دول المشرق العربيإسرائيل

هل تستطيع إسرائيل تحييد القوة الصاروخية لحزب الله؟

ركزت إسرائيل في عملياتها العسكرية ضد حزب الله في لبنان على استهداف منصات إطلاق الصواريخ الخاصة بالحزب بالإضافة إلى استهداف أماكن تخزين هذه الصواريخ. وفي الوقت ذاته، نجد أن كتائب القسام أطلقت يوم 7 أكتوبر الجاري بعد عام من عملية طوفان الأقصى 5 صواريخ من طراز M-90 على تل أبيب، بالرغم من استمرار القصف الجوي الإسرائيلي والعمليات النوعية على الأرض لإيجاد الأنفاق والمخابئ وتدمير مخازن الأسلحة في قطاع غزة (محدود المساحة مع انعدام التضاريس الجبلية)، وقتل الكثير من عناصر حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية. وهو ما يشير إلى أنه لا تزال هناك قدرة لدى كتائب القسام على إطلاق صواريخ حتى وإن كانت محدودة العدد، ومن ثم فإن ذلك يتطلب البحث في مدى تأثير مثل هذه الضربات على قدرات حزب الله الصاروخية (الأكبر والأكثر تطورًا مما تمتلكه كتائب القسام).

يعتمد الجيش الإسرائيلي في الأساس على مفهوم JAM-GC لقيادة العمليات العسكرية المختلفة، وهذا المفهوم يضمن الربط والدمج بين الوحدات القتالية في البر والبحر والجو للعمل في مسرح العمليات مع برنامج آخر خاص بالقيادة والسيطرة على العمليات النوعية والمناورة على الأرض، وبالأخص في الشق الهجومي “Decisive Victory”  الذي من خلاله يتم دمج المعلومات الاستطلاعية والميدانية الاستخباراتية ومعالجتها بالذكاء الاصطناعي ليتم تقديم حلول ميدانية تناسب الوضع الحالي للقوات.

ويستخدم هذا النظام في العديد من وحدات القوات الخاصة، ومن المتوقع أن يعمم في باقي الوحدات. إذاً، الاستطلاع بمختلف أنواعه هو عصب العمليات الإسرائيلية، لذلك يقوم سلاح الجو بمجهود مكثف في هذه المهمة من خلال طائرات التجسس المعروفة بـ”النحاشون” أو المسيرات الاستطلاعية الدائمة التحويم حاليًا في الأجواء اللبنانية (حسب شهادات المواطنين) بعد أن تم تحييد قدرات الدفاع الجوي لحزب الله مؤخرًا، ذلك بجانب مساعدة من باقي الحلفاء في شرق المتوسط بالعديد من طائرات الاستطلاع المختلفة للتنصت على الاتصالات وتحليلها والخروج باستنتاجات كما يوضح الشكل التالي.

يضاف إلى ذلك العناصر الاستخباراتية على الأرض، والتي من شأنها المساعدة في متابعة منصات الصواريخ أو مخازن الأسلحة لتحديدها، ومن ثم يتم اختيار الذخائر المناسبة للهدف ودفاعاته وتضاريسه، والقيام بهجمات لحين تدمير الهدف مع اغتيال الكوادر القيادية المهمة، وبالتأكيد إرباك شبكة القيادة والسيطرة عبر تعطيل منظومات الاتصالات. وفي الأخير، عرقلة الدعم اللوجستي لحزب الله من الأراضي السورية عبر تدمير الشحنات أو منع وصولها جوًا أو حتى تدمير الطرق السريعة الرابطة بين لبنان وسوريا. والهدف الإسرائيلي دائمًا في محاربة حزب الله قبل وأثناء حرب 2006، أو حسب العقيدة الغربية للقتال هو تحييد أولاً المنظومات الدفاعية في مسرح العمليات، ومن ثم تحييد الأسلحة الذكية والدقيقة، ومن ثم تحييد الأسلحة كبيرة العيار 220 ملم أو أكثر.

حسب معهد الدراسات الإسرائيلية“Alma”، نفذ حزب الله خلال الفترة ما بين 30 سبتمبر و6 أكتوبر 2024 نحو 257 هجومًا. يتضمن الهجوم الواحدة عشرات الصواريخ مختلفة الأنواع. وبقراءة هذه الإحصائيات، يتبين ما يلي:

إن 48.4% من الهجمات هي على الأهداف بمدى 0-5 كم، بالمقارنة مع 4.1% على الأهداف أبعد من 50 كم من الحدود الشمالية الإسرائيلية. وبمقارنة ذلك مع المعلومات المذكورة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدوليةCSIS  ومعهد Alma أيضًا، فإن ذلك يعني أن لدى حزب الله 10 آلاف صاروخ متبقين حتى الآن لم يتم استخدامهم (5 آلاف صاروخ تم تعديلها لتكون موجهة بمدى 80 -200 كم، و5 آلاف صاروخ باليستي موجه بمدى 200-700 كم)، بجانب ما يقرب من 2500 مسيرة مختلفة الأنواع، ومئات من صواريخ الكروز والصواريخ المضادة للسفن. وفي الأخير، عدد غير محدد من الصواريخ أرض/أرض مختلفة الأعيرة بمدى 50-80 كم.

اعتمد حزب الله على نشر هذه الترسانة عبر 4 مناطق رئيسة، وهي: 1) الخط الدفاعي الأول في المواجهة جنوب لبنان، وذلك يتضمن الصواريخ بمدى يتراوح ما بين 2.5 كم إلى 75 كم. 2) الخط الدفاعي الثاني، ويتضمن الصواريخ بمدى يتراوح ما بين 40 كم – 200 كم. 3) منطقة البقاع، وتتضمن الصواريخ الباليستية الموجهة ما بين 300 كم – 700 كم. 4) بيروت، وتتضمن الدفاعات الساحلية من الصواريخ المضادة للسفن مع صواريخ باليستية حتى مدى 300 كم.

بتسليط الضوء على الطبوغرافيا للخطين الدفاعيين الأول والثاني، نجد العديد من التضاريس الجبلية القاسية التي استغلها حزب الله لتأسيس شبكة من الأنفاق والكهوف بمساعدة من خبراء كوريين شماليين. تتضمن العديد من الفتحات التي يمكن أن تستعمل لمنصات صواريخ كاملة من عيار 220-300 ملم. وهذه الكهوف يصعب تدميرها بالضربات الجوية أو حتى القنابل الخارقة للتحصينات زنة ألفي طن من طراز GBU-31 ذات الرأس الخارق BLU-109 القادر على اختراق 2 متر فقط، مما يتيح مرونة وحماية لعناصر حزب الله للحركة والاستهداف وحتى استدامة امتلاك مثل هذه الصواريخ عبر تصنيع المزيد منها؛ إذ إنها لا تتطلب تكنولوجيا معقدة في عملية التصميم أو التنفيذ. الكهوف والأنفاق الجبلية لحزب الله لا تترك العديد من خيارات الاستهداف للجانب الإسرائيلي، لأنه يجب مداهمتها عبر جنود الكوماندوز أو القوات الخاصة.

دائمًا يتباهى الجيش الإسرائيلي بتدمير العديد من منصات الصواريخ لحزب الله، وبمراجعة طبيعة هذه المنصات وجد أنها بسيطة التصميم، سواء كانت متعددة الفتحات للرشقات الصاروخية المتتالية أو حتى المنصات الثنائية المحمولة على العربات أو غيرها من المنصات الأحادية التي يمكن تركيبها وتجهيزها قبل الإطلاق بدقائق عبر عدد محدود من العناصر المقاتلة. وكل هذه المنصات ليست عصية على التصنيع والاستعاضة. أما بالنسبة لمنصات الصواريخ الباليستية، فهي الأهم، ولكن حتى الآن لم يستدل على تدمير موسع لها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي سوى لمنصتين فقط خاصتين بصاروخي “زلزال” و”فاتح 110″.

تزداد فرص الجانب الإسرائيلي لتقليل الضرر من خلال إيجاد مخازن الذخائر بشكل مستمر وتحييدها على الأقل، سيبطئ ذلك من معدل الإطلاق ولكن لن يمنعها بأي حال. قد تساعد عرقلة عملية الاتصالات والربط بين عناصر حزب الله في تحييد القدرة على القيام بهجوم مختلف المنظومات في وقت واحد لتنفيذ هجوم إغراق بالصواريخ أو المسيرات، بشكل مؤكد بالتوازي مع العملية البرية ستشتد قوة الهجمات الجوية بالقنابل لتطبيق ما يعرف بـ(الاستنزاف الافتراضي)، وغرضها التأثير معنويًا بشكل سلبي على الخصم ليبطئ من سير هجماته أو يوقفها كنتيجة للردع المطلوب.

الخلاصة، يستخدم الإسرائيليون أحدث الخطط والتكتيكات العسكرية للتعامل مع الفاعلين غير التقليديين مثل حزب الله. ولكن لدى حزب الله العديد من نقاط القوة بالمقارنة مع حركة حماس، مثل الانتشار الميداني الجيد للوحدات المقاتلة في بيئة تضاريسية تم استغلالها على النحو الأمثل لحماية الأصول عالية القيمة مثل ورش التصنيع والتركيب. هذا يسهم في استدامة العمليات القتالية عبر منظومات رخيصة الثمن، يسهل الحصول على مكوناتها بعدد كبير. وكل هذه العوامل تضمن قدرة حزب الله على الاستمرار في الحرب لوقتٍ أطول بكثير من حركة حماس، حتى مع الاستنزاف الكبير لمخزونات الذخائر عبر الضربات الجوية المركزة.

مينا عادل

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى