
الهوية الوطنية على رأس أجندة لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني
خطا الحوار الوطني خطوات جادة ومحورية خلال الأيام الماضية ببدء جلسات اللجان، ويمثل ذلك استكمالًا للمسيرة الإصلاحية للدولة الوطنية، وإطلاق روح جديدة لتحديد أولويات العمل الوطني المشترك؛ إذ إن غاية الحوار الوطني النهائية تحقيق المصلحة العامة في مفهومها الأعم والأشمل، وزيادة القواسم والمساحات المشتركة نحو تأسيس الجمهورية الجديدة.
لذا تأتي أهمية مناقشات الحوار الوطني لكافة الصعوبات والتحديات وعرض كافة الإمكانات والموارد المتاحة لتوجيهها واستغلالها بالشكل الأمثل في المستقبل، ووضع حلول موضوعية لكافة القضايا “السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية” المطروحة على طاولة الحوار الوطني؛ لرسم خطوط عريضة للمستقبل، قائمة على نوع من الاتفاق لتحقيق الصالح العام وبلورة فكر جديد لبناء الجمهورية الجديدة، وصناعة مجتمع جديد وبناء طريق واضح للمستقبل، ليظل المجتمع المصري كعادته متماسكًا محافظًا على هويته الوطنية وتدفقه الحضاري الممتد.
ويعد المحور المجتمعي من المحاور المهمة التي نالت اهتمامًا خاصًا من المشاركين في الحوار الوطني لتناوله موضوعات تمثل أهمية بالغة للمجتمع المصري، فالمحور المجتمعي والثقافة والهوية أعمدة رئيسة لبناء أي أمة، وتتقاطع روافدهم مع المحورين الاقتصادي والسياسي، فكل من المحورين السياسي والاقتصادي يعملان من أجل خدمة المجتمع والإنسان المصري، ويعكسان في مناقشاتهما العديد من الرؤى والتوجهات التي تعكس تنوع الأيديولوجيات والمساحات الثقافية داخل المجتمع المصري الثابتة عند نقطة الشخصية المصرية والهوية المصرية.
لذا توافق مجلس أمناء الحوار الوطني على ستة موضوعات رئيسة بالمحور المجتمعي، ويندرج تحتها عدد من الموضوعات الفرعية، حيث تناقش اللجان الستة هذه القضايا، وهي: “لجنة التعليم والبحث العلمي، ولجنة الصحة، ولجنة القضية السكانية، ولجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، ولجنة الشباب، ولجنة الثقافة والهوية الوطنية”.
ويركز هذا المقال على أبرز القضايا المطروحة على طاولة لجنة الثقافة والهوية الوطنية، لاسيما مع توافق مجلس أمناء الحوار الوطني بالبدء بمحور الهوية الوطنية في أولى جلسات المحور المجتمعي يوم الخميس 18 مايو الجاري؛ نظرًا لأهمية الهوية الوطنية في بناء وتشكيل الوعي الجمعي، فالحديث عن الهوية الوطنية هو حديث عن عنوان هذه الأمة.
القضايا الرئيسة المدرجة على جدول أعمال لجنة الثقافة والهوية الوطنية:
تركز مناقشات لجنة الثقافة والهوية الوطنية على أربعة محاور رئيسة يندرج تحتها العديد من القضايا التي ستتم مناقشتها، وهي: أولاً: محور المؤسسات والسياسات الثقافية ويركز على مؤسسات الدولة الثقافية مؤسسات المجتمع المدني والسياسات الثقافية والعدالة الثقافية، ثانيًا: محور الصناعات الثقافية ويتناول قضايا الصناعات الثقافية ومنها الصناعات التراثية والحرفية والصناعات الثقافية كالفنون والدراما والمسرح والسينما والأدب والفن التشكيلي والموسيقى والأغاني وغيرها، ثالثًا: محور دعم وتشجيع الإبداع وحريته، رابعًا: محور الهوية الوطنية.
وقد وقع اختيار مجلس أمناء الحوار الوطني على البدء بقضية الهوية الوطنية لأهمية بحث كيفية الحفاظ عليها، حيث سيخصص عددًا من الجلسات لمناقشة قضية الهوية الوطنية كما يلي: “جلسة الهوية الوطنية، البحث في أصول الهوية المصرية وإبراز تراكماتها الحضارية، والتصدي للأفكار المتطرفة ومحاولات سرقة الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعي الجمعي ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصري وتأصيل الحس الجمالي، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الوعي والتنمية، ودور مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في بناء الشخصية والهوية الوطنية، ورصد الحرف التراثية المصرية”.
وعلى الرغم من محدودية المعلومات المتاحة حتى الآن حول المقترحات والرؤى التي ستناقشها الجلسات سالفة الذكر، إلا أن هناك عددًا الموضوعات النقاشية متوقع تناولها، وفقًا لتصريحات كل من الدكتور أحمد زايد -مقرر لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني-، والدكتور أحمد مجاهد–مقرر مساعد لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني-، كما يلي:
1 – الحفاظ على الهوية الوطنية، سينصب اهتمام مناقشة قضية الهوية الوطنية على وضع رؤى وآليات وسياسات للحفاظ على الهوية الوطنية، حيث سيتم أخذ كافة المقترحات والرؤى القابلة للتنفيذ بعين الاعتبار، والتي تتطلب الاتفاق على تحديد مفهوم وتعريف واضح للهوية الوطنية، وتناول العناصر المكونة للهوية الوطنية ومنها اللغة والدين الوسطي والروح المصرية والسمات المصرية والعادات والتقاليد المصرية الراسخة والعلاقة الوثيقة بين الدولة والمواطن، وسبل الحفاظ عليها.
هذا إلى جانب الحديث عن الهوية الوطنية المصرية ومظاهرها والتحديات التي تواجهها وسبل الحفاظ عليها من التمزق في زمن العولمة وعصر السماوات المفتوحة، وبحث سبل مواجهة التحديات الخارجية والداخلية التي تؤثر على الهوية الوطنية، ومنها وجود بعض التوجهات أو الأفكار التي قد تؤدي إلى تمزيق الهوية الوطنية، هذا إلى جانب وضع آليات فاعلة وسياسات وتشريعات ثقافية للحفاظ على الهوية الوطنية والتدفق الحضاري المصري.
وانطلاقًا من أن الهوية الوطنية مرتبطة بالثقافة لأنها تُصنع من خلال المعطيات الثقافية المختلفة، أوضح الدكتور أحمد زايد أنه كلما كانت الثقافة منضبطة ومستمرة ومتراكمة عبر الزمن وقوية كانت الهوية الوطنية قوية وثابتة عبر الزمن. لذا تعد هذه القضية من بين أهم القضايا في الحوار الوطني، والهدف الأساسي منها تكوين أشكال من الاتفاق حول المعطيات الثقافية التي تشكل الجمهورية الجديدة في المستقبل، ومن أهمها بناء وتأطير العقول لا سيما العقول الشابة على أسس من المعرفة والعلم والقدرة على الابتكار والإبداع، والمساهمة الخلاقة في بناء تراث ثقافي والمساهمة الحقيقة في صناعات ثقافية يمكن بها مواجهة المستقبل بكل تحدياته.
وهنا لدى المجتمعات العربية وفي قلبها مصر تحدٍ يتعلق بكبر حجم الكتلة الشابة، والتي تمثل نحو 40% من عدد السكان، وهذه الكتلة الشابة تواجه العديد من التحديات أبزرها التحدي المرتبط بالعولمة والرقمنة التي قد تؤثر سلبًا على هذه الشريحة، لذا تبرز أهمية دور الإعلام والثقافة وتطوير الخطاب الديني والقدرة على فهم الدين بشكل أفضل بما يناسب العصر. وكذلك أهمية تعزيز القدرات على الخلق والإبداع والتقدم، والتركيز على دعم الصناعات الثقافية المختلفة والفنون والآداب من رواية وشعر وقصة قصيرة والفنون التعبيرية والتشكيلية والترجمة وغيرها، لأنها من المحاور المهمة التي تحتاج للمناقشة للوصول لتوافق بشأن وضع أسس ومبادئ لها في المستقبل، لأن الثقافة هي أساس نسيج الأمم.
وفي هذا الشأن تلقت لجنة الثقافة والهوية الوطنية العديد من المقترحات من العديد من الجهات، ومنها الأحزاب السياسية وتنسيقية شباب الأحزاب والمثقفين وغيرهم، ومن أبرزها: المتعلقة بتعزيز دور المؤسسات الثقافية في تأطير الثقافة والصناعات الثقافية لدورها الهام في تقوية الهوية الوطنية على مر العصور، وكذلك مقترحات بشأن الاهتمام بالمسرح واستعادة دوره لأهميته في نهضة الأمم، لاسيما أن المسرح دوره تفاعلي على خلاف السينما والدراما، ويأتي هذا الاهتمام نظرًا لتضاؤل دور المسرح خلال السنوات الماضية أمام سيطرة الدراما والوسائل التكنولوجية الحديثة، فضلًا عن مقترحات بترجمة الثقافة المصرية إلى اللغات الأخرى، وترجمة اللغات الأخرى للعربية لأن هذا الأمر سيعمل على نقل الثقافة المصرية والعربية للخارج، ويعزز من تأثير القوة الناعمة المصرية في الثقافات الأخرى.
وفي السياق نفسه، يشير الدكتور أحمد مجاهد –مقرر مساعد لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني- إلى أهمية التعليم والثقافة وغيرها من أمور مرتبطة بصناعة الوجدان وخلق الهوية، لأن جميعها تؤثر على التماسك المجتمعي، مؤكدًا أن الهوية المصرية لا تنفصل عن التراتبية التاريخية التي مرت بها مصر على مر العصور، وتنتمي مصر كذلك جغرافيًا لمحيطها الأفريقي والعربي ومنطقة البحر المتوسط، لذا يؤثر التاريخ والجغرافيا كعنصرين مهمين في تشكيل الهوية المصرية، لذا الحديث عن الهوية الوطنية أمر متجدد وثري ومزيج من هذه الألوان التي تمنح الهوية المصرية تنوعًا ومتانة.
2 – التنوع البشري والهوية الوطنية: وفي هذا السياق، أشار الدكتور أحمد مجاهد إلى أن مصر تتسم بالتنوع البشري الخلاق، وأوضح أن التحالفات الهوياتية في العالم تقفز فوق كل ما هو عرقي وما هو ديني وتتجه لما هو سياسي واقتصادي، ففي مصر مثلًا لدينا النوبة وبدو سيناء وبدو مطروح والصعايدة ووجه بحري وغيرهم، وكل منهم ذو طبيعة محددة ومختلفة عن طبيعة الآخر، وهو ما يطلق عليه وفق لليونسكو التنوع البشري الخلاق في مصر؛ فهي ألوان طيف متعددة تسهم في نسج ثوب الهوية المصرية، وهي أمور واتجاهات وعناصر ستتم مناقشتها في ملف الهوية الوطنية.
3 – الوعي والهوية الوطنية: انطلاقًا من أن الثقافة لا تنفصل عن الهوية الوطنية، نظرًا لأن الهوية الوطنية موجودة في الوعي الجمعي لذا العمل على ترسيخها يتطلب العمل على تشكيل الوعي، وهنا يأتي ارتباط كل منهما بالآخر ودور الثقافة كأحد عناصر تشكيل منظومة الوعي، لأن المسئول عن تشكل منظومة الوعي ليس الثقافة فقط، بل الثقافة والتعليم والإعلام ودور العبادة وكل ما تقدمه وزارة الثقافة، لذا تعمل هذه المنظومة معًا من أجل تشكل الوعي الجمعي وتعزيز الهوية الوطنية.
وفيما يتعلق بمنظومة تشكيل الوعي وسبل الحفاظ على الهوية الوطنية، أوضح الدكتور أحمد مجاهد أن منظومة تشكيل الوعي تتضمن ثلاثة عناصر، وهي عنصر الثقافة الإجبارية والذي يتمثل في دور المؤسسات الدينية والمؤسسات التعليمية، وعنصر الثقافة شبه الإجبارية ويتمثل في الإعلام والصحافة وهي منظومة مهمة لتشكيل الوعي، وهي شبة إجبارية لأن المتلقي يختارها بشكل انتقائي، وعنصر الثقافة الاختيارية والتي تتمثل في دور السينما والمسرح وكل ما تنتجه وزارة الثقافة.
وهنا نجد أن المؤسسات الدينية والتعليمية دورها الأكثر تأثيرًا، وأن دور وزارة الثقافة هو أضعف حلقة في هذه العناصر الثلاثة، لأنها ثقافة اختيارية بحتة، ونسبة الإقبال الجماهيري عليها أقل من السابق، لذا في عصر السماوات المفتوحة وصعوبة وجود ثقافة موجهة، يتطلب ذلك وضع سياسات ثقافية لتشكيل الوعي، وتغيير السياسات الثقافية لتكون أكثر جذبًا للمواطنين وتتناسب مع التغير الحادث في المجتمع والعالم، وقد تتطلب بناء الثقة بين ما تقدمه قصور الثقافة؛ والمتلقي فمثلًا من الممكن الذهاب بالمنتج الثقافي لدور قصور الثقافة للمتلقي في المدارس أو الجامعات أو مراكز الشباب وغيرها، مما يعمل على توطيد الثقة مع المتلقي.
وتبرز هنا أهمية استحداث آلية لتحقيق الترابط بين عناصر منظومة تشكيل الوعي، ووضع سياسات ثقافية جديدة تناسب الواقع المتغير، وتفعيل منظومة موحدة لتشكيل الوعي، تضم كافة الوزارات والجهات المعنية بالدولة الرسمية منها والخاصة، لتعمل معًا في تناغم وتكامل لتشكيل الوعي والحفاظ على الهوية الوطنية، فمثلًا في ظل وجود قنوات للأطفال خاصة غير مصرية تقدم محتوى يؤثر على وعي وفكر الطفل المصري، توجد حاجة ماسة إلى إنتاج مصري بديل يؤصل للثقافة والوعي المصري لدى الطفل المصري؛ للحفاظ على الهوية المصرية.
ويشير الكاتب جمال الكشكي -عضو مجلس أمناء الحوار الوطني-، إلى أن مجلس أمناء الحوار الوطني استغرق وقتًا طويلًا في مناقشة ملف الثقافة والهوية الوطنية، وما ينبثق عنه من قضايا مختلفة ومنها تأثير وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة على تشكيل الهوية الوطنية، لأنها من الملفات المهمة وانعكاساتها كبيرة على المتلقي أو المشاهد أو القارئ في مختلف المجالات التي تناقشها تلك الوسائل سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية وغيرها.
وقد يكون لها تأُثير سلبي في إضعاف مناعة المجتمع مما يؤثر سلبًا على أمن واستقرار المجتمعات، ويشوه المفهوم الوطني لدى البعض ممن يغيب عنهم وعي فرز ما يتلقونه من محتوى، مما يزيد المخاطر على أمن المجتمع، خاصة في ظل عدم وجود تشريعات حاكمة لضبط شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي هذا الأمر يستحق وقفة بالدراسة والبحث والمناقشة لمواجهة هذه المخاطر، وخلق مناعة قوية تجابه تأثير التحول والتطور التكنولوجي العالمي، عبر غرز الهوية الوطنية والانتماء لدى النشء والشباب وتشكيل وعيهم ووجدانهم بشكل صحيح وزيادة وعيهم بمفهوم الأمن القومي والحفاظ على أمن واستقرار الدولة وقوتها.
فكلما زادت المناعة الثقافية ونما الوعي وترسخت لدى النشء مفاهيم الهوية الوطنية والانتماء، كان قادرًا على مواجهة أي تغيرات حتى مع وجود السموات المفتوحة والغزو الإلكتروني بالعديد من الأفكار التي تصل للمتلقي في منزله، وتصاعدت مخاطر حروب الجيل الرابع والخامس وغيرها، لذا يجب الانتباه لهذه المخططات ومواجهتها عبر تقوية المناعة المجتمعية وتعزيز الهوية الوطنية.
4 – الصناعات الثقافية والحرف التراثية وارتباطها بالهوية الوطنية، حيث ترتبط الصناعات الثقافية “السينما والدراما والمسرح..، وغيرها”، والحرف التراثية، وكذلك حرية الإبداع والتعبير بالهوية الوطنية، لأنهم من ضمن عناصرها، لذا الحفاظ عليهم وتطويرهم وتنميتهم يندرج تحت عناصر الحفاظ على الهوية الوطنية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصناعات الحرفية والتراثية، تندرج تحت مسمى “الاقتصاد البرتقالي”، الذي يشير إلى الأنشطة الاقتصادية التي تجمع بين الموهبة والإبداع والتكنولوجيا والثقافة، ويتم فيها تحويل الأفكار إلى سلع وخدمات ثقافية، تأتي عوائدها من خلال حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة، حيث يشمل الاقتصاد الإبداعي أو البرتقالي الثروةَ الهائلة التي تتكون من اجتماع المواهب وحقوق الملكية الفكرية والتراث الثقافي. وبهذا المعنى فإن المصطلح يعد تطورًا لمفهوم الصناعات الثقافية أو الصناعات الإبداعية، ويمكن لقطاع الاقتصاد الإبداعي أن يدر عائدًا كبيرًا للاقتصاد القومي، ويعد مصدرًا لقوته وعنصرًا فاعلًا في تحقيق التنمية وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًّا ودوليًّا.
وتمتلك مصر إمكانات كبيرة غير مستغلة في مجال الاقتصاد البرتقالي “الإبداعي”، ومنها ثروة بشرية من المبدعين في مجالات الفنون والآداب المختلفة يملكون الموهبة إلى جانب الدراسة في الكليات والمعاهد الفنية، هذا إلى جانب التراث الإبداعي الحديث والمتواصل على مدى قرنين، والخبرة الممتدة في الصناعات الثقافية، مثل صناعات الكتاب والنشر والسينما والموسيقى والغناء والدراما الإذاعية والتليفزيونية، لكنها تحتاج إلى توفير بيئة تشريعية ملائمة ودعم مباشر وغير مباشر لتنطلق قدرتها التنافسية في المجالين المحلي والإقليمي، وذلك حتى تتيح فرصًا للتوظيف لأعداد أكبر من الشباب.
وتمتلك مصر كذلك حرفًا تقليدية وتراثية يمكن تنميتها لتشكل قيمة مضافة للاقتصاد القومي من ناحية، وتوفر العديد من فرص العمل من ناحية أخرى. لذا تأتي الحاجة للعمل على تنمية الابداع لهذه المهارات، وفي السياق نفسه، تحظى مصر بعدد من مواقع التراث الأثري والثقافي والطبيعي الجاذبة للسياحة التي تحتاج إلى الحفاظ عليها وتحقيق أقصى استفادة منها.
لذا يشكل دعم الصناعات الثقافية أمرًا مهمًا ستضطلع لجنة الثقافة والهوية الوطنية بمناقشته؛ لوضع خطط لتطوير الصناعات الثقافية ودعمها وتسويقها، ليس فقط لعائدها الاقتصادي الكبير، ولكن أيضًا لأنها صناعات ترسخ الهوية لأن الصناعات التراثية نابعة من تاريخ هذه الأمة منذ الفراعنة.
وأشار الدكتور أحمد مجاهد في هذا السياق إلى وجود دول كثيرة في العالم دخلها معتمد على الثقافة والفنون، وأن مصر واحدة من أعرق الحضارات في العالم ومن أكثر الدول في العالم إنتاجًا للثقافة والفنون وإنتاجًا للحرف التراثية اليدوية النادرة وباهظة الثمن. وهنا قد لا نحتاج إلى لإنفاق على الثقافة لأن الثقافة المصرية بها مقومات كثيرة مؤهلة لتكون فاعلة في اقتصاد مصر وتدر دخلًا كبيرًا للدخل القومي المصري.
لذا سوف تناقش الجلسات عددًا من القوانين والتشريعات المقترحة في هذا الشأن؛ فمثلًا قصور الثقافة المسؤولة عن الحرف اليدوية وغيرها غير مسموح لها وفقًا للقانون الحالي بيع هذا الإنتاج مما يقلل الإنتاج الإبداعي في مجال الحرف اليدوية، وهو ما يتطلب تعديل التشريعات ووضع خريطة للحرف اليدوية في مصر، هذا إلى جانب تدريب الأيدي العاملة على هذه الحرف اليدوية منعًا لاندثارها، والعمل على تطوير الحرف اليدوية لتكون أكثر إبداعًا.
ويتبع هذا الأمر زيادة الإنتاج من الحرف اليدوية والتراثية عالية الجودة، ثم تأتي مرحلة التسويق لها في الداخل والخارج وهو ما يتطلب أيضًا وضع خطط لتسويقها، وهنا يأتي دور الصناعات الثقافية. وهنا يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الحرف التراثية ترتبط أيضًا بالهوية المصرية، وهو ما يحدث طفرة في مجال الحرف اليدوية والتراثية تعزز الاقتصاد المصري وفي الوقت ذاته تكون من ضمن عناصر الحفاظ على الهوية المصرية.
5 – العدالة الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية، وهنا لا يجب أن ينحصر نشر الثقافة والفنون بشكل مكثف في المدن الكبرى، لاسيما القاهرة والإسكندرية فقط، حيث يتطلب تحقيق العدالة الثقافية توفير طرق لنشر الثقافة بمختلف صورها في كافة أنحاء الجمهورية، ويجب أن تكون الأقاليم شريكًا فاعلًا في إنتاج الثقافة وليست مستهلكًا لها فقط.
ويوضح هنا الدكتور أحمد مجاهد أن المراكز الثقافية التابعة لصندوق التنمية الثقافية على سبيل المثال موجودة في القاهرة والاسكندرية فقط، ولا توجد في المحافظات الأخرى، ولتحقيق العدالة الثقافية يجب النظر لهذا الأمر. فضلًا عن أن أكاديمية الفنون -وما لها من دور مهم وبارز في مجال صناع الفنون في الوطن العربي كله- موجودة في القاهرة ولها فرع في الاسكندرية فقط، وهنا نحتاج إلى وجود أفرع لها في محافظات مصر المختلفة مما سيعمل على تغيير الوعي في المحافظات.
ويجب البحث كذلك في توفير ميزانية لبناء قصور ثقافة جديدة والعمل على تغيير سياسة أنشطة قصور الثقافة، والبحث عن سياسات ثقافية أخرى تتواكب مع الواقع المعاصر، وبناء الثقة بين الجماهير والانتاج الثقافي وبعض ما تقدمه قصور الثقافة عبر توصيل المحتوى الفني والإبداعي لقصور الثقافة للمدارس ومراكز الشباب والقرى وغيرها، واستغلال عروض مسرح الثقافة الجماهيرية بشكل أمثل، وزيادة التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وتقديم الدعم اللوجيستي لها؛ لعرض أعمال فنية تتوافق مع السياسات الثقافية، وغيرها. لذا توجد العديد من المقترحات والرؤى المطروحة بهذا الشأن والتي سيتم مناقشتها في جلسات لجنة الثقافة والهوية الوطنية.
وختامًا، تعكس الهوية الوطنية مجموعة من السمات والخصائص للمواطنين، وتلعب دورًا في تقوية الانتماء للوطن، وهذه الخصائص والسمات في حال اختفائها يحدث خلل في الدولة، لأن الانتماء والولاء هما العصب الرئيس لأي أمة. وهنا نجد أن الهوية المصرية ظلت ثابتة وراسخة وقوية على مر العصور، وتركت بصمتها على كل من حاول الأقدام عليها، فمصر تعرضت لضربات قوية على مدار التاريخ ولكن الهوية المصرية تنتصر في النهاية وتثبت شخصيتها وقوتها.
لذا يمكن القول أن الدولة المصرية عاشت متقاطعة مع مختلف الثقافات وفي مختلف المراحل التاريخية، وظلت ثابتة عند نقطة الشخصية المصرية والهوية المصرية والانتماء الوطني، ومن هذا المنطلق ومصر على أعتاب الجمهورية الجديدة تأتي أهمية الحرص على الحفاظ على الهوية الوطنية بما يعكسه الاهتمام بأن تكون محور نقاش في الحوار الوطني داخل المحور الثقافي الذي استحوذ على نحو 36% من المقترحات والأوراق والرؤى التي قُدمت إلى الحوار ضمن المحور المجتمعي، وهو ما يعكس اهتمام المواطنين وإدراكهم لقيمة الثقافة وتعزيز الهوية الوطنية.
باحثة متخصصة في العلاقات الدولية