
قراءة في مخرجات قمة المناخ COP28
بعدما انتهت أحداث المؤتمر الثامن والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والذي نظمته دولة الإمارات العربية المتحدة ما بين الثلاثين من نوفمبر ولمدة أسبوعين، خرجت القمة بعدة نتائج منها الإيجابي ومنها ما لم يكن بمستوى التوقعات المنتظرة رغم اجتهاد المسؤولين عن التنظيم وتقديمهم نسخة جيدة للمؤتمر من حيث الفعاليات بالأجندة.
مع تزايد الكوارث الطبيعية المتعلقة بظواهر الاحتباس الحراري انتظر العالم أن يسفر المؤتمر عن حلولًا فعالة بما يتسق مع حجم أضرار التغيرات المناخية. وكما كان متوقعًا، اتجهت الجهود تجاه إطلاق صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الإعلان عنه أثناء قمة المناخ السابعة والعشرين التي انعقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية بعد عبور تحديات عدة للتوصل لهذا الاتفاق التاريخي.
وعلى الرغم من النجاح في عملية الإطلاق خلال اليوم الأول، إلا أن المجتمع الدولي لم يتعهد بأحجام التمويل المنتظرة. كما تزايد التساؤل تجاه مدى جدية الدول الصناعية الكبرى بعد عدم القدرة على توحيد موقف بناء بخصوص تقييد استخدامات الوقود الأحفوري.
تساؤلات حول قائمة الغيابات
رغم إبداء البابا فرانسيس نيته في حضور القمة، ودعوته قبل القمة إلى اتخاذ إجراءات سريعة ضد أزمة المناخ وإدانة كل محاولات إنكار تغير المناخ، إلا أنه اضطر إلى عدم الحضور بسبب ظروف صحية. كما لم يحضر واحد من أكبر الأصوات المنادية بالتحرك الأخضر وهو رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، وهو غياب يميل المحللون إلى تفسيره بتعقد الأوضاع السياسية بالمنطقة مع استمرار الحرب داخل قطاع غزة وسقوط عشرات الآلاف من الأبرياء، بالإضافة إلى مشاكل اقتصادية في الداخل الأمريكي.
وعند الأخذ في الاعتبار إلى أن بايدن حضر مؤتمري المناخ السابقين في جلاسكو وشرم الشيخ، فإن غيابه عن مؤتمر دبي يعتبر غير متسق مع توجهاته البيئية المعلنة، حتى لو أناب عنه في الحضور نائبته “كامالا هاريس”، خاصة بعدما شكلت سياساته تضادًا مع سياسات الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب بإلغاء قرار الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ. ولنفس هذه الأسباب لاقى خطاب كامالا هاريس نيابة عنه في المؤتمر بعض الانتقادات نظرًا إلى انتعاش أنشطة الوقود الأحفوري أثناء فترة ولايته وكون الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر دولة مصدرة للانبعاثات.
تذبذب واضح حيال التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري
بالطبع كانت واحدة من أهم القضايا المطروحة خلال المؤتمر هي تلك المتعلقة بالتخلص التدريجي لاستخدام وإنتاج الوقود الأحفوري. حيث أصدرت الأمم المتحدة في سبتمبر من العالم الحالي 2023 قبيل القمة الثامنة والعشرين، أول تقييم لفترة عامين لمعرفة التقدم العالمي في إبطاء تغير المناخ، والمعروف باسم Global Stocktake أي التقييم العالمي. وأشار التقييم العالمي إلى التأخر في تحقيق الأهداف المتفق عليها في اتفاقية باريس كما هو متوقع.
وتناولت أغلب اللقاءات الصحفية الأسئلة التي تم توجيهها إلى سلطان الجابر بصفته رئيس كوب 28, والذي نادى بدعم قضية خفض استخدام الوقود الأحفوري. كما كرر الجابر تصريحاته بأن التدرج في إخراج الوقود الأحفوري أمر “ضروري” حقًا.
نتائج وتعهدات
لم تكن كل الأنباء سلبية، بل نجح المؤتمر في الخروج من كواليس المفاوضات الدولية بعدة قرارات مهمة. فعلى سبيل المثال تعهدت الدول الأغنى بتقديم ما يقل عن 800 مليون دولار بقليل لصندوق الخسائر والأضرار، وإن كان ذلك الرقم شديد التواضع مقارنة بالخسائر التي تكبدتها البلدان النامية من آثار التغيرات المناخية. جاء الرقم صادمًا ولكنه يعتبر البداية لمزيد من التعهدات المأمولة.
بدأت الإمارات ببادرة تشجيعية عندما تعهدت بتقديم 100 مليون دولار للصندوق، قبل أن تبادلها ألمانيا بتعهد مالي بنفس القيمة. بعدها تجاوزتهما كلا من إيطاليا وفرنسا، بفارق بسيط، حيث وعدت كل منهما بمبلغ 100 مليون يورو (ما يزيد عن 109 مليون دولار). في حين تعهدت الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة مصدرة لانبعاثات الكربون، بمبلغ 17.5 مليون دولار. فيما أعلنت اليابان، الخامسة عالميًا في ترتيب الدول المصدرة للانبعاثات، بتعهد بلغ 10 ملايين دولار فقط.
إضافة إلى هذا، أعلن محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات في أول أيام مؤتمر الأطراف عن إطلاق صندوق ألتيرا للاستثمار المناخي، برأس مال تحفيزي بقيمة 30 مليار دولار يهدف إلى جذب استثمارات بقيمة 250 مليار دولار بحلول عام 2030 لأجل حلول المناخ عالميًا.
وعلى نفس الصعيد، أعلن منظمي القمة عن توحيد 52 شركة نفطية، بما يمثل 40% من عملية إنتاج النفط العالمية، حول ميثاق يهدف لإزالة الكربون من صناعة النفط والغاز. كما تم الإعلان عن توقيع 130 دولة على تعهد لمضاعفة قدرة توليد الطاقة المتجددة إلى 11 ألف جيجاوات، وزيادة كفاءة الطاقة بنسبة مضاعفة حتى عام 2030.
موقف عالمي غير حاسم
لكن كل هذه النتائج والمبالغ المعلن عنها لا تعتبر كافية على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، جاءت أزمة فيضانات باكستان وحدها خلال صيف 2022 لتكلف الاقتصاد الباكستاني 30 مليار دولار تقريبًا من الخسائر الاقتصادية. كما تتراوح التقديرات للتكلفة السنوية للأضرار الناجمة عن تغير المناخ من 100 مليار دولار إلى 580 مليار دولار. وبالتالي كل ما تم ذكره من تمويلات تم تجميعها خلال القمة لا يمكنها وحدها إنقاذ العالم من أثار التغيرات المناخية.
وكالعادة طالبت الدول النامية من جديد بزيادة التعهدات المالية المخصصة لها للتكيف مع تغير المناخ، على أن تكون مساعدات مستحدثة غير ما تم تقديمه من قبل وأن تكون في هيئة منح لا ترد وليست قروض. لكن ما أفضت إليه القمة لم يلبي مطلب الدول النامية الخاص بتغيير طبيعة التمويلات لتكون منح.
ومن هذه النتائج يبدو أن المجتمع الدولي لم ينجح في حسم رحلة السعي إلى التوافق العالمي من المؤسسات الدولية والحكومات المشاركة كلها بشأن الخفض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري، بما يحقق هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية المتفق عليه في باريس عام 2015.
كما أن البيان النهائي للقمة تأخر بسبب الخلافات بين المجتمع الدولي حول أمور عدة أهمها الموقف المتعلق باتفاق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وهو الاتفاق الذي صرح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان حياله بأنه لن يؤثر على قدرة المملكة العربية السعودية على بيع خامها.
وبالتالي تتأجل مجددًا رحلة الحسم تجاه أزمة التغيرات المناخية إلى القمة القادمة في أذربيجان في نوفمبر من العام 2024.
باحث ببرنامج السياسات العامة