دول المشرق العربيإسرائيل

نقطة تصعيد أم نزع لفتيل المواجهة.. ضربة “مجدل شمس” ومآلاتها

في خلفية العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ أشهر في جبهات قطاع غزة المختلفة، تستمر الجبهة اللبنانية في التفاعل بشكل تدريجي مع هذا المشهد، وهو تفاعل شهد دفعة قوية نحو مزيد من التصعيد منذ يومين، حيث تعرض ملعب لكرة القدم في قرية “مجدل شمس” الدرزية، في القسم المحتل من هضبة الجولان السورية، لقصف صاروخي في السابع والعشرين من الشهر الجاري، تسبب في حصيلة الضحايا الأكبر في شمال إسرائيل منذ بدء العمليات العسكرية في أكتوبر الماضي، بمقتل 12 شخصًا، تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عامًا، وإصابة نحو 40 آخرين.

الصدمة التي أسفرت عنها هذه العملية كانت ملموسة في كافة الأطراف المعنية بالتصعيد القائم منذ فترة، على جانبي الحدود المشتركة بين لبنان وإسرائيل، وإن كانت هذه الصدمة – في قسم منها – تعتبر بمثابة “مناورة تكتيكية”، كون أن المتسبب في هذه الضربة، لن يخرج عن أي من الطرفين اللذين يتبادلان منذ أشهر عمليات القصف الجوي والصاروخي. حزب الله من جانبه، نفى بشكل مباشر ضلوعه في هذا الهجوم، في حين أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا أفاد فيه أنه بعد التقييمات التي أجراها، اتضح أن إطلاق الصاروخ على مجدل شمس كان بواسطة عناصر من حزب الله، وقد أجري هذا التقييم وزير الدفاع الإسرائيلي، بالاشتراك مع رئيس أركان الجيش، ورئيس جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، ورئيس جهاز الموساد.

من خلف كلا الطرفين، كان لافتًا الدخول “السريع” لكل من دمشق وواشنطن على خط التعليق على هذا الحدث، حيث اتهمت دمشق إسرائيل بشكل مباشر بأنها الطرف الذي يقف خلف عملية استهداف الملعب، في حين سارعت واشنطن – الحريصة من حيث المبدأ على عدم اشتعال الجبهة اللبنانية – إلى تبني الرواية الإسرائيلية حول تسبب حزب الله في هذا الحدث. بالتالي يطرح المشهد الحالي إشكاليتين أساسيتين، تتعلق الأولى بتحديد ماهية المتسبب في هذه الضربة وكيفية تنفيذها، في حين ترتبط الثانية بسبر أغوار المآلات المستقبلية لردود الفعل الإسرائيلية المتوقعة.

مجدل شمس.. رمزية جغرافية وتاريخية في وجدان الجولان

تعتبر قرية “مجدل شمس” أهم وأكبر القرى الخمس التي تتوضع في إقليم “البلان” بهضبة الجولان السورية المحتلة، وتقع على السفح الجنوبي لجبل الشيخ، وتشكل مع القرى الأخرى “بقعاتا – عين قنية – الغجر – مسعدة”، الثقل السكاني الأساسي في الجزء المحتل من جانب إسرائيل في هضبة الجولان. يبلغ عدد سكان مجدل شمس نحو 13 ألف نسمة، وهم عرب سوريون ينتمون جميعاً لطائفة الموحدين الدروز، وتصل مساحة هذه القرية إلى 12 كيلو متراً مربعاً، من إجمالي المساحة الكلية المحتلة من جانب إسرائيل في هضبة الجولان، والتي تبلغ 1860 كيلو متراً مربعاً.

منذ احتلال إسرائيل لكامل الجولان السوري عام 1967، واجهت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، خلال مرحلة ما بعد حرب أكتوبر 1973، معضلات عدة في التعامل مع السكان السوريين في القرى الخمس التي ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي في الجولان عقب الحرب، حيث ظل سكان هذه القرى بشكل دائم على موقفهم الأساسي برفض الجنسية الإسرائيلية، والعزوف عن الانضمام للجيش الإسرائيلي، وتمسكوا بالجنسية السورية. هذا الموقف حاولت تل أبيب التعامل معه مرارًا خلال العقود الماضية، فقامت عام 1980 بتعديل قانون الجنسية، ليسمح للسكان السوريين في الجولان بالحصول عليها، لكن رفضت الأغلبية الساحقة من السكان الحصول على الجنسية، حتى بعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي في العام التالي – 1981 – قانون ضم هضبة الجولان للسيادة الإسرائيلية، حيث احتج أهالي القرى الخمس على هذا القرار بشكل علني، وأعلنوا رفضهم أي محاولة لإجبارهم على الحصول على الجنسية.

الاحتجاجات التي قام بها سكان القرى الخمس، وخاصة قرية مجدل شمس، شهدت محطات مهمة، منها مواجهتهم مع قوات الشرطة الإسرائيلية عام 2010، التي اقتحمت مجدل شمس لتفتيش منازلها، حيث حاصر أهالي القرية قوات الشرطة المقتحمة للقرية، ما استدعى استدعاء وحدات من الجيش الإسرائيلي، للتفاوض مع شيوخ القرية، الذين لم يفرجوا حينها عن عناصر الشرطة، إلا بعد التعهد بعدم اقتحامهم القرية مرة أخرى. منذ ذلك التوقيت، انتهجت تل أبيب سياسة مهادنة مع سكان هذه القرى، وركزت بشكل أكبر على استغلال المواقع المحيطة بها، لتمركز عشرات النقاط العسكرية، كون هذه القرى تُعد خط مواجهة أول مع المواقع السورية في الجانب المحرر من الجولان السوري.

لكن رغم سياسة المهادنة هذه، إلا أن السنوات التالية شهدت توترات عدة بين الجانبين، أطلقها اعتراف الرئيس الأمريكي السابق – دونالد ترامب – بالسيادة الإسرائيلية على الجولان عام 2019، حيث تظاهر سكان قرية مجدل شمس لعدة أيام احتجاجًا على هذه الخطوة. كما أثيرت خلال السنوات الماضية، مسألة رفض سكان القرى الخمسة، الانخراط في وحدات الجيش الإسرائيلي، حيث تعرضت وجهة نظر المجتمع الدرزي في الجولان من هذه المسألة، لانقسامات جذرية، بين من يرغب في الانخراط في الجيش، وبين أغلبية مازالت على موقفها السابق من هذه المسألة، تقودها “لجنة المبادرة العربية الدرزية”، التي تقوم كل عام بمئات الأنشطة المناهضة لتجنيد الدروز، علمًا أن دراسة سابقة أجراها عام 2021، مؤتمر “هرتسيليا” للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن 54 بالمائة من الدروز يرفضون التجنيد في الجيش الإسرائيلي.

يُضاف إلى ما سبق، دخول سكان القرى الخمس في مواجهة محتدمة مع الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2018، حول عدة ملفات، منها المشروع الإسرائيلي لتثبيت توربينات لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق الرياح، في القرى الخمس، وهو مشروع كان يتصدر الدعوات لتنفيذه، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، ورفضه بشكل قاطع سكان الجولان، وكذلك رفضوا محاولات سن بعض القوانين الإسرائيلية، التي تمس بوضعية أهالي الجولان، مثل قانون “الصهيونية”، المعروف باسم قانون الدولة القومية، حيث اعتبروا هذا القانون بمثابة وسيلة لتحويل الدروز إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وتفعيل مخططات تهويد واستيطان النقب والجليل.

حالة التوتر هذه بين الجانبين تراجعت بشكل كبير خلال العامين الماضيين، حيث انتهجت الحكومة الإسرائيلية نهجًا حاولت فيه استرضاء الدروز في الجولان بشكل أو بآخر، وهو ما تسبب خلال هذه المرحلة في تحسن العلاقات بينها وبينهم بشكل كبير، وهذا ربما كان سببًا من أسباب تباين المواقف الدرزية حيال العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة، فمن جانب كان موقف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل – موفق طريف – من هذه العمليات، مفاده أن الطائفة الدرزية هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، مبديًا الدعم الكامل للجيش الإسرائيلي خلال هذه العمليات، في حين دعا القطب الدرزي البارز في لبنان، والزعيم السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، إلى عدم انخراط الدروز في هذه الحرب، وعدم مشاركتهم فيها، لكن الواقع الحالي يشير إلى تواجد معتبر للجنود الدروز في الوحدات الاحتياطية الإسرائيلية المشاركة في عمليات قطاع غزة. 

هذا التباين انعكس أيضًا على مواقف دروز الجولان من الوفود الإسرائيلية التي توالت على مجدل شمس عقب حادث قصف الملعب، فمن جانب استقبلوا بشكل ودي كلًا من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقائد القيادة الشمالية، حيث التقى هذا الأخير التقى بقيادات محلية في مجدل شمس من بينهم الشيخ موفق طريف. أما على الجانب الآخر، فقد استقبل أهالي مجدل شمس الوفد الحكومي الإسرائيلي الذي زار المدينة ممثلًا في كل من وزراء المالية والاقتصاد والتربية والتعليم بهتافات غاضبة وقاموا بطردهم من المدينة بعد اتهامهم بالمسؤولية عما حدث، وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات أدلى بها زعيم الدروز في إسرائيل بشأن الغضب من سياسات الوزراء “العنصريين” في الحكومة الحالية ومطالبته بوقف الحرب في غزة، وهو ما حمل في مضمونه مؤشرًا على “عدم” تسبب ضربة مجدل شمس في تأثيرات سلبية على العلاقة بين طائفة الموحدين الدروز وحزب الله رغم التباين السالف ذكره في العلاقات مع إسرائيل بين دروز لبنان ودروز الجولان.

سيناريوهات حادثة ملعب الجولان

بالعودة إلى الضربة الصاروخية التي استهدفت الملعب الرياضي في مجدل شمس، يمكن القول إن السيناريوهات التي قد تفسر حقيقة ما حدث فيها، لن تخرج عن سيناريوهين أساسيين. السيناريو الأساسي الأول، يشير إلى احتمال أن يكون حزب الله بالفعل مسؤولاً عن هذه الضربة، نظرًا لبعض الاعتبارات، منها ما يرتبط بأنه أعلن بالفعل خلال الفترة التي نُفذت فيها هذه الضربة، عن تنفيذه عمليات قصف صاروخي لمناطق في الجليل والجولان، من بينها مقر لواء “حرمون” في ثكنة “معاليه غولاني”، الذي أعلن الحزب أنه قد تم استهدافه بصاروخ من نوع “فلق-1″، علمًا أن هذه القاعدة تقع على بعد نحو 3 كيلومترات، من الملعب الذي تم استهدافه.

يتفرع من هذا السيناريو اتجاهان فرعيان، الأول يشير إلى فرضية حدوث “خطأ” في زاوية توجيه الصاروخ الذي تم إطلاقه، وبالتالي تم إصابة هذا الهدف بشكل عرضي، أما الثاني، فيشير إلى فرضية “التعمد”، وإن كانت هذه الفرضية أقل من حيث المؤشرات التي تؤيدها، حيث لا توجد مصلحة مباشرة لحزب الله في استهداف الطائفة الدرزية، خاصة أنه لم يسبق أن تم تسجيل أي استهداف لقرية مجدل شمس من جانب حزب الله سابقًا.

أما السيناريو الثاني، فيفترض أن تل أبيب هي المسؤولة بشكل مباشر عن هذه الضربة، وتستند هذه الفرضية إلى بعض العوامل، من بينها مسارعة الجيش الإسرائيلي – بعد فترة وجيزة جدًا من الحادث – لضخ مزيد من التفاصيل “الدقيقة” حول تفاصيل ما حدث، خاصة ما يتعلق بنوع الصاروخ المستخدم في هذا الحادث، والذي نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي صورًا لبقاياه، وأشار إلى أنه إيراني الصنع من نوع “فلق-1″، البالغ وزن رأسه المتفجر نحو 50 كيلوجرامًا، أو ما يتعلق بهوية القائد المشرف على عملية الإطلاق، والذي قالت إسرائيل إنه يدعى علي محمد يحيى، أو حتى موقع الإطلاق الذي أفادت التقديرات الإسرائيلية أنه يقع شمال قرية شبعا بجنوب لبنان.

هذه السرعة اعتبرها البعض دليلاً على وجود نية إسرائيلية مبيّتة لاستغلال أي حادث من هذا النوع، لتوتير الوضع الداخلي في لبنان بين الموحدين الدروز وحزب الله، وإلصاق تهم تتعلق باستهداف المدنيين بالحزب، وبالتالي الضغط عليه بشكل أكبر للتجاوب مع أي محاولة أمريكية لاحقة للوصول إلى صيغة لوقف التصاعد الحالي في الأوضاع على الجبهة بين لبنان وإسرائيل، خاصة أن لإسرائيل سوابق في اتهام أطراف أخرى، بالمسؤولية عن عمليات استهداف للمدنيين، ومن أبرز أمثلة ذلك، عملية استهداف المستشفى المعمداني في قطاع غزة، في السابع عشر من أكتوبر الماضي.

 يُضاف إلى ذلك وجود اتجاه فرعي من هذه الفرضية، يفترض أن أحد الصواريخ الاعتراضية الخاصة بمنظومة القبة الحديدية، وهي صواريخ من نوع “تامير”، ربما يكون قد سقط بشكل عرضي خلال محاولات الدفاعات الجوية الإسرائيلية، اعتراض الصّلية الصاروخية الكبيرة، التي أطلقها حزب الله بالتزامن مع هذا الحادث، وتُقدّر بنحو 40 صاروخًا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن التحقيقات الإسرائيلية الأولية، قد أشارت إلى فشل الدفاعات الجوية في اعتراض الصاروخ الذي ضرب مجدل شمس، بسبب “التضاريس المعقدة”.

هنا توجد نقطة لافتة ترتبط بأن هذه التحقيقات أشارت إلى أنه تم اكتشاف إطلاق الصاروخ نحو هدفه وتشغيل صفارات الإنذار في مجدل شمس، لكن شهود العيان يفيدون بأن عملية تشغيل الصفارات لم تدم سوى ثوانٍ معدودة، أصاب بعدها الصاروخ الملعب، وهذا يتناقض مع حديث تل أبيب السابق عن أن عملية الإطلاق تمت من منطقة تبعد 10 كيلومترات عن موقع سقوط الصاروخ. كما أن هذه المسافة تعتبر الحد الأقصى لمدى صواريخ “فلق-1″، وهو ما قد يثير بعض الشكوك في الرواية الإسرائيلية، لأن هذه الفئة من الصواريخ في الغالب لا تصل إلى مداها الأقصى بشكل دقيق، ويتراوح مداها المؤثر والفعلي بين 5 و8 كيلومترات.

مآلات الوضع الميداني في جبهة لبنان

بغض النظر عن مسألة المتسبب في حادث مجدل شمس، بات ملحوظًا منذ أشهر، أن الأوضاع القائمة حاليًا في الجبهة اللبنانية مع إسرائيل، تمثل عنصرًا ضاغطًا بشكل قوي على القطاعات السياسية والعسكرية في إسرائيل، فمن جهة أصبح ملف سكان المستوطنات الشمالية، عقدة صعب حلها في ظل استمرار القصف اليومي من جانب حزب الله لمناطق عدة في الجليل والجولان، ومن جهة أخرى، لم تسفر استراتيجية “الاحتواء” التي اتبعتها تل أبيب مع حزب الله، عن نتائج واضحة، ولم تفلح عمليات الاغتيال المستمرة لقادته وعناصره في جنوب لبنان، والتي أسفرت حتى الآن عن نحو 381 قتيلًا في صفوف الحزب، من بينهم قادة ميدانيون أساسيون، مثل محمد نعمة ناصر، قائد وحدة “عزيز” القتالية، ويعتبر ثاني أكبر قائد في حزب الله، يتم اغتياله من جانب إسرائيل، بعد قائد وحدة النصر الإقليمية، طالب سامي عبد الله، ومن قبلهم قائد وحدة “الساحل – صور”، وقائد وحدة “الحجر”، لم تفلح في الحد من أنشطة الحزب.

الأكيد أن العكس هو ما حدث تمامًا، حيث تصاعدت عمليات اختراق المسيرات التابعة لحزب الله أجواء شمال الجليل، وفي بعض هذه العمليات تم تحقيق اختراقات كبيرة، مثل عملية اختراق طائرات “هدهد”، التي أظهرت بشكل دقيق منشآت ومواقع قرب وداخل مدينة حيفا الساحلية، ومواقع عسكرية أساسية في الجولان السوري، منها 6 قواعد رصد وإنذار وتجسس، بالإضافة إلى مواقع تابعة للفرقة 210، وكذلك عملية “هدهد-3″، التي أظهرت مرافق ومحيط قاعدة رامات ديفيد الجوية في الجليل الأدنى، وكان لافتًا أن هذه العملية، تضمنت نشر صور جوية ملتقطة على الأغلب عبر قمر صناعي للتصوير، وهو ما يعزز حقيقة امتلاك حزب الله القدرة على استخدام المسيرات بعدة أشكال في العمق الإسرائيلي، وهي قدرة أثبتت التجربة العملية أنها موجودة ومتطورة، لكن إدخال العامل المرتبط بصور الأقمار الصناعية، ينقل الجهد الاستخباري الذي يمتلكه الحزب إلى مرحلة أخرى أكثر أهمية.

هنا تجدر الإشارة إلى محاولة قام بها حزب الله منذ أيام، لاستطلاع المناطق المحيطة بحقل “كاريش” الغازي، وفي هذه الحادثة، اعترض زورق صاروخي تابع للأسطول الثالث الإسرائيلي، مزود بالنسخة البحرية من منظومة “القبة الحديدية”، طائرة مسيرة قادمة من لبنان، كانت قادمة في اتجاه منصة حقل “كاريش” لاستخراج الغاز، وهو ما قد تعتبره إسرائيل، تلويحًا بنقل المواجهة بين الجانبين إلى هذا الجانب “الحيوي” من الاقتصاد الإسرائيلي، يستدعي ردًا من جانب تل أبيب، التي تتخذ حكومتها منذ أشهر، منحى استراتيجيًا يستهدف نقل الزخم القتالي من قطاع غزة، تدريجيًا نحو الجبهة اللبنانية والسورية.

والحقيقة أن الجبهة السورية تُعتبر “الحاضر الغائب” في هذه المواجهة، لكن تجدر الإشارة إلى تطور مهم طرأ على هذه الجبهة، في التاسع والعاشر من الشهر الجاري، يتمثل في قصف المقاتلات الإسرائيلية مدينة بانياس الساحلية السورية، والمواقع العسكرية التابعة للجيش السوري قرب الجولان، وهو تطور جاء ردًا على عمليات إطلاق الصواريخ المتكررة من لبنان صوب الجولان، وتشير هذه الغارات إلى أن إسرائيل تريد العمل خلال المرحلة المقبلة على تحميل الجيش السوري مسؤولية أي أنشطة قتالية تتم في جبهة الجولان، سواء على المستوى الميداني أو الصاروخي، وهو أسلوب يخدم أيضًا تكتيك الاغتيالات الذي تتبعه إسرائيل في سوريا منذ فترة.

فيما يتعلق بالمالآت المتوقعة للموقف الحالي في الجبهة اللبنانية، يمكن القول إنه في المدى المنظور، لا يُرجح أن تشهد هذه الجبهة مواجهة “موسعة” بين الجانبين، بالنظر لعاملين أساسيين يتعلقان باستمرار العمليات في قطاع غزة، وتوسعها في نطاق خانيونس، وكذلك الموقف الأمريكي الأساسي المرتبط بعدم السماح بتدهور الوضع في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، خاصة في لبنان. بالتالي يرجح أن تمثل عملية مجدل شمس، على المستوى القريب، فرصة لـ “تحريك” الموقف الميداني على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بشكل تقوم فيه إسرائيل إما بضربة جوية محدودة على مواقع في النطاق المتوسط بين وسط وجنوب لبنان، مثل نطاق مدينة بعلبك، أو الدخول في اشتباك “حدودي” مع عناصر حزب الله، يتخلله عمليات اغتيال لقيادات أساسية في الحزب.

لكن سيبقى توقيت تنفيذ هذه الضربات وقرار تنفيذها في حد ذاته مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمناقشات الجارية في روما حول اتفاق للهدنة في قطاع غزة، خاصة أن تطبيق هذا الاتفاق يعني بالضرورة وقف الاشتباكات على الحدود اللبنانية، وبالتالي قد يتم بموجب هذا تأجيل ضربة الرد الإسرائيلية أو إلغاؤها، ولكن حتى الآن ما زالت فرص إنجاز هذا الاتفاق غير وفيرة، وبالتالي نحن على بعد أيام وربما ساعات من رد إسرائيلي في لبنان لن يكون تقليديًا، لكنه لن يمثل خروجًا عن التوازن الذي كان قائمًا على الحدود خلال الأشهر الماضية، وهذا لا ينفي نقطة استراتيجية هامة، مفادها أن تل أبيب تتجهز لمعركة مصيرية في لبنان لم يحن أوانها بعد.

كاتب

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى