
تحت شعار “الابتكار والتغيير التكنولوجي.. من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين” العالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة
تمثل الفجوة الرقمية بين الجنسين فرصًا اقتصادية وتمكينية ضائعة، فعدم تمكين المرأة من الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل مناسب يحرمها من فرص عدة مثل تأسيس الشركات، والنفاذ إلى الأسواق، أو العثور على فرص وظيفية أفضل، أو حتى مجرد الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية والمالية. وعلى النقيض حيث يؤدي إشراك المرأة في التكنولوجيا إلى تلبية احتياجات المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، لذلك يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة في عام 2023 تحت شعار “الابتكار والتغيير التكنولوجي والتعليم في العالم الرقمي.. من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات”، وفيما يلي نستعرض أهم المؤشرات الخاصة بتمكين النساء تكنولوجيًا عالميًا ومحليًا، وجهود الدولة المصرية في سد الفجوة الرقمية بين الجنسين من اجل تحقيق التنمية المستدامة.
حقائق عالمية
أشار تقرير صادر لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إلى أن 63% من النساء استخدمن الإنترنت في عام 2022 مقارنة بـ 69% من الرجال، وأن هناك حوالي 37% من النساء لا يستخدمن الانترنت، وأضاف التقرير أنه بحلول عام 2050، ستكون 75٪ من الوظائف مرتبطة بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وهو ما يتنافى مع النسبة القائمة لمشاركة المرأة في وظائف مجال الذكاء الاصطناعي والتي لا تتعدى 22%، والتي تدعو إلى بذل المزيد من الجهد لتمكين النساء في تلك المجالات.
وتظهر فجوة مماثلة في استخدام الهواتف النقالة، فقد ذكر تقرير للبنك الدولي صادر عام 2020، بعنوان “توفير التكنولوجيات الرقمية على نحو منصف”، بأن النساء في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل اللاتي يمتلكن هواتف محمولة أقل بنسبة 8% من الرجال، ويقل عدد النساء اللاتي يستخدمن خدمة الإنترنت من خلال الهاتف المحمول عن الرجال بواقع 300 مليون، مما يمثل فجوة بين الجنسين تبلغ 20%. وحتى إن امتلكت النساء الهواتف النقالة فنسبة استخدامهن لهذه الهواتف للاستفادة من الخدمات، خاصة المالية، منخفضة جدًّا مقارنة بالذكور.
المساواة الرقمية والمواثيق الدولية
برزت فكرة تعزيز المساواة الرقمية بين الجنسين، في الخطط الإنمائية العالمية بداية مع منهاج العمل الذي تبناه المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي انعقد في بكين عام 1995، والذي يقضي بأن حقوق المرأة الإنسانية لا يمكن فصلها عن حقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك تحقيق المساواة بين الجنسين، وكان من أهم أهداف منهاج بكين الاستراتيجية؛ توفير الخدمات التي تتيح للمرأة استخدام الإنترنت والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات، حتى يتسنى لها فرص التدريب وتطوير الذات وفتح أسواق جديدة تخدم المرأة بصفة عامة، والمرأة منخفضة الدخل بصفة خاصة، وفي القمة العالمية لمجتمع المعلومات “WSIS 2003” تم التأكيد على أن تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يوفر فرصًا هائلة للنساء، كجزء لا يتجزأ من مجتمع المعلومات.
وتوالى الحديث عن المساواة الرقمية بين الجنسين من أجل مجتمع معلومات شامل قائم على المساواة، حتى تم إدماج منظور النوع الاجتماعي في جميع الأهداف الـسبعة عشر الخاصة بخطة التنمية المستدامة 2030، والتي دشنتها الأمم المتحدة عام 2015، وكذلك أضيف للخطة هدفًا مخصصًا لتحقيق المساواة الرقمية بين الجنسين في الوصول إلى خدمات الإنترنت والاتصالات، فهل تحققت المساواة الرقمية فعلًا؟
النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات
الفجوة الرقمية بين الجنسين حقيقة مؤكدة، ولكن هذه الفجوة تضيق تدريجيًا، بسبب زيادة التحاق النساء بالدراسة والعمل في مجالات ذات صلة بتكنولوجيات المعلومات، حيث تتزايد نسب النساء الملتحقات بالدراسة في مجالات علوم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الصعيد العالمي والعربي تدريجيًا، فبحسب البنك الدولي لعام 2016 شكلت النساء 59% من المسجلين للدراسة في اختصاص علوم الكمبيوتر في العالم العربي.
وعلى النطاق المحلي وفي المجالات الخاصة بدراسة تكنولوجيا المعلومات في الجامعات المصرية، فقد لاقت هي الأخرى إقبالًا مرتفعًا نسبيًا للنساء، حيث تراوحت نسب النساء الملتحقات بكليات الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات ما بين 45% عام 2015 و40% لعام 2017، ويمكن ملاحظة تزايد أعداد الملتحقات بالدراسة كل عام، إلا أنه لا يزال ضعيفًا مقارنة بأعداد الذكور التي تتضاعف عامًا تلو آخر.

أعداد الخريجين من كليات الحاسب الآلي الحكومية والخاصة “الاناث مقابل الذكور” الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
أما فيما يخص شغل النساء لوظائف تكنولوجيا المعلومات، فحسب تقرير متابعة أنشطة الوزارات لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 الصادر عن المجلس القومي للمرأة، فقد شغلت النساء المناصب القيادية بالإدارة العامة لتكنولوجيا الحاسب الآلي بنسبة 54.79%، وبلغت نسبة المناصب القيادية بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 17.24%.
ومن المرجح ازدياد وتيرة شغل النساء للمناصب القيادية في مجال تكنولوجيا المعلومات، في ظل الجهود التي تبذلها الدولة المصرية في سد الفجوة الرقمية، وترسيخ مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في الحصول على وظائف أكثر موائمة لاحتياجات المرأة، وتتمثل أبرز تلك الجهود كالآتي:
- إطلاق الدولة المصرية “الاستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات”، وتمثلت أهم أهدافها في سد الانقسام الرقمي بين الجنسين.
- توافق رؤية “الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030″، حول استخدام التكنولوجيا التمكينية وبخاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من أجل تعزيز تمكين المرأة المصرية.
- إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة “قادة التكنولوجيا القادمون” “NTL”، والتي تهدف إلى بناء قدرات الكوادر الشابة تكنولوجيًا، وبلغت نسبة مشاركة النساء في تلك المبادرة حوالي 35%.
- تزايد أعداد القيادات النسائية في قطاع التكنولوجيا بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية.
- إطلاق برنامج “ريادة الأعمال النسائية”، وهو برنامج يدعم رائدات الأعمال المبتدئات اللاتي يعملن في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- إطلاق برنامج “طور وغير”، وهو برنامج شراكة بين شركة مايكروسوفت ووزارة الشباب والرياضة ويهدف إلى سد فجوة المهارات في سوق العمل من خلال تمكين الشباب والفتيات، وبلغت مشاركة الإناث في البرنامج حوالي 53%، مع ضمان حصول 20% منهن على فرصة عمل مناسبة بعد انتهاء البرنامج.
- توسع جهاز تنمية المشروعات في برامج إتاحة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للنساء لمحو الأمية الرقمية ودمجهن في برامج التدريب المهني.
- إطلاق وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، العديد من المبادرات كمبادرة “قدوة” للتمكين التكنولوجي للمرأة، بالشراكة مع “المجلس القومي للمرأة – هيئة البريد المصري- جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة – وزارة الشباب والرياضة”.
- تهيئة وإطلاق بوابة التدريب عن بعد www.training.qodwatch.com لتدريب وتوعية أكثر من 2000 مستفيدة خلال عام 2020.
- تنظيم وزارة الثقافة 62 دورة تدريبية لمحو الأمية الرقمية للعاملات بمختلف قطاعات الوزارة.
- صدور العديد من التشريعات التي تتيح نفاذًا آمن للسيدات في الفضاء الإلكتروني، أهمها قانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
إدماج المرأة رقميًّا يُعزز التنمية
تعزز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من مشاركة المرأة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. فعلى الصعيد الاجتماعي، تلعب شبكات التواصل دورًا مهمًا في تمكين المرأة وإعطائها مساحة أكبر للتعبير، تقوم من خلالها بالتصدي للقوانين والأعراف المقيدة لها، وجذب اهتمام الرأي العام لمشاكلها، وظهر هذا بوضوح في حملة #لها_حق_القيادة التي أطلقتها النساء في المملكة العربية السعودية، ليحصلن بعد الحملة على هذا الحق
كذلك استخدمت النساء تكنولوجيا المعلومات، لتعقب ورصد الممارسات الضارة بهن والحد منها كالعنف المنزلي والتحرش والعنف في أماكن العمل، مثل حركة #ME TOO التي دشنتها النساء وكان هدفها الأول هو إدخال تغييرات على القوانين والسياسات الخاصة بالتحرش. كما تساعد التكنولوجيا في التوعية والإبلاغ عن حالات العنف والتحرش وتسهيل التواصل بين الضحايا والمنظمات غير الحكومية المتخصصة مثل تطبيق “خريطة التحرش” Harassmap وStreetpal في مصر.
ويتيح التقدم التكنولوجي تنامي الاقتصاد الرقمي للسيدات، وإنشاء أسواق جديدة وأشكال مختلفة من العمل، ويقدم لهن فرصًا مهمة للانخراط في أنشطة مُدرة للدخل، تزيد من فرصها في الحصول على موارد مالية ومعلومات لتحسين إنتاجيتها. كذلك تسهم التكنولوجيا في إتاحة الخدمات المالية كالتحويلات والمدفوعات الرقمية والأموال المتنقلة، الأمر الذي يزيد من قدرة المرأة على التحكم في أموالها والحفاظ على استقلاليتها.
وتستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحقيق مكاسب سياسية والوصول إلى مواقع قيادية، حيث استخدمتها النساء المرشحات للانتخابات في الأردن عام 2013، في الوصول إلى الناخبين إلكترونيًّا من خلال الرسائل النصية، وأسفر استخدامهن لتلك التقنية عن ارتفاع نسبة الفائزات منهن إلى 36% بعد أن كانت 28% في الانتخابات السابقة.
وفي هذا السياق، فإنه من الضروري مساعدة المرأة في الانخراط بالاقتصاد الرقمي، لكونه أكثر مرونة ويناسب طبيعة الأدوار المتعددة التي تقوم بها المرأة، وذلك من خلال:
- الاستثمار المبكر في النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والحفاظ على مواهبهن باتخاذ تدابير تضمن المساواة في الحقوق (المساواة في الأجر والحصول على التدريب الفني، وغيرها من الحقوق).
- جمع بيانات مصنفة حسب نوع الجنس عن العاملات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، للاسترشاد بها في تقييم الجهود المبذولة للتمكين.
- إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السياسات والاستراتيجيات والخطط الوطنية لتمكين المرأة.
- اعتماد التشريعات والعمليات التنظيمية اللازمة لتنظيم العمل المرن والأعمال الرقمية، لحماية المرأة من عمليات النصب والابتزاز.
- تسليح النساء بالمهارات الملائمة، من خلال إتاحة التدريب في مجالات التسويق عبر الإنترنت والإعلانات وأسس البيع الرقمي، وتعريفها بطرق الدفع المختلفة على الإنترنت لحمايتها من أعمال النصب والخسارة.
- تقديم الدعم إلى رائدات الأعمال وتعزيز مشاركتهن في الابتكار.
أخيرًا، يمكن القول إن تقليص الفجوة الرقمية سوف ينعكس بالضرورة على تقليص الفجوة الفعلية بين الجنسين، حيث تعتبر مساهمة النساء اقتصاديًّا أحد المجالات المهمة في تقليص الفجوة الفعلية، ويمكن تحقيقها بسهولة رقميًا عن طريق الوصول إلى المعلومات واكتساب المهارات التي تؤهلها لفتح أسواق جديدة لها، والحصول على الإدماج المالي والراتب دون الحاجة إلى الحضور والإثبات في القوى العاملة.
باحثة ببرنامج السياسات العامة