
منجم إيقات: مصر على خريطة الذهب العالمية
خطوات حثيثة وجادة اتخذتها مصر في سبيل تطوير قطاعها التعديني ورفع مساهمته في الاقتصاد القومي، بداية من تطوير التشريعات ذات الصلة لجذب الاستثمارات، وذلك ضمن استراتيجية شاملة لتطوير القطاع بمختلف أنشطته من جانب، ومن جانب آخر، ضمن إطار استكمال الرؤية التنموية للدولة المصرية لبناء الجمهورية الجديدة في كافة قطاعات ومجالات الدولة، بهدف تحقيق أقصى استفادة من ثروات مصر التعدينية، والعمل على زيادة القيمة المضافة منها وزيادة مساهمة النشاط التعديني في الناتج المحلي الإجمالي، ضمن خطة تحويل مصر إلى مركز عالمي للتعدين.
جاء الاهتمام بقطاع الثروة المعدنية من خلال صياغة رؤية استراتيجية شاملة لتطوير هذا القطاع، بما يُسهم في استكشاف أهم مناطق الثروات المعدنية الكامنة في ربوع مصر، وبما ينعكس في الوقت ذاته على زيادة نسبة مساهمته في الناتج القومي الإجمالي والتي تقدر بحوالي 0.5%. وفي السياق ذاته، تنفذ مصر برنامجًا لتحديث قطاع التعدين وتطويره وذلك منذ عام 2014، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات لاستغلال ثرواتها الطبيعية وزيادة القيمة المضافة للخامات المعدنية الموجودة في باطن الأرض.
وبشكل عام، تمتلك أرض مصر الكثير من المعادن النفيسة التي يتم الكشف عنها باستمرار، آخرها إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية، بدء التشغيل التجريبي للكشف التجاري الجديد للذهب بالصحراء الشرقية، والذي يُعد نقطة تحول في قطاع التعدين وإنتاج الذهب في مصر خلال الوقت الحالي، حيث تعتبر خطوة من استعادة القطاع بريقه وقوته.
خريطة إنتاج الذهب في مصر
تحتضن مصر نحو حوالي 270 موقعًا لإنتاج الذهب، بينها حوالي 120 موقعًا ومنجمًا معروفين تم استخراج الذهب منهم قديمًا، وتتوزع إلى 4 قطاعات، ويتم استخراج الذهب بطريقتين، التقليدية الأولى وهي حفر المناجم وتفتيت الصخور اللماعة، والطريقة الثانية وهي الحديثة ويتم خلالها عمل دراسات جيولوجية لمناطق تواجد الذهب في طبقات الأرض الداخلية، وباستخدام آلات ضخمة وكبيرة تقوم بعمل حفر عميقة في هذه المناطق، ويتم استخراج معدن الذهب بشكله الخام مع الصخور والمعادن الأخرى التي تلتصق فيها، ثم تبدأ عملية تنقيته من الشوائب والمعادن الأخرى الموجودة معه. والجدير بالذكر أن إنتاج الذهب يتركز بمصر في 3 مواقع بالصحراء الشرقية هي جبل السكري، ومنطقة حمش، ووادي العلاقي.
واستكمالًا لما سبق، تنتج مصر -أيضًا- الذهب تجاريًا من منجمين رئيسين، منجم السكري الذي يعد أكبر منتج للمعدن الأصفر في مصر حاليًا، ومنجم حمش، وهو منجم فرعوني قديم يقع في الصحراء الشرقية وتديره شركة حمش مصر لمناجم الذهب. والجدير بالذكر أن إنتاج منجم السكري بلغ منذ بداية العمل فيه في عام 2009 وحتى نهاية فبراير الماضي من العام الجاري حوالي 5.2 ملايين أوقية، بالإضافة إلى حجم إيرادات كبير تجاوز حوالي 7.5 مليارات دولار وذلك منذ بدء الإنتاج في عام 2009. وهنا يجب الإشارة إلى نجاح منجم السكري خلال العامين الماضيين في إضافة نحو حوالي مليوني أوقية للاحتياطي المعدني، مع استهداف إنتاج ما بين حوالي 450 و480 ألف أوقية خلال العام الجاري، حيث شهد منجم السكري خلال السنوات الأخيرة تنفيذ استكشاف جيوفيزيقي باستعمال تقنيات حديثة لأول مرة في مصر، بالتعاون مع شركة خدمات البترول الجوية، كما هو موضح في الشكل التالي.

وفي السياق ذاته، بدأت مصر تجارب تشغيل الإنتاج التجاري لمعدن الذهب في يوم 21 مارس الجاري، من موقع إيقات في جنوب مصر، وذلك ضمن خطة طموحة لبدء الإنتاج المبكر، حيث توصلت مصر إلى كشف تجاري للذهب في منطقة إيقات الواقعة في الصحراء الشرقية، في 30 يونيو عام 2020 حيث قدرت احتياطي منجم إيقات بنحو حوالي 1.2 مليون أوقية ذهب تقريبًا، بالإضافة إلى أنه يتميز بنسبة استخلاص 95%، والتي تُعد من أعلى النسب على مستوى العالم. ومن المتوقع أن تتجاوز حجم استثمارات كشف إيقات على مدار السنوات العشر المقبلة حاجز المليار دولار.
الجدير بالذكر أن منجم إيقات يعد استثمارًا مصريًا خالصًا، ويقع في منطقة امتياز شركة شلاتين المصرية، التي تُسهم فيها كل من الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية وبنك الاستثمار القومي والشركة المصرية للثروات التعدينية. وهنا يجب الإشارة إلى أنه تم تأسيس شركة إيقات لمناجم الذهب لتكون المسؤولة عن تنمية منجم إيقات، حيث عقدت أول جمعية عمومية للشركة في نوفمبر من عام 2021، وبذلك تكون إيقات ثالث شركة في مصر تستخرج الذهب والمعادن المصاحبة، بعد شركتي السكري لمناجم الذهب وحمش مصر لمناجم الذهب كما هو موضح في الشكل التالي.

واستكمالًا لما سبق، مع بدء تجارب تشغيل الإنتاج التجاري، أصبح منجم إيقات ثالث موقع في مصر لاستخراج الذهب والمعادن المصاحبة، حيث تبدأ عملية إنتاج الذهب في إيقات بعد الحفر، بنقل الصخور بالشاحنات من جبل إيقات إلى وحدة التكسير وطحنها ووضعها في الأحواض الخاصة بالاستخلاص، تمهيدًا لعملية الصهر والاستخلاص وإنتاج السبائك. وفي الوقت الراهن، ينتج المنجم سبائك مبدئية يُجرى دمغها من خلال مصلحة الدمغة والموازين بالعيار المناسب لنوعيتها، وبالتوازي تشهد منطقة امتياز إيقات في الوقت الراهن تنفيذ أعمال البحث والاستكشاف في مناجم أخرى لزيادة الاحتياطي والإنتاج.
توقعات وانعكاسات مختلفة على الاقتصاد المصري
تاريخيًا، لم تكن شركات التعدين العالمية مهتمة بالعمل في مجال الذهب المصري قبل عام ،2014 وذلك نظرًا لأن الإطار التشريعي للعمل في مجال التعدين لم يكن مشجعًا بل طاردًا، ولذلك تم تعديل القانون في عام 2019 لكي يتماشى مع صناعة وإنتاج الذهب، وبناءً على ذلك تم الترويج لصناعة التعدين في مصر مع طرح مزايدات، حيث كثفت مصر خلال السنوات الأخيرة مزايدات البحث والتنقيب عن الذهب، وتستهدف استثمارات أجنبية مباشرة بحوالي أكثر من 375 مليون دولار في قطاع التعدين خلال عامين، وسط توقعات بزيادة الاستثمارات المباشرة لتبلغ حوالي مليار دولار بحلول عام 2030، وهي الخطوة التي ساهمت بقوة في جذب العديد من الشركات العالمية.
لذلك تسعى مصر في الوقت الراهن إلى زيادة حجم الإنتاج المحلي من مناجم الذهب، فضلًا عن طرح مناقصات عالمية للتنقيب عن الذهب، ويأتي ذلك مع طرح مصر مزايدات عالمية للبحث عن المعادن ومنها الذهب منذ عام 2020، في إطار تحديث قطاع التعدين واستهدافها رفع مساهمة القطاع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2020 فازت 11 شركة في مزايدة طرحتها مصر بـ82 قطاعًا على مساحة 14 ألف كيلومتر مربع بالصحراء الشرقية باستثمارات حدها الأدنى 60 مليون دولار.
وبعد الاكتشافات الأخيرة الواعدة وآخرها كشف منطقة إيقات، والتي تبشر بنتائج إيجابية تزيد من إنتاج مصر من الذهب، مما كان لها من انعكاسات مباشرة علي احتياطي مصر الاستراتيجي من الذهب الذي ارتفع بنحو حوالي 44.6 طنًا، ليصل إلى حوالي 125.5 طنًا وذلك في العام الماضي، بعد أن كان حوالي 75 طنًا، حيث إنه هناك من 7 إلى 8 مناطق في مصر غنية بالذهب منها المثلث الذهبي والسكري وحمش، ووفقًا لأرقام مجلس الذهب العالمي، احتلت مصر المركز الثالث من حيث نمو احتياطيات الذهب بمعدل حوالي 44.6 % على أساس سنوي، لتأتي بعد كل من تركيا والصين، وتأتي بعدها كل من قطر والعراق وأوزباكستان بمعدلات نمو بلغت 35 % و33.9 % و33.9 % على الترتيب كما هو موضح في الشكل التالي.

والجدير بالذكر، أن مصر تحتل المرتبة رقم 33 عالميًا من حيث امتلاك احتياطيات ذهب برصيد حوالي 125.5 طنًا، كذلك تحتل المرتبة الثانية أفريقيًا بعد الجزائر التي تملك173.6 طنًا، وذلك وفق آخر تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، أما عالميًا فتنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بصادرة ذلك المؤشر برصيد حوالي 8134 طنًا تليها ألمانيا برصيد 3355 طنًا، ثم صندوق النقد الدولي برصيد 2814 طنا، ثم بعد ذلك يأتي كل من إيطاليا وفرنسا وروسيا والصين على التوالي، ليسجلوا احتياطي يتجاوز الألفي طنًا لكل منهم بالإضافة إلى احتلال مصر للمرتبة الخامسة عربيًا كما هو موضح في الشكل التالي.

وعليه يمكن القول، إن اكتشاف منجم إيقات يفسح المجال أمام آفاق جديدة للدولة المصرية، حيث تسعى إلى تطوير قطاع التعدين المصري الذي بات أداة جيدة لدعم الاقتصاد أمام التغيرات العالمية الراهنة، وبالتالي أصبح تعزيز نمو احتياطي مصر من الذهب توجهًا استراتيجيًا للدولة من شأنه دعم العملة المحلية وذلك مقابل التقلبات الاقتصادية الراهنة، كذلك فإن نمو احتياطي الذهب يُمثل حائط الصد للاقتصاد المصري الذي تسعى الدولة المصرية إلى التحوط به. ولذلك فإن استغلال مصر لجميع المناجم بها ستصبح من أكبر الدول المنتجة للذهب خلال السنوات المقبلة، فاحتياطي منجم السكرى وحده يبلغ حوالي 41 مليون أوقية أي تقريبا 462 طنًا بما يعادل 12 طنًا في السنة أي طن ذهب في الشهر، بالإضافة إلى تميز الذهب المستخرج من المناجم المصرية بدرجة نقاوة وليس بالحاجة إلى سفره للخارج لتنقيته، لأنه يخرج في حالته العضوية الأصلية.
واستكمالًا لما سبق، أعلنت مصر عن إنشاء مدينة الذهب والتعدين العالمية، وهي مدينة ستقام في منطقة قناة السويس تضم في مرحلتها الأولى 500 ورشة ومصنع مصغر إضافة إلى مصفاة للذهب، وأكاديمية للتدريب على كافة الصناعات المتعلقة بالذهب والمعادن الأخرى، تحت إشراف الاتحاد العام للصناعات الإيطالية.
أبرز مناجم الذهب في مصر
يعتبر الذهب من أفخم أنواع المعادن، وتُعد الصحراء الشرقية المنطقة الرئيسة لاستخراجه، وكذلك توجد مناجم في جنوب سيناء وأسوان، حيث يتركز إنتاج الذهب بمصر في 3 مواقع بالصحراء الشرقية هي جبل السكري، ومنطقة حمش، ووادي العلاقي، ولذلك تعد المناجم التالية الأشهر في مصر ومنها:
- منجم السكري: منجم ذهب ضخم يقع في منطقة جبل السكري بالصحراء الشرقية على مسافة 30 كيلو متر جنوبي مرسى علم، تم اكتشافه عام 1995، وبدأ العمل به عام 2009، ويُعد من أكبر 10 مناجم في العالم من حيث الاحتياطي والإنتاج، وهنا يجب الإشارة إلى أن إيرادات منجم السكري للذهب في مصر تجاوزت حوالي 7.5 مليارات دولار وذلك منذ بدء الإنتاج في عام 2009 حتى نهاية شهر فبراير الماضي من العام الجاري، حيث بلغ إنتاج منجم السكرى حوالي 5.2 مليون أوقية منذ بدء الإنتاج.
- منجم حمش: يقع على بعد 100 كم غرب مدينة مرسى علم بالصحراء الشرقية قرب محمية وادي الجمال حماطة، وتم إنتاج أول سبيكة ذهبية تجريبية لأول مرة في مصر من المنجم في عام 2007.
- منجم وادي العلاقي: يوجد على بعد 250 كيلو متر جنوب شرق مدينة أسوان في جنوب مصر، وكانت نتائج الاستكشاف مُثمرة في مناطق سيجا وأم شاشوبة وحايمور، إذ تم اكتشاف الذهب بكميات اقتصادية وبمعدلات تركيز مرتفعة تتراوح من 2 إلى 4 جرامات في الطن.
- منجم عتود: يقع غرب مرسى علم بنحو 55 كم وجنوب طريق إدفوـ مرسى علم 5 كم، ويوجد الذهب في عروق مرو حاملة للذهب تنتشر في منطقة نحو 9 كيلومتر مربع محصورة في صخور الجابرو المكونة لجبل عتود، ويشمل احتياطي الذهب المؤكد بحجم حوالي 8595 طنًا بمتوسط نسبة ذهب حوالي 12.68 جم في الطن.
- منجم البرامية: يقع عند الكيلو 105 شرق مدينة إدفو ويخترقها طريق إدفو مرسى علم ويوجد معدن الذهب في عروق المرو، ويعتبر واحدًا من أكبر وأغنى مناجم الذهب في مصر، وتقدير الاحتياطي يقع في 3 نطاقات، الأول يحتوي على 14.8 مليون طن خام بنسبة ذهب 1.07 جم في الطن ويحتوي على كمية من الذهب 16 طنًا، والثاني يحتوي على 1.22 مليون طن خام بنسبة ذهب 2.85 جم للطن، ويحتوي على كمية ذهب 3.5 طن، والثالث يحتوي على 0.5 مليون طن خام بنسبة ذهب 3.00 جم في الطن، ويحتوي على كمية ذهب 1.5 طن.
- منجم أبو مروات: يقع في جنوب طريق سفاجا قنا قرب جبل أبو مروات، وشمال شرق وادي أبو مروات أحد فروع وادي سمنة، يوجد به معدن الذهب والفضة مصاحبا لمعدن من الزنك والرصاص والنحاس بحجم احتياطي 290 ألف طن بنسبة ذهب تتراوح ما بين 3.8-7.7 جم في الطن وفضة تتراوح ما بين 43.3 – 102 جم في الطن.
- منجم أم عود: يقع عند الكيلو 55 جنوب غرب مدينة مرسى علم، 6 كم إلى الغرب من الصباحية، ويوجد الذهب في عروق الكوارتز الأبيض الرمادي ويمثل حجم الاحتياطي 15600 طن، ونسبة الذهب 22.7 جم في الطن.
- منطقة حلايب وشلاتين: تحتوي منطقة حلايب وشلاتين على صخور مليئة بالذهب، ففيها جبل الأنبط الذي استخرج سكان القبائل 7 كجم منه في صورة عرق ذهب، وعرق آخر يزن 6 كجم من منطقة أخرى من الجبل ذاته.
- المثلث الذهبي: يوجد في منطقة المثلث الذهبي التي تقع بمحافظة البحر الأحمر بين سفاجا والقصير 94 موقعًا للذهب.
ختامًا، لعبت الثروات التعدينية دورًا مهمًا في تطور البشرية وبالأخص الذهب، حيث يحتل في الظروف الراهنة مكانة مهمة في الاقتصاديات المحلية، وفي العلاقات الاقتصادية الدولية، حيث طرأ على وضعيته تغيرات أساسية، ويعيش الآن مرحلة مهمة من مراحل تحوله التاريخي، وعليه يمكن القول بأن مصر تقوم في الآونة الأخيرة بزيادة تعظيم الاستفادة من مواردها الطبيعية، والاهتمام بملف التنمية في جميع ما تملكه مصر من هبات طبيعية لم تستخدم وظلت مشروعاتها حبيسة الأدراج فترات طويلة دون اهتمام أو تخطيط، لتتسابق الآن مع الزمن لتعويض تلك الملفات مع ما تستحقه من اهتمام، لما سوف يكون عليه وضع الاقتصاد بشكل عام من أفضلية.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة



