الصحافة الدولية

كيف يرى الأوروبيون استهداف واشنطن لـ”قاسم سليماني”

وجهت الولايات المتحدة الأميركية ضربة صاروخية بطائرة بدون طيار من طراز “إم كيو-9 ريبر” لسيارتين تنقلان “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني منذ عام 1998، و“أبو مهدي المهندس” نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، في أعقاب مغادرتهما مطار بغداد الدولي، مما أسفر عن مقتلهما ومرافقيهما، يوم الجمعة الموافق 3 يناير 2020. 

وقد جاء مقتل “سليماني” بعد اعتداء عناصر تابعة لكتائب حزب الله العراقي على مبنى السفارة الأميركية في العراق في نهاية الشهر الماضي. ردًا على الغارات الأميركية التي استهدفت مواقع تابعة لكتائب “حزب الله” التابعة لإيران، وكنتيجة للاستمرار الاستفزازات الإيرانية في المنطقة، علاوة على مواجهة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” عدد من الضغوط على الصعيد الداخلي والخارجي.

ففي الآونة الأخيرة تم كسر توازن الردع بين إيران والولايات المتحدة بسبب عدم وجود رد حاسم على إسقاط طهران طائرة أميركية بدون طيار، فضلاً عن الاعتداء على المنشأة النفطية السعودية. وكانت النتيجة هجمات مختلفة شنتها ميليشيات موالية لإيران في العراق على منشآت عسكرية أميركية منذ أكتوبر، وبلغت ذروتها بخسارة مواطن أميركي إثر هجوم صاروخي بالقرب من مدينة كركوك في 27 ديسمبر.

كما أوضح “ترامب” أن الضربة كانت نتيجة تخطيط “سليماني” لاستهداف المصالح الأميركية من خلال عدد من الهجمات الوشيكة، فيما ـأوضحت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” أن “سليماني” كان “يخطط لمهاجمة دبلوماسيين وعسكريين أميركيين في الإقليم، كما إنه مسئول عن مقتل وإصابة عدد من قوات التحالف الدولي، وأفراد من القوات الأميركية”. 

وعليه فقد هدد “على خامنئي” المرشد الأعلى الإيراني بـ “رد قاس” على الضربة الأميركية، وأكد “حسن روحاني” الرئيس الإيراني “أن إيران والدول الحرة الأخرى في المنطقة ستنتقم من أميركا على هذه الجريمة البشعة”. فيما أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماع طارئ، وأوضح “جواد ظريف” في تغريدة أن على “الولايات المتحدة أن تتحمل تداعيات مغامراتها المارقة”. وقد تم إعلان الحداد لمدة 3 أيام، مع احتمالية خروج عدد من المظاهرات في عموم البلاد. 

أبرز ردود الفعل الأوروبية

أثارت الضربة الأميركية عدد من ردود الفعل الأوروبية التي دعت إلى التهدئة خوفًا من تنامي التصعيد بين واشنطن وطهران في الإقليم، وتداعياتها على الأمن الأوروبي على النحو التالي؛ 

  • المجلس الأوروبي؛ حذر “شارل ميشال” رئيس المجلس من تنامي أعمال العنف والاستفزاز في العراق، بعد مقتل “سليماني” تخوفًا من تزايد العمليات الإرهابية الانتقامية. 
  • الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية؛ دعا “جوزيف بوريل” إلى التحلي بالمسئولية، حتى لا يتم محو السنوات التي بذلت في العراق من أجل الاستقرار”. موضحًا أن “الاتحاد مستعد للإسهام في التدخل لنزع فتيل التوترات”.
  • الموقف الفرنسي؛ أكدت الرئاسة الفرنسية على ضرورة ضبط النفس لكافة الأطراف، مع استمرار التواصل مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، لمتابعة الأوضاع في العراق، تجنبًا للتصعيد. كما دعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى تجنب أي رد فعل من الممكن أن يؤدي إلى “أزمة انتشار نووي خطيرة”، و”مواطنيها المُقيمين في بعض دول المنطقة إلى توخي الحذر في سياق التوترات المتصاعدة، مع الابتعاد عن أي تجمع، والتزام أقصى درجات التكتم إبان التنقل في الأماكن العامة في العراق وإيران، وأوصت بتفادي التحرك بالقرب من المناطق الحدودية في لبنان وسوريا”. كما صرحت “أميلي دو مونشالان” وزيرة الشؤون الأوروبية في الحكومة الفرنسية، “نستيقظ في عالم أكثر خطورة” نتيجة مخاطر التصعيد العسكري في المنطقة”. 
  • الموقف الإيطالي؛ أعربت إيطاليا عن قلقها داعيةً الإبقاء على الحوار لضمان عدم التصعيد؛ إذ ليس من مصلحة أحد المساهمة في خلق بؤر توتر جديدة يمكن أن تتحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين”.  ورفعت وزارة الدفاع مستويات الأمن في المناطق التي يتمركز فيها جنودها، قاصرة الحركة خارج القواعد على “الحد الأدنى”.
  • الموقف البريطاني؛ حذرت وزارة الخارجية مواطنيها من السفر إلى إيران والعراق إلا في حالة الضرورة، مع الابتعاد عن أي موقع عسكري، داعية جميع الأطراف إلى الابتعاد عن مزيد من الصراع لإنه سيضر بمصلحة الجميع.  
  • الموقف الألماني؛ أعلنت الحكومة أن الضربة الأميركية كانت نتيجة لاستفزازات العسكرية الإيرانية في المنطقة، مشيرة إنها أمام تصعيد خطير لابد من التصدي له. وفيما أوضحت “كريستينا روتسي” المتحدثة باسم وزارة الدفاع الألمانية، إن 130 من العسكريين الألمان الذين كانوا يدربون القوات العراقية كانوا محصورين في قواعدهم في التاجي وبغداد. 

في المقابل كان موقف واشنطن من ردود الفعل الأوروبية أكثر حدة؛ إذ أوضح “بومبيو” إنه بحث الهجوم مع شركاءه في جميع دول العالم، ولكنه أعرب أن الأوروبيين “لم يكونوا مفيدين” بالقدر الكافي لواشنطن فيما يتعلق بمقتل “سليماني”. لذا يجب على “البريطانيين والفرنسيين والألمان أن يدركوا ما فعله الأميركيون أنقذ أرواحًا في أوروبا”. وفيما يتعلق بالتصريح الفرنسي فإنه عقب عليه قائلًا إنهم مخطئون، فالعالم أصبح أكثر أمانًا بعد مقتل سليماني”. وذلك إبان مقابلته مع قناة “فوكس نيوز”. 

دلالات الموقف الأوروبي

أُثارت قرارات “ترامب” الأخيرة عد من المخاطر العالمية التي مازالت نتائجها غامضة وتتسم بعدم اليقين، إلا أن القادة الأوروبيون تجنبوا إلقاء اللوم عليه، وقاموا بانتقاد طهران باعتبارها طرف فاعل، ولكنهم حذروا من أن استهداف “قاسم سليماني” من الممكن أن يطلق العنان لردود فعل انتقامية من قبل طهران، لاستعادة مكانتها الإقليمية.

وعليه تتخوف القوى الأوروبية من الخيارات المتاحة التي قد تلجأ إليها طهران لكي تثأر لقائدها العسكري، تتجلى في الترويج لاستهداف القوات الأميركية والأوروبية العاملة في سياق التحالف الدولي في العراق وسوريا من قبل المليشيات التابعة لها، انتقامًا منهم، مما يؤدي اضطرار واشنطن سحب قواتها من المنطقة أو تقليلها، وترك قوات الحلفاء بدون دعم الأمر الذي سيعزز التوتر في العلاقات عبر الأطلسي والمضطربة فعليًا نتيجة حالة عدم التوافق على فاعلية التعاون المنسق من خلال الناتو. كما سيساهم في تراجع جهود مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا. 

بالإضافة إلى أن للقيام تقوم طهران باستهداف مصالح الدول الحلفاء مثل دول الأوروبية والخليج العربي، وإسرائيل بداية من القيام بعمليات تُعيق حركة التجارة في الممرات الدولية، ووصولاً بشن هجمات الكترونية تستهدف بعض المنشآت العسكرية والنفطية، وذلك تفاديًا للمواجهة المباشرة لإنها تدرك تكلفة التصعيد، علاوة على رغبتها في استنزاف مقدرات الدول الداعمة للولايات المتحدة لتخيرهم بين التعاون معها أو مع واشنطن الأمر الذي قد يساهم في زعزعة الاستقرار وتنامي الفوضى.  

هذا بجانب شعور الدول الأوروبية الداعمة لاستمرار الاتفاق النووي الإيراني لاحتواء الطموح النووي الإيراني، بالقلق من احتمالية إصرار طهران على عدم الالتزام ببنود البرنامج النووي الإيراني  بشكل كامل لتوجيه ضربة قاسمة لهم، علاوة على استمرار تطوير برنامجها الصاروخي التي تمتلكها.

ختامًا؛ 

مثلت الخطوة الأميركية تحديًا جديدًا في مسار العلاقات الأوروبية الإيرانية، نتيجة تعقد المشهد السياسي، ورفض طهران تقبل الهزيمة ورغبتها في الثأر لتوجيه ضربات انتقامية بدون تصعيد مباشر. 

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

آية عبد العزيز

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى