
توتر دبلوماسي بين المكسيك وبوليفيا على أعتاب العام الجديد
تأجج التوتر الدبلوماسي بين بوليفيا والمكسيك في الأيام الأخيرة ليصل لمستوى غير مسبوق بعد قيام بوليفيا بفرض رقابة لصيقة على بيت السفير المكسيكي ومقر السفارة المكسيكية بالعاصمة البوليفية لاباز، كما هددت بوليفيا بالانسحاب من مجموعة دول أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي والتي ستتولى رئاستها المكسيك مع بداية العام 2020.
ففي يوم الإثنين الماضي قامت الخارجية المكسيكية بإصدار بيان شديد اللهجة تعرب فيه عن استيائها البالغ من “المضايقات والتهديدات” التي تطول بعثتها الدبلوماسية، وقالت في البيان أن ما يقرب من 150 شخص من أجهزة الأمن البوليفية يراقبون السفارة ومنزل السفير كما حاولوا احتجاز وتفتيش السيارة الشخصية للسفير المكسيكي.
بدورها المكسيك قامت بتحديد موعد لاجتماع الدول اللاتينية في يوم 8 يناير المقبل وهو نفس اليوم التي حددته بوليفيا لاجتماع أخر مع عدد من ممثلي الدول اللاتينية والأمريكية، لتتهم بوليفيا المكسيك بالتعنت ومحاولة كبح “جهود بوليفيا الدبلوماسية”.. فما هي أسباب الأزمة الدبلوماسية الحالية بين الطرفين ؟:
بدأ الأمر مع بداية الاحتجاجات والمظاهرات الغاضبة والتي تلت إعلان فوز الرئيس المستقيل إيفو موراليس بولاية ثانية، مع شكوك حول شفافية ومصداقية فرز الأصوات. إيفو موراليس الرئيس ذو الميول الاشتراكية والمحسوب على السكان الأصلين للبلاد أو ما يعرف ب” إنديجوز” كان قد تقدم على منافسه كارلوس ميسا اليميني دون الحصول على أغلبية صريحة (40% من الأصوات) أو فارق العشر نقاط عن أقرب منافسيه الأمر الذي يجنبه خوض جولة إعادة مع منافسه المباشر كارلوس ميسا ، رغم ذلك أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز إيفو موراليس بجولة رئاسية جديدة دون جولة إعادة لتتعالى أصوات المعارضة بقيادة مرشحها كارلوس ميسا والذي ندد بما وصفه “بالفضيحة الانتخابية”، الأمر زاد غموضاً عندما أوقف الموقع الرسمي للجنة الانتخابات الإعلان المباشر والذي كان موجوداً على موقعها الإلكتروني مع وصولها لفرز 86% من إجمالي الأصوات وهو ما سبب حالة كبيرة من التشكك للمعارضة ولعموم الشعب لتندلع المظاهرات التي بدأت يوم 21 أكتوبر الماضي أي بعد يوم من انتهاء الاستحقاق الانتخابي .
لتعلن المعارضة في ذات اليوم عن عصيان مدني في أرجاء البلاد الأمر الذي أدى إلى استمرار أعمال الشغب لأسبوع متواصل بعدد من المدن الرئيسية أبرزها سانتا كروز العاصمة الاقتصادية ومعقل المعارضة والعاصمة لاباز وعدد من المدن الرئيسة الأخرى كما قام المتظاهرون بحرق عدد من المقار الانتخابية ومباني تتبع اللجنة الوطنية للانتخابات كذلك أحرقوا مقر الحزب الحاكم بمدينة أورورا مما خلف عدد من الضحايا من المتظاهرين ورجال الشرطة مع استمرار الاشتباكات بين الطرفين.
وفي تلك الأثناء كانت منظمة مجموعة الأمريكيتين تدرس الموقف البوليفي ومع انتهاء اجتماعاتها بواشنطن أصدرت تقرير عن شواهد التزوير والتلاعب بالانتخابات الرئاسية ببوليفيا لصالح الرئيس موراليس والذي كان له هذا التقرير بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
حاول موراليس التشكيك في صحة التقرير منتقداً المنظمة والتي “وصفها بالأداة التابعة للولايات المتحدة “، ووصف العصيان المدني والمظاهرات والاشتباكات التي تجري بالبلاد على أنها محاولة “انقلاب على شرعيته “، ومع استمرار الاشتباكات والفوضى في البلاد خرج الرئيس موراليس في بيان تلفزيوني ليعلن استقالته على الهواء حقناً لدماء المواطنين وللحفاظ على الاستقرار والذي وصفه بالأهم من رئاسته للبلاد قبل أن تقوم طائرة مكسيكية بالهبوط في العاصمة لاباز بالقرب من القصر الرئاسي لتقل الرئيس إيفو موراليس إلى المكسيك والتي وفرت له حق اللجوء السياسي قبل أن تنتشر له صورة على الإنترنت كالنار في الهشيم وهو يحمل علم المكسيك في الطائرة المخصصة لنقله
من لاباز للعاصمة المكسيكية .
بعد يومين من خروجه من بلاده، تولت الرئيسة المؤقتة للبلاد حاليا جنين أنيز رئاسة البلاد، فوفقاً للدستور البوليفي يعين رئيس مجلس النواب رئيساً مؤقتاً للبلاد لكن رئيس النواب كان قد استقال قبل استقالة موراليس ليأتي الدور على نائبته جنين أنيز والتي دعت أعضاء البرلمان للحضور والتصديق على استقالة موراليس وتعينها رئيسة مؤقته للبلاد، لتذهب البلاد صاحبة أعلى ارتفاع أراضي عن سطح البحر من الحكم والتوجه اليساري للحكم اليميني بقيادة جنين أنيز والمعارضة البوليفية.
بالعودة للأزمة الدبلوماسية بين المكسيك وبوليفيا، بررت المكسيك موقفها من استضافتها للرئيس المستقيل موراليس بسبب محاولتها الحفاظ على حياته وأنه الرئيس الشرعي المنتخب، لكن يربط المحللون بين توجه الرئيس موراليس الاشتراكي اليساري المتوافق مع توجه الرئيس المكسيكي أندريس مانويل والذي خرج يوم 12 نوفمبر الماضي في احتفالية أمام مناصريه بعد إتمامه عامه الأول على سدة الحكم ليتحدث عن الأمر وقال ” إن إيفو موراليس وقع ضحية انقلاب واضح” وأكد ” أن المكسيك تقف مع الديمقراطية وليس مع النزعة العسكرية مع كل دول العالم”
وكرد فعل على تصرفات الحكومة المكسيكية والتصريحات الاستفزازية، أصدرت الرئيسة البوليفية المؤقتة جنين أنيز أوامر بتشديد الرقابة على منزل السفير والسفارة المكسيكية ليصل عدد المراقبين من السلطات الأمنية على بيت السفير ل150 عنصر أمني، الأمر الذي أعتبته المكسيك أساءه بالغة قبل أن ترد المكسيك بتنظيمها مؤتمر لدول أمريكا اللاتينية في يوم 8 يناير القادم ليسرق الأضواء من مؤتمر أخر تنظمه بوليفيا في نفس اليوم.
ومع خروج بيان الخارجية المكسيكية أول من أمس الإثنين تنديداً بما تقوم به السلطات البوليفية من مضايقات للبعثة الدبلوماسية المكسيكية بلاباز وتهديد بوليفيا بالانسحاب من منظمة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي بسبب رئاسة المكسيك للمنظمة العام 2020، دعت عدة أطراف للتهدئة بين الطرفين، ليخرج الرئيس المكسيكي اليوم بتصريح عن أن المضايقات والرقابة على سفيره لبوليفيا قد خفت لكن لايزال يوجد “عدد من المشكلات والأمور العالقة” التي يجب التشاور حولها وحلها .
ختاما

تبدو القارة اللاتينية على أعتاب عام جديد ملتهب بالأزمات السياسية، فمع بقاء الوضع في فنزويلا عالقاً بين الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو وزعيم المعارضة خوان جاويدو المدعوم من الولايات المتحدة واستمرار الأزمة الاقتصادية والإنسانية هناك، الأزمة الدبلوماسية البوليفية المكسيكية ، حرائق الأمازون بالبرازيل والتلاسن بين رئيسها والرئيس الفرنسي على خلفية أزمة الأمازون والاضطراب السياسي بالأرجنتين خلال العام الماضي والاحتجاجات الشعبية بتشيلي والإكوادور على مدار العام، بجانب احتجاجات كولومبيا وخطر الهجرة من المثلث الشمالي في هندوراس وجواتيمالا والسلفادور، فهل تستطيع النظم السياسية سواء الجديدة أو المستمرة في الدول اللاتينية من تنفيذ التنمية المأمولة من شعوبها أم تستمر عدوى الاحتجاجات الشعبية بين دول القارة.
باحث ببرنامج السياسات العامة



