
ماذا ينتظر نيفين جامع من تحديات بعد توليها حقيبة وزارة الصناعة
تلقى مجلس النواب في الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري قائمة رئاسية بتعديل وزاري، وبعد موافقة المجلس بأغلبيته على التعديل، انتقلت عبء تطوير الصناعة المصرية وانتشالها من كبوتها الحالية، إلى السيدة نيفين جامع وزارة الصناعة الجديدة، وذلك في ظل ما لديها من خبرة عريضة في مجال تمويل المشروعات وخاصة الصغيرة والمتوسطة بعدما قضت قدرًا غير قصير من حياتها العملية في جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة المسئول الرئيسي عن تمويل هذه المشروعات في مصر، ورغم هذه الخبرة فإن ملف الصناعة المصرية شائك للغاية وتعوقه الكثير من التحديات بعضها كُلية مصدرها الاقتصاد المصري برمته، وأخرى نابعة من القطاع ذاته، يهدف هذا المقال إلى تناول أهم كلًا منهما على النحو التالي:
أولًا – تحديات كُلية
1- توسع نشاط الدولة في بعض الصناعات:
تزايد نشاط الدولة مؤخرًا في بعض الصناعات، من بين أهمها صناعتي الحديد والصُلب والأسمنت، وكذلك اتجاهها نحو إعادة قطاع الغزل والنسيج لسابق عهده، وقد كان هذا النشاط كان مُهمًا للغاية في وقت عزف فيه القطاع الخاص عن الاستثمار عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، فلم تجد الدولة بُدًا لدفع مُعدلات النمو من التدخل بذاتها في هذه القطاعات لدفعها وخلق المزيد من فرص العمل من ناحية والإحلال محل الواردات والتصنيع بغرض التصدير من ناحية أخرى. إلا أن هذا النشاط أصبح يُمثل هاجسًا للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، ولهذا فقد أكد صندوق النقد الدولي مرارًا في مُراجعاته لبرنامج الإصلاح الاقتصادي على وجوب تراجع نشاط القطاع الحكومي وإفساح المجال أمام القطاع الخاص. ويُشكل هذا الاتجاه تحديًا أمام الوزيرة الجديدة نظرًا لوجوب عملها على توفير إجماع وزاري على تعديله حيث لا تملك مُنفردة اتخاذ قرارات بهذه الضخامة.
2- تعقد النظام الضريبي المصري:
يُعاني المُستثمرين عند التعامل مع الإدارة الضريبية، بسبب تعقد الإجراءات وطولها وعدم الاعتماد على التكنولوجيا بشكل فعال، إذ أن عدد ساعات العمل المطلوبة لتقديم الإقرار الضريبي في مصر لم يتغير مُنذ عام 2013 بواقع 392 ساعة، كواحدة من أكبر المُدد المُتطلبة بين الدول النامية، وفي المركز 21 عالميًا من حيث طول المُدة وهو ما يوضح بُطئ إجراءات اقتضاء الضريبة، وما يتكبده النشاط من عبء في سبيل الالتزام بتقديم إقراراته، ما يُمثل حافزًا للعديد من أصحاب الأعمال للتهرب من الضريبة، ويُهدر على الدولة موارد مالية هي في أشد الحاجة إليها، لذلك فإن الوزيرة الجديدة عليها العمل على مع مصلحة الضرائب المصرية ومن خلفها وزارة المالية على وضع تسهيلات للمُستثمرين الصناعيين عند قيامهم بتقديم إقراراتهم الضريبية، وقد يكون ذلك بتخصيص إدارة خاصة للنشاط الصناعي على سبيل المثال، بحيث يتحول دفع الضريبة من عبء إلى حافز أمام الاستثمار المحلي والأجنبي.
ثانيًا – تحديات نابعة من القطاع ذاته
1- نظام تخصيص الأراضي الصناعية:
يواجه المُستثمر الصناعي عند بداية تأسيسه نشاطه عدة مُعضلات أولها وأصعبها على الإطلاق هو الحصول على أرض مُخصصة للاستثمار الصناعي، وذلك اولًا بسبب نُدرة هذه الأراضي من ناحية، وثانيًا ما يقوم به سماسرة هذه الأراضي من مُمارسات غير قانونية، تُمكنهم من الحصول على الأراضي بتخصيص من الدولة ومن ثم يقومون بإعادة بيعها بأسعار مُرتفعة. يترتب على ذلك عرقلة المُستثمر الجاد ومنعه من بدأ نشاطه، بالإضافة إلى رفع تكلفة مُمارسة الأعمال، الأمر الذي يُسفر في النهاية عن تباطؤ مُعدلات النمو، وارتفاع مُعدلات البطالة لأسباب عرضية بعيدة عن المؤثرات الاقتصادية الكُلية، وقد انعكس هذا على ترتيب مصر في مؤشر سهولة مُمارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2020، حيث حلت في المركز 74 من بين 190 دولة في التعامل مع تراخيص البناء، حيث يستغرق الحصول على الترخيص 173 يومًا بعد إتمام 20 إجراء، في حين أن متوسط الوقت اللازم للحصول على الترخيص في دول شرق آسيا 132 يوم و14.8 إجراء، ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 123 يومًا و15.7 إجراء، بينما في مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD يبلغ الرقم 152 يومًا و 12.7 إجراء، ويوضح الشكل التالي تطور ترتيب مصر في المؤشرات الثلاثة خلال الفترة من 2008: 2020.
شكل 1 – يوضح عدد أيام وإجراءات الحصول على ترخيص البناء الصناعي في مصر
ويظهر الشكل عدم حدوث أي تحسُن في عدد أيام الترخيص عن عام 2010، بل وتزايد عدد الأيام في العامين 2019، 2020 بمقدار يوم واحد عن عام 2018 حيث بلغ العدد 172 يومًا، كما زاد عدد الإجراءات المتوقعة في عام 2020 –حيث يصدر المؤشر عن توقعات الأداء في عام قادم، وهو تأخر لا بُد من تفاديه خاصة مع ما يُبذل من مُحاولات لتحسين بيئة الأعمال، ولذلك أعلنت هيئة التنمية الصناعية عن إنشاء ما أُطلق عليه “خريطة الاستثمار الصناعي” للتغلب على مُشكلتي الندرة و”التسقيع”. وهذه الخريطة هي عبارة عن بوابة إليكترونية لحجز الأراضي الصناعية المُخصصة لأغراض الاستثمار، تُتاح عبرها إمكانية شراء هذا النوع من الأراضي للمُستثمر المحلي والأجنبي، وذلك عن طريق جمع الأراضي الصناعية المُتاحة لدى الجهات الحكومية المُتعددة مثل المُحافظات، هيئة التنمية الصناعية وغيرهما وعرضها على خريطة إلكترونية لمصر، بحيث يختار المُستثمر من بينها الموقع الذي يلائمه. ورغم ذلك يظل التحدي قائمًا حتى إتاحة هذه الأراضي بمساحات كافية تمنع التنافس بين المُستثمرين وتُتيح لجميعهم الحصول على أراضي لبدء النشاط دونما انتظار، ولكن ذلك ليس بالهدف السهل تحقيقه بسبب الطلب الكبير على الأراضي الصناعية والذي قدرته هيئة التنمية الصناعية بنحو 10-11 مليون متر أراضي صناعية مُرفقة سنويًا.
2- تقادم هيكل الصناعة المصرية:
حيث تركزت الصناعات المصرية في صناعات خفيفة سريعة المكسب مثل الصناعات الغذائية بأشكالها المُختلفة من مُقرمشات وأجبان وعصائر حتى أصاب السوق تخمة من هذه المُنتجات، في ذات الوقت الذي يُعاني فيه من نُدرة في عديد المجالات خاصة تلك التي تتعلق بمُدخلات الصناعة الأولية أو الصناعات التكنولوجية، مما أخل كثيرًا بالهيكل الصناعي المصري. لذلك فإن هناك تحدي كبير أمام السيدة نيفين يكُمن في تحويل هذا الهيكل أولًا إلى نطاق الصناعات الثقيلة كثيفة العمالة من ناحية، وفي ذات الوقت تحديث هذه الصناعات بحيث تستعمل أحدث أساليب الإنتاج من ناحية التكنولوجيا أو تنظيم العمل، بحيث ترتقي بالمنتج المصري وتجعله يُنافس نظيره الخارجي سواء في السوق المصرية أو الدولية، ويحتاج ذلك إلى العمل على ناحيتين أولًا ترتيب إعفاءات وحوافز جمركية مع وزارة المالية على مُعدات الإنتاج الصناعي الحديثة، وثانيًا العمل مع وزارة التنمية المحلية والمُحافظات على عدم إعاقة هذه التحديثات ومنح المصانع ما تطلبه من تراخيص بسببها.
3- انتشار المُمارسات الاحتكارية داخل القطاع:
صدر قانون رقم 3 لسنة 2005 بإنشاء جهاز حماية المُنافسة ومنع المُمارسات الاحتكارية، والذي يهدف أساسًا إلى أن تكون مُمارسة النشاط الاقتصادي على النحو الذي لا يؤدي إلى منع حرية المُنافسة أو تقييدها أو الإضرار بها، وعلى الرغم من أن السوق المصرية في مُعظم النشاطات تُعاني من مُمارسات احتكارية بمُختلف هياكل الاحتكار سواء احتكار تام مثل سوق الانترنت الذي تحتكره شركة واحدة مملوكة للدولة، أو هيكل مُنافسة احتكارية كسوق العصائر أو المشروبات الغازية، أو الألبان المُصنعة، أو هيكل احتكار قلة كسوق الاتصالات الخلوية، فإن الجهاز ظل عاجزًا عن مُقاومة هذه الاحتكارات أو المُمارسات الناتجة عنها من رفع الأسعار على المُستهلكين وعدم كفاءة الخدمات المُقدمة وغيرها، ويُشير الشكل التالي إلى نتائج عمل الجهاز خلال الفترة من 2005 وحتى 2015/2016:
شكل 3 – إحصائات عمل جهاز حماية المُنافسة ومنع المُمارسات الإحتكارية
ويتضح منه أن الجهاز قام بفحص 118 بلاغا، وأعد 26 دراسة، وأبدى 13 رأيا استشاريا خلال الأعوام العشرة محل النظر، أسفرت عن وجود 20 حالة مُخالفة فقط، بينما اتضح في 115 من الحالات عدم وجود مُخالفة. وبغض النظر عن أن الأرقام مٌنخفضة نسبيًا مُقارنة بفترة العشر سنوات، فإن السوق ما زالت تكتنفها حالات احتكار واضحة لا تخفى على ناظر فضلًا عن خبير. لذلك طالب صندوق النقد بإعادة هيكلة الجهاز وإصدار قانون جديد يُفعل من دوره وينشطه، وهو ما حدث بالفعل إذا قامت الحكومة بتقديم مشروع قانون للبرلمان في يناير 2019 ولكنه لم ير النور حتى تاريخه. وكل تأخير في إصدار القانون بحيث يجعل الجهاز مؤسسة فاعلة تقوم بدورها، يُكلف الاقتصاد المصري ومُعدلات نموه، ذلك أن الاحتكارات التي تُسيطر على السوق تحد من دخول مُنتجين جُدد، وبالتالي تخنق مُعدلات النمو وتحد من خلق فرص عمل جديدة، وتزداد تلك التأثيرات كُلما ارتفع عدد الأنشطة الاقتصادية التي تقع تحت سيطرة الهياكل الاحتكارية بشتى أنواعها. وهنا يأتي دور الوزيرة الجديدة بحيث تدفع في اتجاه تفعيل دور الجهاز من خلال القانون الجديد ولائحته التنفيذية.
مما سبق يتضح أن قطاع الصناعة يُمثل تحديًا كبيرًا ليس فقط أمام السيدة نيفين جامع وزيرة الصناعة الجديدة، بل أمام الحكومة ككل، ذلك أن بعض مُشكلات القطاع هي في الأساس مُشكلات كُلية أو فوق قطاعية لن يحلها سوى تحرك وزاري جماعي مُنظم، ذلك أن قطاع الصناعة لا بُد أن يتحول إلى عصب نمو الاقتصاد المصري –برغم أهمية قطاعي التشييد والسياحة- وذلك لاستدامته فُرص العمل التي يخلقها والقيم المُضافة التي يُساهم بها، لكن ما يُسهل من هذه المُهمة نسبيًا هو ما تتمتع به الوزيرة الجديدة من خبرة عريضة في مجال دعم وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.