القضية الفلسطينيةدول المشرق العربيمصر

قمة العقبة: توافق مصري أردني فلسطيني حول رفض تصفية القضية الفلسطينية

شهدت مدينة العقبة الأردنية اليوم الأربعاء 10 يناير، انعقاد القمة الثلاثية التي جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتعد القمة الثالثة من نوعها منذ يناير 2023، ما عبر عن حجم التنسيق الكبير بين الأطراف الثلاثة، وقد ارتبطت أهمية القمة بجملة من الاعتبارات الرئيسة سواء ما يتعلق بمركزية دور الأطراف المشاركة في إطار القضية الفلسطينية، أو ما يتعلق بالتطورات التي يشهدها الملف الفلسطيني في ضوء الحرب الجارية وتداعياتها على كافة المستويات، فضلًا عن كون القمة تمثل إطارًا سياسيًا جامعًا للدفع قدمًا باتجاه التعامل مع التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية.

رسائل مهمة

عبرت قمة العقبة الثالثة من نوعها بين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية عما وصل إليه حجم التنسيق الثلاثي من مستوى نوعي واستراتيجي، كما أنها أكدت على جملة من الرسائل التي تعبر عن ثوابت الأطراف الثلاثة تجاه التطورات الراهنة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وكذا الملفات الاستراتيجية وبعيدة المدى الخاصة بهذا الملف، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- التشديد على رفض مخططات التهجير: شدد الزعماء الثلاثة في ثنايا مباحثاتهم المشتركة على رفض كافة مخططات التهجير الإسرائيلية للشعب الفلسطيني، ويعد رفض ملف التهجير ثابتًا من ثوابت التعامل خصوصًا من قبل مصر والأردن مع تطورات الحرب الحالية، انطلاقًا من كون سياسة التهجير تمثل مسعى لفرض أمر واقع جديد يدفع باتجاه تصفية القضية الفلسطينية قبل أن يكون تهديدًا للأمن القومي والسيادة في كلا البلدين، وترتبط أهمية توحيد المواقف تجاه ملف التهجير بتوسع سياسات إسرائيل في هذا الصدد، سواءً ما يتعلق بالتهجير القسري من خلال عمليات القصف العنيف على القطاع، وكذا العمليات البرية العسكرية أو سياسات التجويع الممنهجة بحق الفلسطينيين، فضلًا عن مساعي إسرائيل لممارسة التهجير الطوعي بحق الفلسطينيين من خلال تقديم إغراءات مالية لبعض الدول الأفريقية من أجل القبول بذلك.

كذلك أكدت القمة على ضرورة الدفع باتجاه العودة الفورية لسكان القطاع ممن تم تهجيرهم إلى الجنوب إلى منازلهم، وهي الدعوة التي جاءت في ظل اعتبارين رئيسين، الأول، يتمثل في استمرار عمليات تهجير الفلسطينيين من مناطق الشمال بشكل قسري، والثاني، يتمثل في ربط إسرائيل عودة القطاعات التي تم تهجيرها إلى الشمال بإنجاز صفقة جديدة للمحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وهو التحرك الذي أكدته العديد من التقارير الإسرائيلية على هامش المباحثات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

2- أولويات عاجلة وملحة في غزة: أكدت القمة الثلاثية في العقبة على ما يمكن وصفه بأولويات العمل العاجلة بالنسبة للأطراف الثلاثة في المرحلة الراهنة، متمثلةً بشكل رئيس في ضرورة الاستمرار بالضغط لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وحماية المدنيين العزل، وضرورة ضمان إيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى غزة بشكل دائم وكاف، للتخفيف من الوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه الأهل في القطاع”، ما عكس وجود رؤية واضحة من قبل الزعماء الثلاثة حول أولويات العمل في الفترة الراهنة.

3- رفض أطروحات “اليوم التالي”: تطرقت مباحثات الزعماء الثلاثة على هامش القمة، إلى ما يُعرف بـ “اليوم التالي” في إشارة إلى مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وهو الملف الذي تنامت وتيرة التحركات الإسرائيلية وكذا الأمريكية بخصوصه في الفترات الماضية، ويمكن القول إن الرؤية الإسرائيلية في هذا الصدد تستهدف بشكل رئيس فرض أمر واقع جديد في القطاع على المستوى السياسي، عبر إنشاء بنية سياسية جديدة تحيد تهديد القطاع بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، وتُنهي الحكم السياسي لحركة حماس والفصائل الفلسطينية، وفي هذا السياق، أكد الزعماء الثلاثة على رفضهم أي محاولات لإعادة  احتلال أجزاء من غزة أو إقامة مناطق آمنة فيها، كما اتفق الزعماء الثلاثة على رفض أي خطط لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، باعتبارهما يشكلان امتدادًا للدولة الفلسطينية الواحدة.

4- التأكيد على دعم السلطة الفلسطينية: جددت القمة التأكيد على الدعم والمساندة الكاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية، بما يسمح لها بالقيام بمهامها في حماية الشعب الفلسطيني من الانتهاكات التي يتعرض لها في الأراضي الفلسطينية كافة، ويعبر هذا التأكيد عن قناعة راسخة بكون السلطة الفلسطينية هي الجهة السياسية الشرعية المعبرة عن الشعب الفلسطيني، فضلًا عن كونها تحمل تأكيدًا على ضرورة بناء توافق وطني فلسطيني فلسطيني، ولعل هذه الرسائل تأتي في توقيت حمل تطورات ومؤشرات مهمة على مستوى بناء حالة من التوافق الوطني الفلسطيني، وهو ما تجسد في تصريحات متبادلة من قبل مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية الذين أشاروا إلى انفتاحهم على بناء حالة توافق وطني فلسطيني، ومسؤولي الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، الذين أشاروا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة توحد كافة القوى الفلسطينية، وانفتاحهم على ذلك، وهو ما تجسد في تصريحات أخيرة لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والتي رحب خلالها ببناء سلطة فلسطينية موحدة. 

5- التأكيد على ضرورة استعادة المسار السياسي: أكدت القمة الثلاثية بالعقبة على ضرورة تنسيق المواقف العربية، وكذا زيادة التنسيق مع الدول الفاعلة ة لإيجاد أفق سياسي للقضية الفلسطينية لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، وهو موقف يمثل أحد الثوابت بالنسبة للأطراف الثلاثة وتم التأكيد عليه في أكثر من مناسبة منذ اندلاع الحرب الحالية، وهو الثابت الذي يحكمه محددين رئيسين، الأول، يتمثل في ضمان الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وبناء دولة مستقلة، والثاني، يتمثل في كون عدم إقامة السلام العادل مدخلًا لتجدد الصراع والحرب، وتهديد الأمن والسلم في الإقليم ككل.

وفي الختام، يمكن القول إن قمة العقبة الثلاثية جاءت لتؤكد على حجم التنسيق الكبير بين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، لكن أهمية القمة ارتبطت ببعض المحددات الرئيسة وعلى رأسها التطورات الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية بالتزامن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فضلًا عن كون القمة تأتي بالتزامن مع جولة مهمة يجريها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للشرق الأوسط، وهي الاعتبارات التي زادت من الحاجة إلى تنسيق وتوحيد مواقف الأطراف الثلاثة، وبناء رؤى مشتركة بخصوص بعض المسائل المُلحة، سواءً ما يتعلق بآليات وقف الحرب الحالية، أو ما يتعلق بمسارات ما بعد الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى