مكافحة الإرهاب

التداعيات المحتملة لوفاة إبراهيم منير على أزمة الإخوان المسلمين

أعلنت جماعة الإخوان الإرهابية عن وفاة القائم بأعمال المرشد العام للجماعة وزعيم جبهة لندن إبراهيم منير، وتتجاوز أهمية هذا الحدث حدود وفاة أحد الأعمدة التاريخية لتنظيم الإخوان المسلمين، وذلك في ضوء التداعيات المحتملة لوفاته على مستقبل الأزمة البنيوية العميقة التي يعيشها التنظيم، على اعتبار أن “منير” كان أحد المحاور الرئيسة للأزمة، التي طفت على السطح عقب توليه مهام القائم بأعمال المرشد العام للجماعة في أعقاب القبض على محمود عزت بالقاهرة في أغسطس 2020.

أدوار محورية

يعد إبراهيم منير من القيادات التاريخية لتنظيم الإخوان المسلمين، حيث وُلد في محافظة الدقهلية عام 1937، والتحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1952، وصدر ضده حكم بالإعدام في قضية تنظيم 1965 مع سيد قطب، ثم خفف الحكم بعد ذلك إلى المؤبد، وخرج عام 1975، وبعدها هاجر إلى إحدى الدول العربية ومنها إلى لندن التي استقر فيها منذ عدة عقود، كما حُكم على “منير” بالسجن لخمس سنوات في عام 2009 في قضية التنظيم الدولي في عهد الرئيس المصري الراحل، محمد حسني مبارك، ثم صدر قرار بالعفو عنه من الرئيس الراحل محمد مرسي، في أغسطس 2012، وفي سبتمبر 2021 أحالت النيابة العامة إبراهيم منير غيابيًا، في القضية رقم 1059 لعام 2021 جنايات أمن دولة طوارئ التجمع الخامس إلى محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ ضمن 25 متهمًا، وذلك بتهمة قيامهم في الفترة ما بين عام 1992 وحتى عام 2018 بداخل مصر وخارجها، بقيادة جماعة إرهابية تهدف إلى استخدام القوة والعنف والتهديد والترويع في الداخل بغرض الإخلال بالنظام العام، وُوضع “منير” على قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية بمصر.

وأصبح “منير” أمينًا للتنظيم الدولي، ومتحدثًا باسم جماعة الإخوان في أوروبا، عام 1995، وتم انتخابه في العام ذاته عضوًا بمكتب الإرشاد عن الخارج، ومنذ ذلك الحين أصبح “منير” المحسوب على التيار القطبي داخل الإخوان، أحد أبرز القيادات الخاصة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وكان مسؤولًا عن العديد من الملفات المهمة، لا سيما إدارة أصول ومؤسسات وأموال الجماعة بالخارج، وقيادة حملات الضغط التي تُخدم على أهداف التنظيم في الدول الغربية.

أسماء مطروحة لخلافة “منير”

أعلن القيادي الإخواني محيي الدين الزايط عبر لقاء تلفزيوني، في الساعات الأولى من صباح يوم 4 نوفمبر الجاري، عن توليه المهام الإدارية لجماعة الإخوان، بعد وفاة القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان إبراهيم منير، حتى انتخاب قائم بأعمال المرشد، وأكد “الزايط” أنه “كان يساعد منير بالفعل في إدارة الهيئة العليا، وأنه كان يتولى بعض الأمور حال غيابه بشكل مؤقت”، الجدير بالذكر أن “الزايط” مدرج على قوائم الإرهاب المصرية، ومدان ومتهم في عدة قضايا جنائية وقضايا إرهاب، وتولي محيي الدين الزايط، سابقًا قيادة المكتب الإداري للإخوان بالجيزة وكان عضو مجلس شورى الجماعة، ومسؤول العمل الطلابي لفترة طويلة، وهو من أبناء التأسيس الثاني للجماعة في سبعينيات القرن العشرين، مع عبد المنعم أبو الفتوح وكان أحد قيادات الجماعة الإسلامية في السبعينيات قبل الانضمام لتنظيم الإخوان، كما أنه يتمتع بتأييد العديد من المكاتب الإدارية الداخلية نظرًا لعدم اشتباكه مع مشكلات الجماعة.

وفي السياق ذاته قال صهيب عبد المقصود، المتحدث الإعلامي باسم جبهة لندن، إن “مؤسسات الجماعة منعقدة منذ وفاة منير، وقررت استمرار نائبه لشؤون الهيئة، محيي الدين الزايط، في تسيير أعمال الجماعة، لحين اختيار من يخلف الراحل”، وأكد عبد المقصود أن “هناك خطوات إدارية تمت بالفعل في حياة منير خاصة بترتيب من يخلفه حال وفاته، ووفقًا للوائح الجماعة ونظمها فهناك إجراءات يجب اتخاذها قبل الإعلان عن القائم بالأعمال الجديد”، وتابع: “هذه الخطوات يجري العمل عليها لإسناد المهمة لمن سيكلف بها خلال أيام” وفق تعبيره.

في هذا السياق طرحت وفاة إبراهيم منير العديد من التساؤلات حول القائد المحتمل الجديد لجبهة لندن، على اعتبار أن قيادة “الزايط” لجبهة لندن والتنظيم الدولي ستكون مؤقتة، خصوصًا في ظل معاناته من أمراض مزمنة تحول دون قدرته على الاستمرار في قيادة التنظيم، ومن أبرز الأسماء المطروحة في هذا الصدد:

1- محمد البحيري: أحد الأسماء المطروحة بقوة خلال الفترة المقبلة لقيادة جبهة لندن والقيام بأعمال المرشد العام للإخوان وأمانة التنظيم الدولي، هو المهندس المصري محمد أحمد البحيري، الذي يعد أحد القيادات التاريخية القطبية التي عاصرت مفكر الإخوان المتشدد سيد قطب، وأحد المتهمين البارزين في قضية تنظيم 1965 المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وعدد من العمليات الإرهابية الأخرى، وتُشير العديد من التقارير إلى أن قوة “البحيري” داخل التنظيم كانت نابعة من إدارته لملف الاستثمارات والتمويل، ما يعكس أنه كان مسؤولًا عن جزء مهم من مصادر تمويل الجماعة، كما أن “البحيري” كان المسؤول الفعلي عن إدارة التنظيم في السنوات الأخيرة، بما في ذلك أثناء وجود محمود عزت في المشهد، وما يُعزز من فرص قيادة “البحيري” للتنظيم في الفترات المقبلة هو الثقل الذي يحظى به داخل التنظيم من حيث كونه من أبناء الرعيل الأول لتنظيم الإخوان المسلمين، فضلًا عن علاقاته القوية بالعديد من الأفرع الإقليمية لتنظيم الإخوان في المغرب والأردن واليمن والسودان، لكن بعض التقديرات تذهب إلى أن “البحيري” يواجه إشكالية تتمثل في علاقته بأجيال الشباب داخل الإخوان، وهي العلاقة التي تفتقد للثقة ويغلب عليها الفتور.

2- حلمي الجزار: أما الاسم الثاني المطروح لقيادة جبهة لندن في الفترات المقبلة فهو الطبيب حلمي الجزار، القيادي بالتنظيم الدولي للإخوان، والذي شغل من قبل مناصب عدة منها، نائب رئيس المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين بالجيزة، وعضو مجلس نقابة أطباء الجيزة، وأحد أعضاء الهيئة العليا التي شكلها إبراهيم منير في أغسطس الماضي لتكون بديلة لمكتب الإرشاد التابع لجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، وتتمثل قوة حلمي الجزار في كونه من الجيل الأكبر داخل التنظيم، فضلًا عن أنه يحظى بدعم العديد من القيادات البارزة داخل التنظيم الدولي، لكن تولي “الجزار” لقيادة الجبهة يواجه بعض الإشكالات ومنها أنه ليس عضوًا في مجلس شورى الجماعة، وبالتالي فإن توليه قيادة التنظيم سوف يتعارض مع اللوائح الداخلية المنظمة لعمل الجماعة، خصوصًا المادتين 4 و5 اللتان تُحددان من سيخلف القائم بأعمال المرشد حال غيابه عن المشهد.

ومع التسليم بقوة هذين الاسمين وفرصهم الكبيرة في قيادة التنظيم خلال الفترات المقبلة، إلا أن سيناريو استمرار محيي الدين الزايط على رأس جبهة لندن وقائم بأعمال المرشد يظل مطروحًا بقوة، خصوصًا وأنه أكبر القيادات المطروحة سنًا، فضلًا عن أنه عضو في مجلس شورى الجماعة.

تداعيات محتملة

تطرح وفاة إبراهيم منير العديد من التساؤلات حول مستقبل أزمة الإخوان المسلمين، وذلك في ضوء تداعياتها المحتملة سواء على جبهة لندن، أو على الصراع الدائر بين جبهات الإخوان المختلفة، ومن أبرز هذه التداعيات المحتملة:

1- يُلاحظ أن جبهة لندن سارعت بتسمية محيي الدين الزايط كبديل لإبراهيم منير، وهو أمر يُمكن تفهمه في إطار سعي الجبهة لإظهار التماسك التنظيمي، وتحجيم أي ارتدادات سلبية ونكبات داخلية قد تترتب على وفاة “منير”، خصوصًا مع دخول الجبهة على خط الدعوة لتظاهرات 11 نوفمبر المزعومة في مصر وهي الدعوات التي طالما تفشل فيها الجماعة في كل مرة، مع تأكيد الجبهة على أن اختيار “الزايط” هو اختيار مؤقت لحين انعقاد مجلس الشورى الخاصة بالجماعة واختيار قائم بأعمال المرشد، في إطار مساعي الجبهة ترميم البنية الداخلية الخاصة بها.

2- تذهب بعض التقديرات إلى أن وفاة “منير” سوف تعزز من الأزمة البنيوية التي يعاني منها تنظيم الإخوان، خصوصًا وأن الشخصيات المرشحة لخلافة منير ليست بالقوة التنظيمية التي كان يملكها منير الذي كان يمثل وزير خارجية الإخوان والسفير الخاص بالتنظيم في الخارج، وفي المقابل سوف تسعى جبهة إسطنبول لاستغلال وفاة “منير” من أجل الانفراد بالسلطة والسيطرة على مصادر التمويل وزمام الأمور داخل الجماعة، وكذلك الحال بالنسبة لجبهة التغيير أو “الكماليون” الذين سيسعون لتوظيف وفاة “منير” من أجل زيادة وزنهم النوعي داخل الجماعة.

وفي الختام، يمكن القول إن وفاة إبراهيم منير تطرح العديد من التداعيات المحتملة على أزمة ومستقبل تنظيم الإخوان، في ضوء الوزن والثقل الكبير الذي كان يحظى به “منير” داخل التنظيم، فضلًا عن أن القيادات الكاريزمية والتاريخية بطبيعة الحال تلعب دورًا محوريًا داخل أروقة التنظيمات الإسلاموية، ما يزيد من حجم التداعيات السلبية لخسارة هذه القيادات على نشاط وعمل ومستقبل تنظيمات التطرف والإسلام السياسي

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى