السد الإثيوبي

جولة جديدة من مفاوضات “سد النهضة” في القاهرة

استضافت مدينة القاهرة، يومي الإثنين والثلاثاء 2و3ديسمبر 2019، جولة جديدة من اجتماعات ملف “سد النهضة”، على مستوى وزراء الري والموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا،  جاء هذا الاجتماع في اطار سلسله الاجتماعات الاربعة المقرر عقدها على مستوى وزراء الموارد المائية والوفود الفنية من الدول الثلاث وبمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، للاتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي قبل حلول 15 يناير 2020، وذلك في ضوء مخرجات اجتماع وزراء الخارجية للدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا في العاصمة الامريكية واشنطن يوم 6 نوفمبر 2019 وبرعاية السيد وزير الخزانة الامريكية وحضور رئيس البنك الدولي.

وتهدف هذه المحادثات إلى تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث للوصول الى توافق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك في إطار الرغبة في التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق التنسيق بين سد النهضة والسدود الأخرى في كل من مصر والسودان، وذلك في إطار أهمية التوافق على آلية للتشغيل التنسيقي بين السدود وهي آلية دولية متعارف عليها في إدارة أحواض الأنهار المشتركة.

مصر ترغب في اتفاق مربح لكل الأطراف

تعاني مصر من تحديات مائية كبيرة وعلى رأسها الزيادة السكانية، واتساع الفجوة بين الموارد والاستخدامات المائية حيث يصل نقص المياه إلى 21 مليار متر مكعب في السنة، ويجرى مواجهة هذه التحديات من خلال تنمية الموارد المائية بإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي والمياه الجوفية الضحلة وتحلية مياه البحر، إضافة لاستيراد مصر منتجات ومحاصيل زراعية تمثل مياه افتراضية بما يوازي 34 مليار متر مكعب سنوياً

وتسعى مصر من خلال هذه المفاوضات الى التوصل لاتفاق عادل ومتوازن بشأن ملء وتشغيل السد، ومحاولة إيجاد حل مربح للأطراف الثلاثة معًا، إذ إنّ الهدف منها هو التوصل إلى اتفاق يمكّن إثيوبيا من تحقيق هدفها، بتوليد الطاقة الكهرومائية في أقرب فرصة ممكنة، وفي ذات الوقت تقليل الأضرار الكبيرة التي قد تقع على كل من مصر والسودان جرّاء تشغيل السد الاثيوبي، حيث ان الوصول الى الحل الوسط سيمكّن خزان سد النهضة من تحقيق هدفه، وحماية السد العالي وخزان أسوان لتحقيق هدفهما أيضا.

استكمال مناقشات الاجتماع الأول

في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث للوصول الى توافق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، تم استكمال مناقشات مخرجات الاجتماع الاول الذى عقد في اديس ابابا خلال الفترة ( ١٥-١٦) نوفمبر 2019، وتم خلاله النقاش حول: العناصر الفنية الحاكمة لعملية ملء وتشغيل السد والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد وحالة إعادة الملء، وطرحت كل دولة رؤيتها حيال الأمر، ثم اختتمت الاجتماعات حينها بالاتفاق على استمرار المشاورات والمناقشات الفنية حول المسائل الخلافية خلال الاجتماع الثانى والذي عقد في القاهرة، 2 و3 ديسمبر.

هيدروليكية النهر ستحدد سنوات الملء

أحرزت المفاوضات تقدما فى تقرير مدة ملء وتشغيل سد النهضة الذى سيمتد بين 4 إلى 7 سنوات، كما أشار وزير الري الإثيوبي خلال أول ايام الاجتماع في القاهرة، إلا ان المفاوضات لا تبحث عدد سنوات التخزين فقط، حيث ان هيدروليكية النيل الأزرق هى التى تحدد عدد السنوات التى سيجرى على أساسها تخزين بحيرة سد النهضة، حيث يقل عدد السنوات فى فترات الفيضان، ويزيد مع تعرُّض الحوض لموجات الجفاف، لذلك تؤكد مصر على ضرورة ملء وتشغيل السد على مراحل، بحيث تجرى مراعاة اوقات الجفاف والفياضان السنوي التى يشهدها حوض نهر النيل، وتجدر الإشارة هنا الى أنه تم التوصل إلى تقارب وليس إلى اتفاق فيما يتعلق بهيدروليكية النهر، بمعنى أنه كلما كانت الأمطار غزيرة قلت سنوات الملء والعكس، كما شهدت المفاوضات طرح رؤية محددة لتشغيل الخزان تتوافق مع وضع السدود فى مصر والسودان. 

السيناريوهات المطروحة من الدول الثلاث

وفقًا لما صرح به وزير الري الأسبق “د.محمد نصر علام” على حسابه الشخصي بموقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، تم خلال الجلسات عرض السيناريو المصرى لملء وتشغيل السد بإستخدام أحدث النماذج الرياضية لتحقيق التوازن مابين تعظيم كميات كهرباء السد لصالح أثيوبيا مع متطلبات الأمن المائى لدولتى المصب. وتعتمد تفاصيل الطرح المصرى على ايراد النيل الأزرق السنوى والذى يختلف إختلافاً كبيراً من عام لأخر ومن الصعب توقعه أو تقديره مقدماً، أى أنّ الطرح المصرى يشمل فى حالة الفيضانات العالية ملء السد فى سنوات قليلة قد تصل لثلاث سنوات، أما فى حالة سنوات فيضان متوسطة ومنخفضة قد يستغرق ملء السد 10-15 عاماً.

وتضمن الطرح الأثيوبى فهو إقتصادى بحت بهدف تعظيم العائد الإقتصادى للسد من خلال ملء السد خلال فترة زمنية لا تتعدى 4-7 سنوات، بغض النظر عن التداعيات السلبية على دولتى المصب. 

بينما يتمثل الطرح السودانى فى محاولات لإيجاد حلول وسط بين الطرحين المصرى والأثيوبى.

ويرى علام أن هذا التباين بين طروحات الدول الثلاثة هو السبب لعدم التوصل لتوافق حول سياسات التخزين أو تشغيل السد.

المفاوضات لم تنتهي بعد

نفت وزارة الموارد المائية والري المصرية ما تناولته بعض وكالات الأنباء عن صدور بيان مشترك من وزراء المياة بمصر والسودان وإثيوبيا عقب الاجتماع الوزاري الثاني في القاهرة بخصوص مفاوضات سد النهضة. وأشارت إلى مواصلة المناقشات فى الاجتماع الوزاري المقبل فى واشنطن المقرر عقده في التاسع من الشهر الجاري.

حسم ملف “سد النهضة” يناير 2020 بوساطة امريكية

يُعد الاجتماع في القاهرة 2-3 ديسمبر هو الثاني بعد الاجتماع فى أديس أبابا منتصف نوفمبر الماضي، ومن المُقرر عقد اجتماعان آخران، تفعيلاً لما تم التوافق عليه خلال مُباحثات واشنطن، والتى جرى خلالها الاتفاق على حسم جميع النقاط الخلافية بحد أقصى تم تحديده في منتصف يناير 2020.
وختامًا، انتهت اجتماعات القاهرة بالاتفاق على عقد اجتماع وزاري في واشنطن في 9 ديسمبر2019 لتقييم نتائج الاجتماعين الأول والثاني، وما تم إحرازه في موقف المفاوضات بين الدول الثلاثة، كما تم الاتفاق على استئناف المحادثات “الفنية” على مستوى وزراء الري خلال اجتماع بالخرطوم في 21و22ديسمبر2019، على أن تشهد أديس أبابا الاجتماع الرابع، أوائل يناير المقبل، وذلك قُبَيل الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية والمياه، الذي مقرر عقده في العاصمة الأمركية واشنطن، منتصف يناير 2020.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هايدي الشافعي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى