القدرات الأمنية والعسكرية في مصر خلال 10 سنوات “تحديث شامل ونقلة نوعية”
في مناسبات عدة ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي مبدأ “القوة الشاملة”، وذلك في معرض تأكيده على أن الدولة المصرية اتخذت نهجًا استراتيجيًا مدروسًا بدقة في التعاطي مع التحديات الداخلية والخارجية بمختلف أشكالها. الناتج الإجمالي لهذه القوة كان هو السبب الرئيس في القدرات الميدانية والسياسية التي حققتها الدولة المصرية مؤخرًا على المستويين الإقليمي والدولي، وسمح للقاهرة بأن تبسط أذرع التنمية ورأب الصدع في كافة أنحاء الإقليم، من سوريا والعراق شرقًا إلى ليبيا وتونس غربًا، ومن اليونان وقبرص شمالًا وحتى ما بعد منابع نهر النيل جنوبًا.
صيانة الأمن القومي المصري “خاصة” والعربي “عامة”، كان من أهم أهداف السعي المصري إلى تنمية وتعزيز القوة الشاملة على مدى عشر سنوات؛ كي تكون القاهرة ليست فقط قادرة على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على أراضيها، بل قادرة أيضًا على استغلال فائض القوة السياسية والدبلوماسية والعسكرية من أجل دعم تنمية قدراتها وإمكانياتها الذاتية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي نفس الوقت تعزيز “تموضع” القاهرة في المحيط الإقليمي والدولي، واستغلال هذا التموضع من أجل تأمين المجال الحيوي المصري وإيقاف أية محاولات خارجية لتهديده، وهي استراتيجية تواكب المتغيرات التي حدثت في المشهد الدولي، حيث بات حفظ الأمن القومي لأي دولة رهنًا بالتحسن المتوازي في حالة جبهتيها الداخلية والخارجية، بحيث تتم صيانة السلم الأهلي وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل متوازٍ ومكافئ للتقدم الذي يتم إحرازه دبلوماسيًا وسياسيًا على المستوى الخارجي.
تركيز “الجمهورية الجديدة” فيما يتعلق بالقوة الشاملة كان متعدد الاتجاهات، ما بين تحسين حالة “الكتلة الحيوية الحرجة” المتمثلة بشكل أساسي في السكان والحالة الصحية والاجتماعية لهم، وإدارة ملف الإصلاح الاقتصادي بما يشمل حفظ وتنمية الموارد والإمكانيات المتوفرة من بنى تحتية وثروات طبيعية ومصادر دخل وطرق استغلالها، واستعادة القوة السياسية لمصر على المستويين الإقليمي والدولي، ومواجهة التحديات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية، وتنمية وتعزيز وسائط القوة العسكرية المتوفرة لدى مصر بالشكل الذي يسمح لها بفرض معادلة إقليمية للردع. وبطبيعة الحال كان الملف الأمني والعسكري هو التحدي الأقرب والأكثر إلحاحًا أمام صانع القرار المصري خلال السنوات العشر الماضية؛ إذ نشأت عقب يناير 2011 مجموعة من التحديات الأمنية غير المتماثلة التي مثلت تهديدًا مباشرًا للدولة المصرية، في مقدمتها ظاهرة الإرهاب التي زادت حدتها عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013.
تحديات المشهد الأمني بعد يناير 2011
على مدار السنوات العشر الماضية، اتخذت مصر على المستويين الأمني والعسكري كافة الإجراءات والخطوات اللازمة لمحاصرة تلك الظاهرة والقضاء عليها من جذورها، وترافقت هذه الإجراءات مع توجهات شاملة من جانب الدولة المصرية لإعادة تقييم أوضاع جهاز الشرطة بكل مستوياته وأذرعه، وبدء خطة منهجية لتحديثه وتطوير آليات عمله ومستوى تجهيزه وتسليحه، وهو نفس ما تم اتباعه فيما يتعلق بالقوات المسلحة المصرية.
فقد وجد جهاز الشرطة المصرية عقب يناير 2011 نفسه أمام استحقاقين أساسيين: الأول، هو استعادة الأمن والاستقرار في شوارع ومدن الجمهورية، والثاني، يتمثل في استعادة تماسك وثبات جهاز الشرطة على مستوى الأفراد والمؤسسات بعد أن تأثر بشكل كبير بأحداث يناير وما تلاها من ضغوط سياسية وميدانية. فعلى المستوى الميداني، كان الموقف الأمني على الأرض متدهورًا بشكل دائم منذ الثامن والعشرين من يناير 2011، الذي شهد حرق أغلب أقسام الشرطة في كافة محافظات الجمهورية وتدمير المعدات الشرطية من سيارات وأدوات وغيرها، ما أدى إلى انهيار جهاز الشرطة واقتحام السجون التي تضم قيادات جماعة الإخوان والمسجونين الجنائيين وتهريبهم، واقتحام وسرقة ونهب وحرق الممتلكات العامة والخاصة. وهذا كله أدى إلى دخول مصر في حالة كبيرة من الانفلات الأمني نتيجة غياب جهاز الشرطة عن المشهد، وتولت القوات المسلحة مهام حفظ الأمن وسط توترات سياسية وأمنية شديدة التعقيد.
الأوضاع الأمنية بشكل عام في كامل ربوع الجمهورية خلال هذه المرحلة كانت في تدهور مستمر، فقد أشار تقرير لقطاع الأمن العام بوزارة الداخلية إلى أن عام 2011 سجل أعلى معدلات الجريمة في مصر؛ إذ سجلت جرائم القتل أعلى نسبة بمعدل 2774 حادث قتل على مستوى الجمهورية، أما حوادث السرقة بالإكراه فسجلت أعلى عدد وهو 3312 حادثًا، وسجلت جرائم الخطف 2229 حادثًا، وبلغت سرقة السيارات أعلى معدل في تاريخ مصر مسجلة 17800 حادث سرقة سيارة على مستوى المحافظات، أما حوادث السطو المسلح على الشركات والسيارات المحملة بالبضائع على الطرق فبلغ عددها 495 حادثًا، وارتفعت جرائم سرقات المنازل إلى أكثر من 11 ألف حادث، مقارنة بحوالي 7 آلاف حادث عام 2010، وهو الوضع الذي استمر بنفس الوتيرة خلال عام 2012.
في سيناء اتخذت التهديدات الأمنية شكلًا مختلفًا عما هو موجودًا في وادي النيل؛ فبعد أن أسفرت الجهود الأمنية والضربات المتلاحقة للعناصر الإرهابية في سيناء بعد التفجيرات الإرهابية في شرم الشيخ ودهب عامي 2005 و2006 عن إخماد كافة الأنشطة الإرهابية بسيناء والسيطرة عليها، جاءت أحداث يناير 2011 بمثابة قبلة الحياة لتلك الجماعات التي استأنفت نشاطها من جديد، فعبرت عناصر إرهابية قادمة من الخارج عبر الأنفاق مع قطاع غزة إلى داخل شمال سيناء وأشاعت فيها الفوضى، واستهدفت أقسام الشرطة والكمائن الأمنية. وأسهمت طبيعة سيناء في تشكيل ونشاط بعض تنظيمات السلفية الجهادية التي بدأت في استهداف خط الغاز المصري المتجه إلى إسرائيل في 5 فبراير 2011، ثم القيام بعدة عمليات إرهابية ضد عدد من المقرات الأمنية التابعة للقوات المسلحة والشرطة.
تفاقمت هذه الأوضاع بشكل “دراماتيكي” منتصف عام 2013، بعد ثورة 30 يونيو -التي انتفض فيها الشعب المصري ضد حكم جماعة الإخوان- فشهدت مصر موجة إرهابية هي الأعنف على الإطلاق، واستهدفت الجماعة من خلال المسيرات المسلحة التي كانت تنظمها بشكل يومي أقسام الشرطة، وزرع عناصر الجماعة عددًا كبيرًا من العبوات الناسفة في عدد من الأماكن الحيوية؛ بهدف ترويع المواطنين وإسقاط ضحايا منهم. وقد طالت العمليات الإرهابية التي تمت في هذه الفترة البنية التحتية في أنحاء الجمهورية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والبنية التحتية للاقتصاد؛ إذ تم تفجير وتدمير 215 برج ضغط عالٍ، و510 أكشاك ومحولات كهرباء على مستوى الجمهورية، بخسائر بلغت الخسائر المباشرة أكثر من ملياري جنيه خلال عامي 2014 و2015 فقط، وذلك بخلاف الخسائر غير المباشرة الناتجة عن توقف العديد من الأنشطة الإنتاجية والمصانع بسبب انقطاع الكهرباء وهي ما تعد في مجملها خسائر فادحة، بجانب محاولات استهداف عدد من البنوك الأجنبية بالجيزة، بالإضافة إلى حرق وتدمير قرابة 75 كنيسة.
يضاف إلى ذلك ظهور عدد من التنظيمات الإرهابية التي نبعت من رحم جماعة الإخوان، ومنها (حركة حسم – لواء الثورة – أجناد مصر) وعدد من الخلايا العنقودية الأخرى التي نفذت مجموعة من العمليات الإرهابية، شملت عددًا من محاولات الاغتيال، من بينها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، واغتيال العميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة المدرعة بالقوات المسلحة، ومحاولة اغتيال الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق. وقد تزايدت وتيرة العمليات الإرهابية عام 2014 وبلغ عددها 222 عملية، كان أبرزها هجوم تنظيم أنصار بيت المقدس على كمين كرم القواديس وأسفر عن استشهاد 30 جنديًا وإصابة 31 آخرين. ثم وجهت الجماعات الإرهابية هناك أنظارها إلى القطاع السياحي، وقامت بتفجير حافلة سياحية بواسطة فرد انتحاري في مدينة طابا وأسفرت عن وفاة 4 بينهم سائق مصري وإصابة 17 آخرين. أما عام 2015 فقد شهد طفرة في عدد العمليات الإرهابية على الساحة المصرية ووصل عددها إلى 594 عملية.
استراتيجية استعادة الأمن وتحقيق الاستقرار بعد يونيو 2013
بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014، بدأت الدولة المصرية في تنفيذ خطة كبيرة وشاملة تشمل العديد من الإصلاحات والإجراءات المختلفة، بهدف كفالة وتحقيق أمن المواطن وإعادة هيبة الدولة وسيطرتها على كافة أرجاء الوطن، وكذا إعادة الثقة للأجهزة الأمنية المعنية بضبط الأمن وتحقيق الاستقرار ومعالجة ظاهرة الإرهاب من خلال منظور شامل متعدد الجوانب، مع الحرص قدر الإمكان على تجنب الآثار الجانبية التي قد تمس المواطنين في مناطق المواجهة. وقد ارتكزت جهود الأجهزة الأمنية في مساعيها إلى مواجهة ظاهرة الإرهاب -وهي الجهود التي بدأت فعليًا عام 2015- على محورين أساسيين:
- المحور الأول، يقوم على رصد وتتبع كافة الشبكات الإرهابية داخل مصر وتفكيك قواعد الدعم اللوجيستي لها وقطع أوصالها وتجفيف منابع التمويل سواء من الداخل أو الخارج، وتشديد الحصار المفروض عليها، وذلك بالتزامن مع تشديد أعمال الرقابة والتأمين على الحدود وكافة الاتجاهات الاستراتيجية بالتعاون مع كافة الأجهزة المعنية.
- المحور الثاني، يقوم على تنفيذ حملات المداهمة والضربات الاستباقية بالتعاون مع المواطنين في مختلف المحافظات وأهالي سيناء. فضلًا عن البدء الفوري في مشروعات التنمية الشاملة والتنمية المستدامة في كافة أنحاء الجمهورية للارتقاء بالأوضاع المعيشية والاجتماعية للقضاء على البيئة المغذية للإرهاب، بالإضافة إلى تمكين الشباب واحتوائهم لحمايتهم من مخاطر الفكر والاستقطاب المتطرف.
على المستوى الميداني وبناءً على الاستراتيجية السالف ذكرها، شرعت وحدات الشرطة المصرية المختلفة بمساندة القوات المسلحة خلال سلسلة العمليات العسكرية والأمنية التي بدأت في سيناء، بداية من العمليتين العسكريتين “نسر-1” و” نسر-2″، والحملة العسكرية الموسعة التي تمت في سبتمبر 2013، وشملت سيناء وأغلب المحافظات المصرية، وتم خلالها القضاء على عدد من البؤر الإرهابية والإجرامية، والقبض على عدد من العناصر شديدة الخطورة. ثم شاركت وحدات الشرطة في العمليات الميدانية المترتبة على القرار الجمهوري رقم 366 لسنة 2014، بشأن إعلان حالة الطوارئ في مناطق في سيناء، ومنها فرض حظر التجوال وغلق معبر رفح والبدء في إخلاء المنازل الواقعة على مسافة 1 كم من الشريط الحدودي في مدينة رفح بطول 14 كم لفرض السيطرة على تلك المنطقة التي يوجد بها الكثير من الأنفاق، وقد دفعت وزارة الداخلية المصرية في ذلك التوقيت بأعداد كبيرة من عناصر العمليات الخاصة بقطاع الأمن المركزي بالوزارة من أجل مساندة وحدات الجيش الموجودة شمالي سيناء.
تلت العمليات السالف ذكرها، المرحلة الأولى من العملية العسكرية والأمنية الشاملة “حق الشهيد”، التي تم إطلاقها في السابع من سبتمبر 2015، لمواجهة الإرهاب بمناطق (رفح – الشيخ زويد – العريش)، وتلتها المرحلة الثانية في الثالث من يناير 2016، وقد شاركت وحدات العمليات الخاصة التابعة لقطاع الأمن المركزي في الشرطة المصرية بشكل مكثف في كلا العمليتين اللتين تم خلالهما القضاء على الجزء الأكبر من البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية من أوكار وبؤر ومخازن وملاجئ، وتصفية أغلب قيادات الصف الأول والثاني لهذه التنظيمات. وأسهمت التعزيزات الأمنية التي تدفقت بشكل دائم على مدن شمال سيناء، إلى تحسين الأوضاع الأمنية الداخلية في هذه المدن، وتسهيل حياة المواطنين بعد أن تم حصار النشاط الإرهابي في هذه المناطق بشكل كبير.
لم تقتصر الجهود التي بذلتها الدولة المصرية لمواجهة الإرهاب على سيناء فقط، وإنما شملت كافة محافظات الجمهورية؛ إذ قامت وزارة الداخلية من خلال قطاع الأمن الوطني والأمن المركزي بتوجيه عدد كبير من الضربات الاستباقية والنوعية ضد عناصر جماعة الإخوان في الداخل، وضبط عدد كبير من الأوكار الإرهابية التي تستخدمها الجماعة لشن الهجمات. وقد أسفرت الجهود السالف ذكرها عن تمكن كافة إدارات وفروع الشرطة المصرية مطلع عام 2016 من استعادة زمام المبادرة في الحرب ضد الإرهاب، وكان مصرع القيادي الإخواني “محمد كمال” الذي كان يتولى إدارة النشاط المسلح للجماعة الإرهابية عام 2016 في تبادل لإطلاق النار أثناء مداهمة الأجهزة الأمنية للقبض عليه في إحدى الشقق السكنية بمدينة السادس من أكتوبر التي كانت تمثل مقر اجتماعات الخلايا النوعية أول ثمار استعادة جهاز الشرطة لتماسكه، وتمثل هذا بشكل واضح في التراجع التدريجي في عدد العمليات الإرهابية منذ ذلك التوقيت، وهو ما يؤكد أن الجهود المكثفة التي بذلتها مصر خلال السنوات الماضية تؤتي ثمارها، ومثلت هذه النتيجة الخطوة الأولى في تقوية جانب من جوانب “القوة الشاملة” وهو القدرة الأمنية في مواجهة التهديدات الداخلية.
التحسن في مجال مكافحة الإرهاب واكبه نجاح آخر في مواجهة الجرائم الجنائية بكافة أشكالها؛ إذ تمكنت أجهزة وزارة الداخلية المصرية من مواجهة وضبط جرائم المخدرات، وجرائم التهرب الضريبي والجمركي، وجرائم الأموال العامة، وجرائم المصنفات والهجرة غير الشرعية، فضلًا عن جهود مكافحة التعدي على ممتلكات الدولة وجهود ضبط الأسواق والحفاظ على صحة المواطنين. وقامت الوزارة بوضع آليات أمنية لمواجهة ظاهرة تنامي الاقتصاد الموازي وتأمين مسيرة التنمية ودعم مقومات الاستثمار حفاظًا على مقدرات الدولة، ونجحت في التصدي لجرائم الفساد والرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والإضرار بالمال العام وجرائم التزييف والتزوير، وكل ما من شأنه الإضرار بالأمن الاقتصادي.
بالتزامن مع الجهود الميدانية لحفظ الأمن، بدأت الدولة المصرية مبكرًا في تحسين الأداء المؤسسي لوزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها؛ بهدف تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، عبر العديد من الإجراءات منها إصدار الوزارة لـ “مدونة قواعد سلوك وأخلاقيات العمل الشرطي”، وصولًا إلى إعادة هيكلة قطاع “مكافحة المخدرات” ليصبح قطاعًا لـ “مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة”، وتحويله إلى قطاع يتضمن عدد من الإدارات مثل إدارة “مكافحة المخدرات” وإدارة “مكافحة الأسلحة غير المرخصة”، بالإضافة لإدارة “مكافحة الهجرة غير الشرعية”، ناهيك عن التوسع في تطوير وتحديث السجون وتحويلها إلى مرافق متكاملة لإعادة التأهيل، ومن أبرزها مجمع سجون “وادي النطرون”، الذي تم افتتاحه عام 2021.
كذلك رفعت وزارة الداخلية من مستويات التنسيق والتعاون المشترك مع المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني المصرية، عبر حزمة من الإجراءات والبرامج الهادفة لرفع كفاءة الخدمات والتيسير على المواطنين وضمانة التطبيق المنضبط لقواعد القانون ومكافحة الظواهر السلبية. وقد تمثلت أهم تلك الجهود في المشاركة بـ “اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية” التابعة لوزارة الخارجية، والتي تضم جميع الجهات والوزارات المعنية بموضوعات الهجرة.
استراتيجية التحديث العسكري وتطوير القوات المسلحة بعد ثورة 30 يونيو
على المستوى العسكري، كان الجيش المصري جنبًا إلى جنب مع الشرطة المدنية منذ عام 2011 للتصدي للمخاطر الإرهابية في شمال سيناء، لكن كانت هناك مهمة عاجلة أخرى وجد صانع القرار نفسه أمامها عام 2014 وهي التحديث العاجل و”الفعال” لكافة أفرع الجيش المصري – خاصة القوات البحرية – في ضوء التحديات والتهديدات الإقليمية حينها خاصة في الاتجاه الغربي والجنوبي وكذا في شرق المتوسط، والتي كانت في مجملها تمثل تهديدًا للدور الخارجي لمصر ومصالحها، وهو ما يحتاج بطبيعة الحال إلى قوة ردع تسمح للقاهرة بصيانة مقدراتها السياسية والاقتصادية.
خلال الأعوام الماضية تطورت بشكل كبير الرؤية العسكرية للقيادة المصرية على مستوى التكتيك والاستراتيجيات، فبدأ الجيش المصري بشكل عاجل عام 2014 خطة مكثفة لتطوير تسليحه على كافة المستويات، بشكل يضمن له قدرة الردع من جهة، وقدرة تنفيذ عمليات هجومية خارج الحدود، مع الوضع في الحسبان تطوير قوات خفيفة الحركة وثقيلة التسليح مثل قوات التدخل السريع، وتدريبها على مواجهة المخاطر العسكري غير النمطية مثل عمليات التنظيمات الإرهابية في سيناء.
هذه الخطة تمت في ضوء تطورات الملفات الاستراتيجية الساخنة التي تواجه صانع القرار المصري. وقد راعت القيادة المصرية في هذه الخطة توسيع مبدأ “تنويع مصادر التسليح” و”طلب التصنيع المحلى ونقل التقنيات” في كل صفقة إن أمكن. وفي هذا تأكيد على التوجه الجديد للقيادة فيما يتعلق بتوطين الصناعات العسكرية وتطويرها في مصر من جهة، وتنويع مصادر التسليح بشكل لا يسمح لأي دولة في أن تتحكم في نوعية وكم ما تحصل عليه مصر من منظومات تسليحية من جهة أخرى.
ملامح ومؤشرات خطة تحديث القوات المسلحة المصرية بعد 30 يونيو
وفقًا لإحصاءات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد ارتفع الإنفاق الدفاعي للدولة المصرية خلال الفترة من 2015/ 2019 بشكل متصاعد، إذ شكلت واردات مصر من الأسلحة ما يقرب من 5.8% من الإجمالي العالمي بزيادة تصل إلى 212% لما كانت عليه في الفترة من 2010/2014. وقد أثار حجم الإنفاق اهتمامًا كبيرًا خاصة من قبل القوى المناهضة للدولة المصرية، حول جدوى وأهمية تطوير وتحديث المنظومة العسكرية وشراء الأسلحة والمعدات. إلا أن هذا الإنفاق يأتي ضمن أدوات تحديث وتطوير القوات المسلحة المصرية نظرًا لكم التحديات والتهديدات التي تواجه الدولة المصرية. في هذا الإطار، يمكن إجمال ملامح ومؤشرات التحديث والتطوير التي طرأت على منظومة التسليح المصرية، ومن ثم الوقوف على جدوى هذه العملية وأهميتها وذلك فيما يلي:
أ- التحول إلى رقم محوري في معادلة الجيوش: ساهمت عملية التحديث والتطوير التي طرأت على الجيش المصري في الفترة من (2014/2019) في وضع مصر وجيشها في مرتبة ومكانة عالمية متقدمة، وهو ما ترجمه تصنيف ” جلوبال فاير باور” حيث جاءت مصر في المرتبة التاسعة عالميًا ضمن أقوى جيوش العالم، بل جاءت في مقدمة الجيوش العربية والأفريقية والشرق أوسطية، ويحمل هذا التصنيف عددًا من الدلالات على حجم التطور الذي شهدته القوات المسلحة المصرية، ليس فقط من المنظور الكمي المتعلق بإجمالي الأسلحة والمعدات، بل يمتد التنصيف ليشمل عددًا من الجوانب النوعية المتعلقة بكفاءة المقاتل المصري، ونوعية التسليح والمنظومة التكنولوجية العسكرية للجيش المصري.
ب- تنويع مصادر السلاح: سعت مصر طيلة السنوات التي أعقبت عام 2014 إلى تنويع مصادر التسليح، وذلك بهدف القضاء على فكرة احتكار التسليح من جانب دولة من الدول، وذلك لعدد من الاعتبارات وفي مقدمتها الحفاظ على استقلالية القرار المصري وعدم الخضوع للضغوط والابتزاز الذي يمكن أن تمارسه الدولة المصدرة للسلاح على الدولة المصرية، ناهيك عن حاجة مصر للاستفادة من كافة القدرات والإمكانات التسليحية المتطورة لكافة دول العالم، بما يضمن لها الحفاظ على أمنها القومي ضد التهديدات والتحديات التي تواجهها.
ج- تحديث البنية العسكرية: شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا وملحوظًا فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية للقوات المسلحة وذلك عبر توقيع وإبرام عدد من الاتفاقات في مجال التسليح لدعم كافة الأفرع البرية والجوية والبحرية. وقد تجلى ذلك بوضوح في تدشين مصر لعدد من القواعد العسكرية بهدف حماية وتأمين الجبهات الاستراتيجية المصرية، فقد افتتح الرئيس المصري في يوليو 2017 قاعدة “محمد نجيب” العسكرية للتدريب العسكري بمدينة الحمام في محافظة مطروح، وهي تعد أكبر قاعدة عسكرية في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، وتبلغ مساحتها 18 ألف فدان. وفي يناير 2020 افتتح الرئيس السيسي قاعدة برنيس على البحر الأحمر جنوبي شرق البلاد، والتي تضمن قدرة إضافية لتأمين وحماية السواحل المصرية الجنوبية، وتمثل نقطة تمركز إضافية للأسطول البحري الجنوبي بجانب قاعدة سفاجا البحرية. وفي يوليو 2021، افتتح الرئيس السيسي قاعدة 3 يوليو البحرية بجرجوب على ساحل المتوسط، والمسؤولة عن تأمين الجزء الغربي من الساحل الشمالي المصري على البحر المتوسط، وتأمين المنطقة الاقتصادية المقرر إنشاؤها غرب مصر والتي تتضمن ميناء جرجوب التجاري، والمنطقة الصناعية واللوجستية، والمدينة الترفيهية العالمية. يتم هذا بالتزامن مع عمليات تطوير عدد من القواعد الجوية، مثل قاعدة مطروح الجوية والقسم العسكري في مطار برج العرب في الإسكندرية، وقاعدتي شرق وغرب القاهرة الجوية، وقاعدة القطامية الجوية، ومطار شرق العوينات، ومطار العريش الدولي، ومطار برنيس المجاور لقاعدة رأس بناس الجوية.
من ناحية أخرى، عملت مصر من خلال تحديث البنية العسكرية على تنمية قدرات الردع من خلال الوصول للقدرات القتالية الحديثة في المجال البحري والجوي. حيث نجحت في الحصول على سفن الإنزال البحري من الفئة “ميسترال”، ناهيك عن الفرقاطات الفرنسية من طراز “فريم تحيا مصر”، والغواصات الألمانية من الفئة “209”، والفرقاطات ألمانية المنشأ من الفئة “ميكو-2000″. وعلى صعيد القوات الجوية، حصلت مصر على المقاتلات الفرنسية متعددة المهام ”رافال”، والمقاتلات الروسية متعددة المهام “ميج-29 إم2”، لتعمل جنبًا إلى جنب مع المقاتلات أمريكية الصنع “أف-16″، التي تعتبر مصر من أكبر مشغليها في منطقة الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالمروحيات المقاتلة، تعاقدت مصر عام 2015 على 46 مروحية قتالية روسية الصنع من نوع “كا-52″، لتصبح رابع مروحية مقاتلة تنضم للأسطول الجوي المصري، بعد المروحيات الأمريكية “أباتشي”، والمروحيات الروسية “مي-24″، ومروحيات الاستطلاع الخفيفة “جازيل”.
د- توطين الصناعات العسكرية: تنتهج الدولة المصرية في السنوات الأخيرة استراتيجية قائمة على محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر دعم توطين الصناعات العسكرية وإنتاجها بصبغة محلية، إذ تقوم مصر حاليًا بتصنيع كافة الدبابات والعربات المدرعة وأجهزة الاتصالات للقوات المسلحة، والصواريخ المضادة للدبابات، وبناء السفن الحربية، فضلًا عن مواصلة الجهود لدعم الصناعات المحلية وتطوير صناعة الأسلحة والذخائر وفق خطة متكاملة تُشرف عليها وزارة الإنتاج الحربي بالتعاون مع وزارة الدفاع، وقد كان افتتاح ”مصنع 300 الحربي” (فبراير2020) بهدف تلبية احتياجات القوات المسلحة ودعم مبدأ توطين الصناعات العسكرية دليلًا على حجم الجهود المبذولة في هذا الصدد. ثمار هذه الاستراتيجية بدت واضحة خلال معرضي “إيديكس” 2018 و2021 للصناعات الدفاعية، اللذان شهدا عددًا كبيرًا من المنتجات العسكرية المصرية، التي تستهدف من خلالها القاهرة فتح أبواب متعددة لتصدير منتجاتها إلى الخارج، وهو ما بدأ يحدث فعليًا في أفريقيا ومنطقة الخليج.
هـ – رفع الكفاءة القتالية: لم يكن التحديث والتطوير في المنظومة العسكرية والتسليح المصري ليُؤتي ثماره دون أن يتم ذلك جنبًا إلى جنب مع تطوير ورفع القدرات القتالية لعناصر القوات المسلحة المصرية، وقد اتبعت الدولة المصرية في هذا الصدد عددًا من المسارات من بينها تطوير وتحديث المؤسسات التعليمية العسكرية وفقًا لأحدث برامج العلوم العسكرية الدولية، ودعم برامج والمشاركة في الأنشطة العسكرية الدولية، ناهيك عن توسيع حجم المناورات العسكرية والتعاون مع عدد من الدول بهدف صقل مهارة وقدرات عناصر القوات المسلحة وتبادل الخبرات القتالية والتكنولوجية والاطلاع على أحدث أنواع الأسلحة المتطورة، علاوة على التدريب على العمل المشترك بمسارح العمليات والحروب. ومن بين أبرز هذه المناورات “النجم الساطع” و”درع العرب” و ”ميدوزا”، بالإضافة إلى مناورات “كليوباترا” و ”رعد الشمال”، وغيرها من المناورات العسكرية الثنائية ومتعددة الأطراف.
أهداف ودوافع التحديث المستمر للقوات المسلحة المصرية
توجد جملة من الدوافع والأهداف الواضحة التي جعلت القيادة السياسية المصرية تنتهج نهجًا قائمًا على التحديث المستمر والمتواصل لمنظومتها العسكرية، ورفع الكفاءة القتالية لعناصر الجيش المصري، يمكن إيجازها فيما يلي:
- الحفاظ على الأمن القومي: سعت مصر لتطوير وتحديث المنظومة العسكرية نظرًا لتنامي التهديدات وارتفاع منسوب المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية، خاصة بعدما ساهمت أحداث 2011 في سقوط الجيوش الوطنية لعدد من الدول الإقليمية، لتصبح هذه الدول ضمن قائمة الدول الفاشلة غير القادرة على تأمين وحماية أمنها القومي، بل أصبحت هذه الدول ساحة للتدخلات الخارجية وتنامي الأطماع الدولية، وعليه تعمل الدولة المصرية على تحديث منظومتها بهدف حماية أمنها القومي وتجاوز مصير دول المنطقة.
- تعدد جبهات وميادين المواجهة: مر الإقليم والمنطقة في السنوات الأخيرة بحالة من الاضطرابات والتحولات التي جعلت مصر مهددة من كافة الاتجاهات الاستراتيجية، حيث شهدت مصر ولأول مرة تهديدات من ناحية الغرب حيث الأزمة الليبية وما نجم عنها من انتشار واسع للجماعات والميليشيات المسلحة ودعم عدد من الأطراف الإقليمية لهذه الجماعات وصولًا إلى تزويدها بالعتاد العسكري، فضلَا عن نقل المرتزقة والجماعات المسلحة للساحة الليبية، من ناحية أخرى تتواصل التهديدات من الاتجاه الجنوبي حيث منابع نهر النيل وتأمين الملاحة وأمن البحر الأحمر، وكذلك اتسع مستوى التهديد في منطقة شرق المتوسط في أعقاب اكتشاف مصر لحقل ظهر 2015 والذي يمثل موردًا مهمًا سمح لمصر بتحقيق الاكتفاء الذاتي وعليه جاء تحديث وتطوير مصر لمنظومتها العسكرية بهدف الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها في منطقة شرق المتوسط في ظل الاتجاه المتنامي نحو عسكرة التفاعلات في تلك المنطقة.
- مجابهة ومكافحة الإرهاب: ساهم تحديث وتطوير المنظومة العسكرية في تحجيم وتطويق الظاهرة الإرهابية، حيث تراجعت بشكل كبير بفضل جهود القوات المسلحة، وقد تجلى ذلك بشكل ملحوظ عبر عدد من العمليات وفي مقدمتها “العملية الشاملة سيناء 2018” التي نجحت في تدمير البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية والقضاء على العديد من القيادات وتجفيف منابع التمويل والدعم اللوجيستي، كما تراجعت العمليات الإرهابية بشكل تدريجي بداية من 222 عملية إرهابية عام 2014، لتصل إلى ما يقرب من 199 عملية عام 2016 وصولًا لنحو 50 عملية خلال عام 2017 بالإضافة إلى 8 عمليات خلال عام 2018، وذلك بفضل جهود عمليات التطوير والتحديث التي طرأت على المنظومة العسكرية.
مجمل القول، يمكن النظر إلى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو والمسارات الأمنية والعسكرية التي تمت داخل مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، باعتبارها مرحلة فارقة في تاريخ الوطن، ليس فقط في مجال تطوير وتحديث المنظومة العسكرية، بل في كافة المجالات، الأمر الذي ساعد مصر في استعادة مكانتها ونفوذها الإقليمي والدولي والنجاح في مواجهة التحديات الأمنية المختلفة، بالإضافة إلى تثبيت ودعم أركان الدولة.