
أجندة الرئيس السيسي في واشنطن وملفي الأمن والتنمية
منذ تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي 2019، كان شعار “الأمن والتنمية” ذا أهمية كبيرة على اعتبار أنه لا بديل عن التنمية لدعم الاستقرار، بجانب دور الأمن في جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما انعكس على نشاط الرئيس السيسي في اليوم الثاني له في واشنطن خلال مشاركته في أعمال القمة الأمريكية – الأفريقية. وفرضت هذه الرؤية نفسها على التوجهات الدولية من خلال إيجاد ربط تكاملي ومصالح مشتركة بين الرؤية المصرية لأفريقيا، والاستراتيجية الأمريكية للقارة عبر الاعتماد على القوى المؤثرة والاستثمار في إيجاد شركاء أقوياء في القارة تمكنها من الحضور بشكل أكثر فاعلية في العديد من قضايا “التنمية والأمن”، وهو ما سيتضح من خلال هدفين فرعيين لتحقيق هذه الرؤية العامة يتمثلا في “التنمية عبر الاستثمار في البنية التحتية، وتحقيق الاستقرار عبر الدعم العسكري والحلول السياسية لقضايا الإقليم الأفريقي والشرق الأوسط”.
التنمية عبر الاستثمار في البنية التحتية
الحاجة الأفريقية: حدد البنك الدولي ضعف البنية التحتية الأفريقية كعائق يحد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال ضعف شبكة الطرق ونقص الصيانة الدورية، فيعيش نحو ثلث سكان الريف في نطاق كيلومترين فقط من الطرق الصالحة لكل الأجواء، وهي الأقل نسبة في البلدان النامية كلها، ويصل متوسط الاستثمارات الرأسمالية في قطاع الطرق إلى نحو 4.6 مليار دولار في السنة، بإجمالي يصل إلى 78 مليار دولار حتى عام 2030، وتحتاج الاستدامة في تطور البنية التحتية لدراسات قادرة على مواجهة التغيرات المناخية وتداعياتها، والطاقة النظيفة والاتصالات والتكنولوجيا والابتكارات المالية المتطورة.
تراجع الاستثمارات: حدد التقرير السنوي لاتحاد البنية التحتية في أفريقيا اتجاهات تمويل البنية التحتية في أفريقيا الصادر في 14 ديسمبر 2022، عوامل انخفاض إجمالي التزامات تمويل البنية التحتية في إفريقيا البالغة عام 2020 نحو 81 مليار دولار أمريكي بأقل 4 مليارات دولار أمريكي عن عام 2019، بسبب تأثير جائحة كورونا وخفض التمويل الصيني، وتوسع الفجوة بين الاستثمارات السنوية اللازمة لتوفير خدمات البنية التحتية الأساسية ومبالغ التمويل المخصصة لها بعجز يتراوح بين 53 و93 مليار دولار ، في كافة القطاعات باستثناء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خلال عام 2019/2020.
الإنفاق الأفريقي: فأشار التقرير السابق إلى تزايد استثمار الحكومات الأفريقية في تمويل البنية التحتية في عامي 2019 و2020، بتخصيص نحو 41% من إجمالي استثماراتها، واستحوذ قطاع النقل على الحصة الأكبر، وانخفضت في قطاع الطاقة إلى 29٪ في 2020، فيما زاد الالتزام الحكومي في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستحوذ القطاع الخاص على الثلث نسبة التمويل في عام 2020.
الدور المصري في أفريقيا: أخذ الرئيس السيسي على عاتقه منذ توليه رئاسة البلاد ملف البنية التحتية ومشروعات الربط الكهربي والنقل الأفريقي البري والبحري، لربط القارة الأفريقية وزيادة التبادل التجاري من خلال التكامل والبناء والتنمية من خلال شعار “الأمن والتنمية” وتطوير البنية التحتية لتحسين حياة الأفراد، وجذب الاستثمارات، والتحول للطاقة النظيفة المستدامة كبديل عن الطاقة الأحفورية وتوفير حياة جيدة عبر عدة مشاريع مثل “مشروع الربط الكهربائي مع السودان لربط القارة مع أوروبا، وانشاء محطات شمسية في الصومال وجيبوتي، ومشروع النقل الملاحي اسكندرية- فيكتوريا، وطريق القاهرة كيب تاون أو طريق أفريقيا السريع الذي يربط دول أفريقيا والصحراء الكبرى”.
وترأس مصر الآن مفوضية البنية التحتية التابعة للاتحاد الأفريقي برئاسة دكتورة أماني أبو زيد، والتي أخذت على عاتقها توفير التمويل لتلبية احتياجات البنية التحتية في ظل التغيرات المناخية، والتي أوضحت على هامش قمة المناخ أن نسبة الطاقة المتجددة في القارة الأفريقية تزيد على 40% وهي النسبة الأعلى عالميًا، ووضعت في الأجندة الأفريقية للبنية التحتية من (2021-2023) أولوية لبرنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا، وهيكل الحوكمة لسوق الكهرباء الأفريقية الموحدة، وتنفيذ خطة العمل الطارئة لمواجهة جائحة كوفيد-19، من أجل الصمود والتعافي.
وكان لانخفاض النشاط الاقتصادي بسبب الوباء وتراجع الصادرات تأثير سلبي على أعباء ديون العديد من البلدان الأفريقية، فكانت قضية البنية التحتية الأفريقية من خلال مناقشة الاحتياجات والدوافع حاضرة على طاولة لقاء الرئيس السيسي ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونقل الخبرات الدولية للقارة الأفريقية على هامش أعمال القمة الأفريقية الأمريكية، من خلال مشروع دولي ضخم.
توافق الأجندة الأمريكية في ملف البنية التحتية: توافقت الرؤى المصرية مع خطاب بايدن اليوم خلال أعمال القمة الذي ركز بشكل كامل على ملف البنية التحتية، من خلال جعل مصر بوابة الربط بين القارة الأوروبية وأفريقيا، وذلك في ضوء تراجع الدور الصيني كما سبق وأوضحنا، والرؤية الأمريكية من خلال الاتهام الأمريكي الدائم للاستثمار الصيني في البنية التحتية الأفريقية بأنها “استراتيجية للديون” لكن دوائر الثقة الأمريكية أدركت مؤخرًا أن البنية التحتية تسهم في بناء حالة من الانتماء الداخلي لدى الشعوب نتيجة أنها تمس الحياة المباشرة للشعب الأفريقي.
وهو ما ظهر في الخطوات الفعلية التي اتخذتها الولايات المتحدة، كما جاء في كلمة بايدن، وتمثلت في “توقيع مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة واتفاقية التجارة الحرة، والذي وصل حجم السوق بها إلى 3,4 تريليونات دولار، وهو الأمر الذي لن يتم إلا بتحسين مشروعات النقل والربط من خلال الاستثمار في الاقتصاد الحضري في افريقيا عبر الاستثمار في البنية التحتية لتشجيع التجارة البينية والاستثمار، وتوقيع مؤسسة التحدي الألفي أول اتفاق للنقل الاقليمي بين النيجر وبنين لتسهيل التجارة بين البلدين والبلاد المحيطة بها.
إلى جانب تقديم ملياري ونصف مليار دولار خلال الثلاث سنوات القادمة لتحسين الوصول للطاقة النظيفة والمتجددة، والتعاون مع مجموعة السبع لدعم الاقتصاد الأفريقي باستثمار 600 بليون دولار، تتضمن اتفاقيات بقيمة 8 بليون دولار في الاستثمار في توليد الكهرباء، و2 مليار لبناء مشاريع الطاقة في أنجولا، وإنشاء “كابل” يربط جنوب شرق آسيا وأوروبا عبر مصر والقرن الأفريقي بقيمة 500 مليار دولار، بجانب إنفاق نحو370 مليون في مشروعات جديدة لتحسين نظم حياة المزارعين.
وفي مجال الاتصالات والتحول الرقمي، فهناك شراكة بين شركتي “فيزا، مايكروسوفت” لتقديم الخدمات عبر الإنترنت إلى 5 مليون أفريقي، مع توقع وصولها إلى 100 مليون عام 2050، وهو ما سيسهم في أعمال التجارة الإلكترونية وريادة الأعمال ودمج الشباب والمرأة الأفريقية في عملية التنمية، إلى جانب توفير سوق أفريقي قوي قادر على التعامل ويمكن الوصول إليه.
الوساطة وتحقيق الأمن والاستقرار الأفريقي
الدعم العسكري: تنبع الرؤية الأمريكية والتي ظهرت في لقاء الرئيس السيسي وأعضاء الكونجرس الأمريكي بالأمس أنه لدعم الاستقرار في المنطقة يجب الحفاظ على الاستقرار المصري للحفاظ على الأمن القومي الأمريكي في المنطقة، وهو ما ظهر في لقاء الرئيس السيسي مع وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، وذلك بمقر البنتاجون في واشنطن، بالتأكيد على الدور المصري في مختلف قضايا حفظ الاستقرار على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم أجمع، وهو الدور الذي تعول عليه الولايات المتحدة وتدعم قدراته، وأعرب الرئيس السيسي في كلمته المكتوبة بالبنتاجون على التطلع لتمثل هذه الزيارة لمزيد وتعاطي “جديد” لطرق توثيق الروابط بين البلدين.
القضية الليبية: تأكيد الرئيس السيسي ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن على ضرورة الالتزام الأمريكي لتعزيز أطر التعاون ودعم جهود مصر الحثيثة في السعى نحو تحقيق الامن والاستقرار والتنمية فى المنطقة، وتعد القضية الليبية على رأس اهتمامات القيادة المصرية من خلال العديد من المبادرات للوصول إلى الانتخابات ودعم الدولة الوطنية الليبية، وهو ما ظهر كذلك في لقاء الرئيس السيسى ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفى، على هامش فعاليات القمة الأمريكية الأفريقية، وذلك بعد أيام من الإعلان عن ترسيم الحدود البحرية الغربية عبر دعم الاستقرار السياسي، وتعظيم الاقتصاد من خلال القدرة على استغلال موارد الدولة بعيدًا عن الابتزاز وإملاءات الدول الإقليمية والتدخلات الخارجية، بجانب دعم خروج المرتزقة من الدولة الليبية، وتجلى الأمر عندما رسمت مصر الخط الأحمر (سرت-الجفرة) الذي أنهى العمليات العسكرية بالمنطقة الغربية، وظهر هذا الدعم من خلال طرح القضية الليبية على طاولة الاجتماعات الدولية والمبادرات المصرية، والذي ظهر في مؤتمري برلين الأول والثان والتأكيد على مخرجاتهما في “إعلان القاهرة” وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لدعم الاستقرار الليبي.
القضية الفلسطينية واستقرار الشرق الأوسط: فالقضية الفلسطينية تبقى القضية المركزية ومحط الاهتمام الأول المصري، بدايةً من الدور المصري المستمر في تحقيق الاستقرار والتوصل لحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية مستندًا على المرجعيات الدولية ومبدأ حل الدولتين، والتأكيد على الرؤية المصرية الموحدة في كافة المحافل الدولية ومع القوى الكبرى ظهرت مؤخرًا مع أعضاء الكونجرس، ولقاء الرئيس السيسي بالسيناتور ليندسي جراهام عضو مجلس الشيوخ، ولقائه كذلك بقادة المنظمات اليهودية الأمريكية؛ لخلق نوع من الضغط الدولي للتوصل لاتفاق يضمن حق الشعب الفلسطيني في دولته والتأكيد على التعايش السلمي بعيدًا عن الاضطرابات التي يعيشها الفلسطينيون، فأوضح الرئيس السيسي لقادة المنظمة أن “حل القضية الفلسطينية سيمثل خطوة عملاقة فى تاريخ المنطقة ويغير تمامًا من واقعها المتأزم، لتبدأ مرحلة جديدة من السلام والتعاون والتنمية والتعايش السلمى”. وأن مصر ستظل داعمة لكافة الجهود المخلصة لحل القضية، بالإضافة إلى حل الأزمات في سوريا واليمن.
سد النهضة: مثلت القمة الامريكية الأفريقية فرصة لاستعادة الزخم الأمريكي حول حلحلة القضية التي حظيت باهتمام الإدارة الأمريكية للرئيس الجمهوري دونالد ترامب، ومنصة لشرح الرؤية المصرية، وتناولها الرئيس بشكل موحد ومفصل خلال كافة لقاءاته كجزء من القضايا التي تعمل على تحقيق الأمن العالمي، باعتبار مصر هي ميزان استقرار المنطقة، فتم التباحث بين الرئيس السيسي وأعضاء الكونجرس ووزير الخارجية الأمريكي حول عدد من الملفات الإقليمية، أهمها قضية سد النهضة الاثيوبى، من خلال التأكيد على تمسك مصر تطبيق مبادئ القانون الدولى في إبرام اتفاق قانونى ملزم بشأن قواعد مليء وتشغيل السد للحفاظ على الأمن المائى لمصر، ودعم الخارجية الأمريكية هذا الأمر والتوصل لحلول دبلوماسية، فأكد كذلك بلينكن خلال لقائه ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على هامش اعمال القمة دعم دور الاتحاد الأفريقي لدعم السلام وتحقيق الاستقرار في إشارة لكافة القضايا المتعلقة بالاضطرابات التي تشهدها الدولة الإثيوبية عل المستوى الداخلي في اتفاق الهدنة مع التيجراي وسحب القوات الإريترية بجانب الاضطرابات الإقليمية من خلال الدور الرقابي والمتابعة له.
وعلى هذه الأسس السابقة، فتمثل لقاءات الرئيس السيسي وأنشطته المختلفة خلال اعمال القمة بمثابة خطوط عريضة لتحقيق مبدأ “الأمن والتنمية” في التعامل مع القضايا المصرية والأفريقية، والتوصل إلى اتفاق يجمع بين الرؤية المصرية والاستراتيجية الأمريكية التي تسعى إلى تكثيف حضورها عبر القوى الأفريقية والإقليمية المؤثرة، نظرًا للدور المصري على السمتوى العربي والأفريقي.
باحثة بالمرصد المصري