مصر

الانتخابات الرئاسية المصرية 2024: ختام ناجح للاستحقاق الانتخابي الأهم

تنتهي مساء الأربعاء 13 ديسمبر الهيئة الوطنية للانتخابات من عملية فرز نتائج التصويت والاقتراع بعد تلقيها جميع محاضر الفرز من اللجان العامة بمختلف المحافظات. كانت لجان الاقتراع أغلقت بعموم الجمهورية أبوابها، بعد انقضاء ثلاثة أيام نشطة شهدت الدولة المصرية خلالها حالة كبيرة من الزخم الانتخابي، الذي وُصف وفق تصريحات المتابعين بالمنظم واللائق بصورة ومكانة الدولة المصرية، ليكون ذلك برهانا جديدا على رغبة مصر والمصريين في إكمال طريق التطوير السياسي الذي انطلقت أولى خطواته منذ سنوات.  

عملية سلسة

يُجمع أغلب الناخبين الذين أدلو بصوتهم خلال الأيام الماضية على سهولة ويسر تجربة الاقتراع بمختلف اللجان الفرعية، والتي فاق عددها إحدى عشرة ألف لجنة فرعية، موزعين على 27 محافظة مصرية، حيث لم تكن تستغرق هذه العملية في معظم الأحوال سوى دقائق معدودة، كما أنها كانت تسير منذ لحظة وصول الناخب لحرم المجمع أو المركز الانتخابي، وحتى وضع ورقة انتخابه في الصندوق بشكل متسق ومتتابع، وهو ما يعتبر انعكاسا واقعيا للمجهودات الكبيرة التي بذلتها كافة أجهزة الدولة المعنية على مدار أسابيع.

فما أن أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أواخر سبتمبر الماضي عن دعوتها للناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية للعام 2024، إلا وبدأت كافة الأجهزة القضائية والتنفيذية في اتخاذ إجراءاتها لتنفيذ هذا الاستحقاق الذي نظمته مواد الدستور، تماشيا مع الجدول الزمني الذي وضعته الهيئة والذي مر بمراحل مختلفة، مثل تلقي طلبات الترشح، وعمل التوكيلات الانتخابية بمقار الشهر العقاري، وتسهيل وتأمين اللقاءات المؤتمرات الانتخابية لمختلف المرشحين، وصولا إلى تنظيم وتوفير احتياجات اللجان الانتخابية.

والتي كان من بينها توفير صناديق انتخابية كافة بكل لجنة، علاوة على وضع حواجز وستائر لضمان حرية الناخب في اختيار مرشحه المفضل، وأيضا توفير كراسي متحركة لنقل كبار السد وذوي الهمم، فضلا على تعيين سيدة ضمن فريق اللجنة الإداري، وذلك للكشف عن هويات السيدات المنتقبات دون حرج العرض على الموظفين من الرجال، بالإضافة عن تأمين حرم لا يقل بعده عن 50 مترا حول المقر الانتخابي، وذلك لضمان خلوه من أية دعايات انتخابية تؤثر على قناعات الناخبين. 

مشاركة واسعة

نقلت وسائل الإعلام الآلاف من المشاهد الحية الملتقطة من داخل وخارج اللجان الانتخابية، وهو ما نبه مختلف المشاهدين والمتابعين لحقيقتين، أولهما وجود حالة زخم انتخابي لم ترها مصر منذ مدة سنوات طويلة، فصفوف الناخبين في العديد من اللجان بالمدن والريف كانت مكتظة وبها صفوف طويلة من الناخبين الراغبين في الإدلاء بأصواتهم، ويعود هذا الزخم إلى عوامل داخلية وخارجية متعددة، كانت سببا في التأثير على قناعة الناخبين بضرورة المشاركة السياسية والإدلاء بالصوت.

حيث تواجه الدولة المصرية وبشكل غير مسبوق مجموعة أخطار إقليمية محدقة، أولها أزمة الحرب على قطاع غزة المحاذي لحدود سيناء، وما يتضمنه من خطط خبيثة لتهجير مواطني القطاع إلى أرض مصر،  ومن ثم إنهاء القضية الفلسطينية دون إعطاء الشعب الفلسطيني أي من حقوقه المشروعة، فضلا عن وضع السودان الشقيق الملتهب، والذي يوشك على الانكسار والتفكك في حال استمرت الحرب الدائرة بالعاصمة الخرطوم وفي غرب البلاد، فضلا عن الوضع الليبي المأزوم والذي تفاقم مع وقوع كارثة الإعصار الأخير، ولا ننسى بقية الدولة العربية الغارقة في فوضاها السياسية مثل سوريا واليمن والعراق.

الداخل المصري وما يواجه من تحديات اقتصادية تعوق مشروع التطوير الوطني الشامل، كان باعثا هو الآخر على نزول المواطنين للإدلاء بأصواتهم، فالشعب المصري الذي بدأ استنشاق نسمات الحداثة بعد مرور عقود من الركود التنموي، عز عليه أن يرى الأزمات العالمية المتتابعة بداية من كورونا، مرورا بالأزمة الاقتصادية العالمية، وصولا للحرب الروسية الأوكرانية، وهي تعطل كل مجهوداته التي بدأ تنفيذها منذ 2014، كما أراد المواطنون من مشاركتهم الانتخابية تلك أن يخلقوا سبيلا للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي أصبحت ترهق ميزانيات كل أسرة مصرية.       

التنوع في شرائح الناخبين كان من الملاحظات المميزة في هذا المشهد الانتخابي، فالمواطنين شبابا وشيوخا، نساء ورجالا كانوا حاضرين بقوة داخل وخارج اللجان الانتخابية، ويعود هذا الأمر إلى تنوع الفرص والتحديات التي تعايشها الدولة والتي تشغل بال الرأي العام، هذا ما حفز الكثيرون لمعرفة التوجهات الانتخابية للمرشحين الأربعة، والذين تمايزوا في رؤاهم الاستراتيجية، بين مرشح يؤيد إكمال مسيرة التنمية والتطوير مثل المرشح عبد الفتاح السيسي، وآخر يرى ضرورة تطوير قدرة وكفاءة الجهاز الحكومي مثل المرشح فريد زهران، فيما يضع المرشح حازم عمر نصب عينه عملية تعزيز تواجد القطاع الخاص وإصلاح المجال الاقتصادي، وأخيرا المرشح عبد السند يمامة والذي يركز على إصلاح المناخ السياسي وصون سيادة القانون. 

ختاما، يمكن القول إن الاحترافية في التنفيذ كانت سمة الاستحقاق الرئاسي للعام 2024، وهو ما ظهرت ملامحه خلال عقد انتخابات المصريين بالخارج في الأول والثاني والثالث من شهر ديسمبر، وأيضا عقد الانتخابات بالداخل أيام 10 و11 و12 من ذات الشهر الحالي، ومن المتوقع أن تلك يستمر هذا النسق الاحترافي أثناء عقد الانتخابات البرلمانية والمحلية القادمة، لتستكمل مصر بهذه الخطوات المتتابعة بنائها الديموقراطي الحديث. 

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى