القضية الفلسطينيةمصر

تنسيق المواقف … ملفات القمة المصرية الأردنية الفلسطينية في العقبة

تحرص القاهرة بشكل دوري على عقد لقاءات ثلاثية مع كل من الأردن وفلسطين، للتباحث والتشاور حول تطورات القضية الفلسطينية، سواء الطارئ منها أو ما يتعلق بمسار التسوية السلمية وكيفية تنسيق الرؤي والمواقف للتعامل مع التحديات القائمة حيال هذه القضية بشكل عام.

 حقيقة الأمر إن المتابع لهذه القمم يجد أنه يتم عقدها على فترات متقاربة، بهدف إعطاء الزخم المطلوب لهذه القضية العربية المركزية، مع الحرص على أن تكون القضية دائمًا في دائرة الضوء مهما كانت هناك قضايا أو مشكلات أخرى تحظى باهتمام إقليمي ودولي، لكن بطبيعة الحال تتسم القمة المنعقدة في مدينة العقبة الأردنية، بأهمية مضاعفة نظراً للتطورات الميدانية المتسارعة في قطاع غزة، وما يرتبط بها من تفاعلات إقليمية وآثار سياسية واقتصادية وأمنية.

التأكيد أن القمة تأتي في إطار الحرص على توثيق العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين مصر والأردن وفلسطين، وانطلاقا من الإرادة المشتركة لتكثيف مستوى التنسيق المستمر بين الدول الشقيقة الثلاث إزاء المستجدات والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، وسعيا لتحقيق جميع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وآماله وطموحاته، وكذا التأكيد على أهمية آلية التنسيق الثلاثية بين الدول الثلاث، واستمراريتها خلال السنوات الماضية.

فقد انعقدت خلال العام الماضي 2023، نسختين من هذه القمة، الأولى كانت في يناير 2023، وتم خلالها التأكيد على ضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة، واستمرار الجهود المشتركة لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم على أساس حل الدولتين، الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية. كما تم التشديد على الدعم الكامل لجهود الرئيس الفلسطيني في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به القضية الفلسطينية وسط تحديات إقليمية ودولية متزايدة، وضرورة توفير المجتمع الدولي الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وتكاتف الجهود لإيجاد أفق سياسي حقيقي يعيد إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، محذرين من خطورة استمرار غي والثانية في أغسطس اب الأفق السياسي وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار. كما تمت الدعوة للتركيز على ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي تقوض حل الدولتين وفرص تحقيق السلام العادل والشامل والتي تشمل الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم والاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة للمدن الفلسطينية، وانتهاك الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها.

أكد القادة الثلاث دائما – على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، والتشديد على أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ودورها في حماية هذه المقدسات وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية، وكذلك ضرورة توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام، الذي يعد مصلحة وضرورة للشعب الفلسطيني، لما لذلك من تأثير على وحدة الموقف الفلسطيني وصلابته في الدفاع عن قضيته.

القمة الثانية، تم عقدها بمدينة العلمين المصرية في أغسطس الماضي 2023، وسبقها عقد اجتماع للفصائل الفلسطينية، بحضور الرئيس الفلسطيني، لاستكمال الحوار حول القضايا والملفات المختلفة بهدف الوصول إلى إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وبعدها عُقدت قمة مصرية فلسطينية، ناقشت سبل تنسيق المواقف والرؤى إزاء عدد من الموضوعات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، خاصةً ما يتعلق بإعادة إحياء عملية السلام، حيث تم التشديد على ضرورة الحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة، واستمرار الجهود لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم على أساس حل الدولتين.

وتبدو أهمية هذه القمم الثلاثية بشكل أوضح، خلال جولات التصعيد الإسرائيلية ضد قطاع غزة، مثل الضربات الإسرائيلية للقطاع في أغسطس 2021، حيث انعقدت في الشهر التالي قمة ثلاثية احتضنتها العاصمة المصرية القاهرة، استهدفت في هذا التوقيت تنسيق المواقف قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والبحث في بناء موقف عربي موحد، بشأن استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، والاتصالات مع الولايات المتحدة، بناء على دعوة مصرية كان قد تم تعميمها في وقت سابق من نفس العام، لعقد مؤتمر دولي لاستئناف عملية التفاوض بشأن السلام، بناء على تواصل مصري – أمريكي. كذلك بحث هذا الاجتماع تثبيت التهدئة في قطاع غزة، ودعم الجهود المصرية لإعادة الإعمار في قطاع غزة، والتأكيد على أهمية الاستمرار في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، واستمرار المجتمع الدولي في دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

بالعودة إلى القمة الثلاثية الحالية التي تحتضنها مدينة العقبة الأردنية، يمكن القول أن الظروف الحالية التي تعيشها القضية الفلسطينية بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص، بين التأثيرات المدمرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وبين تضاؤل إمكانية وقف التصعيد الحالي على المستوى المحلي الفلسطيني وعلى المستوى الإقليمي، تضفي على هذه القمة قيمة مضافة وأهمية مضاعفة، حيث يسعى 

وفي وقت سابق خلال نوفمبر الماضي، عًقدت قمة مصرية أردنية، أكدت على خطورة استمرار غياب الأفق السياسي وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها، وشدد الطرفان آنذاك على ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللاشرعية، وعلى أهمية مواصلة التنسيق والتشاور مع الفلسطينيين إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما رحب الزعيمان في تلك القمة بالهدنة الإنسانية المعلنة في قطاع غزة، وضرورة وقف إطلاق النار تجسيدًا للتوافق الدولي المتمثل في قراري مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ذوي الصلة، كما جدد الطرفان رفضهما لسياسات التجويع والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.  

هذا التواصل الدائم بين القاهرة وعمان بشأن القضية الفلسطينية، أدى إلى تكوين رؤى مشتركة بين الجانبين، فيما يتعلق بسبل التعامل مع الوضع القائم حالياً، وترتكز هذه الرؤى على السعي لتعزيز العامل السياسي في الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية، حيث عمل كلا الجانبين خلال الفترات الماضية، على تسهيل السبل من أجل التوصل لتسوية نهائية على أساس حل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والمتواصلة جغرافيًا على حدود الرابع من يونيو 1967 والقدس الشرقية عاصمتها، كما تعملان باستمرار على العمل على إطلاق تحرك فاعل لاستئناف مفاوضات جادة وفاعلة لإنهاء الجمود في عملية السلام وإيجاد أفق سياسي حقيقي للتقدم نحو السلام العادل. 

كذلك عملت كل من الدولتين خلال الأعوام الماضية، على بذل كافة الجهود الممكنة، لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، ووضع حد للانقسام الفلسطيني باعتباره من أكبر المعوقات في سبيل حل القضية 

يتجلى حجم التنسيق والتواصل المشترك بين الجانبين، في موقفهما من محاولات التهجير القسري لسكان قطاع غزة، حيث أعلنت كل من القاهرة وعمان رفضهما الواضح والقاطع لأي مخططات إسرائيلية تهدف إلى نقل الفلسطينيين خارج أراضيهم، سواء من الضفة أو من قطاع غزة، إلى كل من مصر والأردن، أو أية وجهة أخرى، باعتبار تلك المسألة خطًا أحمر، وذلك من خلال تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “لا تهجير للفلسطينيين في قطاع غزة إلى مصر” والذي أعقبه مباشرة تصريح لملك الأردن عبد الله الثاني “الموقف الذي عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأكيده رفض مصر تهجير الأشقاء الفلسطينيين عن أرضهم باعتباره خطًا أحمر، يجسد الموقف المشترك”. كما حرص كلا البلدين على التشديد على ضرورة وقف العنف، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. ورفضهم لسياسات التجويع والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.

تجدر الإشارة إلى أن التشاور والتنسيق والتواصل المستمر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني منذ اللحظة الأولى للحرب ساهم في تخفيف حدتها على أهالي غزة عبر الضغط المستمر لإنفاذ المساعدات الإنسانية في ظل التعنت الإسرائيلي في هذا الشأن، ويستمر حتى اليوم في بذل الجهود الحثيثة من أجل استمرار وزيادة إدخال المساعدات ووقف الحرب. وتشير الأرقام إلى أن مصر أرسلت 13 ألف طن من المستلزمات الإنسانية بالتعاون مع التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ومؤسسة حياة كريمة والهلال الأحمر المصري، وتمثل حجم المساعدات التي قدمتها مصر للشعب الفلسطيني 80% من إجمالي المساعدات الدولية للقطاع، وهي بذلك الأولى دوليًا.  فيما قدمت الأردن مساعدات للقطاع بلغت 89 شاحنة و28 طائرة، وفقًا للهيئة الخيرية الهاشمية في الأردن. هذا بالإضافة إلى التنسيق الدبلوماسي والإنساني بين مصر والأردن الذي لعب دورًا كبيرًا في إدخال المستشفى الميداني الأردني لعلاج أبناء غزة جراء الحرب الإسرائيلية الدائرة، مما يعكس دور مصر والأردن في تخفيف حدة هذه الحرب على قطاع غزة.

في المجمل، يمكن القول إن القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية، باتت قمة للأقطاب الحامية للقضية الفلسطينية، والتي تحظى بالانخراط الإيجابي الأكبر في هذه القضية على كافة المستويات، وتستهدف جملة من الأهداف، أهمها التأكيد على الثوابت العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبحث آليات التعامل المشترك مع التحديات القائمة حالياً في قطاع غزة، ميدانياً وإنسانياً وسياسياً.

تنسيق التحركات نحو تكثيف الجهود الإقليمية والدولية للضغط على إسرائيل، ليس فقط لوقف سياساتها المتطرفة، ولكن أيضًا من أجل تمهيد الطريق أمام استئناف عملية السلام؛ إذ إن المفاوضات السياسية لا تزال تمثل المجال الرئيس نحو تحقيق السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

 وهو مجال يبدأ بإنهاء العدوان الإسرائيلي المستمر حالياً على قطاع غزة، وإنهاء محاولات تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهالي قطاع غزة، وهي المحاولات التي يقف التكتل المصري – الفلسطيني – الأردني، حائلاً أساسياً ورئيسياً حيالها.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى