رسائل خطاب الأمين العام لحزب الله تعقيبًا على هجمات أجهزة “البيجر”
ألقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خطابًا في تمام الساعة الخامسة من اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024 خصص بشكل أساسي للتعقيب والتعليق على الحوادث التي شهدها لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء 17 و18 سبتمبر إثر تفجير الآلاف من أجهزة “البيجر” والأجهزة اللاسلكية مما خلف عشرات الوفيات وآلاف الإصابات. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب شأنه شأن الكثير من الخطابات التي ألقاها نصر الله منذ عملية طوفان الأقصى في أكتوبر من العام الماضي من حيث المضمون والرسائل، فإنه يمكن الوقوف على بعض الرسائل النوعية المتعلقة تحديدًا بالحوادث الأخيرة.
رسائل متنوعة
استعطاف الداخل: من الملاحظ في خطاب حسن نصر الله محاولته تأكيد اللُحمة اللبنانية في التعامل والتعاطي مع هذه الهجمات التي وصفها بغير المسبوقة، مع محاولة استعطاف الداخل اللبناني من خلال التأكيد أن الهجوم لم يكن يستهدف عناصر حزب الله فقط وإنما يستهدف اللبنانيين بشكل عام من خلال استهداف حاملي أجهزة “البيجر” أيًا كان موقعهم حتى في الأماكن المدنية، ومن ثم وضع الحزب في صورة الجزء من الكل اللبناني وليس منفصلًا عنه، وبالتالي أن الهجوم كان موجهًا إلى لبنان بصورة عامة وليس إلى الحزب وحده. وربما يكون الهدف الأساسي من وراء ذلك هو الرغبة في عدم تأليب الرأي العام اللبناني على الحزب بوصفه السبب الرئيسي في هذا الهجوم، وهو ما حاول التأكيد عليه من خلال حديثه عن أن أحد أهداف إسرائيل من الهجوم هو تأليب البيئة الحاضنة للحزب لتقول له “كفى” وهو ما لم يحدث.
كيفية التنفيذ: تطرق حسن نصر الله إلى طبيعة هجمات يومي الثلاثاء والأربعاء والطريقة التي يمكن أن تكون نُفذت بها، مشيرًا إلى أنه تم تشكيل لجان تحقيق على كافة المستويات للوقوف على طريقة التنفيذ، وتم التوصل إلى نتيجة شبه قطعية ولكن لا يريد استباق استكمال التحقيقات الآن. ولكن في موضع لاحق من الخطاب، أوضح نصر الله أن أحد أهداف إسرائيل من وراء الهجوم استهداف قيادات الحزب ولكن قيادات الحزب تستخدم أجهزة “بيجر” قديمة، في حين وُزعت الأجهزة الجديدة على عناصر الحزب، الأمر الذي قد يرجح فرضية أن الأجهزة نفسها المستوردة حديثًا هي المتسبب في الهجوم وليس استهداف إسرائيل لترددات الأجهزة والشبكات الخاصة بها، على الأقل في هجوم يوم الثلاثاء وليس استهداف أجهزة اللاسلكي يوم الأربعاء.
تضخيم الهجوم: عمد حسن نصر الله إلى تضخيم الهجوم الإسرائيلي بشكل كبير للغاية وبصورة لافتة، وهو ما قد يُقرأ منه هدفه إلى استغلال هذا التضخيم للحد من تأثير الهجوم لاحقًا عبر التأكيد على أنه لم يحقق الأهداف المرجوة منه، سواء فيما يتعلق باستهداف عناصر الحزب أو استهداف قياداته أو ضرب منظومة القيادة والسيطرة الخاصة به. ما يوصل رسالة مفادها أنه على الرغم من ضخامة الهجوم وكونه غير مسبوق على مختلف المستويات فإنه لم يؤثر على قدرات الحزب.
عدم فصل جبهة لبنان: يمكن القول إن الرسالة الأهم التي عمد حسن نصر الله إلى إرسالها من خلال خطابه وأكد عليها أكثر من مرة هو أن جبهة لبنان لن تنفصل عن جبهة غزة مهما حدث، بل والتأكيد أن جبهة الإسناد في لبنان تظل أحد أهم الأوراق التفاوضية التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية لتحقيق أهدافها، وإشارته كذلك إلى أن الحزب تبلغ بوسائل رسمية وغير رسمية أن الهدف الأساسي لهجوم يوم الثلاثاء هو تحقيق هذا الفصل، ولما رفض الحزب حدث هجوم يوم الأربعاء. ويهدف حزب الله من وراء ذلك إكساب معركته في الشمال الشرعية المستمدة من غزة بصورة أو بأخرى، واستمرار التغطية على الأهداف الذاتية الخاصة باستمرار الحزب تصعيده مع إسرائيل، والتي يتمحور أغلبها حول ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
تأثيرات محدودة
بناء على هذه الرسائل والأهداف التي أراد حسن نصر الله الكشف عنها من خلال خطابه، يمكن القول إن الخطاب لم يخرج إلى حد كبير عن الإطار التقليدي لخطابات نصر الله، ومن ثم يمكن الوقوف على تأثيرات محدودة له، وذلك على النحو التالي:
تبادل الضربات: يتعلق التأثير الأهم لخطاب نصر الله بالسياق الذي صاحبه، فقبيل دقائق من إلقاء حسن نصر الله خطابه بدأت إسرائيل ضربات عنيفة على جنوب لبنان ربما استهدفت مواقع ومعاقل محددة بدقة لحزب الله؛ وهو ما يهدف إلى إيصال رسالة مباشرة إلى الحزب بأنها عازمة على ما وصفه نصر الله ذاته بأنه أصبح هدفًا من أهداف الحرب وهو إعادة سكان مستوطنات شمال إسرائيل إلى مناطقهم. وهو أمر أكد نصر الله أنه لن يتحقق إلا بوقف حرب غزة، ومن ثم يمكن توقع تزايد نطاق الهجمات بين الجانبين خلال المرحلة المقبلة لتأكيد كل منهما عزمه تحقيق أهدافه المتعلقة بهذا الشأن.
عدم التراجع: يوضح ما قاله حسن نصر الله في خطابه أن الحزب مستعد للمضي قدمًا في هذه المواجهة في سبيل عدم التراجع عن المكاسب التي حققها خلال السنوات الماضية وخاصة بعد طوفان الأقصى من توسيع انتشار قواته في منطقة جنوب لبنان وعلى الحدود مع إسرائيل، مع عدم قابليته طرح إمكانية التنازل عن هذه المكتسبات أو التراجع وراء نهر الليطاني وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701. وهو ما أكده بشكل مباشر بالاستهزاء طرح قائد القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي إمكانية تنفيذ حزام أمني في جنوب لبنان لنقل المعركة إلى الداخل اللبناني وبالتالي إمكانية إعادة سكان الشمال إلى مناطقهم، ووصف نصر الله لذلك بالفرصة التاريخية للحزب، الأمر الذي قد يوصف بأنه ردع بالتهديد قد يكشف في الوقت ذاته تخوف الحزب من هذه المواجهة لتأثيراتها الكبيرة على جنوب لبنان على غرار غزة، بما قد يفوق قدرة الحزب على تحمله على المستوى الشعبي.
احتمالات المواجهة: يمكن القول إن خطاب حسن نصر الله ليست له تأثيرات كبيرة في حسابات إسرائيل المتعلقة بشن عملية أو بدء مواجهة مع حزب الله من عدمها؛ إذ لم يذكر أمين عام حزب الله جديدًا فيما يتعلق بالاستعداد للمواجهة والثبات والقدرة على المواجهة وما إلى ذلك. وبالتالي فإن احتمالات إقدام إسرائيل على تنفيذ هذه العملية أو تصعيد المواجهة مع حزب الله تظل قائمة في حدودها الحالية، خاصة مع الرسائل التي أرسلتها بضرب جنوب لبنان تزامنًا مع الخطاب واشتدت ضراوتها بعد تأكيده عدم القبول بأي تسوية تعيد سكان الشمال. أما تهديد حسن نصر الله بأن الرد على الهجمات الأخيرة قادم لا محالة وسيواجه الهجوم بحساب عسير وقصاص عادل، فإنه غير مختلف عن تهديدات سابقة للحزب ولفصائل محور المقاومة المختلفة بأن الرد قادم في الوقت والزمان المناسبين ولكن لا يعني ذلك بالضرورة تنفيذ الرد.