المناظرة الرئاسية الأولي بين ترامب وهاريس وتأثيرها على اتجاهات الجمهور الأمريكي
تشهد الساحة الأمريكية سباق انتخابي تنافسي للغاية تزداد حدته يومًا تلو الأخر، وقبل نحو 56 يومًا تفصلنا عن إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها في 5 نوفمبر القادم، أجريت أول مناظرة رئاسية تجمع بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، ومنافسته الديمقراطية ونائب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي يمكن أن يكون عنوانها الرئيسي “مناظرة تكسير العظام، مع الالتزام بالسيناريو المعد مسبقًا من قبل الحملات الانتخابية لكلا المرشحين”، كما اتسمت بعدم وضوح أغلب الاستراتيجيات التي طرحها المرشحان للناخبين بشأن العديد من القضايا الهامة، فيما اتسم حديثهما بالسجال المتبادل بين الطرفين، دون وضوح انتصار طرف أو هزيمة الآخر، حيث تبادلا المرشحان المتنافسان الاتهامات، وطرح الرؤي المختلفة، وسط مناقشة العديد من القضايا الحيوية الداخلية والخارجية التي تشغل الناخب الأمريكي، مسفرٍة عن إظهار عدٍد من نقاط القوة والضعف لكلا المرشحين المتنافسين، مما يدفع للتساؤل بشأن مسار هذه المناظرة وتأثيراتها على الجمهور الأمريكي، وأبرز القضايا التي تمت مناقشتها، ومدي تأثير هذه المناظرة علي مسار الانتخابات، وعلي الحظوظ الانتخابية لكلا المرشحين المتنافسين، وما الذي تعكسه استطلاعات الرأي قُبيل إجراء هذه المناظرة؟.
مسار المناظرة الرئاسية
ظهرت المناظرة وكأنها معركة تكسير عظام، حيث حاول كلا المرشحان قول عبارات انتخابية رنانة لجذب الناخبين في كل قضية دون الإسهاب في شرح أفكارهما بشكل واضح للناخبين، مع التركيز علي محاولة النيل من سجل المرشح المنافس، وتكسير صورته أمام الناخبين، كما يلاحظ التزام كلا المرشحان بتوجيهات حملاتهما الانتخابية، وعدم الخروج عن النص كثيرًا، مقارنة بالمناظرة السابقة التي جمعت ترامب وبايدن، والتي اتسمت بالسجال وتبادل الاتهامات والإهانات والهجوم الشخصي، وبشكل عام يلاحظ أن هذه المناظرة قد خلت من المفاجآت التي يمكن القول أنها قد تؤثر بشكل كبير علي مسار السباق الانتخابي.
من خلال تحليل خطاب هاريس، نجد أنها حققت بعض الانجازات لاسيما في شرح بعض من خططها الاقتصادية للناخبين علي الرغم من أنها لم توضحها بالشكل المطلوب، هذا بجانب تسويقها لنفسها بأنها رئيس يحافظ علي وحدة الشعب الأمريكي، ويركز علي المستقبل ومصالح الشعب، بخلاف ترامب الذي يعمل من أجل نفسه ويركز علي مصالحه وحلفاءه، ويشكل خطورة علي الديمقراطية، والأمن القومي والوطني، هذا بجانب تركيزه علي الماضي وما حدث خلال انتخابات عام 2020، مركزة اهتمامها علي دعم الطبقة المتوسطة والشباب والرعاية الصحية وحقوق الإجهاض.
فضلًا عن محاولاتها لصد هجوم ترامب بشأن تغيير بعض من مواقفها، إذ حاولت إقناع الناخبين بأن تغيير مواقفها هو تغيير للسياسات وليس لقناعتها وقيمها، ومع ذلك لم تسهب في الحديث عن خططها وطبيعة هذا التغيير في سياساتها لإقناع الناخبين لاسيما المترددين منهم.
كما حاولت هاريس أن تظهر بمظهر المرأة القوية، واستخدمت خبراتها كمدعية عامة وطرحت عدد من الاسئلة علي ترامب، فاتسم حديثها بالاستباقية في تقديم الهجوم علي ترامب، لاسيما في القضايا الاقتصادية، وقضية الهجرة وأمن الحدود، في محاولة منها لاستباق انتقادات ترامب لها في هذه الملفات، كما قامت بإثارة غضب ترامب بحديثها عن مزاعم ترامب بشأن أحجام الحشود الانتخابية، وشعور المواطنين بالضجر من خطابه، وتغيير ترامب لمواقفه بشأن ملف الاجهاض، مما أدي لفقدان ترامب لجزء من رصانته وبدي مشتتًا لبعض الوقت، ولا يجيب بشكل مباشر وواضح علي أسئلة المحاورين لكن سرعان ما استعاد بوصلته مرة أخري، ومع ذلك في المقابل قامت هاريس بنفس الأمر، ولم تجب علي عدد من أسئلة محاوري المناظرة بشكل واضح أيضًا.
ومع تركيز ترامب هجومه على بايدن أكدت هاريس بأنها منافسته وليس بايدن، مع محاولة التنصل من إرث بايدن دون الإساءة له، حيث حاولت أن تقدم نفسها بأنها مرشحة جديدة ومختلفة وليست “بايدن، أو ترامب”، هذا بجانب تركيزها علي إبراز قوة التعددية العرقية بأمريكا، وحديثها عن نشأتها ووالدتها، والهجوم على ترامب بأنه من يعزز الانقسام بين الأمريكيين، وأنها تقدم سياسات ورؤي ستساعد بها الشعب للمضي قدمًا للمستقبل حال توليها منصب الرئاسة.
وعلي الجانب الآخر، برغم من أن ترامب يعد من أبرز المنافسين شراسة وقوة علي المسرح السياسي، بدا ترامب علي غير عادته حيث التزام بضبط النفس كثيرًا مقارنة بمواقفه وحديثه المعتاد، وركز علي استهداف سياسات هاريس، وطرح عليها عدد من الاسئلة لاسيما في ملف الاقتصاد والهجرة وأمن الحدود، وكذلك الانسحاب من أفغانستان، وركز علي أن سياسات هاريس ستكون امتداد لسياسات بايدن لاسيما في ملف الاقتصاد والطاقة والهجرة والسياسية الخارجية، وأنها بدفاعها، وحديثها تحاول فقط النأي بنفسها عن سياسات بايدن، وتوضيح أن سياسات هاريس ستدمر الاقتصاد.
وتميز خطاب ترامب بالابتعاد عن الهجوم الشخصي علي هاريس، وقابل هجوم هاريس بردود دفاعية قوية في الكثير من المواضع خلال المناظرة، كما أبتعد عن تعليقاته السابقة التي تتعلق بكون هاريس امرأة، وكذلك التعليق علي أصولها العرقية وحياتها الشخصية، وعندما طُرح سؤال حول هذا الأمر، استطاع ترامب أن يتفوق بحنكته المعهودة بالتملص من الأمر، وأكد أن هوية هاريس لا تعنيه، كما مارس ترامب الضغط علي هاريس في عدد من القضايا، فهاجم خطط هاريس لاسيما الاقتصادية، مؤكدًا تكرار هاريس لنفس الوعود التي أطلقتها في السابق دون قدرتها علي تنفيذها بشكل واقعي وافتقارها لطرح تفاصل بشأن تنفيذ خططها، مع التشكيك في هذه التعهدات، مثيرًا لمخاوف الناخبين بشأن خطط هاريس لحظر التنقيب عن النفط وتغيير مواقفها بهذا الشأن، وسعيها لتدمير البلاد والانتقال للطاقة الشمسية، كما يلاحظ خلال هذه المناظرة، أن كلا المرشحان ركزا علي اتهام الأخر بقول “أكاذيب”.
أبرز القضايا التي طرحت بالمناظرة
القضايا الداخلية:
التضخم وارتفاع الأسعار؛ تناولت هاريس بالحديث عن خططها لخفض نسبة التضخم، ونوهت لكونها ابنة الطبقة المتوسطة، وتؤمن بالطموح وبناء اقتصاد مبني علي الفرص، وتحدثت عن خططها لبناء مساكن جديدة، ودعم الشباب، وتمديد التخفيضات الضريبية، ودعم المشروعات الصغيرة، في مقابل مهاجمة سياسات ترامب الاقتصادية، وأنها ستؤدي لعجز الموازنة وفقًا لآراء العديد من الخبراء الاقتصاديين البارزين، منوهًة لأن ترامب ترك لإدارة بايدن إرث من العجز الاقتصادي والبطالة المرتفعة، والرعاية الصحية نتيجة جائحة كورونا، كما زعمت أن ترامب أدي لبيع الرقاقات الإلكترونية الأمريكية للصين مما ساعدهم في تحسين قدرات جيشهم، بدل من التركيز علي العلاقات مع حلفاء أمريكا والتعاون علي التطور التكنولوجي لكسب الحرب مع الصين.
فيما دافع ترامب بأنه سلمهم دولة باقتصاد وجيش قوي، وبورصة في أفضل حال واستعاد المليارات من الصين، متهمًا هاريس بأنها “ماركسية”، ووالدها “ماركسي”، ودمرت الاقتصاد بسياسات “خرقاء”، وليس لديها أي خطة اقتصادية واضحة، وتكرر أربعة جمل لخططها الاقتصادية، ونفي أي نيه لفرض ضرائب علي المبيعات، مع تأكيد استمرار حربه التجارية مع الصين، وإعادة التصنيع لأمريكا، فضلًا عن مهاجمته بشكل لاذع لسياسات بايدن- هاريس الاقتصادية، وكذلك ملف الهجرة وأمن الحدود وأثره علي البطالة وتقليص فرص وظائف الأمريكيين لصالح المهاجرين غير الشرعيين.
الهجرة وأمن الحدود؛ هاجمت هاريس ترامب بسبب الدور الذي لعبه في دفع الجهوريين للتراجع عن دعم مشروع قانون الحدود، مع اتهام ترامب بأنه لا يرغب في ايجاد حل للقضايا ويقدم مصلحته الشخصية، فيما هاجم ترامب إخفاقات هاريس في ملف الهجرة غير الشرعية، وضبط الحدود أكثر من مرة، وانتقد حديث هاريس عن محاسبة المتسببين في اقتحام مبني الكابيتول في حين سمحت لملايين من المهاجرين غير الشرعيين ومنهم مجرمين وقتلة ومهربين مخدرات وإرهابيين لدخول البلاد يهددون أمنها ونسيجها المجتمعي، بهدف منحها أصواتهم، ومع ذلك لم يُقدم ترامب إجابات واضحة علي أسئلة محاوريه بشأن كيفية تنفيذ خطته لترحيل 11 مليون مهاجر، وشكك في بيانات “FBI” بشأن انخفاض معدل الجريمة خلال إدارة بايدن.
وعقب إشارة ترامب لقيام بعض المهاجرين بقتل الحيوانات الأليفة بولاية أوهايو، رد عليه محاور المناظرة ديفيد موير، بأن حديثه غير دقيق، في سابقة من محاوري المناظرة، ربما تكون بسبب الانتقادات التي وجهها الإعلام خلال المناظرة السابقة، بأن المحاورين لم يوضحوا المعلومات المغلوطة التي طرحت في تلك المناظرة، ومع ذلك استطاع ترامب الالتفاف على توضيحات موير، بالإشارة لوجود فيديوهات مصورة لمواطنين أشاروا خلالها بأن حيواناتهم الاليفة تعرضت لهذا الأمر من قبل المهاجرين.
الرعاية الصحية وملف كورونا، هاجمت هاريس استجابة ترامب لأزمة فيروس كورونا، وكذلك رغبته في إلغاء قانون الرعاية الصحية المعروف باسم “اوباما كير”، وكذلك فشله في تقديم خطة بديلة أفضل، مركزة علي نجاحتها في هذا الملف، فيما دافع ترامب بأنه ورث قانون الرعاية الصحية من إدارة أوباما، وقرر الابقاء عليه لحين إيجاد بديل أفضل لأنه قانون سيء، وتعهد عند توليه الرئاسة بالإبقاء عليه لحين تقديم بديل أفضل، دون توضيح بهذا الشأن.
الحق في الإجهاض وإلغاء قانون “رو ضد ويد”؛ حاولت هاريس إظهار تغيير ترامب لمواقفه بالنسبة لقضية الاجهاض، والترويج بأنه سيعيد منع حق الاجهاض، فيما باغت ترامب هاريس بالحديث عن إجهاض الأم للطفل بعد اكتمال نموه، بما يعد بمثابة إعدام للرضيع تحت شعار الإجهاض، في محاولة لكسب تأييد قاعدته الانتخابية المحافظة، والمؤيدين لحق الحياة، ودون خسارة المؤيدين لحقوق الاجهاض، حيث أكد تركه لتحديد الأمر لسلطة كل ولاية، كما أكد دعمه للتلقيح المجهري، نافيًا مزاعم هاريس بعكس ذلك، وبشكل عام تبادل الطرفان نعت الأخر بالكذب في الحجج التي ساقها كليهما للنيل من الأخر.
الهجوم علي الكابيتول، استخدمت هاريس مهاراتها كمدعية عامة سابقة فحاولت محاسبة ترامب علي سلوكه بعد انتخابات عام 2020، ومزاعم تحريضه لأنصاره للهجوم علي مبني الكابيتول في 6 يناير عام 2021 لإلغاء نتيجة الانتخابات، مظهرًة لخطورته علي الديمقراطية بمحاولات قلبه لنتيجة الانتخابات ومزاعمه بتزوير نتائجها، ودعمه لمؤيديه الذين أدينوا في اقتحام مبني الكابيتول، بجانب الزعم بتبنيه لمشروع “2025” المحافظ، هذا بجانب مهاجمة سجله القانوني، وحث الناخبين علي عدم انتخابه والنظر للأمام، مع الاشارة لتحذيرات ترامب بأنه في حال عدم فوزه في الانتخابات سيكون هناك “حمام دماء”.
وهو ما دافع عنه ترامب بأنه ذكر كلمة “حمام دماء”، في حديث بشأن صناعة المركبات، متنصلًا من أي علاقة له بمشروع “2025”، موضحًا أنه دعم احتجاج أنصاره السلمية، ثم تناول بالحديث عن ملف الهجرة، وانتقد ترك إدارة بايدن – هاريس للمجرمين لدخول البلاد، وطالب هاريس بالعودة لواشنطن، وحث بايدن علي اتخاذ قرار بإغلاق الحدود لأن هناك من يقتلون أكثر من حادث اقتحام الكابيتول، محملًا رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي مسئولية اقتحام مبني الكابيتول، كما شكك ترامب في حيادية القضاء الأمريكي، واستخدام الديمقراطيين لوزارة العدل لملاحقته، والفوز في الانتخابات، ونوه لأن الديمقراطيين هم من يعززون الانقسام في المجتمع الأمريكي بخطابهم، الذي أدي لتعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة.
السياسة الخارجية:
أتسمت هذه المناظرة بالمنافسة الضارية بين المرشحين، وكانت الاتهامات المتبادلة السمة الأبرز لها، وعلي الرغم من عدم أولويات قضايا السياسة الخارجية للناخب الأمريكي، إلا أنه تم إفراد جزء لمناقشتها بشكل بارز، إذ تم التركيز علي الحرب الاسرائيلية علي قطاع غزة، والأوضاع في الشرق الأوسط والعقوبات علي إيران، والانسحاب الأمريكي من افغانستان، والعلاقات مع حلف الناتو، والحرب الروسية الأوكرانية، وبشكل عام أتسم خطاب المرشحان بتوجيه انتقادات لاذعة لسجل الأخر، دون توضيح خططهما للناخبين بشأن هذه الملفات، ومن أبرزها:
الانسحاب من أفغانستان، يُنظر للانسحاب الأمريكي من افغانستان عام 2021 علي أنه أحد نقاط ضعف إدارة بايدن، ووجه ترامب الانتقادات لهذا الانسحاب ووصفه بأنه “أظهر ضعف أمريكا”، وأسفر عن مقتل 13 جندي أمريكا بأفغانستان، بجانب ترك القوات الأمريكية لأسلحة لتنظيم طالبان بنحو 85 مليار دولار، وأضاف أن هذا الانسحاب الضعيف شجع روسيا لشن حرب علي أوكرانيا، فيما دافعت هاريس عن إدارة بايدن، وأن ثلاث رؤساء سابقين أرادوا هذا الانسحاب قبل بايدن، لكنه من تمكن من ذلك، متهمًة ترامب بالتواصل مع حركة طالبان، وهو الأمر الذي دافع عنه ترامب بأنه كان بهدف الحفاظ علي أرواح القوات الأمريكية التي كانت تستهدفهم طالبان.
الحرب الاسرائيلية علي قطاع غزة، والأوضاع في الشرق الأوسط، بدا كلا المرشحين كما هو معتاد داعمين لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، فيما أعلنت هاريس دعمها لحل الدولتين، أما ترامب فقد تجنب الإشارة لهذا الأمر، وقال أنه لو كان رئيسًا لما حدثت 7 أكتوبر، مروجًا لكراهية هاريس لإسرائيل بعدم حضورها خطاب رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو في الكونجرس، وكذلك كرهها للعرب، وأضاف أن رئاستها ستؤدي لتدمير إسرائيل، وعدد من الدول العربية، فيما ردت هاريس بدعمها لإسرائيل وتفوقها العسكري النوعي، وضد أي تهديدات من إيران وأذرعها بالمنطقة، وكذلك دعمها لوقف الحرب الاسرائيلية علي قطاع غزة، وإعادة بناء غزة بالأمن وحق تقرير المصير، لذا جاء خطاب كلا المرشحين يحاول جذب أصوات الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين، وكذلك اللوبي اليهودي بأمريكا.
الحرب الروسية الأوكرانية، هاجمت هاريس تصريحات إيجابية سابقة لترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحاولت إثارة غضب ترامب بزعمها أن “قادة العالم يسخرون منه”، بينما يدعمه القادة الديكتاتوريين حول العالم لسهولة التلاعب به، فيما لم تقدم أي خطط واضحة بشأن دعمها لأوكرانيا، وفي المقابل وصف ترامب هاريس وبايدن بالضعف، وانتقد سوء قدرة هاريس التفاوضية لمنع نشوب الحرب، ونوه لعلاقته الطيبة مع كل من رئيس روسيا وأوكرانيا، وقدرته علي إنهاء الحرب فور فوزه في الانتخابات، وقبل توليه منصب الرئاسة دون أن يوضح أي تفاصيل لخطته.
ماذا تقول استطلاعات الرأي
من المبكر الحكم علي تأثير هذه المناظرة ونتائجها علي حظوظ كلا المرشحين المتنافسين وفقًا لما تعكسه استطلاعات الرأي نظرًا لانتهاء المناظرة منذ ساعات، لذا ما تعكسه استطلاعات الرأي الجديدة التي ستجري خلال الأيام المقبلة ستوضح مدي تأثير هذه المناظرة علي حظوظ كلا المرشحين المتنافسين، وهل حققت ما يصبو إليه كل مرشح من جذب شريحة جديدة من الناخبين لدعمه لاسيما في الولايات المتأرجحة، أم لا، وكذلك توجيه حملاتهما الانتخابية للتركيز أكثر علي بعض القضايا والولايات المتأرجحة لاستمالة الناخبين الذين قد تتغير تفضيلاتهم وتوجهاتهم لمرشح دون الأخر في استطلاعات الرأي إثر هذه المناظرة.
وحتى إجراء هذه الاستطلاعات الجديدة، وتبيان توقعاتها، فإننا نجد أن أغلب استطلاعات الرأي التي سبقت المناظرة عكست تقاربًا شديدًا بين هاريس وترامب، مع صعود طفيف لترامب وانخفاض طفيف لصعود هاريس في استطلاعات الرأي خلال هذا الاسبوع، مقارنة بالأسابيع الماضية خلال شهر أغسطس الماضي، وهو ما يعكس حقيقة استمرار التنافسية الشديدة بين كلا المرشحين، وعدم حسم أي منهما لنتائج استطلاعات الرأي لصالحه بشكل كبير بعيدًا عن هامش الخطأ في استطلاعات الرأي، وهو ما يجعل توقع نتائج هذه الانتخابات صعبة للغاية.
فوفقًا لمشروع ““538” التابع لوكالة “ABC” للأنباء، فإن احتمالية فوز هاريس أكثر من ترامب خلال الفترة الماضية من شهر سبتمبر الجاري، حيث يتوقع نسب فوز هاريس في المجمع الانتخابي بنحو 55%، في مقابل فوز ترامب بنحو 45 %، وذلك في تغير مقارنة بتوقعاته خلال شهر أغسطس حيث أشار إلي احتمالية فوز هاريس أكثر من ترامب، ولكن مع توقع نسب فوز هاريس في المجمع الانتخابي بنحو 59%، في مقابل فوز ترامب بنحو 41 %، وهو ما يوضح استمرار تفوق وصدارة هاريس علي ترامب في توقعات الفوز بأصوات المجمع الانتخابي، ولكن مع انخفاض نسب توقع فوز هاريس بنحو 4%، في مقابل ارتفاع حظوظ توقع فوز ترامب بنحو 4%، وهي نسبة متقاربة جدًا تعكس مدي التنافسية الشديدة بين المرشحين والتي قد تستمر في التقلب حتي يوم الانتخابات الفعلية، كما أنها قد تتغير خلال الفترة القادمة، وكذلك يوم اجراء الانتخابات الفعلية.
مدي التغير في توقعات الفوز خلال شهر أغسطس وسبتمبر في الولايات المتأرجحة:
تُعد الولايات المتأرجحة ولايات حاسمة في نتائج الانتخابات، حيث تتأرجح أصواتها بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في كل دورة انتخابية، لذا لها أهمية كبيرة في تعزيز فوز مرشح دون الأخر، وخلال هذه الانتخابات من المرجح أن تشهد سبع ولايات متأرجحة تنافسية كبيرة بين المرشحين المتنافسين، وهي ولايات: “بنسلفانيا، جورجيا، نورث كارولينا، ميشيغان، أريزونا، ويسكونسن، ونيفادا”، وتشهد استطلاعات الرأي لتوقعات فوز كل من ترامب وهاريس بهذه الولايات تقاربًا شديدًا كما يلي:
الولاية وعدد أصواتها بالمجمع الانتخابي | بنسلفانيا (19) | جورجيا (16) | نورث كارولينا (16) | ميشيغان (15) | أريزونا (11) | ويسكونسن (10) | نيفادا (6) |
توقعات نسب فوز هاريس خلال الاسبوع الأخير من شهر أغسطس | 58 | 50 | 47 | 62 | 52 | 63 | 55 |
توقعات نسب فوز هاريس خلال الأسبوع الأول من شهر سبتمبر | 52 | 46 | 47 | 58 | 47 | 60 | 52 |
توقعات نسبة فوز ترامب خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس | 44 | 50 | 53 | 38 | 48 | 37 | 45 |
توقعات نسبة فوز ترامب خلال الأسبوع الأول من شهر سبتمبر | 48 | 54 | 53 | 42 | 53 | 40 | 48 |
ووسط هذا التنافس الشديد للغاية والذي تشتد ضراوته في الولايات المتأرجحة، بين حملتي المرشحين المتنافسين، أشار مشروع “538” التابع لوكالة “ABC” للأنباء، لأفضلية حظوظ هاريس في عدد من الولايات المتأرجحة، مع انخفاض نسبة هذه الحظوظ مقارنة بنهاية شهر أغسطس، فيما تصاعدت حظوظ ترامب خلال الأول من سبتمبر مقارنة بنهاية شهر أغسطس، حيث يوضح الجدول السابق، تصاعد فرص ترامب في كل من ولاية “بنسلفانيا، جورجيا، ميشيغان، وأريزونا، ويسكونسن، ونيفادا”، خلال الفترة الأولي من شهر سبتمبر مقارنة بشهر أغسطس.
كما عكس استمرار احتمالية أفضلية هاريس في ولاية ” بنسلفانيا، ميشيغان، ويسكونسن، ونيفادا”، علي الرغم من انخفاضها مقارنة بشهر أغسطس، هذا إلي جانب انخفاض نسب توقع فوزها في ولايات ” جورجيا- والتي كانت متساوية مع ترامب في شهر اغسطس-، وأريزونا”، فيما كانت الأفضلية لترامب في ولاية نورث كارولينا وجورجيا، وأريزونا، ومع ذلك تظل هذه النسب متقاربة للغاية، وضمن هامش الخطأ في استطلاعات الرأي أيضًا، مما يصعب معه توقع حسم مرشح في أي من هذه الولايات المتأرجحة.
خلاصة القول؛ تعد هذه المناظرة مهمة في مسار سباق الانتخابات الأمريكية، إذ ستؤثر علي حظوظ كلا المرشحين المتنافسين في هذه الانتخابات، من خلال مدي قدرتهما علي استمالة الناخبين لاسيما المترددين منهم، وبشكل خاص في الولايات المتأرجحة، لكن علي الرغم من توقعات البعض بأن هذه المناظرة قد تحمل العديد من المفاجآت، وقد تنضوي علي مخاطرة كبيرة بالنسبة لكلا المرشحين اللذان يخوضان سباق تنافسي متقارب للغاية، وقد تؤدي لقلب ترامب للطاولة واستعادته للزخم الانتخابي، وكذلك فرصة جيدة لهاريس لترجيح كفتها، وتوسيع قاعدتها الانتخابية لاسيما في الولايات المتأرجحة، إلا أن هذه المناظرة لم تحمل آية مفاجأة ملموسة تؤثر بشكل كبير علي هذا السباق الانتخابي.
وبشكل عام يمكن القول، أن هذه المناظرة غلب عليها محاولة نيل كل مرشح من الطرف الأخر لتقليل حظوظه الانتخابية في كسب تأييد الناخبين، فيما لم يقدما أي جديد للناخب الأمريكي، وقاما بشرح ما قدماه سابقًا، فيما عدا تقديم هاريس لشرح أكثر بشأن خططها الاقتصادية لكنه غير كافي، وكذلك توضيح موقفها بشأن التنقيب عن النفط مما قد يعزز حظوظها في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة، كما لم يسدد أي من المرشحين لضربة قاضية مفاجئة، يمكن القول أنه استطاع بها النيل من غريمه بشكل واضح يعزز من حظوظه الانتخابية، فبدا كلا المرشحان ملتزمان بشكل كبير بنصائح مستشاري حملتهما الانتخابية.
كما يلاحظ افتقاد خطاب ترامب لإجابات مباشرة علي عدد من الأسئلة التي طُرحت عليه بالمناظرة بشأن كيفية انهائه للحرب الاسرائيلية علي قطاع غزة، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تحدث عن الماضي بأنه لو كان رئيسًا لما وقعت هذه الحروب، دون أن يقدم استراتيجية واضحة للناخب الأمريكي بهذا الشأن، كما لم يقدم رد وافي لكيفية تنفيذ خطته بترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي، مشككًا مرة أخري خلال كلمته الختامية في قدرة وكفاءة هاريس علي تنفيذ وعودها، لاسيما في الملف الاقتصادي، وعدم قدرتها علي مدار ثلاثة سنوات ونصف في إحداث أي تغيير ايجابي، محذرًا من مغبة انتخاب هاريس، وما قد يصحبه من نشوب حرب عالمية ثالثة، وانحسار للقوة الأمريكية، ووصفها بأنها أسوء نائبة رئيس وأسوء رئيس لأمريكا.
بالمقابل لم تقدم هاريس لإجابات وافية علي العديد من الاسئلة، ولم تشرح خططها بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة إعمار القطاع، وتحقيق حل الدولتين، وركزت علي إبراز نقاط ضعف ترامب، وجاءت كلمتها الختامية للتأكيد مرة أخري علي أنها تطرح رؤي للمستقبل فيما يركز ترامب علي الماضي، والتأكيد أن خططها تفهم طموحات الشعب وتنضوي علي بناء اقتصاد قوي مبني علي الفرص، وتعزيز قوة أمريكا عالميًا، وتقوية واحترام الجيش الأمريكي، وحماية الحريات.
وبشكل عام برغم من إعلان حملة ترامب الفوز بهذه المناظرة قبل انتهائها، ودعوة حملة هاريس الانتخابية لترامب لخوض مناظرة أخري، ورد ترامب بأن هذه الدعوة تعني خسارة هاريس، هذا بجانب إعلان شبكة CNN لاستطلاع رأي لمراقبي المناظرة كشف بأن نحو 44٪ قالوا أن هاريس تفهم بشكل أفضل المشكلات التي تواجههم، في مقابل حصول ترامب علي 40٪، بينما منح الناخبين المشاركين في الاستطلاع الأفضلية لترامب بفارق 20 نقطة عن هاريس في التعامل مع الاقتصاد، حيث حصلت هاريس علي نسبة 35% في مقابل حصول ترامب علي نسبة 55% من الاصوات المشاركة في الاستطلاع، إلا أنه من المبكر الإعلان عن الفائز في هذه المناظرة التي بدا كلا المتنافسين فيها متقاربين، لذا مازال السباق الانتخابي متأرجح، والمرشحان تقريبًا متقاربين أو متساويين في فرص الفوز وفق استطلاعات الرأي.
فيما لم تظهر النتائج الأولية للمناظرة إحداث فارق كبير لجذب الناخبين، على غرار المناظرة السابقة التي جمعت ترامب وبايدن، ومع ذلك في ظل التنافسية الشديدة بين المرشحين وتشكيل كل صوت لفارق في نتائج هذه الانتخابات، يمكن أن توضح استطلاعات الرأي القادمة بوضوح مدي تأثير هذه المناظرة علي تفضيلات الناخب الأمريكي، كما أن الفترة القادمة لحين إجراء الانتخابات قد تنضوي علي مفاجأة غير متوقعة وخاصة خلال شهر أكتوبر قد تعزز من فرص فوز مرشح دون الأخر.