الصحافة الدولية

على خلفية أزمة السفارة الأمريكية في بغداد : “واشنطن بوست” تسلط الضوء على الصراع الأمريكي الإيراني ومحدودية خيارات واشنطن

أكد الكاتب ماكس بووت  محدودية الخيارات الأمريكية أمام التصرفات العدائية الإيرانية والطريقة التي تدير فيها إيران الصراع مع الولايات المتحدة التي طالما وجدت صعوبة في مجابهة هذا النوع من الصراع منخفض الحدة والذي يعتمد على الأعمال العدائية “الاستفزازية”.

وأعرب  الكاتب – في مقال له نشرته صحيفة “واشنطن بوست”  الأمريكية بعنوان ” إيران تتفوق على الولايات المتحدة مرة أخرى”  – عن صدمته لما حدث بالسفارة الأمريكية ببغداد والتي زارها مسبقا ويعلم مدى خصوصيتها وصعوبة الدخول للمجمع العمراني الذي تقع به السفارة بعد اختراق الألاف من مناصري كتائب حزب الله كما مناصري المليشيات الإيرانية والحشد الشعبي لمحيط السفارة ومحاصرتها طوال يوم أمس الثلاثاء.

وفي هذا السياق ، تذكر الكاتب أزمة الرهائن الأمريكيين بطهران في الفترة من 1979 إلى 1981 وهتاف المتظاهرين “الموت لأمريكا” وهو نفس الهتاف الذي استخدمه المتظاهرون في طهران أمام السفارة الأمريكية في ذلك الحادث” .

ويرى الكاتب أن أحداث أمس هي تذكير جديد بأن الولايات المتحدة تعاملت بتواضع وجرح كبريائها في أكثر من مرة من عدو أصغر منها ، حيث نجحت إيران خلال ال41 عاماً الماضية بمحاربة الولايات المتحدة بطرق غير تقليدية مما ترك الولايات المتحدة مترددة حول طريقة الرد.

ففي الثمانينات، اختطفت مليشيات إيرانية 12 أمريكيا  وفجرت وهدمت السفارة الأمريكية والثكنات الأمريكية ببيروت في هذا الوقت كان الرئيس الأمريكي رونالد ريجان يحاول تحرير الرهائن بأي شكل حتى أنه كان على استعداد لبيع الصواريخ لإيران في مقابل تحرير الرهائن من شدة يأسه من إطلاق سراحهم وقد كانت تلك المناورة هي ما عرفت بعد ذلك كأكبر فضيحة لإدارة ريجان بعد تحويله العائدات لنيكاراجوا فيما عرف بعد ذلك إعلامياً بفضيحة “نيكاراجوا كونتراكتس”  .

في عام 1987 أمر الرئيس ريجان بتوجه القوات البحرية الأمريكية  للخليج العربي لوقف محاولة إيران لغلق الخليج بسبب حربها مع العراق ، كانت النتيجة غرق فرقاطة عسكرية أمريكية بصاروخ عراقي وفرقاطة أخرى بلغم إيراني ، بدورها القوات الأمريكية ألحقت ضرراً بالغاً بقوات الحرس الثوري الإيراني وأسقطه طائرة ركاب إيرانية عن طريق الخطأ وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي يتواجه بها الجيش الأمريكي والإيراني وجهاً لوجه.

بحسب الكاتب تفضل إيران القيام بمعظم أضرارها عن طريق وكلاء، فمع دخول الولايات المتحدة للعراق في 2003 قامت طهران بدعم مليشيات شيعية تتبع لها لقتل الألاف من الجنود الأمريكيين في العراق ، الرئيس جورج بوش الأبن كان قد أدان إيران ووصفها بأنها من دول ” محور الشر” لكنه فضل عدم التصعيد معها لأن الولايات المتحدة كانت مشغولة على أكثر من جبهة وفي أكثر من حرب في هذا الوقت فيما وصفه الكاتب بالقرار الحكيم من إدارة الرئيس بوش.

قامت إيران بالاستفادة من قرار بوش بالتخلص من عدوها الرئيس العراقي صدام حسين وزيادة تمددها في الداخل العراقي تحت مرئ ومسمع الولايات المتحدة ، إيران كانت تلعب دور محوري في لبنان لعقدين من الزمان كما تعاظم دورها في سوريا والعراق واليمن ليمتد نفوذ الإمبراطورية الفارسة الجديدة من طهران حتى بيروت وفقاً للكاتب.

ويرى الكاتب أن رد الفعل الوحيد من واشنطن على طهران بعد الرئيس ريجان كان قرار الرئيس بارك أوباما بعقد اتفاق مع إيران من شأنه تجميد برنامجها النووي، لكن هذا الاتفاق وجد معارضة له في الداخل الأمريكي لأنه لم يحد بأي شكل من الأشكال تمدد وقوة إيران الإقليمية بل على العكس من ذلك دفعها للاستثمار أكثر في أذرعها الخارجية برغم من العقوبات الاقتصادية، قبل أن يأتي الرئيس ترامب ليلغي الاتفاق في 2018  ويفرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران “وهو ما يراه الكاتب خطأ من إدارة الرئيس ترامب”  رغم امتثال طهران ظاهرياً ببنود الاتفاق النووي.

واعتبر الكاتب أن إيران ووكلائها في المنطقة واجهوا انتقادات بالغة على خلفية هجمات استفزازية متعددة كهجومها على ناقلات نفط بالخليج العربي واسقاط طائرة دون طيار أمريكية وهجوم صاروخي على حقل نفط سعودي كما والهجوم الصاروخي الأخير على قاعدة أمريكية بكركوك والذي أسفر عن مقتل مقاول أمريكي يعمل بالمنطقة ، مما دفع الرئيس ترامب بالأمر بضربة جوية على عدة مواقع بالعراق وسوريا سقط فيها 25 عضواً من أعضاء المليشيات التابعة لإيران وكان اقتحام حرم السفارة الأمريكية ببغداد هو رد الفعل الإيراني على الضربة الجوية والتي تسببت في انتشار الغضب ضد الولايات المتحدة في العراق وهو ما استغلته إيران لإرسال رسالة مفادها أنها لن ترضخ للضغوطات الأمريكية فيما تراه منطقة نفوذها الجديدة  وتضع الكرة بملعب الرئيس دونالد ترامب مرة أخرى.

ويرى الكاتب أن لا يوجد أمام الولايات المتحدة إلا خيارين مع إيران وهما أما الحرب أو التفاوض ، ووفقاً لوجهة نظره فإن الحرب مع إيران ستكون أكبر مستنقع يمكن الوقوع فيه كما أنها حرب غير مأمولة العواقب  مستدلاً على ذلك بنمط الفعل ورد الفعل الذي يقوم به الطرفين وهو ما قد يخرج الصراع خارج نطاق السيطرة في أي لحظة حال وقوعه ، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يبدي اهتماما واضحاً بالتفاوض أو الحرب مع إيران على حد سواء ويمضي قدماً في سياسة الحرب الاقتصادية على إيران دون أي محاولة جدية لكبح جماح تمددها الإقليمي مستدلاً على ذلك بسحب القوات الأمريكية في شمال سوريا مما سمح بمنطقة نفوذ جديدة لطهران.

اختتم الكاتب مقاله بوجهة نظر أن ما يحدث الأن هو السيناريو الأسوأ  للولايات المتحدة حيث أن إيران لا تزال تدير صراعا منخفض الشدة مع الولايات المتحدة والتي لا تمتلك نفس الخيارات لما جرت  طهران في هذا النمط من الصراع الذي تبرع فيه  كما تستمر الولايات المتحدة بالتردد حول رد الفعل .

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى