سوريا

كيف يمكن قراءة قرار استئناف العلاقات بين حماس والنظام السوري؟

أعلنت حركة حماس في الخامس عشر من سبتمبر الجاري عن استئناف العلاقات بشكل كامل مع النظام السوري، وذلك بعد عشر سنوات من القطيعة، وهي الخطوة التي بررتها الحركة بأنها تأتي في إطار “خدمة الأمة والقضية الفلسطينية”، وفق نص بيان “أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان”، والذي أصدرته الحركة بهذا الخصوص، وقد عبرت هذه الخطوة عن تجاوز الطرفين لحالة التأزم التي شهدتها العلاقات خلال السنوات الأخيرة، والعودة إلى تحالفات ما قبل 2011، بين الاتجاهات والدول المحسوبة على ما يُعرف بـ “محور الممانعة”.

محددات حاكمة

اعتذرت حركة حماس في بيانها بخصوص استئناف العلاقات مع النظام السوري، عن الموقف الذي اتخذته من نظام بشار الأسد في عام 2012، كما وافقت الحركة في البيان على الشروط التي وضعها النظام السوري لتطبيع العلاقات مع الحركة، حيث اعترفت الحركة ببشار الأسد كرئيس للدولة السورية، كما أعربت الحركة عن تطلعها لأن تستعيد سوريا مكانتها بين الدول العربية، وأكدت أن كل الأراضي السورية يجب أن تكون موحدة تحت حكمه، كما دعمت الجهود التي وصفتها بـ”المخلصة” من أجل استقرار وسلامة سوريا وازدهارها وتقدمها، ويمكن القول إن هناك جملة من الاعتبارات التي يمكن فهم قرار استئناف العلاقات في ضوئها: 

1- كانت خطوة استئناف العلاقات بين الطرفين نتاجًا لتحركات نوعية ومكثفة خلال الأشهر الأخيرة، لاختراق حالة الجمود والتأزم التي طغت على العلاقات بين حماس والنظام السوري، وقد قاد هذه التحركات بشكل رئيس حزب الله اللبناني وأمينه العام حسن نصر الله، والذي أكد في 26 يوليو الماضي أنه “يشرف بشكل شخصي على تسوية العلاقات بين النظام السوري وحركة حماس”، مؤكدًا حينها في تصريحات صحفية أن “حركة حماس تقدر جهود النظام السوري في دعمها”، وأن “النظام السوري منفتح على العلاقات مع حماس”، ويمكن فهم هذه التحركات من قبل حزب الله في ضوء سعيه وأمينه العام إلى توحيد ما يُسمى بـ “محور المقاومة”، بما يضمن إعادة ترميم العلاقات بين الأذرع الإيرانية في المنطقة، في مواجهة المتغيرات الإقليمية التي تُقلص من قدرة هذا المحور على التحرك.

هذا فضلًا عن روسيا التي كانت وسيطًا مهمًا على مستوى الدفاع باتجاه استئناف العلاقات، حيث أصدرت حركة حماس بيانها الأخير بالتزامن مع وجود رئيسها إسماعيل هنية رفقة أعضاء من المكتب السياسي في العاصمة الروسية موسكو، ويُمكن فهم الموقف الروسي في هذا الصدد على أنه يأتي في إطار تقليل تكلفة الانخراط الروسي في سوريا، عبر إعادة ترميم العلاقات الخارجية للنظام السوري، والدفاع باتجاه استعادته لعلاقاته الطبيعية في محيطه الإقليمي والعربي.

2- جاء قرار استئناف العلاقات الثنائية بين حماس والنظام السوري في ظل سياق إقليمي يشهد بعض المتغيرات التي ربما دفعت باتجاه تبني الطرفين لهذا الخيار، وعلى رأس هذه المتغيرات توجه النظام التركي نحو تطبيع علاقاته مع بعض دول الجوار العربي، وهو التوجه الذي أدى إلى تحجيم أنشطة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في أنقرة، وبالتالي بدأ قادة حماس والإخوان بشكل عام في البحث عن ملاذات آمنة بديلة لتركيا.

كما أن القرار جاء في أعقاب إعلان أنقرة عن استئناف علاقاتها بشكل كامل مع إسرائيل في أغسطس الماضي، وبالتالي فإن مخاوف قادة الحركة زادت فيما يتعلق باحتمالية تحجيم أنشطتهم في تركيا، خصوصًا مع تصريحات سفيرة تل أبيب في أنقرة إيريت ليليان والتي قالت فيها إن “إسرائيل بذلت جهودًا لإغلاق مكتب حماس في إسطنبول ونجحت في ذلك، وتعمل حاليًا على ترحيل الناشطين من تركيا”.

أيضًا فإن هذا القرار جاء بالتزامن مع توجه أنقرة نحو استئناف علاقاتها بالنظام السوري، في إطار بعض الترتيبات والحسابات الإقليمية، وهو القرار الذي فرض على إخوان سوريا والمنطقة بشكل عام تبني خطاب أقل حدة تجاه نظام الرئيس بشار الأسد، فضلًا عن تفضيل بعض الأفرع مثل حماس لخيار تطبيع العلاقات.

كذلك لا يمكن قراءة هذا القرار بمعزل عن زيادة مساحة التعاون بين بعض الدول العربية وإسرائيل في إطار ما عُرف بـ “اتفاقات أبراهام”، وهي الاتفاقات التي اعتبرتها بعض التقديرات مدخلًا لتغيرات قد تطرأ على منطقة الشرق الأوسط، سيكون ما يُعرف بـ “محور الممانعة” هو الخاسر الأكبر فيها، خصوصًا مع الحديث عن توجه بعض الدول العربية الأخرى نحو تبني هذا التوجه، وبالتالي يبدو أن الدول والقوى التي تدخل في إطار “محور الممانعة” بدأت في السعي إلى تبني “خيارات استراتيجية” للرد على هذا التوجه أو على الأقل التقليل من حدة تداعياته، وعلى رأس هذه الخيارات ترميم التحالفات القديمة، بما يضمن وجود “رد استراتيجي” على أي تحركات إسرائيلية.

3- تربط بعض التقديرات بين غياب خالد مشعل عن قيادة حركة حماس، وبين هذا التوجه واستئناف العلاقات مع النظام السوري، حيث ارتبطت الخلافات بين الطرفين بموقف “مشعل” من الاحتجاجات التي اندلعت في سوريا في 2011، إذ رفض زعيم الحركة السابق إدانة الاحتجاجات، ورفع علم الثورة السورية في عام 2012 وغادر مقر إقامته الذي كان يعد مكتب الحركة الرئيس متوجهًا إلى غزة، وهو ما أدى إلى قيام أجهزة المخابرات السورية باقتحام مكتب ومنزل رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في دمشق، وتجريدهما من محتوياتهما، وإغلاق مكاتب الحركة ومنازل قياداتها في دمشق، ومع انتخاب إسماعيل هنية رئيسًا للمكتب السياسي للحركة في 2017، واختيار صالح العاروري “المقرب من إيران” كنائب لرئيس المكتب السياسي لحماس، بدأت الحركة في إعادة التموضع إقليميًا والعودة بشكل تدريجي إلى تحالفاتها السابقة، خصوصًا المحور الإيراني.

4- مثلت المعركة التي عُرفت بـ “سيف القدس” والتي اندلعت في مايو 2021 بين إسرائيل والفصائل المسلحة في غزة، نقطة فاصلة في مسار العلاقات الحمساوية – السورية، حيث شهدت هذه المواجهات تنسيقًا كبيرًا بين الفصائل الفلسطينية في غزة، وحزب الله اللبناني والنظام السوري والإيراني، حتى أن تقارير تحدثت عن أن سوريا أمدت الفصائل المسلحة الفلسطينية بكمية كبيرة من الأسلحة والعتاد، وساهمت في الدعم اللوجستي لهذه الفصائل، وقد دعم صحة هذه التقارير استقبال الرئيس السوري بشار الأسد عقب المعركة لعدد من قادة الفصائل الفلسطينية، وتأكيده على أن “سوريا سوف تدعم كل مقاوم فلسطيني” وفق تعبيره، وقد قرأت بعض التقديرات تكثيف إسرائيل لعملياتها في العمق السوري في الأشهر الأخيرة، على أنه رد على الدعم السوري الذي تم تقديمه للفصائل الفلسطينية في هذه المعركة.

تحديات قائمة

على الرغم مما يمثله قرار استئناف العلاقات الحمساوية – السورية من تحول استراتيجي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا المسار وعلى رأسها:

1- أحد التحديات الرئيسة التي تواجه مساعٍ عودة العلاقات بين حركة حماس والنظام السوري إلى طبيعتها في مرحلة ما قبل 2011، ترتبط بشكل رئيس بإصرار النظام السوري على تقديم حركة حماس لاعتذار واضح ومباشر عن موقفها في عام 2011، الأمر الذي قد يُفقد الحركة علاقاتها بالعديد من الفصائل السورية، فضلًا عن أن هذا القرار قد يُدخل الحركة في صدام مع العديد من الاتجاهات الإخوانية في العالم وعلى رأسهم إخوان سوريا، وهو الأمر الذي بدأت معالمه في الظهور، حيث اعتبرت العديد من الاتجاهات الإخوانية أن بيان حماس الأخير بخصوص العلاقات مع النظام السوري، يمثل “خطوة غير أخلاقية، وتحمل مفاسد شرعية، وتعزز العقيدة الباطنية، وتنتصر لسياسات الاستبداد” بحسب بعض البيانات التي صدرت عن هذه الاتجاهات.

2- تمثل العمليات الإسرائيلية المستمرة في العمق السوري تحديًا رئيسًا لمسار تطبيع العلاقات الحمساوية مع النظام السوري، خصوصًا وأن هذه الغارات قد تحول دون قدرة النظام على إيواء قيادات الحركة في السنوات المقبلة، الأمر الذي قد يقلل من رهان حركة الحماس الاستراتيجي على النظام السوري.

3- تدفع التغيرات النوعية التي تشهدها المنطقة خصوصًا تلك المرتبطة باتفاقات أبراهام، وترميم العلاقات العربية العربية وكذا العربية التركية، وما صاحبها من تقليل الدعم والإيواء المقدم لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة وعلى رأسها التيارات الإخوانية، باتجاه تقليل الخيارات الاستراتيجية لهذه الفصائل، ووضع قيود على خيارات النظام السوري في هذا الصدد.

ختامًا، يمكن القول إن توجه حركة حماس نحو استئناف علاقاتها مع النظام السوري، يأتي في إطار سعي الحركة إلى توفير خيارات وبدائل استراتيجية تضمن لها توفير بعض الدعم النسبي في مواجهة المتغيرات العديدة التي يشهدها الإقليم، لكن هذه المتغيرات نفسها تمثل تحديًا رئيسيا أمام استمرار هذا التوجه أو على الأقل تُقلل من فاعليته وتأثيره.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى