ليبيا

شركات الموت .. شركة “صادات” التركية وتقنين إرسال المرتزقة إلى ليبيا

شهد الميدان الليبي في الأسابيع الأخيرة تطورات ميدانية متواترة وسريعة الوقع، علي صعيد خريطة السيطرة العسكرية للأطراف المتصارعة، وكذا أنماط الإمداد والدعم المقدم لميليشيات الوفاق التي تسيطر علي قلب العاصمة طرابلس، ومجموعات مصراتة، وتحظي بخط دعم مباشر من النظام التركي بحراً وجواً، علي نحو أوضحته العديد من الأوراق المنشورة بالمرصد المصري ولا سيما ورقة ” تركيا والميدان الليبي .. إلي أين؟ “.

ارتبطت أنماط الدعم التركي المقدم لهذه الميلشيات بمدي تأثير وقوة هجوم الجيش الوطني الليبي على محاور العاصمة طرابلس وتخوم مدينتي سرت ومصراته والطرق الواصلة إليهما اللتان تشكلان معاقل مسلحة محسوبة علي تنظيم الإخوان المسلمين والنظام التركي الحاكم. فكانت أنماط الدعم قبل بدء الجيش الوطني الليبي معركة “طوفان الكرامة”، في إبريل الماضي، تنحصر على إرسال شحنات من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، عبر سفن شحن تركية وأجنبية أخري، تعرضت العديد منها للتوقيف، ولعل أبرزها توقيف اليونان لسفينة شحن تركية كبيرة كانت في طريقها لمصراته في يناير من العام 2018، ومحملة بأطنان من المواد المتفجرة.

تلي ذلك العديد من الحالات المشابهة، لكن أنماط الدعم التركي قد تغيرت شكلاً ومضموناً بعد إعلان الجيش الليبي المرحلة الثالثة من عمليات تحرير طرابلس، بعد أن اكتملت تشكيلاته وانساقه القتالية مطلع سبتمبر الماضي. فانتقل الدعم التركي من السلاح الخفيف والمتوسط، إلي الثقيل، والآليات المدرعة والطائرات المسيرة. حتى إحراز الجيش الليبي لتقدم ملموس في محاور الهجوم الجنوبية والغربية للعاصمة، ولجوء صانع القرار في تركيا لشرعنة الانخراط التركي المباشر في الأراضي الليبية، عبر محطتي هامتين:

  • الأولي: توقيع مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق تختص بترسيم الحدود البحرية وتقديم الدعم العسكري المباشر.
  • الثانية: الشروع في الحصول على موافقة البرلمان التركي لإرسال قوات تركية نظامية للميدان الليبي.

بيد أن المحطتان الهامتان السابق ذكرهما، قد أفرزتا انخراطاً تركياً غير نمطياً تمثل في إرسال الأخيرة لعناصر من التنظيمات المسلحة الموالية لها في سوريا إلي ميادين القتال في طرابلس ومصراته، علي نحو أوضحته ورقة “هكذا تقوم تركيا بنقل الإرهابيين من سوريا إلي طرابلس الليبية“. 

إلا أن مسارات تدفق العناصر المسلحة من الشمال السوري والمشار إليها في المواد السابقة، قد تعدت إشغال مطار إسطنبول لرحلات شبه يومية تقصد بؤرتي (مصراتة – طرابلس) واللتين تمثلا آخر معاقل تركيا في شمال إفريقيا؛ لتتجه إلى تكوين جيش خاص من المرتزقة.

بلاك ووتر التركية “سادات”

C:\Users\DELL\Desktop\image00192.jpg

حيث أكد عدنان تانري فردي، المستشار العسكري للرئيس التركي، وأحد رجالاته المقربين؛ على ضرورة تأسيس أنقرة لشركة عسكرية خاصة للمساعدة في تدريب الجنود الأجانب، على اعتبار أنها أداة جديدة في السياسة الخارجية لتركيا، مثل “بلاك ووتر” الأميركية أو “فاغنر” الروسية، مشبها إياها بالصادرات الداعمة للاقتصاد.

يُذكر أن الجنرال المتقاعد يمتلك بالفعل شركة عسكرية خاصة هي “سادات”، وهي بمثابة قوة شبه عسكرية فعلية موالية للرئيس التركي. الجدير بالذكر أن “سادات” هي الشركة الأولى والوحيدة في تركيا التي توفر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية في مجال الدفاع الدولي.

وتقدم الشركة التدريبات النظامية للقوات البرية والبحرية والجوية للدول الطالبة للخدمة ابتداء من فرد واحد وسلاح واحد حتى أعلى وحدة في الجيش، أي يتم تدريب جميع العناصر حتى آخر مستخدم، بالإضافة إلى التدريبات غير النظامية، حيث تنظم شركة سادات تشكيلات القوات المسلحة للدول التي تقدم لها الخدمة للحرب غير النظامية، وذلك لظهور حاجة لتنظيمها جميعًا بقصد الدفاع، وتقوم بتدريب عناصر هذه التشكيلات على أنشطة الكمائن والإغارة وإغلاق الطرق والتدمير والتخريب وعمليات الإنقاذ والاختطاف وعلى العمليات المضادة لكل ذلك.

تجدر الإشارة إلى أن البرلمانى التركى المعارض نيكاتى يلمظ عضو حزب الشعب الجمهوري قد تقدم باستجواب فى العام 2016 حول قيام مؤسسة SADAT التركية السابق الإشارة إليها بتدريب عناصر تنظيم داعش تحت سمع وبصر جهاز الاستخبارات التركي.. متسائلا عن ارتباط نشاط تلك المؤسسة بجهاز الأمن والاستخبارات التركى.

الكادر البشري لشركة الأمن الخاصة خارج الحدود

سجّل الميدان الليبي أولي تواجد رسمي للعناصر المسلحة السورية ضمن تشكيلات الميليشيات التي يستهدفها الجيش الوطني الليبي خلال عملياته في 20 من ديسمبر الجاري إثر غارة جوية بمحيط مدينة سرت أدت لمقتل 19 من العناصر المسلحة بينهم 11 يحملون الجنسية السورية.

تلي ذلك، بنحو أسبوع، ظهور لعناصر مسلحة في محور صلاح الدين بالعاصمة الليبية.

مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، والتابع للمعارضة السورية، أكد إرسال تركيا لمجموعة من العناصر المسلحة من شمال سوريا للقتال في معارك طرابلس ومصراته.

العناصر المسلحة التي تمت إرسالها اتبعت تنظيمات فيلق الشام، وألوية السلطان مراد، وشكلت العناصر ذوي الأصول السورية التركمانية غالبية كوادرها البشرية، بيد أن تلك العناصر قد ارتكبت العديد من الجرائم ضد العرب والأكراد علي حد سواء خلال عمليات تركيا الرئيسية في الميدان السوري (درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام). 

شركة الأمن الخاصة التركية .. غطاء قانوني للمرتزقة

عادةً ما تُدار شركات الأمن الخاصة من قبلِ عسكريين متقاعدين لهم صلات وثيقة بالنخبة الحاكمة في الدولة، أو رجال استخبارات مكلفين بتنظيم أعمالها بكيفية تخدم المصالح الأساسية للدولة.

الحروب المعاصرة شهدت تصاعد أهمية دور شركات الأمن الخاصة في تنفيذ المهام الخطرة، ولاسيما حربي أفغانستان وغزو العراق والحرب السورية، ففي حربي أفغانستان والعراق، صعد إسم شركة “بلاك ووتر” الأمريكية، أكبر شركة خاصة في مجال الأمن، وتعتبر من أكبر وأقوي منظمات المرتزقة في العالم. تورط أعضاء الشركة من المرتزقة فى سلسلة من جرائم قتل دموية واسعة النطاق، فى السنوات التى تلت الغزو الأمريكي للعراق.

أما شركة فاغنر الروسية، فقد سطع نجمها بين أزمتي القرم وسوريا، ولكنها انخطرت بكثافة في الصراع السوري. بدأت “فاغنر” أولى عملياتها بنزع سلاح الوحدات الأوكرانية في شبه جزيرة القرم عام 2014. ثم قدمت مساعدات وخبرات كبيرة في تنظيم القوات المسلحة بإقليم دونباس ضد سلطات كييف الشرعية. انتقلت المجموعة إلى سورية في 2015، حيث تلقت أولى خسائرها البشرية أثناء قصف إحدى القواعد العسكرية الروسية بالهاون. شارك عناصر المجموعة في استعادة مدينة تدمر من داعش في 2016، وفي السيطرة على عاصمة الشمال حلب أواخر العام نفسه. 

حافظت “فاغنر” علي أحد الثوابت الاستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا، وهو ألا تواجه القوات النظامية البرية الروسية تنظيم داعش علي الأرض، لتفادي وقوع فظائع قد تُرتَكب في القوات الروسية علي غرار الفظائع التي ارتكبها داعش في الجيشين العراقي والسوري. فكانت تعمل علي تنظيف ميدان المواجهة، وتتقدم قبل قوات الشرطة العسكرية والمشاة، ونشطت في المنطقة الممتدة من تدمر السورية حتي دير الزور وحلب.

الاستنساخ التركي لتجربتي “بلاك ووتر” و “فاغنر” لم يكن ببعيد، فالاعتماد علي الجماعات المسلحة اشتمل علي نفس مهام الشركتين، دون فقط أن تنضوي تلك الجماعات لكيان شركة منظمة لعملهم القتالي والعقائدي. إذ نفذت الكيانات والتنظيمات المسلحة الموالية لتركيا مهام أبرزها:

  • تنفيذ ما بات يُعرف بـ “المهام القذرة”، من الإعدامات الميدانية والالتحامات المباشرة داخل المدن.
  • تنفيذ أعمال التطهير والتمهيد لدخول القوات النظامية للبيئات شديدة الخطورة بأقل خسائر ممكنة.

وقد شهدت المواجهات مع قوات سوريا الديمقراطية هذه المهمات بكفاءة عالية، وحققت خسائر ضئيلة للقوات المسلحة التركية النظامية، علي نحو جعل النظام التركي يفكر في محاولة تقنين إرسال المرتزقة للخارج.

التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأتراك التي تمحورت حول تعظيم دور شركة الأمن الخاصة التركية كونها واجهة جديدة للاقتصاد، جاءت بالتزامن أيضاً مع تصريحات وزير الدفاع خلوصي أكار، بأن الجيش التركي مستعد للحفاظ علي حقوق ومصالح بلاده، وكذلك تقديم الدعم البحري لحكومة الوفاق. الجدير بالذكر أن الدعم البحري للزبائن، يعد ركناً رئيسيا من أركان الخدمات التي تقدمها الشركة التركية ذات الصلات الوثيقة بالرئاسة التركية وجهاز الاستخبارات.

وعلى غرار لجوء تركيا للطيران المدني لنقل المسلحين من سوريا للأراضي الليبية، لتفادي الهجوم والاستهداف، فإنه من المرجح أن تستخدم تركيا لشركة الأمن الخاص لتقنين عمليات إرسال المسلحين السوريين ولاسيما التركمان الذين يدينون بالولاء للمشروع التركي ويرتبطون بالقرار الاستراتيجي لأنقرة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى