
تحديات كبيرة.. ما مصير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان؟
دعا رئيس مجلس النواب اللبناني إلى جلسة لاختيار رئيس الجمهورية يوم الخميس 29 سبتمبر في ضوء المهلة الدستورية التي بدأت مطلع الشهر الجاري وتحتم عليه الدعوة إلى هذه الجلسة خلال شهرين قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون والتي تنقضي في 31 أكتوبر 2022. مثّلت هذه الدعوة خطوة مفاجئة من جانب بري بالنظر إلى تصريحاته المتواترة بشأن أنه لن يدعو إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل إقرار الإصلاحات المطلوبة من جانب صندوق النقد الدولي أو قبل وجود حالة من التوافق بين القوى السياسية، ولكنها في الوقت ذاته تأتي ضمن سياقات وتحركات مؤخرًا ربما أفضت إليها.
سياقات محفزة
جاءت دعوة بري إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية انعكاسًا مباشرًا للحراك الدولي والإقليمي الأخير بشأن لبنان، والذي كان البيان الثلاثي المشترك لوزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية بعد لقاء ممثلين عن الدول الثلاث على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 سبتمبر هو أبرز تجلياته. فقد شدد البيان الثلاثي على أهمية إجراء انتخابات رئيس الجمهورية في الوقت المناسب بما يتوافق مع الدستور، وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد، وتحديدًا تلك الإصلاحات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ويمكن القول إن الحراك الدولي الذي عبّرت عنه اللقاءات التي عقدها رئيس الوزراء المكلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة مع عدد من القادة والمسؤولين العرب والأجانب، وعبّر عنه كذلك البيان الثلاثي، واللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في نيويورك؛ هو ما أدى في المقام الأول إلى تسريع وتيرة تنفيذ بعض الاستحقاقات، ومنها إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2022 يوم 26 سبتمبر، ثم الدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم 29 سبتمبر، خاصة وأن لبنان قد شهد خلال الأيام القليلة الماضية حراكًا سياسيًا وطائفيًا أنتج في مجمله دعوة من جانب كل من دار الفتوى والبطريركية المارونية على حدة إلى ضرورة انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية
يُضاف إلى ذلك أنه أصبحت هناك قناعة ما لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري وكذلك رئيس الوزراء المكلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأن إمكانية تشكيل حكومة جديدة آخذة في التضاؤل على وقع الخلاف الحاد في وجهات النظر بين ميقاتي وعون حول شكل الحكومة الجديدة وكذا حول تعيين بعض وزرائها، مما يجعل الأولوية تتجه الآن إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في محاولة لتجنب الفراغ الرئاسي ما بعد 31 أكتوبر.
ذلك علاوة على أن الدعوة إلى هذه الجلسة قبل الوصول إلى المهلة الدستورية الأخيرة، والتي تتمثل في العشرة أيام الأخيرة قبل انتهاء ولاية الرئيس عون التي يتحول فيها مجلس النواب إلى حال الهيئة الناخبة فقط ولا يحق له ممارسة أي صلاحيات تشريعية أخرى، تمثل محاولة من بري في الضغط على مختلف الفرقاء وخاصة التيار الوطني الحر لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ويوصل بها رسالة إلى كل من الرئيس ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بأنه لا يمكنهما الرهان على عدم دعوته إلى الجلسة رغم بدء المهلة الدستورية في 1 سبتمبر للظن بأنه لن يدعو إليها قبل 20 أكتوبر المقبل، ما يعني إعلانًا مبطنًا من جانبه بأنه لن يدعم باسيل في انتخابات الرئاسة.
تحديات وعقبات
يواجه لبنان بناء على الانتخابات التشريعية الأخيرة في مايو 2022 واقعًا سياسيًا منقسمًا إلى حد كبير في ضوء التراجع الذي أصاب التحالف الحاكم وخاصة في حصة التيار الوطني الحر، والصعود الذي حققته القوى المعارضة وفي مقدمتها حزب القوات اللبنانية. وهو ما أدى في الإجمال إلى صعوبة تأمين أغلبيات في كل الاستحقاقات الأخيرة منذ الانتخابات، فنجد أن اختيار بري لرئاسة مجلس النواب قد تم بأغلبية بسيطة هي نحو 65 صوتًا من أصل 128 صوتًا، ثم جاء التصويت على تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة ليبرهن بشكل أكبر على هذا الانقسام؛ إذ تم تكليفه بناء على أصوات 54 نائبًا فقط، وهي أغلبية ضمن الأقل تاريخيًا التي تستطيع بموجبها شخصية سنية خوض غمار تأليف الحكومة.
وتشكل عملية انتخاب رئيس الجمهورية الآن صيغة لحدود الخلاف القائم بين القوى السياسية وغياب شبه التام للتوافق حول المرشح لخلافة الرئيس ميشال عون. وفيما يعد حليفا حزب الله جبران باسيل وسليمان فرنجية رئيس تيار المردة المرشحين الأهم لخلافة عون حتى الآن، لم يحدد حزب الله حتى الآن موقفه من دعم أي منهما، وإن كانت أوساط الحزب ترجح كفة فرنجية الأكثر ارتباطًا بالمحور السوري الإيراني، وهو خيار يلقى تأييدًا كذلك من رئيس مجلس النواب نبيه بري والذي تربطه خلافات كبيرة مع عون وباسيل.
وفي المقابل تطالب القوى المعارضة التي تسمى بالسيادية مثل حزب القوات وحزب الكتائب أو القوى التغييرية التي تنتمي إلى الحراك الشعبي في أكتوبر 2019 بانتخاب رئيس إصلاحي يناوئ النفوذ الإيراني، ولكن حتى الآن لم تتفق هذه القوى على اسم مرشح. ويُنظر إلى القائد الحالي للجيش اللبناني العماد جوزيف عون بوصفه يمكن أن يكون مرشحًا توافقيًا تفضيليًا بالنسبة لهذه القوى.
وترتيبًا على ما سبق، يصبح الحديث عن إمكانية أن يجري انتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة التي دعا إليها بري في 29 سبتمبر أمرًا صعبًا للغاية. وبينما جرت العادة في مثل هذا الاستحقاق أن تعمد قوى إلى عدم تأمين النصاب اللازم لجلسة اختيار رئيس الجمهورية والتي تتمثل دستوريًا في ثلثي الأعضاء في الجلسة الأولى (86 نائبًا) أو الأغلبية البسيطة في الجلسات التي تليها (65 نائبًا)، فإن مواقف الكتل السياسية تتجه إلى حضور الجلسة وتأمين النصاب سواء في الجلسة الأولى أو الثانية التي قد تكون غدًا أيضًا، ولكنها لن تفضي إلى انتخاب رئيس، وحينها قد يعمد الكثير من النواب إلى التصويت بأوراق بيضاء.
وهو الأمر الذي يُرجئ ملف انتخاب الرئيس إلى جلسات لاحقة، قد وصل عددها إلى نحو 45 جلسة على مدار نحو عامين ونصف لانتخاب الرئيس الحالي ميشال عون خلفًا للرئيس السابق ميشال سليمان. وفي ضوء الانقسامات الحادة في المشهد اللبناني على المستوى الداخلي، وكذلك ارتهان مواقف العديد من القوى اللبنانية بمواقف قوى إقليمية ودولية، يصبح من الصعب في الوقت الراهن توقع توقيت انتخاب رئيس جديد للبنان، ولكن ما قد يكون مؤكدًا أن انتخابات الرئاسة قد بدأت، وستسهم الجلسة التي دعا إليها بري في تسريع المشاورات داخليًا وخارجيًا للتوافق على رئيس جديد.
باحث أول بالمرصد المصري