مصر

المرأة في الانتخابات الرئاسية المصرية… بلورة كفاح طيلة عقود ونظام يؤمن بالتمكين

أصبح مشهد السيدات المصريات أمام لجان الانتخابات مألوف للغاية، بعد أن كانت المرأة خلال عقود منصرمة لا تساهم في العملية الانتخابية برمتها، ومنذ أدركت الدولة المصرية، أن دور المرأة مهم ومفصلي في العملية السياسة وخاصة منذ دستور 2014 وما شمله من نقلة نوعية في التعامل مع المشاركة السياسية للنساء، والتزام مصر بالمرجعيات والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية منع التمييز ضد المرأة “السيداو”.

نضال المرأة المصرية لنيل حقوقها السياسية

ظلت المرأة المصرية طيلة عقود تناضل لنيل حقوقها السياسية، في الدخول إلى المعترك السياسي سوى ناخبة أو نائبة، وعلى الرغم من دورها القوي في ثورة 1919، إلا أنه لم يتم وضعها في لجنة الثلاثين لوضع الدستور، كما لم يتضمن دستور 1923 أي حق من حقوقها السياسية في الترشح والانتخاب، لتبدأ فصول من النضال لنيل حق أصيل لها وفيما يلي أبرز محطات كفاح المرأة المصرية.

  • في عام 1924، تشكل الاتحاد النسائي، للمطالبة بحق النساء في المشاركة بالحياة السياسية، وعضوية المجالس النيابية والمساواة في الحقوق مع الرجال.
  • نجحت الحركة النسائية المصرية عام 1942، في تأسيس “الحزب النسائي المصري”، مطالبة بحقوق سياسية مساوية لحقوق الرجل في الانتخاب والترشح، بعد أن تم حرمانها من هذا الحق تحت ادعاء أن المشاركة السياسية للمرأة ضد طبيعتها.
  • طالب الاتحاد النسائي المصري في عام 1947 بضرورة تعديل قانون الانتخاب ليكون للمرأة حق التصويت والترشح في المجالس النيابية، أسوة بالرجال.
  • في عام 1951، قادت هدي شعراوي ومعها 1500سيدة مظاهرة نحو مقر مجلس النواب المصري، للمطالبة بحقوقها السياسية، وفي نفس العام عرض على مجلس النواب مشروع قانون لمنح المرأة المصرية حقها في الانتخاب والترشح على المقاعد البرلمانية.
  • قامت مصر بالتوقيع على اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة عام 1952، وبناء عليه بدأت القيادة السياسية بوضع دستور جديد للدولة ولم تحتو اللجنة المكلفة بتعديل الدستور على أي سيدة.
  • وفي يناير 1956 يعلن الرئيس جمال عبد الناصر دستورا جديدا، وبنفس العام يصدر قانون رقم 73 الخاص بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية أو قانون الانتخاب والذي أعطى الحق للمرأة في الانتخاب للمرة الأولى في مصر.
  • انضمت مصر إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضد المرأة، بالقرار الجمهوري رقم 369 لسنة 1967 الصادر في 25 يناير 1967 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 45 في 11 نوفمبر سنة 1972
  • انضمت مصر لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بالقرار الجمهوري رقم 434 لسنة 1981 الصادر في 4 أغسطس 1981والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 51 في 17 ديسمبر سنة 1981 (وقد تحفظت مصر على بعض مواد الاتفاقية التزاما بإحكام الشريعة الإسلامية- وقد تم سحب تحفظ منها الخاص بجنسية أبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبي بعد تعديل قانون الجنسية)

وبعد عقود من حصول المرأة المصرية على حقوقها السياسية، بدأ صعود الجماعات الإسلامية وعلى رأسهم تنظيم الإخوان الإرهابي، لتبدأ مواجهات بين الإسلاميين وفتاويهم من جهة وبين محاولات المرأة لممارسة حقها السياسي ودورها الاجتماعي من جهة أخرى. حيث أصدرت الفتاوي بأن وجود المرأة في المناصب القيادية والبرلمان مخالف للشريعة الإسلامية، ومع مرحلة الإرهاب التي طالت مصر في تسعينيات القرن الماضي، انزوت المرأة المصرية بعد ترهيبها بشكل كبير، لتبدأ السيدات مرحلة جديدة من حروبها والتي تمثلت في العقلية الرجعية، والنيل من كل من تحاول الاقتراب من المعترك السياسي إلا قليلات استطعن الاستمرار.

عام تكميم النساء

ظهرت السيدات في المشهد السياسي منذ 11من يناير عام2011، كعاما مفصليا في تاريخ أمة بحجم مصر، حيث انهيار نظام، وصعود الجماعة الإرهابية مما جعل الأمور ضبابية بشكل عام وخاصة النساء، ويصبح عام حكم الجماعة الإرهابية هو عام تكميم النساء ووصفه بأنه العام الأسوأ للحركة النسائية، حيث كممت أفواههن وانتهكن في ساحات البحث عن الحرية ورفضهن الخضوع لحكم الجماعة المحظورة، والتي كانت تستمد تعاملها مع المرأة من منطلق مؤسسها ومقولته الشهيرة “ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة، وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولا وأخيرا… علموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها: تدبير المنزل ورعاية الطفل”.

وظهرت سمات المعاناة واضحة خلال عام، ذاقت فيه المرأة الإقصاء والظلم والقهر والتمييز، خاصة عند تشكيل جمعيتين لوضع دستور البلاد، تضمنت 7 نائبات فقط من أعضاء التيارات الإسلامية، في محاولة واضحة لإقصاء النساء عن المشهد بشكل واضح وصريح، وقلة أعدادهن في البرلمان والتي وصلت إلى 2.4 % من التمثيل البرلماني، وهي أقل نسبة حصلت عليها المرأة منذ بدء تمكينها، وتقليص عدد الوزيرات في الحكومة، وتأتي مشاهد النيل من السيدات المشاركات في المشهد السياسي بدءا من التصويت في الانتخابات مرورا بالمظاهرات المناهضة لحكم الإخوان انتهاء بتصدرها المشهد في ثورة يونيو 2013، والتي أعلنت انتهاء واحدة من أسوء الأعوام التي مرت على مصر، لتبدأ عهدا جديدا تتصدر فيه المرأة المصرية المشهد في جميع المجالات.

الجمهورية الجديدة وحقبة زمنية جديدة في التمكين الكامل للمرأة

أدركت المرأة دورها الفعال في المشاركة في الحياة السياسية، وبات من الواضح أن محاولات إقصائها من المشهد تعتبر مستحيلة، وتبدأ مرحلة جديدة من مراحل نضالها في الحياة السياسية وفرض قوتها وسطوتها على المعادلة برمتها، وتشارك بكل ما أوتيت من قوة في الانتخابات الرئاسية 2014، وهي أول انتخابات حرة نزيهة، وذلك لثقتها في أن صوتها الانتخابي يذهب إلى المرشح الذي اختارته هي بإرادة حرة، وقد شهدت الانتخابات تكتلا نسائيا قويا حيث كان للمرأة نصيب 44 % من الأصوات الانتخابية الصحيحة.

وفي أول خطاب للرئيس عبد الفتاح السيسي بعد توليه سدة الحكم، تعهد بالعمل الجاد بأن يكون للمرأة دور في الحياة السياسية، ووفاء لهذا الوعد حظيت المرأة باهتمام ومكتسبات عديدة على كافة الأصعدة، بدءا بإطلاق استراتيجية تمكين المرأة 2030.

وتتوالى المشاركة الفعالة في انتخابات برلمان 2015، وانتخابات الرئاسة الفترة الرئاسية الثانية 2018، وانتخابات مجلس الشورى، وانتخابات البرلمان 2020، وأخيرا الانتخابات الرئاسية 2024، والتي ظهرت فيها السيدات بشكل قوي ولافت لإثبات حقها الدستوري والقانوني في التصويت في الاستحقاقات السياسية، ومن ثم الترشح في الانتخابات المقبلة.

تمكين المرأة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي

C:\Users\admin\Desktop\2022-637818150043776373-377.jpg

المرأة هي ضمير الأمة ونبضها، والحارس الأمين على الهوية المصرية… هي السند والأمل في كل أزمة مرت بها الدولة وكانت ومازالت، الدرع الواقية. أمام كل من حاول النيل من عزيمة هذا الوطن “مقولة للرئيس عبد السيسي، واصفا” عظيمات مصر “كما يطلق على سيدات هذه الأمة، مؤكدا أهمية تعزيز المرأة وحقوقها، لذا تم وضع مادة” 11 “في دستور 2014، والخاصة بضمان تمثيل المرأة في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون.

وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد جميع أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة، ومتطلبات العمل، وشهدت الفترة من 2014 إلى الآن طفرة في تمكين المرأة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية. 

الحضور الملفت في سباق الرئاسة 2024

برز دور المرأة المصرية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واحتشدت أمام اللجان الانتخابية في مشهد مهيب، فلم يقف أمامها مرض أو سن للحضور إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بصوتها في وقت بالغ الدقة، في إقليم مشتعل شمالا وجنوبا، وحروب لا تهدأ، موقنة أن صوتها فارق وسيصل إلى من تراه يصلح لقيادة الدولة في ذلك الوقت.

بيدا أن مشهد الانتخابات لم يأت فجأة أو خرج من العدم، بل سبقه عقد من الإصلاح والتمكين للنساء على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا سيما حملات التوعية التي أطلقها المجلس القومي للمرأة، مثل حملات طرق الأبواب للتوعية بضرورة المشاركة في العملية الانتخابية خاصة المحافظات الحدودية مثل شمال سيناء ومرسي مطروح، وحملة “صوتك لبكرة” التي حملت عدة رسائل توعوية للنساء عن أهمية المشاركة في العملية الانتخابية كونها رقما هاما في المعادلة الانتخابية

وبناء عليه، أثبتت المرأة المصرية أنها قادرة علي قلب دفة الموازين، من خلال نزولها للتصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو الاستحقاقات البرلمانية السابقة، والتي شملت كافة الأطياف سواء في العاصمة والمدن الكبرى، والمحافظات التي كانت لا تعرف المرأة فيها طريقا لصناديق الاقتراع، إلا أنها في عقد،  أخيرا وضعت فيه الجمهورية الجديدة المرأة في مكانها الصحيح من رعاية وتوعية وتمكين سياسي حقيقي علي كل الأصعدة، أصبحن يظهرن بقوة في المشهد الديمقراطي لمعرفتها التامة أن صوتها مهم وسوف يحدد مصير دولة سخرت وطوعت كل ما لديها للمرأة المصرية.

+ posts

باحثة في وحدة المرأة وقضايا المجتمع

سمارة سلطان

باحثة في وحدة المرأة وقضايا المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى