السودان

الاتفاق الإطاري في السودان وإعادة ترميم المشهد السياسي

شكُل توافق القوى السياسية في السودان على توقيع “اتفاق إطاري” اليوم الموافق الخامس من ديسمبر 2022، نقطة تحول حيوية لإنهاء الأزمة السياسية التي شهدتها السودان قرابة العام ونصف، لتأسس لمرحلة انتقالية داعمة لتحول السلطة إلى القوى المدنية، ويعزز من التماسك الداخلي بعدما تعرضت وثيقة تقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين في عام 2019 لتصدعات متتالية حالت دون استمرارها، والخروج الآمن بالمرحلة الانتقالية.

ولعل هذا الاتفاق، جاء عقب جولات من التفاوض التي استمرت طيلة العام الحالي في أعقاب التصدعات التي وقعت بين المكون العسكري والمدني، حالت دون استمرار المرحلة الانتقالية وتعثر الانتقال السلمي للسلطة، وفي ضوء التدخلات والوساطات الإقليمية والدولية (اللجنة الثلاثية والرباعية) حققت السودان شوطًا مهمًا نحو حلحلة الأزمة والانتقال بها إلى وضع أكثر تفاهمًا عما قبل.

تراجع دور المؤسسة العسكرية وفرض مساحة أوسع للمكون المدني

تضمن الاتفاق الإطاري الجامع بين قوى إعلان الحرية والتغيير كمكون مدني وبين المؤسسة العسكرية المكون الرئيس في المشهد، التفاوض حول مسار العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري ووضعية اتفاق جوبا للسلاك وتفكيك نظام 30 يونيو1989، وقد تضمن الاتفاق عدة بنود يمكن توضيحها في الآتي:

  • وضع السلطة الانتقالي وتعزيز تموضع المكون المدني: تضمنت الاتفاقية معالجة لإحدى المعضلات الرئيسة في تصدع المشهد السياسي بين المكون المدني والعسكري، حيث شملت بندًا خاصًا بتسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات المسلحة النظامية، ولعل شكل السلطة المقترح يتضمن مستوى سيادي مدني محدود بمهام شرفية تتمثل في رأس الدولة، وقائدًا أعلى للأجهزة النظامية وكذلك ترأس الحكومة عبر رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الاتفاق، إلى جانب المجلس التشريعي ومجلس الأمن والدفاع، ويترأس الأخير رئيس الوزراء ويشمل كافة قادة الأجهزة النظامية، وعدد ستة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.
  • تقليص الدور الخاص بالمؤسسة العسكرية: جاء الاتفاق الإطاري ليعزز من فكرة النأي بالجيش عن الممارسات السياسية والأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، مع العمل على دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش السوداني، وذلك في إطار خطة الإصلاح الأمني والعسكري مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تشكيل جيش قومي مهني واحد.

واتصالًا بذلك وفيما يتعلق بعمل الأجهزة الأمنية والمخابرات، فقد جرى التوافق على وضعهما تحت سلطة رئيس مجلس الوزراء، واقتصار دورها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة، دون أن يكون لها صلاحيات وسلطات الاحتجاز.

  • صناعة الدستور وتنظيم العملية الانتخابية: من بين مضامين الاتفاقية الإطارية بين المكونات المختلفة، هو إطلاق عملية شاملة لوضع الدستور عبر مشاركة كافة الأقاليم السودانية، خاصة وأن هناك مشروع دستور جديد تقدمت به نقابة المحامين والتي تسعى لهندسة الفترة الانتقالية بمدة زمنية أقصاها عامين، وإنشاء حكم مدني فيدرالي وتقليص مساحة دور للقوات المسلحة، إلى جانب تنظيم عملية انتخابية شاملة بانتهاء مدة المرحلة الانتقالية والمقترح أن تكون عامين.
  • دعم اتفاق سلام جوبا وتفكيك نظام 30 يونيو 1989: من بين البنود الأخرى التي تم التوافق بشأنها، هو العمل على تقييم اتفاق جوبا بين السلطة التنفيذية وشركاء الاتفاق والأطراف المختلفة، لاستكمال السلام مع الحركات المسلحة، علاوة على إزالة تمكين نظام 30 يونيو 1989 وتفكيك مفاصله في كافة مؤسسات الدولة.

مواقف متباينة 

بالنظر إلى الاتفاق الإطاري الموقع بين مكونات العملية السياسية في السودان بشقيها العسكري والمدني، كان هناك مواقف متباينة حيال ذلك الاتفاق ما بين الداعمين والرافضين له، ويكمن الرفض في التيار الإسلامي العريض والحزب الشيوعي والحزب الاتحاد الديمقراطي (الكتلة الديمقراطية بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، والاتحادي الأصل بقيادة جعفر الميرغني، ورئيس تنسيقيات شرق السودان الناظر ترك، ونداء أهل السودان، والتيار الإسلامي العريض، والحزب الشيوعي، ولجان المقاومة بالخرطوم، والبعث العربي الاشتراكي، وقوى الحراك الوطني بقيادة التجاني سيسي، وحزب الأمة عبد الله مسار).

بينما يتركز المؤيدون في قوى الانتقال، مثلما هو الحال بالنسبة لقوى الحرية والتغيير –المجلس المركزي- إلى جانب المؤتمر الشعبي وقد وقع على الاتفاق (حزب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي، والمؤتمر الشعبي، وأنصار السنة، والاتحادي الحسن الميرغني، والتحالف الوطني السوداني، والجبهة الثورية الهادي إدريس، وحزب البعث القومي بقيادة كمال بولاد)، ويحظى هذا المسار بدعم إقليمي ودولي وذلك في ضوء رعاية الآليتين الثلاثية والرباعية للمحادثات والمفاوضات المختلفة التي تمت فيما يتعلق بالعملية السياسية وصولًا للاتفاق السياسي الإطاري، وتحفظ على هذا الاتفاق حزب البعث العربي الاشتراكي.

ويعول المعارضون على كون الاتفاق لم يتضمن بنودًا حاسمة في مسألة إبعاد الجيش عن السلطة كما ترى بعضًا من لجان المقاومة، أن الاتفاق لا يتماشى مع اللاءات الثلاثة التي تم وضعها (عدم المشاركة أو التفاوض مع القيادة العسكرية)، وترى أيضًا جماعة الإخوان أن هذا الاتفاق يعزز من علمانية الدولة وهو محل رفض لديها، كما انتقد الاتفاق مني مناوي أحد قادة حركات التمرد السابقة في دارفور. 

عبور آمن وتدارك مسبق

على الرغم مما يمثله هذا الاتفاق من تحول واختراق نوعي في الأزمة السياسية، ويحظى بدعم مكونات الحرية والتغيير إلى جانب القوى الإقليمية والدولية، علاوة على توافق المكونات العسكرية في إحدى إشكاليات التحول وهو العودة للثكنات العسكرية وعدم ممارسة السياسية من جانب، والقبول بدمج قوات الدعم السريع في جيش قومي موحد، وانعكاس ذلك على مسار استقرار الوضع سياسيًا وما يتبعه من دعم اقتصادي لاستقرار مماثل داخل السودان.

بيد أن هذا الاتفاق يواجه تحديات، منها عدم شمولية هذا الاتفاق للتكتلات السياسية والحركات المسلحة من بينها قوى أو لجان المقاومة، وهي إحدى الحركات التي تتمسك بآلية الشارع لإحداث إرباك سياسي داخلي، إلى جانب اعتراض جناح “مني مناوي”، أحد قادة حركات التمرد السابقة في دارفور، وهو ما يتطلب العمل على استيعاب تلك الحركات المعتدلة منها في المرحلة القادمة، منعًا لحدوث أي تصادم يعرقل الانتقال السياسي.

وفي التقدير فإن حالة التأزم التي كانت عليها السودان، تفرض حتمية التشبث بما تم التوصل إليه في الخامس من ديسمبر 2022، ويتطلب العمل معه وراء التنسيق وإحداث اختراق للحركات الرافضة لتضمينها في الاتفاق الإطاري، خاصة وأن خيارات القوى المعارضة منعدمة في ضوء الإجماع الدولي والإقليمي والمكونات السياسية الداخلية وعدد ممن لهم تأثير على الحركات المسلحة (الهادي إدريس – الطاهر حجر – مالك عقار).

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى