
الهوية والإرادة.. عوامل نجاح الانتخابات الرئاسية المصرية
أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات برئاسة المستشار حازم بدوي، قرارها بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية والتي شهدت أعلى نسبة مشاركة مقارنة بالانتخابات السابقة بنسبة 66.8%. وعدد الأصوات الصحيحة 44288636 صوتًا بنسبة 98.9% وعدد الأصوات الباطلة 489307 صوتًا بنسبة 1.1%، وحصل المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي على 39702451 صوتًا بنسبة 89.6%، وحصل محمد فريد زهران 1776952 بنسبة 4% وحصل حازم عمر 1986352 بنسبة 4.5% وحصل عبد السند يمامة 822606 بنسبة 1.9%.
وبناء على ذلك، تناقش الورقة لماذا يعد الاستحقاق الانتخابي الأخير ناجحًا؟، وعوامل نجاحه، وكيف يمكن البناء على هذا النجاح.
أولا: المعايير.. لماذا الانتخابات ناجحة؟
معايير نجاح الانتخابات: هي مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في الانتخابات حتى يمكن اعتبارها استحقاقًا ناجحًا، وبالتالي تحقق أهدافها الأساسية. ويمكن حصر هذه المعايير في التالي:
- الشفافية: أن تكون الانتخابات شفافة ونزيهة وحرة، أي أن تكون واضحة القواعد حتى تحقق ركن الشفافية، وأن تُجرى دون أي تدخل من الحكومة أو أي طرف آخر حتى تحقق ركن الحرية.
- المشاركة الشعبية: يجب أن يكون هناك مشاركة شعبية واسعة في الانتخابات، وأن تتاح الفرصة لجميع المواطنين للتصويت. أي أنه كلما زادت نسبة الناخبين في التصويت ساهمت في اعتبارها (أي الانتخابات) ناجحة.
- التعددية السياسية: يجب أن تكون الانتخابات متعددة الأطراف، وأن تسمح بمشاركة جميع الأحزاب السياسية في المنافسة الانتخابية. وكلما زادت الأطياف والتيارات السياسية المشاركة في الانتخابات، زاد ذلك من نجاح الاستحقاق وثقة الشعب فيه.
- العدالة الانتخابية: يجب أن تكون الانتخابات عادلة، وأن تطبق القواعد الانتخابية على جميع المترشحين بشكل متساو.
ويمكن تقسيم معايير نجاح الانتخابات إلى قسمين رئيسين:
- المعايير الفنية: تتعلق بإجراءات الانتخابات، مثل: وضوح القواعد الانتخابية، ونزاهة العملية الانتخابية، وكفاءة إدارة الانتخابات.
- المعايير السياسية: تتعلق بالسياق السياسي للانتخابات، مثل: مستوى الحرية السياسية في البلاد أو حجم التقدم في ملفات الإصلاح السياسي، ووجود تعددية سياسية حقيقية، ومشاركة المواطنين في الانتخابات.
وعليه، فحسب البيانات الواردة في نتائج الانتخابات التي أعلنت عنها الهيئة الوطنية للانتخابات، فإن نسبة المشاركة الشعبية في التصويت تجاوزت الـ 60% وهي الأعلى في التاريخ السياسي المصري، وهو ما يؤشر على أهم معايير نجاح الانتخابات. في حين أن متوسط نسبة الإقبال على الانتخابات في الدول الأوروبية والولايات المتحدة تتراوح بين 50% إلى 60%.
كما أن السباق الانتخابي شهد أربعة مرشحين يمثلون تيارات سياسية متنوعة بين التيار الليبرالي الاجتماعي (الذي يتبعه المرشح حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري)، والتيار الديمقراطي الاجتماعي-الاشتراكي المحسوب على المعارضة المدنية “الحركة المدنية الديمقراطية” (الذي يمثله المرشح فريد زهران رئيس حزب المصري الديمقراطي)، والتيار الليبرالي (الذي يمثله المرشح عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد الجديد)، بالإضافة إلى المرشح الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أسس لمشروع الدولة الوطنية. وهو ما يعني أن الانتخابات الأخيرة حققت معيار التعددية السياسية.
ثانيًا: عوامل النجاح
تتأتى مجموعة من العوامل التي خلقت مشهدًا ناجحًا انعكس على الانتخابات الرئاسية المصرية 2024، يمكن تقديرها على النحو التالي:
1- الإشراف والتنظيم
في 28 مارس 2023، وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي على اقتراح استمرار الإشراف القضائي على الانتخابات لضمان النزاهة والشفافية. وجاء ذلك المقترح بناء على طلب أحزاب المعارضة المدنية المشاركة في الحوار الوطني؛ مما أسهم في تلبية مطالب الشعب وخاصة تياره المعارض، وممثلي الشعب في غرفتي البرلمان (النواب والشيوخ) الذي رفعوا إلى الرئاسة المصرية اقتراح التعديل التشريعي في الهيئة الوطنية باستكمال مهمة القضاء في الإشراف على الانتخابات.
أما ركن التنظيم، فعملت الهيئة الوطنية على مدار ثلاث سنوات في دراسة كافة المعايير الدولية في كيفية التنظيم والرقابة والمتابعة للاستحقاقات الانتخابية، والبناء على تراكم الخبرة السابقة، إذ شهدت مصر ثمانية استحقاقات منذ ثورة 30 يونيو 2013، وهي نسبة كبيرة في تلك المدة يمكن عزوها إلى الفترة الانتقالية الطويلة بعض الشيء.
2- المجتمع المدني
نجحت مصر في أعقد ملفات مرحلتها الانتقالية وهي ملف تنظيم وإدارة المجتمع المدني المصري، إذ كان التحدي هو السيولة والتضخم في المستوى الكمي للأحزاب والجمعيات المدنية دون تماهٍ مع الرؤية الوطنية أو أهداف التنمية الشاملة. لذلك كان التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ركيزة مهمة وضرورية لتنظيم العمل المدني والأهلي في مصر، وخاصة بين فئات المجتمع الحرجة الأهم وهي فئة “الشباب”، التي تشكل حوالي 26.8% من إجمالي السكان، أي ما يعادل 21.9 مليون نسمة، وذلك وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2023.
وفي ضوء ذلك يمكن تفسير المشاركة الملحوظة للشباب في الانتخابات الرئاسية، نظرًا للتمرس في العمل التطوعي بين الشباب ووعيهم السياسي، أي الإلمام بمحددات الأمن القومي المصري وحجم التحديات ومدى تقدم الإنجازات القومية.
ولم يكن الدور الناجح للتحالف الوطني والمجتمع المدني منعكسًا على الشباب فحسب، بل كان بين فئة “رجال الأعمال” وهم يعتبرون ضمن قائمة الكتل الحرجة في المجتمع المصري، إذ تمت تغذيتهم بالوعي السياسي نتيجة مشاركتهم في جهود التنمية والعمل المدني، فانعكس ذلك على نجاح الانتخابات.
3- الإصلاح السياسي
يمكن تقسيم مفهوم الإصلاح السياسي إلى محورين اثنين رئيسين، وهما: مفهوم “الحوار”، ومفهوم “التمكين”.
المحور الأول، في 3 مايو 2023، انطلقت أعمال الحوار الوطني بهدف إصلاح الشأن السياسي في مصر وتوحيد الصف بين المعارضة المدنية مع الدولة حكومة وشعبًا. وانضم إلى الحوار الوطني 12 حزبًا يمثلون الحركة المدنية الديمقراطية التي تعد مركز المعارضة المدنية في مصر. وتم الاستقرار على مناقشة 113 قضية في 3 محاور أساسية وهي السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، كما تم تقسيم المحاور إلى 19 ملفًا لكل ملف لجنة نوعية خاصة به لضمان التوصل لتوصيات تشريعية وتنفيذية، تسهم في التأثير الإيجابي على الحياة السياسية. وسيطر الجانب السياسي على مجريات الحوار الوطني بشكل عام.
وأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي السياسي لدى الشعب، ومستوى الثقة السياسية لدى المجتمع السياسي المصري، فانعكس على نجاح الانتخابات وتحقيق ركن المشاركة الشعبية.
وهو ما يفسر سبب اختفاء ظاهرة الأصوات الباطلة التي كانت انعكاسا لحالة عدم تأييد القيادة السياسية.
أما المفهوم الثاني فهو “التمكين”، ويعني الخطوات المصرية لتمكين فئات المجتمع الثلاثة المهمة المذكورة في رؤية مصر 2023، وهم “الشباب”، و”المرأة”، و”كبار السن”. إذ رفعت مصر مستوى تمكين الشباب في الدوائر التنفيذية الثلاثة: الحكومة، والمحافظات، والمحليات. وينطبق الحال ذاته على المرأة، كما ساهمت الحكومة في رفع أجور المعاشات لكبار السن، وسهلت إجراءات الصرف.
4- السياق الانتخابي
لا يمكن استبعاد أثر الحرب في غزة على المشهد الانتخابي الأخير في مصر، إذ أسهمت – الحملات الميدانية الشبابية التطوعية لنقل المساعدات إلى أهالي غزة من أمام معبر رفح، وتماسك الموقف المصري الرافض بحزم لمسألة التهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية على حساب السيادة المصرية- في رفع حالة الاستنفار القصوى لدى المصريين في الانتخابات، واعتبارها حلقة مكملة لمظاهرات 20 أكتوبر 2023 في الشوارع المصرية دعمًا للقضية، والتي جاءت في إطار منح “التفويض” للقيادة السياسية باستكمال الدور التاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية.
ثالثًا: دلالات المستقبل
جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد النتائج الرسمية للانتخابات لتدل على التالي:
(1) حيوية المجتمع بجميع فئاته.
(2) الإرادة الشعبية القوية.
(3) التعبير عن رفض الحرب في غزة.
(4) استمرار العمل في بناء الجمهورية الجديدة.
(5) بناء دولة الحداثة والتنمية.
(6) بناء القدرات الشاملة والحفاظ على المكتسبات القومية.
وبناء على ما تقدم من عوامل النجاح وكلمة الرئيس، يمكن تقدير مجموعة من الدلالات المهمة، وهي:
(1) إدماج مفهوم “التفويض” في بناء شرعية القيادة السياسية المصرية من خلال الانتخابات.
(2) تحولت القضية الفلسطينية إلى بوصلة أخلاقية للانتخابات والمشاركة الشعبية.
(3) اعتبار الشعب بجانب المؤسسات هو ركيزة الأمن القومي المصري.
(4) تعريف الجمهورية الجديدة بأنها الدولة الديمقراطية الحديثة والتنموية التي تحترم الدستور وتحافظ على هويتها وتراثها وتعمل على بناء الإنسان.
وعليه، يمكن التقدير بنحو أو بآخر أن مصر شرعت في دخول مرحلة الجمهورية الجديدة، معلنة انتهاء الفترة الانتقالية الطويلة نوعًا ما التي هدفت إلى بناء المؤسسات، وحفظ أمن واستقرار الدولة والمجتمع، ورفع مستوى المرونة للمجتمع المصري عبر تمكين فئاته وتفعيل دوره المدني، كما تواجه مصر جملة من التحديات الإقليمية بالإضافة إلى ضرورة استكمال المشروع الاقتصادي الوطني الذي بدأ من 2014، وهو ما يتطلب استقرارًا تامًا للنظام السياسي والقيادة السياسية تحققت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية