد للاعتقالات التعسفية وإطلاق سراح جميع من اعتقل بصورة غير قانونية. كما يحث البيان السلطات الليبية على إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء تدريجيا، مع جعل التشريعات الليبية بشأن الهجرة واللجوء تتوافق مع القانون الدولي”. وتشدد الوثيقة على ضرورة مساءلة جميع المتورطين في انتهاك أحكام القانون الدولي.
هل ستنجح برلين؟
إن مساعي الدبلوماسية الألمانية، لوضع نهاية للصراع الدائر في ليبيا يواجهه عدد من التحديات لا تقل صعوبة، بعضها يتصل بالقوى الإقليمية والدولية وبعضها الآخر بتركيبة المشهد الليبي نفسه أبرزها:
- تقريب وجهات نظر الدول الأوروبية المتضاربة الأهداف والمطامح في ليبيا، وخصوصا فرنسا وإيطاليا. ولدى برلين ما يكفي من المؤشرات لإقناع الشركاء الأوروبيين بخطورة تداعيات الصراع الليبي على مصالح أوروبا.
- محاولة كبح اندفاع روسيا نحو الانخراط المباشر في الصراع المسلح، وتحفيز إدارة الرئيس دونالد ترامب على لعب دور “حياد إيجابي” يكون متناغما مع الدور الذي تلعبه ألمانيا. وتشترك القوتان الأعظم في الهدف المتمثل في محاربة التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من ليبيا مركزا إقليميا لها. لكنهما تتصارعان على المصالح في ليبيا، فعين أمريكا على الطاقة الليبية أما روسيا فعينها على ليبيا كموطئ قدم استرتيجي تضيفه إلى ما حققته في سوريا.
- تشجيع دول عربية وأفريقية مؤثرة في الشأن الليبي، لمساعدة الأطراف الليبية على اتخاذ مواقف أكثر مرونة. المتصارعة.
- التعقيدات الشديدة في المشهد الليبي، فمعظم القوى المتصارعة ترفع شعار رفض التدخل الأجنبي وهي في نفس الوقت تعتمد عليه كسبيل رئيسي لضمان سيطرتها على الطرف الآخر أو على الأقل ضمان بقائها. هذا العامل يجعل مهمة تحييد المواقف المحلية عن مواقف ومصالح القوى الخارجية، أو على الأقل التقليل من شدة تبعيتها، مهمة شاقة.
ختاماً،
يصعب التكهن بالآفق السياسي للمساعي الألمانية، التي قد تخرج ليبيا من عنق الزجاجة. بيد أنه من الصعب التعويل على تلك المساعي، خاصة في ظل انتشار عدد كبير من الميليشيات المسلحة في طرابلس، وهي ميليشيات لا تعترف بأي حل سياسي انطلاقاً من الدعم المالي والعسكري الكبير المقدم لها من تركيا. فضلاً عن التدخل التركي العسكري، ودعوة أردوغان لأوروبا إلى عدم التدخل في ليبيا، معللا طلبه بان أوروبا أقل اهتماما بتقديم دعم عسكري لليبيا، وتشير التقديرات إن تركيا ليست مستعدة للتراجع بعد أن أرسلت تركيا مقاتليها إلى هناك، وبعد أن قال أردوغان نفسه في مقال نشر في مجلة “بوليتيكو الأمريكية”، أن أوروبا ستواجه تهديدات جديدة من داعش والقاعدة إذا سقطت حكومة فايز السراج الإخوانية المدعومة بالملشيات الإرهابية، في ليبيا. وأن طريق الوصول لسلام في ليبيا يمر عبر تركيا.