القضية الفلسطينية

طوفان الأقصى: تطور نوعي وعملية مفاجئة في قلب إسرائيل

بدأت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”) عملية عسكرية نوعية أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى” عند السادسة والنصف من صباح اليوم 7 أكتوبر 2023 استهدفت مستوطنات غلاف غزة، واستطاعت بموجبها السيطرة على بعض هذه المستوطنات، وأسر عشرات الجنود والمستوطنين الإسرائيليين. وقد أرسلت “طوفان الأقصى” -التي يمكن وصفها بأنها من أكبر العمليات العسكرية في تاريخ المقاومة، والتي اشتملت على عبور المقاتلين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الداخل الإسرائيلي لأول مرة، ووصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحرب الحقيقية- مجموعة من الإشارات المهمة حول الداخل الإسرائيلي من جانب، والمقاومة الفلسطينية من جانب آخر.

طوفان مفاجئ

جاءت عملية “طوفان الأقصى” حسبما أعلنت كتائب عز الدين القسام ردًا على الاستفزازات والاعتداءات التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى خلال الفترة الماضية، والتي تضمنت الاقتحام المتكرر للمستوطنين الإسرائيليين للأقصى بحماية من قوات الاحتلال. وهو ما يأتي متناغمًا مع ممارسات الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو وعناصرها الأكثر تشددًا بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي قاد مجموعة من هذه الاقتحامات بنفسه، وأكد غير مرة أن الأقصى لليهود فقط دون غيرهم، وصولًا إلى الاقتحامات التي تمت تزامنًا مع “عيد العرش” وقيام آلاف المستوطنين بتدنيس المسجد الأقصى ومنهم أعضاء من الكنيست.

وقد أعلن القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف أن “القسام” قد قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب، وأنها استهدفت بالضربة الأولى خلال 20 دقيقة من “طوفان الأقصى” بأكثر من 5 آلاف صاروخ. داعيًا المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق وسوريا بالانضمام قائلًا “هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع مقاومة أهلكم في فلسطين”. وأعلنت سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) أنه في إطار “عملية مشتركة ضمن معركة “طوفان الأقصى” سرايا القدس – كتيبة طولكرم وكتائب شهداء الأقصى يهاجمون مستوطنة “بيت حيفر””.

وأكد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن المقاومة الفلسطينية تخوض ملحمة بطولية عنوانها الأقصى، وسببها المركزي والأساسي العدوان الصهيوني الإجرامي الذي تم على المسجد الأقصى المبارك، وبلغ ذروته خلال الأيام الماضية، حيث قام الآلاف من المستوطنين المجرمين الفاشيين بتدنيس مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، وأداء صلواتهم فيه تمهيدًا لفرض السيادة الصهيونية عليه، وهي الخطوة التي كان لدينا المعلومات بأنه ذاهب نحوها بفرض السيادة على المسجد الأقصى ولو سكت العالم ما كنا لنسكت على هذا التدنيس وعلى هذه النية للعدوان.

فيما أصدر الجيش الإسرائيلي بيانًا عند الثامنة صباحًا قال فيه إن حركة “حماس أطلقت عملية مزدوجة شملت اطلاق قذائف صاروخية وتسلل مخربين الى داخل الأراضي الإسرائيلية. جيش الدفاع سيدافع عن سكان دولة إسرائيل، ومنظمة حماس الإرهابية ستدفع ثمنًا باهظًا”. ثم أعلن الجيش حالة “تأهب – الحرب”، مطلقًا عملية “السيوف الحديدية” ضد حركة حماس في قطاع غزة.

حماس» تطلق عملية «طوفان الأقصى»... وإسرائيل تتأهب للحرب

دلالات أساسية

تتضمن عملية “طوفان الأقصى” مجموعة من الرسائل والدلالات الأساسية التي تشير بجلاء إلى تحول نوعي في معادلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وانكشاف واضح في الداخل الإسرائيلي. ومن بين ذلك ما يلي:

تطور نوعي: تعد عملية “طوفان الأقصى” عملية نوعية وتاريخية في توقيتها وحجمها وأسلوبها؛ فمن حيث التوقيت تتزامن العملية مع الانقسام الحاد على كافة المستويات داخل إسرائيل، وآخر أيام عطلة “عيد العرش” والمعروف باسم “سمحات توراه أو بهجة التوراه”، والذكرى الخمسين لنصر أكتوبر والانكسار الإسرائيلي في 1973. يضاف إلى ذلك أن العملية شملت هجومًا بريًا وجويًا اخترقت به عناصر المقاومة الداخل الإسرائيلي، واقتحمت مجموعة من مستوطنات غلاف غزة بعمق نحو 40 كم داخل الأراضي المحتلة، وسيطرت على بعضها، واحتجزت أعدادًا كبيرة من الرهائن من المستوطنين والجنود، ووضع بقية مستوطني هذه المستوطنات البالغ عددهم نحو 55 ألف مستوطن في حالة تهديد،  فضلًا عن أسر نحو 35 أسيرًا حتى الآن ونقل بعضهم مع بعض الآليات العسكرية الإسرائيلية إلى داخل قطاع غزة. وقد تزامن مع ذلك كله رشقات صاروخية مكثفة، وصل عددها إلى تل أبيب والقدس، وتعطلت على إثرها حركة الطيران في مطار بن جوريون.

فشل استخباراتي متكرر: أظهرت العمليات العسكرية التي قامت بها فصائل المقاومة خلال السنوات الأخيرة مدى الفشل الاستخباراتي والمعلوماتي الإسرائيلي، والعجز عن فهم السياق الوطني الفلسطيني وتوقع ما تؤول إليه الأحداث ومتى يمكن أن تندلع مثل هذه العمليات، فضلًا عن توقع الأثر الذي يمكن أن تحدثه ممارسات الاحتلال في القدس على بقية البقاع والمناطق الفلسطينية. وقد تكرر هذا الفشل بشكل جلي مع عملية “طوفان الأقصى” التي أظهرت أن الحكومة الإسرائيلية وجيشها قد تفاجآ تمامًا بالهجوم، لاسيّما وأنه في الأيام التي سبقت “طوفان الأقصى” أبلغ مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي الحكومة بأن حماس قد تم ردعها وغير مهتمة بالتصعيد، فيما كان الهدوء النسبي من جانب “حماس” خلال الفترة الماضية جزءًا من تخطيطها لهذه العملية. 

تآكل الردع: فرض الواقع السياسي والاجتماعي في إسرائيل جراء أزمة التعديلات القضائية تداعيات وتأثيرات واسعة النطاق على تل أبيب وعلى توازن الردع مع فصائل وحركات المقاومة. وعلاوة على ذلك قد أسهم هذا الوضع في هز الصورة العامة للجيش واستعداده القتالي، مما أدى إلى تصاعد المخاطر بالنسبة لإسرائيل سواء فيما يتعلق بالعمليات الفردية التي لا يتوقف الفلسطينيون في الضفة الغربية عن تنفيذها مخلفة خسائر بشرية ومعنوية كبيرة لدى إسرائيل، فقد أثبتت هذه الوقائع أنه كلما زادت العمليات والاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى زادت العمليات الفلسطينية التي ترد عليها، بما يعني الدوران في حلقة مفرغة من التصعيد الذي لا يؤدي إلا إلى تصاعد المخاطر الإسرائيليين وصولًا إلى العملية النوعية “طوفان الأقصى” التي تعبر عن إدراك المقاومة لحالة الضعف والانقسام في إسرائيل وعدم قدرة الجيش على السيطرة أو رفع الجاهزية القتالية حتى مع استدعاء الاحتياطي الذي كانت عناصره جزءًا من إضرابات واحتجاجات التعديلات القضائية.

اختبار وحدة الساحات: يمكن القول إن هذه العملية العسكرية النوعية تمثل اختبارًا حقيقيًا لمبدأ وحدة الساحات التي لا تزال تؤكده فصائل المقاومة داخل فلسطين وخارجها؛ فبالنظر إلى حجم عملية “طوفان الأقصى” والنتائج الكبيرة التي حققتها حتى الآن من أسر عدد من الإسرائيليين واستمرار السيطرة على 3مستوطنات على الأقل في غلاف غزة وموقع كرم أبو سالم العسكري شرق رفح؛ تعد اللحظة الراهنة فرصة مناسبة لشن حرب متعددة الجبهات لطالما تخوفت إسرائيل من وقوعها، ومن شأن انضمام بقية الفصائل إلى هذه العملية أن يزيد من الخسائر التي ستتعرض لها. ولذلك دعت كتائب القسام وسرايا القدس إلى انضمام بقية الفصائل والمقاومين داخل الضفة والقدس إلى “طوفان الأقصى”.

إجمالًا، حققت العملية النوعية “طوفان الأقصى” نجاحًا عملياتيًا كبيرًا حتى اللحظة متمثلًا في أسر مجموعة من المستوطنين والجنود الإسرائيليين بما يفتح الباب لعملية تبادل أسرى واسعة النطاق خلال الفترة المقبلة، علاوة على السيطرة على بعض المستوطنات والدخول في مواجهات مباشرة مع الجيش الإسرائيلي فيها. وسيتوقف نجاح هذه العملية على مخططها الأساسي وتطورها والأهداف المرسومة والموضوعة لها.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى