
الرؤية المصرية حاضرة في قمة “ميثاق التمويل العالمي الجديد” بباريس
في ضوء العلاقات الاستراتيجية الوثيقة التي تربط بين مصر وفرنسا، يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة الدولية “ميثاق التمويل العالمي الجديد” بالعاصمة الفرنسية باريس والتي انطلقت اليوم، وذلك تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”؛ لمناقشة كافة الموضوعات التي تتعلق بالدول النامية، وسبل تعزيز تلك الدول بالتدفقات المالية التي تحتاجها لمواجهة الأزمات العالمية المتصاعدة.
دعوة فرنسية لتعظيم الاستفادة من الخبرات المصرية
تهدف القمة إلى إرساء قواعد نظام مالي جديد يكون أكثر عدلًا وتضامنًا؛ لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ومن بينها: الحد من الفقر، ومواجهة التغيرات المناخية، وحماية التنوع البيئي. وتهدف كذلك إلى تعزيز صمود الدول الأكثر هشاشة في مواجهة الصدمات الاقتصادية وتداعيات التغيرات المناخية. وستتيح القمة فرصة لصياغة مبادئ الإصلاحات المستقبلية وتحديد مسار نحو شراكة مالية أكثر توازنًا بين الجنوب والشمال، وتمهد القمة الطريق لعقد اتفاقيات جديدة للحد من مشكلة تفاقم الديون، وتتيح لعدد أكبر من الدول الحصول على التمويل الذي تحتاجه من أجل الاستثمار في التنمية المستدامة، والحفاظ على الطبيعة بشكل أفضل، وخفض الانبعاثات الحرارية، وحماية السكان من الأزمات البيئية خاصة في المناطق الأكثر عرضة للأزمات.
وإيمانًا بأهمية دور مصر الفاعل على مستوى الاقتصادات الناشئة، وكيفية تعزيزها للمبادرات الدولية الهادفة إلى دعم الدول النامية والأقل نموًا؛ دعا الرئيس الفرنسي نظيره المصري خلال قمة المناخ “كوب 27” التي عُقدت في نوفمبر الماضي بشرم الشيخ من أجل تعظيم الاستفادة من التجربة المصرية، وطرح الرؤية المصرية في تحقيق التنمية، خاصة فيما يتعلق بتدبير السيولة اللازمة لمواجهة التداعيات الاقتصادية للعديد من التحديات العالمية المتلاحقة، خاصةً تغير المناخ وجائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وما لحقها من أزمات للطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد، حيث ستسعى القمة إلى تعزيز التعاون الدولي من أجل صياغة الآليات المناسبة لتوفير التمويل اللازم لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة في الدول النامية التي تعاني في ظل التحديات المتوالية.
ويحرص الرئيس السيسي خلال مشاركته في القمة أن يتم التأكيد على ضرورة تقديم المساندة الفعالة لتلك الدو؛; لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، بما في ذلك التزام الدول المتقدمة بتعهداتها في إطار اتفاقية باريس لتغير المناخ، مع إلقاء الضوء في هذا الصدد على محاور الرئاسة المصرية للقمة العالمية للمناخ بشرم الشيخ COP27، وأهم الإنجازات التي تحققت في هذا الخصوص، فضلًا عن استعراض التجربة المصرية الوطنية في التعامل مع قضية تغير المناخ والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة.
قمة من أجل الدول النامية
تنعقد قمة باريس في مناخ يتسم بالزخم الإيجابي؛ إذ إنها تُعقد في إطار العديد من الاستحقاقات الدولية التي تستمر حتى نهاية العام الجاري، في ضوء مساعي إصلاح البنك الدولي، والرئاسة الهندية الحالية لمجموعة العشرين، والرئاسة البرازيلية القادمة لهذه المجموعة، وقمة سكرتير عام الأمم المتحدة بنيويورك حول أهداف التنمية المستدامة، وكذلك قمة “كوب 28” حول المناخ بدبي، والالتزامات المتخذة خلال مؤتمرات الأطراف.
ومن المفترض أن تعزز القمة أجندة إصلاحات بنوك التنمية وصندوق النقد الدولي من أجل توفير تمويل للدول الأكثر حاجة، وتمويل التحديات العالمية على نحو أفضل، بالإضافة إلى العمل على حشد مزيد من التمويلات الخاصة من خلال صياغة آليات ضمان وتقاسم المخاطر من أجل إعادة توجيه التدفقات المالية نحو هذه الدول، لاسيما دعم القطاع الخاص المحلي والبنية التحتية المستدامة.
تدعو الخطة، التي تم الاتفاق عليها لأول مرة قبل عامين في قمة مالية أفريقية في باريس، الحكومات الغنية إلى إقراض حقوق السحب الخاصة غير المستخدمة لصندوق النقد الدولي لإقراض الدول الفقيرة. وتبحث الحكومات أيضًا عن طرق للسماح للبنك الدولي باستخدام الرافعة المالية لإقراض المزيد من الدول الفقيرة دون تعريض أعلى تصنيف ائتماني له للخطر.
وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة العالمية إلى ترك عدد متزايد من البلدان منخفضة الدخل تعتمد على تمويل صندوق النقد الدولي، بينما لم يكن أمام الدول الأكثر معاناة خيار سوى التخلف عن السداد. ولقد ثبت أن “إطار العمل المشترك” لمجموعة العشرين لإعادة هيكلة الديون كان بطيئًا بشكل مؤلم، فألقى المسؤولون الغربيون باللوم على الصين -التي أصبحت الآن دائنًا كبيرًا بعد سنوات من الإقراض الثقيل- في التباطؤ.
علاوة على ضغوط أسعار الفائدة، تكافح البلدان النامية والأسواق الناشئة لتأمين تريليون دولار يقول الاقتصاديون إنهم بحاجة إليها بحلول عام 2030 لتمويل تخفيضات انبعاثات الكربون ، وتعزيز المرونة المناخية ، والتعامل مع الأضرار الناجمة عن تغير المناخ.
الرؤية المصرية خلال القمة الفرنسية
حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة أن يسلط الضوء على شقين أساسيين وهما: رؤية مصر حول التحديات التي تتناولها القمة وتغيرات المناخ وقضية التمويل، وأيضًا جهود مصر وخطواتها الملموسة في هذا الصدد. في البداية، ثمن الرئيس السيسي عقد فرنسا لهذا المؤتمر المهم رغم الأزمات المتعاقبة التي تلقي بظلالها على العالم بشكل عام، وعلى الدول النامية ذات الاقتصادات الهشة، الأمر الذي يهدد المكتسبات التي تم تنفيذها بواسطة هذه الدول الفترة الماضية.
وشدد الرئيس أن الواقع الجديد الذي يعيشه العالم يفرض على الجميع التكاتف من أجل تعزيز النظام متعدد الأطراف;؛ليصبح أكثر استجابة لاحتياجات الدول النامية، وأكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات بما يمكن الجميع مجابهة تحديات تغير المناخ التي لم تتسبب بها الدول النامية، ولكنها –للأسف- الأكثر تضررًا منها. مشيرًا إلى استضافة مصر رغم الظروف الصعبة قمة “كوب 27” بشرم الشيخ، والتي استهدفت ترجمة الطموح والتعهدات لواقع ملموس، ومحاولة إيجاد حلول لمشكلة التمويل ومقدره وكيفية تدبيره، في محاولة لخلق طريق للخروج من أزمة المناخ الحالية، وجاء ذلك عن طريق دعم التحول العادل من أجل تحقيق النمو الأخضر، وبلوغ أهداف التنمية المستدامة وفقًا للأولويات الوطنية لكل دولة.
وعن رؤية مصر في تحقيق النمو، ذكر الرئيس أنها “ترتكز بالأساس على توفير فرص عمل، وسبل عيش كريم، وتعزيز مقدرات الدول عبر التحول العادل إلى أنماط للإنتاج والاستهلاك المستدام تقوم على الأسس العلمية والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، والامتثال لاعتبارات كفاءة للطاقة”، وبالتالي فإن مصر تؤمن أن النمو الأخضر ليس بديلًا عن التنمية المستدامة، وإنما محفز لها.
أشار الرئيس أيضًا إلى خطة مصر لإدارة ديونها من أجل التنمية المستدامة، ولكن بسبب الصعوبات والتحديات العالمية خلال السنوات الثلاثة الماضية، أثرت على الاستمرار الفعال لهذه الخطة، ولكن مصر تضغط بكل قوة وتصمم على إدارة الأمر بما يحقق الأهداف المنشودة. لهذا، تتطلع مصر لإسهام قيمة ميثاق التمويل الجديد في دفع المناقشات في مختلف المحافل الدولية من خلال عدد من الرسائل على رأسها ضرورة تكاتف الجميع، لا سيما مؤسسات التمويل الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول النامية.
وشدد الرئيس على أهمية اتخاذ قرارات دولية سريعة تحول دون اندلاع أزمة ديون كبرى، مع استحداث آليات شاملة ومستدامة لمعالجة ديون الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فضلًا عن التوسع في مبادلة الديون من أجل الطبيعة. مضيفًا أنه من الضروري إصلاح الهيكل المالي العالمي، بما يتضمن إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، وتعليق أو إلغاء الرسم الإضافية للصندوق وقت الأزمات، هذا بالإضافة على ضرورة تطوير سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتعظيم قدراتها على الإقراض، وتيسير نفاذ الدول النامية له، وكذلك تعزيز الحوار بينه وبين وكالات التصنيف الائتماني لزيادة قدراتها على الإقراض دون المساس بتصنيفها.
وعن التجربة المصرية الوطنية في هذا الصدد، ذكر الرئيس السيسي أن مصر تحركت في وقت مبكر جدًا تجاه أزمة المناخ، مشيرًا إلى عدة مشروعات تم وجارٍ الانتهاء منها في إطار يخدم النمو الأخضر، وفي نفس الوقت يحقق التنمية المستدامة، وهو برنامج “نوفّي” الذي أُطلق خلال مؤتمر المناخ ولاقى زخمًا دوليًا كبيرًا لاستهدافه تعزيز الشراكات وتوفير التمويل العادل والمستدام لدفع العامل المناخي بالتركيز على قطاعات المياه والغذاء والطاقة في إطار متكامل.
ويتضمن البرنامج منصة وطنية للمشروعات قابلة للاستثمار تم إطلاقها بمشاركة مؤسسات التمويل الدولية، وشركاء التنمية، والقطاع الخاص، من خلال التمويل الإنمائي الميسر والمختلط. وتبرز أهمية التمويل هنا بوصفه “العامل المحوري” في تحقيق التنمية المستدامة، وتحقيق أهداف اتفاقية باريس، فضلًا عن معالجة الاختلالات الهيكلية للنظام المالي العالمي الذي تحد من قدرته على الاستجابة السريعة والفعالة للأزمات، كما حدث مع كوفيد-19، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وما تلاها من تضخم وتنامي مشكلة الديون للدول النامية.
وأضاف الرئيس أن مصر عملت على إنشاء برنامج طموح يستهدف التحول إلى الطاقة المتجددة حتى 2030، وتم تحقيق أقصى مستهدفات، هذا بجانب المشاركة في برامج تحقق أهداف التنمية المستدامة بجانب حماية البيئة، وتمت الإشارة إلى البحيرات على ضفاف البحر المتوسط التي كانت تعاني من الإهمال وتساهم في تلوث البيئة، وخلال السنوات السبع الماضية، تم تحويل هذه البحيرات لتكون صديقة للبيئة، وقد كلف هذا التحول الدولة المصرية أمولًا ضخمة. في نفس الوقت، عملت مصر على برامج الاستفادة من الصرف الزراعي، وإعادة تدويرها حتى لا تكون ملوثة للبيئة، وهنا نتحدث عن أكثر من 13 مليون م3 من المياه يتم معالجتها، لإعادة استخدامها، وذلك لمواجهة تحديات نقص مياه النيل، ولحماية البيئة.
مطالب المجتمع المدني من القمة
من جانبها، تطالب منظمات المجتمع المدني بأن يتضمن أي ميثاق دولي جديد تغييرات جذرية عميقة تهدف إلى أن يكون النظام المالي العالمي أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة وأكثر استدامة. وترى بعض المنظمات أن خدمة الدين في دول الجنوب قد بلغت أعلى معدلاتها منذ نهاية التسعينيات، بجانب أن 93% من الدول الأكثر هشاشة في مواجهة الكوارث المناخية، تعاني من تفاقم المديونية، وتضطر الدول التي تعاني الأزمات إلى أن تسدد ديونها للدول الدائنة والمؤسسات المالية والبنوك الخاصة، وبالتالي لا تستطيع الاستثمار في الخدمات العامة أو مواجهة آثار التغيرات المناخية.
وكذلك فإن هناك حالة من انعدام العدالة بالنسبة لحقوق السحب الخاصة التي أنشأها صندوق النقد الدولي للمساهمة في توفير السيولة في النظام الاقتصادي العالمي، حيث يتم توزيعها بين الدول وفقًا لوزنها في الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الدول الغنية تستحوذ على معظمها، بينما لم تحصل الدول الأقل دخلًا سوى على 5% فقط من حقوق السحب الخاصة الأخيرة.
وكذلك يتعين على الدول الأكثر ثراءً أن تفي بالتزاماتها المناخية التي تُقدر بمبلغ 100 مليار دولار مخصصة لمشروعات المناخ، وإعادة تخصيص الـ 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، وتخصيص نسبة 0.7% من الناتج الإجمالي المحلي للمساعدات من أجل التنمية.
باحثة بالمرصد المصري