
التعددية الحزبية ودورها في زيادة الإقبال الجماهيري على المشاركة في الانتخابات
تعتبر الانتخابات الرئاسية الجارية هي خامس انتخابات رئاسية متعددة تشهدها مصر، حيث يتنافس فيها 4 مرشحين من أيديولوجيات متعددة، وهم: المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، وثلاثة من رؤساء الأحزاب وهم عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، والسيد فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وبذلك تقدم الأحزاب السياسية المصرية 75% من مرشحي الرئاسة وهو الأمر الذي أكسب هذه الانتخابات زخما فريدًا، خاصة مع احتلال المرشحين المنافسين مساحة إعلامية كبيرة، وتأكيدهم على عدم تعرضهم لأية مضايقات في اللقاءات الجماهيرية والمؤتمرات الشعبية التي أجروها في مناطق ومحافظات مختلفة.
تاريخ التعددية
تعتبر انتخابات عام 2005، هي أول انتخابات تعددية أجريت بمصر، وذلك بعد تعديلات دستورية أجريت في مايو من العام نفسه، وحظيت وقتها باحتفاء دولي كبير باعتبارها أول انتخابات تعددية عرفتها مصر التي تعد من أكبر الدول بالشرق الأوسط وتم إجراؤها في مناخ هادئ، فيما كان الانتقاد الوحيد لهذه الانتخابات هو عدم وجود رقابة دولية على العملية الانتخابية.
ويذكر إنه في فبراير 2005، تم طلب تعديل المادة 76 من الدستور، ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر، لتكون خطوة غير مسبوقة في تاريخ مصر وخطوة على طريق الإصلاح السياسي. وعلى هذا النحو، تم إجراء الانتخابات الرئاسية في 7 سبتمبر 2005، لتكون المدة الرئاسية 6 سنوات، خاضها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك إلى جانب 9 مرشحين أخرين، أبرزهم أيمن نور مرشح حزب الغد ونعمان جمعة مرشح حزب الوفد، بخلاف 7 أحزاب صغيرة أخرى.
وفاز مبارك بنسبة 88.6 % من الأصوات الصحيحة لمن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، وكانت نسبة المشاركة في التصويت بلغت 23% من بين نحو 32 مليون ناخب، وهي نسبة ضعيفة للغاية بالمقارنة بنسب الإقبال على الاستفتاءات، والتي كانت تصل إلى 79% من الناخبين وقتها.
على الجانب الآخر، وسمت هذه الانتخابات داخليًا بأنها “مجرد محاولة لتبييض وجه النظام بالخارج”، بزعمه التوجه إلى نظام ديمقراطي تعددي، فقد فرضت على عملية الترشح العديد من القيود، أبرزها شرط موافقة مجلس الشعب الذي تسيطر عليه أغلبية الحزب الوطني على طلب الترشح، إلى جانب شكاوى العديد من المترشحين حينها من التضييق الإعلامي والأمني وصعوبة إجراء لقاءات جماهيرية مع المواطنين.
وقبيل انتهاء المدة الرئاسية للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، اندلعت ثورة 25 يناير 2011، والتي انتهت بتنحي الرئيس مبارك وتعليق العمل بدستور 1971، وتم إصدار إعلان دستوري مؤقت يشتمل على معظم مواد الدستور المعلق بالإضافة لبعض التعديلات التي تم الاستفتاء عليها في 19 مارس 2011. وتضمن الإعلان الدستوري مواد تنظم الانتخابات الرئاسية عبر إنشاء لجنة عليا برئاسة كبار القضاة للإشراف عليها.
مع فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في 10 مارس 2012، تقدم مئات الأشخاص للترشح في ظاهرة لفتت أنظار المراقبين، لكن لم يستطع منهم إلا 23 شخصًا فقط الوفاء بالشروط التي نص عليها الإعلان الدستوري لقبول ترشحهم، وهي الحصول على توكيلات 30 ألف ناخب من 15 محافظة مصرية، أو الحصول على توقيع 15 نائبًا منتخبًا في مجلسي الشعب والشورى، أو تمثيل حزب منتخب في البرلمان. وتم استبعاد 10 منهم بعد أن وجدت مخالفات في ملفاتهم، وكان من أبرزهم السيد عمر سليمان – رئيس المخابرات ونائب الرئيس مبارك السابق، وخيرت الشاطر مرشح جماعة “الإخوان المسلمون”، وحازم صلاح أبو إسماعيل المستقل والمدعوم بقوة من التيار السلفي.
وتم اعتماد 13 مرشحًا من خلال اللجنة العليا للانتخابات، هم: (عبد المنعم أبو الفتوح – مستقل، عمرو موسى – مستقل، أبو العز الحريري – مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، حمدين صباحي – مرشح حزب الكرامة، خالد علي – مستقل، أحمد شفيق – مستقل، حسام خير الله- حزب “السلام الديمقراطي”، محمد سليم العوا – مستقل، عبد الله الأشعل – مرشح حزب “الأصالة” السلفي، هشام البسطويسي – مرشح حزب “التجمع التقدمي الوحدوي”، محمود حسام الدين جلال – مستقل، محمد مرسي – مرشح حزب “الحرية والعدالة” (الإخوان المسلمون)، محمد فوزي عيسى – مرشح حزب “الجيل الديمقراطي”).

أقيمت الجولة الأولى من انتخابات 2012 في يومي 23 و24 مايو 2012: ومن إجمالي 50 مليونًا و996 ألفًا و746 صوتًا، يحق لهم التصويت، أدلى 23 مليونًا و672 ألفًا و236 بأصواتهم، من بينهم 23 مليونًا و265 ألفًا و516 صوتًا صحيحًا، فيما بلغ عدد الأصوات الباطلة 406 آلاف و720 صوتًا. وسجلت نسبة المشاركة في الجولة الأولى 46.42%.

وتنافس المرشحان محمد مرسي ممثل جماعة الإخوان المسلمين، وأحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت يومي 16 و17 يونيو 2012. واستبق المرشح محمد مرسي الإعلان الرسمي للنتيجة، وقبل الانتهاء من الفرز في بعض اللجان، وقال إن لديه معلومات تؤكد تفوقه بأكثر من 7000 صوت على منافسه –أحمد شفيق- وأنه لم يتم الانتهاء بعد من أكثر من 3 آلاف لجنة.
وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية عن فوز محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة بنسبة 51.73 في المئة، حيث حصل على 13230131 صوتًا، بينما حصل منافسه الفريق أحمد شفيق على 12347380 صوتًا من أصل 26240763 ناخبًا أدلوا بأصواتهم، وعدد أصوات صحيحة بلغ 25577511 صوتًا.
وعلى الرغم من حالة الزخم التي شهدتها انتخابات عام 2012 وترشح 13 مرشحًا رئاسيًا بالجولة الأولى، كان أغلبهم مرشحين مستقلين أو عن ممثلين عن أحزاب ضعيفة، حصد المركز الأول في هذه الجولة محمد مرسي بنسبة 24.3%، يليه الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأخير بحكومة مبارك، تلاهم في المركزين الثالث والرابع والخامس حمدين صباحي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وعمرو موسى بنسب 20.3%، و19.5%، و10.9% على التوالي. يرجح فوز حزب “الحرية والعدالة” الذراع السياسي لجماعة الإخوان في هذه الانتخابات، لأن جماعة الإخوان كانت هي الجبهة الوحيدة المنظمة على الأرض في مصر بعد حل الحزب الوطني الديمقراطي، بالإضافة إلى عدم وجود أي وعي سياسي أو تشكيك في نوايا الجماعة لدى عموم المواطنين في هذا التوقيت، لأنها بنظرهم جماعة متدينة ومهتمة بالسياسة، وانعكست حالة التعددية ومشاركة 13 مرشحًا من أيديولوجيات مختلفة في السباق الانتخابي على نسب المشاركة في هذه الانتخابات والتي وصلت لحوالي 46%.
وبعد انكشاف الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، ثارت جموع الشعب على الجماعة باندلاع ثورة 30 يونيو 2013؛ لإنهاء فترة حكمهم، وحظي الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع حينها بشعبية جارفة في كافة أوساط المجتمع المصري لدوره في حماية قرار الشعب المصري والتصدي لإرهاب الجماعة تجاه الشعب التي أعقبت إزاحتهم عن الحكم، لذا لم تشهد انتخابات عام 2014 تعددية كبيرة لعدم رغبة الرموز السياسية منافسة السيسي بالانتخابات، لأنها كانت منافسة خاسرة لا محالة، وأجريت الانتخابات الرئاسية في مايو 2014 بين المرشحان، وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي ومرشح التيار الشعبي المصري حمدين صباحي، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 47.45 في المائة من إجمالي الناخبين المقيدين في كشوف الناخبين. وبلغ عدد من يحق لهم التصويت 53 مليونًا و909 آلاف و306 ناخبين، أدلى 318 ألفًا و33 ناخبًا بأصواتهم في الخارج، بينما بلغ عدد من أدلوا بأصواتهم في اللجان الانتخابية بمحافظات الجمهورية، 25 مليونًا و260 ألفًا و190 ناخبًا.
وبلغ عدد الأصوات الصحيحة 24 مليونًا و537 ألفًا و615 صوتًا، أي ما نسبته 95.93 في المائة من إجمالي أصوات من شاركوا في عمليات التصويت، بينما بلغ عدد الأصوات الباطلة مليون و40 ألف و608 أصوات، بنسبة 4.07 في المائة. وبالنسبة لعدد الأصوات التي حصل عليها كلا المرشحين، فأكد رئيس لجنة الانتخابات أن السيسي حصل على 23 مليونًا و780 ألفًا و104 أصوات، بينما حصل صباحي، زعيم “التيار الشعبي”، على 757 ألفًا و511 صوتًا. ويفسر تزايد نسب المشاركة في انتخابات 2014، باستشعار المواطنين الخطر بعد عام من حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر.
على غرار انتخابات 2014 كانت انتخابات 2018، فلم يتقدم أحد لمنافسة الرئيس السيسي الذي تحمل على كاهله مهمة إعادة بناء الدولة ومحاربة الإرهاب، وفي اللحظات الأخيرة تقدم المرشح موسى مصطفى موسى للترشح في مقابل الرئيس السيسي والذي أعلن نفسه، نيته انتخاب الرئيس السيسي ردًا للجميل. الأمر الذي تسبب في تكاسل الكثير عن المشاركة السياسية بانتخابات 2018. لتنخفض نسب المشاركة إلى 41% من إجمالي عدد الناخبين المقيدين في الكشوف الانتخابية والذي يصل إلى 59 مليونًا و78 ألفًا. ليفوز الرئيس السيسي بنسبة 97.08 بالمئة من إجمالي الأصوات الصحيحة، فيما حصل موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد على 656 ألف صوت بنسبة 2.9 بالمئة من الأصوات الصحيحة.
تنوع أيديولوجي
على الجانب الأخر، تقام الانتخابات الرئاسية هذا العام بين أربعة مرشحين وهم المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، وثلاثة من رؤساء الأحزاب وهم عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، والسيد فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ومعنى ذلك أن الأحزاب السياسية المصرية تقدم نسبة ٧٥٪ من مرشحي الرئاسة، وهو ما يعكس الدور المهم للأحزاب السياسية في الانتخابات، ويعبر أيضًا عن فكرة التعددية التي تنطوي عليها الانتخابات، كما يعبر ذلك بالضرورة عن زخم سياسي نتيجة للانتخابات الرئاسية يتمثل في اللقاءات الجماهيرية والمؤتمرات الشعبية في مناطق ومحافظات مختلفة لعرض أفكار المرشحين وتناولهم للقضايا المهمة على المستويين الداخلي والخارجي.
تكفل حالة التعددية هذه بجذب مزيد من المواطنين والفئات التي كانت تحجم فيما قبل عن المشاركة في الانتخابات، خاصة فئة المعارضة منهم، بدعوى التشكيك في نزاهة الانتخابات، لكن هذه المرة يشارك بالانتخابات أحد رموز المعارضة كمرشح رئاسي، ممثل في المرشح فريد زهران، وكذلك تشهد الانتخابات الحالية مشاركة تيارات أخرى بخلاف المعارضة، كتيار يسار الوسط ممثل في المرشح حازم عمر مرشح حزب الشعب الجمهوري، والتيار الليبرالي الشعبي ممثل في المرشح عبد السند يمامة مرشح حزب الوفد.
ويشير الإقبال الكثيف للمشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى وعي المواطنين بالخطر المحيط بمصر والمتغيرات الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب على قطاع غزة التي تحمل تهديدات للأمن القومي المصري والقضية الفلسطينية على حد سواء، وتحديات عالمية المختلفة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تؤثر على العالم ككل ومن بينه مصر، مما يزيد من أهمية المشاركة في اختيار القيادة التي تستطيع مجابهة هذه المخاطر والتحديات خلال السنوات الست القادمة بما يحفظ أمن مصر واستقرارها.
باحث أول بالمرصد المصري