
حزمة سبتمبر: تجديد التزام الدولة بدعم الفئات الأكثر احتياجًا
وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بدراسة توسيع قاعدة المستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية، وإعداد حزمة حماية اجتماعية استثنائية تراعى ظروف الأسر الأكثر احتياجًا؛ سعيًا إلى تخفيف الأعباء عن كاهلهم للتعامل مع الظروف العالمية الحالية، والتخفيف من حدتها وانعكاساتها عليهم. جاء هذا التوجيه في ضوء ما تبذله الدولة من جهود في إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية، وتحقيق التكافؤ بين المواطنين، وايلاء الاهتمام البالغ للفئات الأكثر احتياجًا.
وفي استجابة فورية لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه عن بدء التطبيق الفعلي لحزمة الحماية الاجتماعية، بدءًا من سبتمبر الجاري، كحزمة استثنائية اضافية لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية الكبرى التي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، لافتًا إلى أن بدء الخطوات التنفيذية جاء بعد إنهاء كافة الترتيبات والجوانب اللوجستية المطلوبة لبدء التنفيذ. وتمثلت الحزمة الاستثنائية في الآتي:
- زيادة 100 جنيه على البطاقات التموينية لـ 8 ملايين و110 آلاف بطاقة، تضم نحو 9.1 مليون أسرة، يستفيد منها أكثر من 37 مليون مواطن، بتكلفة تقدر بنحو 833 مليون جنيه شهريًا.
- إضافة مبلغ 200 جنيه للبطاقة التي تشتمل على أسرتين أو ثلاث أسر، بينما سيُضاف 300 جنيه للبطاقات التي تتضمن أكثر من ثلاث أسر.
- عدد بطاقات الأسرة الواحدة التي تستفيد من الحزمة الإضافية يصل إلى نحو 7.7 مليون بطاقة. ويصل عدد البطاقات التي يستفيد منها أسرتان أو ثلاث اسر إلى 332 الفًا و328 بطاقة. بينما يبلغ عدد البطاقات المتضمنة أكثر من ثلاث اسر نحو 926 بطاقة.
- سيتم استخراج بطاقات ميزة أو بطاقات للمواطنين ممن لا يملكون بطاقات لصرف الدعم المقدر بـ 100 جنيه لمدة 6 أشهر في الفترة المقبلة، فضلًا عن المنضمين الجدد لمعاش تكافل وكرامة.
- ستتم زيادة أعداد الأسر المُغطاة بالدعم النقدي ضمن برنامج “تكافل وكرامة” من 4.1 مليون أسرة لتصبح 5 ملايين أسرة؛ أي أنها تشمل نحو 22 مليون مواطن، وذلك من خلال ضم أكثر من 900 ألف أسرة للاستفادة من برنامج الدعم النقدي المشروط.
- تكلفة إجراءات الحماية الاجتماعية الجديدة ستتراوح ما بين 11 و12 مليار جنيه إضافية.
- وجّه رئيس الجمهورية ببيع مليوني كرتونة سلع غذائية للمواطنين شهريًا على مدار الـ 6 أشهر المقبلة، بأقل من نصف سعرها وتكلفتها.
شراكة مثمرة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني
وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بتنفيذ وإطلاق الحزمة الاستثنائية لبرامج الحماية الاجتماعية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني؛ لمنع وقوع ازدواجية في الاستفادة من حزم الحماية الاجتماعية المختلفة وضمان وصولها للمستحقين. وبالفعل استجاب التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي والذي انطلق في 13 مارس 2022، ويضم 24 مؤسسة وجمعية أهلية وكيان خدمي وتنموي منها “مؤسسة حياه كريمة -مؤسسة بيت الزكاة والصدقات المصري – جمعية الأورمان – بنك الطعام المصري – مؤسسة مصر الخير – مؤسسة مجدي يعقوب – الهيئة القبطية الإنجيلية – مؤسسة أهل مصر – مؤسسة صناع الحياة – جمعية رسالة” وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي تبذل جهود ملموسة في إطار العمل المجتمعي على مدار السنوات الماضية.
ويعدّ توجيه الرئيس بإشراك المجتمع المدني مع مؤسسات الدولة في التصدي للأزمة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة نقلة نوعية ومرحلة جديدة منتعشة للمجتمع المدني في مصر، خاصة بعد القانون رقم 149 لسنة 2019 المنظم لعمل منظمات المجتمع المدني، وإطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2022 عام المجتمع المدني خلال مؤتمر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والذي أكد من خلاله أهمية شراكة الدولة مع المجتمع المدني في أكثر من موضع.
وعليه؛ فقد وعد التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي بالآتي:
- إضافة 600 ألف أسرة لبرنامج “تكافل وكرامة”.
- توفير الدعم النقدي لـ 420 ألف أسرة، إلى جانب النصف مليون أسرة التي التزمت الحكومة بإضافتها للبرنامج، وهو ما يعنى تجاوز عدد الأسر الأكثر احتياجًا المستحقة للدعم الـ 5 ملايين أسرة، وهو ما يمثل نحو ربع تعداد الشعب المصري.
- سيقوم التحالف أيضًا بتوفير الدعم الغذائي لـ 180 ألف أسرة، بقيمة تعادل الدعم النقدي الذي تحصل عليه الأسر المضافة.
نهج استباقي في إدارة الأزمة
تحاول الدولة المصرية بقدر الإمكان أن يكون لديها مساحة من المرونة لإيجاد خطط بديلة لحماية المواطنين في حالة حدوث أي أزمات، وظهر هذا جليًا في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد والتي عانى منها العالم بأكمله. وكان من المتوقع أن تكون مصر الدولة الأكثر تأثرًا بالأزمة الروسية – الأوكرانية الحالية؛ لاعتماد قطاع السياحة المصري بشكل كبير على السياحة الروسية والأوكرانية، علاوة على اعتماد الدولة في مخزون القمح بشكل كبير على كلا الدولتين. تلك الأزمات العالمية المتكررة تطلبت من الدولة أن تنتهج نهجًا استباقيًا يمكّنها من التعاطي مع كافة الأزمات العالمية وحماية المواطنين الأكثر احتياجًا كالآتي:
- تم بناء قاعدة بيانات في 2015 وفقًا لخرائط الفقر ساعدت الدولة في وضع معايير الاستهداف، ومن ثم سهولة عمل برامج تستهدف الفئات المختلفة الموجودة بتلك القاعدة.
- عزمت الدولة المصرية على أن يكون لديها احتياطي عام، وصل هذا العام إلى 130 مليار جنيه، تستطيع من خلاله تنفيذ العديد من التدخلات والمبادرات، وخاصة عند حدوث ظروف مستجدة لا تكون الدولة مسؤولة عنها. وفي هذا الإطار صرح الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء بأن حزمة الحماية الاجتماعية الجديدة المزمع بدء تنفيذها سوف تتاح من خلال الاحتياطات العامة التي وضعتها الحكومة لمثل هذه الأمور.
- حالة الانعقاد الدائم والتأهب التام لمجلس الوزراء لإدارة الأزمة، والحرص على إطلاع المواطن المصري على كافة المستجدات العالمية وتأثيرها على الواقع الداخلي بكل شفافية تمكّن المواطن من استيعاب وفهم الخطوات التي تقوم بها الدولة للتعاطي مع الأزمة ومنع تداول المعلومات المضللة.
- التنسيق التام والتكامل بين مؤسسات الدولة المعنية بتطبيق برامج الحماية الاجتماعية والمجتمع المدني وهيئة الرقابة الإدارية، ومشاركة المعلومات بما يضمن توحيد البيانات، وبناء عليه استبعاد غير المستحقين، وتتبع ومراقبة ما يتم صرفه للمواطنين المستحقين للدعم على مستوى الجمهورية.
- يمثل تكليف الدكتور مصطفي مدبولي بتكوين مجموعة عمل تنفيذية منعقدة بشكل دائم مكونة من وزارات التموين، والمالية، والتضامن، وهيئة الرقابة الإدارية، وممثلين من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، وغرفة عمليات لمتابعة تطبيق حزمة الحماية الاجتماعية الاستثنائية على الأرض، لتلقي الشكاوى المتعلقة بهذا الأمر؛ خطوه مهمة لتيسير إجراءات التنفيذ الفعلي، بجانب المتابعة والتقييم، بما يرسي مبدأ الشفافية والمساءلة المجتمعية في حالة حدوث أي تقصير.
حزمة سبتمبر خطوة جديدة في منظومة متكاملة
التزمت الدولة المصرية منذ عام 2014 بإرساء مبدأ العدالة الاجتماعية وإيلاء الاهتمام للفئات الأولى بالرعاية، وهو ما نص عليه الدستور المصري في العديد من المواد التي تهدف إلى تحقيق مصلحة المواطن محدود الدخل. وقد ساعد ذلك على إرساء تلك المواد البيئة التشريعية القوية التي أقرت العديد من التشريعات والتي كان أهمها؛ قانون جديد للتأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019، وقانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018.
ولم تكن الحزمة الاستثنائية هي الأولى في برامج الحماية الاجتماعية، وإنما سبقها شوط طويل اعتمدت فيه الدولة على شقين من البرامج: الأول؛ وهو الإغاثي المعني بالتدخل السريع لإنقاذ المواطن المصري ومساعدته في التصدي للأزمات، والشق الثاني؛ وهو الحقوقي والذي اعتمدت فيه الدولة على تحويل المواطن متلقي الدعم إلى مواطن مشارك في الإنتاج المحلي، ومن ثم ضمان استدامة برامج الحماية الاجتماعية للمواطن. وتمثلت أهم البرامج الخاصة بالحماية الاجتماعية في الآتي:
- برنامج “تكافل وكرامة”: وهو برنامج موسع للحماية الاجتماعية أطلقته الدولة عام 2015، وشمل البرنامج الاستهداف المباشر للأسر الفقيرة والاستهداف الفئوي للنساء والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة.
- مبادرة حياة كريمة: تستهدف توسيع مظلة الحماية الاجتماعية الشاملة بالتركيز على تلبية احتياجات المواطنين في القرى الأكثر احتياجًا، وتستهدف الوصول لـ 4670 قرية وتمثل نسبة السكان المستفيدين منها 57% من إجمالي سكان مصر.
- مبادرة سكن كريم: وهي مبادرة أطلقتها وزارة التضامن في نوفمبر 2017؛ بهدف تحسين الأوضاع الصحية والبيئية، وتطوير منازل الأسر الفقيرة وفي مقدمتهم الذين يتلقون معاش “تكافل وكرامة”. وحتى 2020 استفادت منها 58 ألف أسرة في أكثر من 200 قرية.
- معاشات التضامن الاجتماعي: التي نظمها قانون الضمان الاجتماعي رقم 137 لسنة 2010، ويتضمن مساعدات شهرية نقدية للأسر التي تعولها النساء. وتختلف قيمة تلك المساعدات وفقًا لعدد أفراد الأسرة وحالتها. ويتضمن كذلك معاش الطفل، وهو معاش يصدر للطفل حتى سن 18 عامًا لأطفال الأم المعيلة.
- تقديم الدعم الغذائي: في عام 2014، استحدثت منظومة نقاط الخبز غير المستخدمة بتكلفة إضافية قدرها 4.4 مليار جنيه. وزيد الدعم النقدي الشهري للفرد على بطاقات التموين حتى وصل إلى 50 جنيه عام 2019 بزيادة قدرها 140%.
- يستفيد من نظام بطاقات التموين نحو 69 مليون شخص، ويستفيد قرابة 79 مليون مواطن من منظومة دعم رغيف الخبز. وقد بلغت قيمة بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية نحو 356 مليار جنيه في موازنة العام المالي الحالي 2022-2023.
- إطلاق المبادرة الرئاسية “سجون بلا غارمين”، حيث رصد صندوق (تحيا مصر) مبلغ 30 مليون جنيه، لسداد ديون الغارمين والغارمات، وتنفيذ اللازم من إجراءات الحماية الاجتماعية؛ للحد من ظاهرة الغارمين والغارمات التي تؤثر سلبًا على الاستقرار المجتمعي.
- نظام التأمين الصحي الشامل: هو نظام تكافلي اجتماعي تقدم من خلاله خدمات طبية ذات جودة عالية لجميع فئات المجتمع دون تمييز، وتتكفل الدولة من خلاله بغير القادرين، وتكون الأسرة هي وحدة التغطية. ويشمل النظام مجموعة متكاملة من الخدمات التشخيصية والعلاجية، ويتيح للمنتفع الحرية في اختيار مقدمي الخدمة الصحية بخلاف طبيب الأسرة.
ووجهت الدولة كذلك العديد من البرامج التي تهدف إلى تمكين المواطن اقتصاديًا بدلًا من تقديم الإعانات الإغاثية، وأبرز تلك البرامج:
- برنامج فرصة: برنامج لدعم الفئات الأكثر احتياجًا بتوفير فرصة عمل لائقة مما يزيد دخول الأسر المستهدفة، ويستهدف البرنامج توفير 30 ألف فرصة عمل في 8 محافظات من الوجه القبلي و50 ألف قرض ميسر لتوفير فرص عمل للمرأة المعيلة بتمويل 250 مليون جنيه من بنك ناصر. إضافة إلى تدبير 10 آلاف فرصة عمل في المناطق الصناعية.
- برنامج مستورة: وهو برنامج للتمويل متناهي الصغر موجه للمرأة، أطلقه بنك ناصر بالتعاون مع صندوق تحيا مصر، وقد موّل البرنامج حتى عام 2020 ما يقرب من 19.216 مشروع قرض بتكلفة 320 مليون جنيه.
- تنفيذ مشروعي “المرأة والعمل” و”قدم الخير” كبرامج لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، إضافة إلى إطلاق مبادرة “أدها وأدود” لتمكين صاحبات الحرف اليدوية من حرفتهن والعمل على تطويرها والترويج لها.
- برنامج وعي: يمثل البرنامج القوة الناعمة لبرامج الحماية الاجتماعية أطلق عام 2020، ويهدف إلى تكوين قيم واتجاهات وسلوكيات مجتمع إيجابية، ويشمل 13 قضية للتوعية بين الفئات المستهدفة للبرنامج.
- إنشاء هياكل المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة مثل وحدات لتكافؤ الفرص بالوزارات ووحدات النوع الاجتماعي لتحقيق العدالة الاجتماعية.
أخيرًا، ارتبطت منظومة الحماية الاجتماعية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي؛ حرصًا من الدولة على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتخفيف وطأة الإصلاحات الاقتصادية على الفئات الأكثر احتياجًا؛ فتم إطلاق أول برنامج دعم نقدي في 2015 وكان عدد المستفيدين حينها نحو 1.7 مليون أسرة، وأخذ العدد في الزيادة حتى وصل بعد تكليف الرئيس بالحزمة الإضافية إلى 5 ملايين أسرة، وبلغت ميزانية الدعم النقدي خلال عام 2015، حوالي 3.7 مليار ووصلت إلى 25 مليارًا حاليًا.
وعلى صعيد آخر، أسهم برنامج الإصلاح الاقتصادي بشكل كبير في مواجهة الأزمات العالمية المختلفة والتي عانت منها معظم الدول ومنها جائحة كورونا؛ إذ أسهم في اتخاذ الدولة بعض التدابير العاجلة التي خففت من حدة الأزمة كتوسيع أعداد المستفيدين من برامج الدعم النقدي بإضافة ما يقرب من 160 ألف أسرة خلال الجائحة لبرنامج تكافل وكرامة. وصرف منح مستمرة للعمالة غير المنتظمة بقيمة 500 جنيه شهريًا للفرد خلال عام الجائحة 2020. إضافة إلى زيادة أعداد المستفيدين من القروض الميسرة لعمل المشروعات متناهية الصغر، وتوفير السلع الغذائية المدعمة من خلال منافذ تحيا مصر.
أما على صعيد الأزمة الروسية الأوكرانية، فقد أسهم برنامج الإصلاح الاقتصادي في تخفيف حدة الأزمة واتخاذ الدولة لبعض القرارات العاجلة ومنها الحزمة الاستثنائية المعلن عنها. وأسهم كذلك في عمل مراكز لوجستية تقوم بتخزين احتياجات مصر من السلع الاستراتيجية لمدة ستة أشهر أو أكثر. ومن الناحية المالية، فقد مكّن الدولة المصرية من رفع احتياطي النقد وشراء الاحتياجات الغذائية، وبالتالي توفرت السلع الغذائية بالأسواق على عكس كثير من الدول الأخرى، فيما ارتفع احتياطي النقد من 15 مليار دولار قبل بدء البرنامج إلى 33 مليار دولار في أغسطس الماضي وخلال الحرب المشتعلة بين الطرفين الروسي والأوكراني.
باحثة ببرنامج السياسات العامة