
انعكاسات غير اقتصادية: استحواذ أوبر على كريم
أعلنت شركة أوبر تكنولوجيز التي تعمل بمجال تقديم خدمة نقل الرُكاب عبر منصة الكترونية في 26 مارس 2019 عن شرائها شركة كار-يم اينك التي تعمل بذات المجال في الشرق الأوسط مُقابل 3.1 مليار دولار، ثم وافق جهاز حماية المُنافسة ومنع المُنافسات الاحتكارية موافقته على الصفقة بتاريخ 30 ديسمبر من ذات العام، وقد شكلت الصفقة علامة قياسية لسببين أولهما أنها أغلى صفقة استحواذ على منصة إلكترونية في تاريخ الشرق الأوسط من حيث القيمة، وثانيًا لأنها تُعزز من سيطرة شركة أوبر على سوق الانتقالات عبر التطبيقات الإلكترونية في الشرق الأوسط بالكامل وخاصة في السوق المصرية، بينما تُعد هذه السوق وليدة يُرجح لها أن تستوعب أعداد كبيرة من العاطلين، مما يجعل ظهور مُحتكر بهذه القوة يُعرقل إمكانيات نموها، لذلك يحاول هذا المقال التعرف على ما يخلقه هذا الاستحواذ من صعوبات في السوق والمُنافسين المُتوقعين، والضمانات التي فرضها جهاز حماية المُنافسة لمنع تردي أوضاع السوق.
أولًا – وضع السوق
تتميز السوق محل النظر بأنها سوق مزدوجة بحيث تستهدف الشركة نوعين من المُستهلكين أولًا سائقي المركبات الخاصة (الكابتن) والذين يقومون بنقل الرُكاب عبر السيارات المملوكة لهم، وكُلما ارتفع عدد هؤلاء كُلما كانت فُرصة النوع الثاني من المُستهلكين في إيجاد سيارة تقوم بتوصيله أعلى، اما النوع الثاني فهو الراكب نفسه والذي بدوره يستغل السيارة الخاصة للوصول إلى المكان المُراد الوصول إليه، وهو الذي يدفع ثمن الخدمة، وبالتالي كُلما زاد عدد هؤلاء الرُكاب كُلما ارتفعت فرصة (الكابتن) في توصيلهم وبالتالي ارتفعت أربحه. ارتفاع العنصران معًا يرفع أرباح الشركة ويجعل تكلفة الخدمة أرخص على الأطراف الثلاثة، بينما ارتفاع أحد نوعي المُستهلكين دونما ارتفاع مُقابل في المُستهلك الثاني يُرتب خسائر للطرف الذي ارتفعت أعداده وتدني أرباح للشركة المُشغلة، لذلك فإن على الشركة أن تستهدف نوعي المُستهلكين معًا، ويكون ذلك عن طريق ما يُسمى (Guarantees) و(Bonuses) للسائقين، ورحلات مجانية للرُكاب، بالإضافة إلى الإعلانات والحملات الدعائية الموجهة للطرفين معًا.
كذلك يجب التمييز في هذه السوق بين نوعين من الانتقالات وفقًا للتنظيم المُسبق ووسيلة النقل، إذ ينقسم السوق إلى نوعان رحلات جماعية مُسبقة التنظيم وهي سوق تشترك مع الشركتين فيها شركات أخرى أهمها Swvl وتقوم بدور وسيلة النقل في هذه السوق سيارات ميكروباص أو ما يُطلق عليه شاتل باص بحيث تنقل مجموعة من الأشخاص على طول خط الرحلة، وسوق فردية غير مُسبقة التنظيم وهي سوق مُغلقة على الشركتان بحيث يقوم فرد أو مجموعة أفراد بطلب سيارة أجرة لتقله من مكان إلى أخر دونما تنظيم مُسبق، وعند إلقاء نظرة على توزيع السوق الأخيرة يظهر أنها سوق احتكار قلة بامتياز حيث تتنافس الشركتان فقط دون غيرهما على نحو ما يُظهره الجدول التالي:

يعني الجدول السابق أن السوق سيتحول بعد عملية الاستحواذ إلى سوق احتكار تام، بحيث يُسيطر مُقدم خدمة واحد عليه، ويصاحب هذا التحول بالتأكيد كل ما يُصاحب أسواق الاحتكار التامة من عيوب أهمها تردي الخدمة وتدني مستوى الاستثمار، والتحكم في الأسعار بشكل مُطلق، وصعوبة ان لم يكن استحالة دخول مُقدمين جُدد للسوق، وهو ما نستعرضه في النقطة التالية.
ثانيًا – نتائج التحول إلى سوق احتكار تام
سينجم عن تحول السوق من احتكار قلة إلى احتكار تام، تردي عام في وضع السوق سواء للمُستهلكين من النوعين أو للمُنافسين الجُدد، يُمكن استعراض أهمها فيما يلي:
1- بالنسبة للمُستهلكين:
تقوم الشركتان بخصم نسبة من أجرة التوصيل مُقابل خدمتها من السائقين، وذلك نظير إعلانتها وحملاتها الترويجية وجذبها الرُكاب، وكانت هذه النسبة قد اتجهت إلى الانخفاض، بسبب التنافس بين الشركتين على جذب أكبر عدد من السائقين، للحصول على مكاسب أكبر –كما سبق-، يُرجح لهذا الوضع أن ينعكس مع غياب المُنافسة واحتكار أوبر تقديم الخدمة، إذ سيجد كل السائقين نفسهم أمام مُقدم خدمة وحيد، قد يقوم بخفض ما يُقدمه لهؤلاء السائقين من (Guarantees) و(Bonuses)، ومن ناحية أخرى سيكونون مُجبرين على التعامل مع أوبر حتى لو قامت برفع نسبة الخصم، في ظل التزاماتهم المادية حيث قام عدد كبير من السائقين بشراء سيارات خصوصًا للعمل في هذا السوق، مُعظمها بالتقسيط. أما بالنسبة للرُكاب فقد تقوم أوبر برفع تكلفة الخدمة بالكامل أو أحد عناصرها مثل تكلفة الكيلو متر أو تكلفة وقت الانتظار، بالإضافة إلى أنها قد تُقلل من عروضها على الرحلات المجانية أو الخصومات السعرية التي كانت تُقدمها نتيجة لانعدام المُنافسة.
من المُرجح كذلك أن ينخفض مستوى الخدمة بشدة بسبب انعدام المُنافسة، بالتالي سيؤثر ذلك على خدمات مثل الفحص المُسبق لوسيلة النقل من حيث كفاءتها أو شخصية السائق من حيث كونه أولًا مؤهل لتقديم الخدمة، وثانيًا كونه غير صاحب سجل إجرامي أو مُخالفات قيادة كُبرى، ما سيسبب بالتالي انعدام معنى تقييم الخدمة في مُجملها أو تقييم السائقين أنفسهم.
2- بالنسبة للسوق:
سيرتب غياب المُنافسة انخفاض مُعدلات الاستثمار الذاتية من أوبر في السوق لغياب دوافع ذلك حيث تتحكم الشركة في ثمن وإتاحة الخدمة لطرفيها بالتالي ستحجم عن ضخ المزيد من الاستثمارات، ومن ناحية أخرى سيحجم المُستثمرين عن الاستثمار في المُنافسين بسبب الوضع المُسيطر لأوبر الذي سيُقلل بالتأكيد من ربحية مُنافسيها ومُعدلات نموهم، ويعني ذلك انغلاق سوق واعدة وجاذبة للاستثمار أمام الأموال المحلية والأجنبية. كذلك تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع عدد المُنافسين يوفر فرص عمل أفضل من حيث العدد خاصة في سوق تعتمد على التكنولوجيا في الأساس لتوليد الربح.
3- بالنسبة للمُنافسين الجُدد:
وضع اوبر الجديد سيغلق السوق تمامًا في وجه المُنافسين الجُدد وذلك لأسباب رئيسية ثلاث أولًا أن السوق تعتمد على الربحية في المدى الطويل بالتالي فإن المُنافسين الجُدد عليهم التواجد في السوق لفترة كبيرة قبل البدء في جني الأرباح وهو ما يصعب حدوثه في ظل الوضع الجديد بسبب ما ستملكه أوبر من إمكانيات غير محدودة لمنع السائقين من التعامل مع المُنافسين الجُدد من ناحية وكذلك ما يُمكن أن تُقدمه من عروض للرُكاب تُصعب تعاملهم معهم. وهو ما سيصعب على المُنافسين الجُدد الحصول على تمويل سواء من البنوك بسبب المُخاطرة العالية أو من المُستثمرين بسبب انعدام أفاق النمو.
ثالثًا – ضوابط الجهاز للموافقة على الصفقة والحفاظ على السوق
برغم كُل ما سبق وافق الجهاز على إتمام العملية الاستحواذ ولكنه اشترط على أوبر عدد من الضوابط لحفظ السوق مما قد تتعرض له من مخاطر على أن تسري تلك الضوابط لمدة عامين، وتجدد تلقائيا لمدة إجمالية 5 سنوات، أو لحين حدوث دخول فعال في السوق، بالإضافة إلى قيامه بمُراجعتها كُل عامين، وتنقسم هذه الالتزامات كالتالي:
1- ضوابط مُتعلقة بحماية الرُكاب:
وضع حد أقصى لزيادة إجمالي الأجرة بما لا يزيد على 10% سنويا لتغطية ارتفاع التكاليف، بحيث يكون معدل الزيادة أقل من السنوات الماضية.
وضع حد أقصى لعامل الزيادة أوقات الذروة (surge) حيث لن يتخطى معدل 2.5 ضعف سعر الرحلة، ولن تمثل الرحلات التي يطبق عليها هذا العامل أكثر من 30% من إجمالي الرحلات، مع الحفاظ على حق الجهاز في تقليل تلك النسبة.
لضمان عدم زيادة الأسعار، تلتزم أوبر بالحفاظ على معدل استغلال السائق على أن يكون في حدود 60-80%.
الالتزام بالابتكار وجودة الخدمة عن طريق تطبيق أحدث ابتكارات في الأمان وحماية الركاب.
2- ضوابط مُتعلقة بحماية السائقين:
وضع حد أقصى لرسوم الخدمة حيث لن تزيد على الرسوم الحالية وهي 22.5% لخدمات أوبر إكس، ومتوسط 25.5% لخدمة كريم جو.
3- ضوابط مُتعلقة بحماية حق دخول السوق وتشجيع الاستثمار فيه وتتضمن:
تعديل العلامة التجارية لكريم في مصر لتوضيح أن أوبر وكريم هما كيانان تابعان، وهذا سيزيد من الشفافية، وسيلغي وهم المستهلك بأنهم شركتين منفصلين، مما سيزيد احتمالية دخول منافسين جدد، ويقلل من ميزانية التسويق الخاصة بكل منافس.
تمكين المنافسين من الحصول على البيانات اللازمة للعمل في سوق النقل التشاركي باستعمال السيارات الخاصة والأتوبيسات عن طريق التطبيقات الإلكترونية وفق معايير موضوعية تحددها أوبر وستشمل تلك البيانات: بيانات الخرائط، بيانات الرحلات، معلومات عن الركاب والسائقين وذلك بعد موافقتهم.
إتاحة إمكانية نقل العملاء لبياناتهم الشخصية من منصة أوبر لمنصات أخرى وذلك لتحسين تجربتهم وتمكين التطبيق المنافس من تقديم خدمة ذات جودة عالية ومناسبة للمستهلك (data portability).
4- ضوابط خاصة بالأسواق ذات الصلة وتتضمن:
تلتزم أوبر بعدم ربط خدمات أوبر وكريم ببعضها البعض بشكل إقصائي (exclusionary tying).
تلتزم أوبر أيضًا بعدم تسعير منتج أوبر بص وكريم بص بسعر أقل من سعر تكلفة الخدمة (predatory pricing)، مما سيضمن نمو السوق وبقاء المنافسين الحاليين فيه.
ورغم صرامة ما تضمنته ضوابط الجهاز إلا أن السوق تبقى مُعرضة بشدة لكل مخاطر هيكل المُنافسة التامة، في حال كانت أوبر قادرة على التلاعب أو عدم الالتزام التام بها، أو تراخي الجهاز تحت ضغوط الشركة في مُتابعة تنفيذ ضوابطه، خاصة في ظل ما يعتري السوق المصرية بأكملها من احتكارات وقف الجهاز عاجز عن مُعالجتها والتصدي لها ليس بأبعادها الاحتكار الصارخ في سوق الحديد والصُلب.