
حوار بيترسبرج للمناخ.. إشارة انطلاق نحو مفاوضات قمة المناخ COP27
بدأت يوم الاثنين 18 يوليو 2022 وعلى مدار يومين فعاليات الدورة الثالثة عشر من حوار بيترسبرج للمناخ في العاصمة الألمانية برلين. أطلقت ألمانيا حوار بيترسبرج عام 2010 عقب قمة المناخ في كوبنهاجن، مما أسهم في اثراء المناقشات والمفاوضات الدولية حول المناخ. يشارك في حوار هذا العام قادة وممثلون لحوالي 40 دولة حول العالم، من بينهم وزراء البيئة والمناخ والخارجية، فضلًا عن مشاركة للمجتمع المدني ورجال الأعمال والأكاديميين والشباب في المناقشات الجانبية.
تترأس مصر بجانب ألمانيا رئاسة هذه الدورة من حوار بيترسبرج؛ وذلك تقديرًا للدور الحيوي الذي تقوم به مصر دائمًا في مفاوضات تغير المناخ، بالإضافة إلى رئاستها للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف للمناخ cop27، والذي سيعقد في نوفمبر القادم في مدينة شرم الشيخ.
ويمثل حوار بيترسبرج فرصة للتشاور والتنسيق بين مجموعة كبيرة من الدول الفاعلة على صعيد جهود مواجهة تغير المناخ، والبناء على نتائج جلاسكو في الطريق نحو شرم الشيخ بشأن تعزيز العمل المناخي للتكيف، والخسارة والأضرار، والتخفيف، والانتقال العادل، والاعتراف بالضرورة الملحة لتوسيع نطاق التمويل الذي يمكن الوصول إليه في جميع مجالات العمل لمكافحة تغير المناخ وخاصة للدول النامية المسؤولة عن نسبة ضئيلة جدا من الانبعاثات الكربونية. ومن المقرر أن يعقد وزير الخارجية المصري سامح شكري والوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا عقب اختتام الحوار مباشرة اليوم الثلاثاء 19 يوليو، لعرض ما تم التوصل إليه خلال الحوار.
حوار بيترسبرج للمناخ في مواجهة الأزمات العالمية
يدور حوار بيترسبرج للمناخ حول تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ودعم البلدان الفقيرة في التحول إلى مصادر الطاقة المستدامة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة ” أنطونيو جوتيريش”، في ملاحظاته بالفيديو في حوار بيترسبرج، من تراخي الطموحات في حماية المناخ: “لقد حطمت تركيزات غازات الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر وحرارة المحيط أرقامًا قياسية جديدة، نصف البشرية في منطقة الخطر من الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات. ومع ذلك، فإننا نواصل تغذية إدماننا على الوقود الأحفوري”.
وجاء حوار بيترسبرج هذا العام متزامنًا مع أزمات عالمية متعددة على خلفية الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وأزمة الطاقة والغذاء الناتجة عنها. وتؤكد النقاشات على كيفية تسريع انتقال الطاقة، والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. وهذا يوضح أن أزمة المناخ وقضايا الأمن الدولي ترتبط ارتباطًا وثيقًا.
وأكد جميع المشاركين على أن حوار بيترسبرج بشأن المناخ لبنة أساسية في تمهيد الطريق لعقد مؤتمر مناخي ناجح في نوفمبر القادم، ومجرد مشاركة الدول الكبرى المسببة للانبعاثات مثل الولايات المتحدة والصين والهند على نفس الطاولة من الجزر الصغيرة المتضررة مثل جزيرة مارشال هو تأكيد على العمل الدولي الجماعي لمواجهة آثار التغيرات المناخية التي أصبحت تصيب الجميع. ويتضمن جدول الأعمال أيضًا طلبًا طويل الأمد للعديد من البلدان المتضررة بشكل خاص من أزمة المناخ، وهو الدعم المالي في مواجهة الأضرار والخسائر الناجمة عن تغير المناخ.
خطاب وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في افتتاح حوار بيترسبرج بشأن المناخ
ألقت وزيرة الخارجية الألمانية كلمة في افتتاح حوار بيترسبرج للمناخ وصفت فيها ماذا ينتظر العالم من جراء تغير المناخ إذا لم يتحمل مسؤوليته نحو المواجهة والتكيف والتخفيف؛ فالتهديدات لا تلاحق الدول والجزر الصغيرة فحسب وانما الدول الكبرى أيضًا. وأكدت أن أزمة المناخ لا تتعلق بالمستقبل – ولكنها تهددنا الآن، وبالنسبة لنا جميعًا، من جزر المحيط الهادئ إلى الساحل إلى أوروبا، وتشكل أزمة المناخ أكبر تحدٍ في عصرنا، فهي تهدد حياة الملايين من الناس، والسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
وأشارت أن الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا تؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة والغذاء العالمية التي تتسبب في انزلاق الملايين من الناس إلى الفقر والجوع والبؤس. وبينما لا نزال نكافح مع عواقب الوباء، فإن التهديد الناجم عن آثار تغير المناخ لا يزال ينمو في جميع أنحاء العالم. وتكثف ألمانيا دعمها للصيغ التي تبني الثقة وتعزز التعاون المتعدد الأطراف. فلم يتبق سوي ثماني سنوات فقط لخفض الانبعاثات العالمية بمقدار النصف تقريبًا، وهذا ما التزمنا به في جلاسكو.
يشمل الخطاب مجموعة من النقاط المهمة التي تدعو الوزيرة إلى مناقشتها والاتفاق عليها وصولًا إلى شرم الشيخ منها:
1 – الوصول إلى هدف 100 مليار دولار لتمويل المناخ. وهذا يعني مضاعفة التمويل المشترك لتدابير التكيف مقارنة بعام 2019
2 – إنشاء نظام يكفل وصول تدابير التمويل والدعم إلى السكان والمحتاجين.
3 – الاتفاق على أولويات التكيف العالمية والإقليمية، مثل زراعة النباتات التي تستخدم كميات أقل من المياه أو أفضل الممارسات للحفاظ على برودة المدن.
4 – النظر في الكيفية التي يمكننا بها جعل هيكل الدعم الحالي للخسائر والأضرار أكثر تماسكًا – سواء كان ذلك التعاون الإنمائي، أو الإغاثة في حالات الكوارث، أو المساعدات الإنسانية، أو استكشاف فرص التمويل.
5 – ضرورة تسريع التعاون الدولي بشأن سلاسل التوريد للطاقة المتجددة، وفي السوق العالمية للهيدروجين الأخضر، وفي تنظيم التخزين وكفاءة الطاقة.
وشددت “بيربوك ” على أن أوروبا وألمانيا تحديدًا لم تتراجع عن خططها المناخية الطموحة بسبب الحرب الروسية، ولم تتباطأ بشأن الطاقة المتجددة، ولكنها اتخذت قرارات صعبة لتوفير الطاقة مثل محطات الفحم بشكل احتياطي لا أكثر على المدي القصير، ولذلك أقر البوندستاج هذا الشهر قانون الطاقة المتجددة الأكثر طموحًا منذ عقود – سيتم تسريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية بشكل كبير وقد حدد الهدف المتمثل في أن 80٪ على الأقل من الكهرباء المستهلكة ستأتي من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030، ومع هذا القرار ربما تصبح الطاقة المتجددة هي “طاقة الحرية”
مشاركة الرئيس السيسي في حوار بيترسبرج
ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة خلال افتتاح الجلسة رفيعة المستوى لحوار بيترسبرج للمناخ، والتي انعقدت برئاسته والمستشار الألماني “أولاف شولتز”، والذي أكد فيها الرئيس السيسي على ضرورة تأكيد التزام كافة الأطراف الحكومية وغير الحكومية بتحويل وعودها وتعهداتها إلى تنفيذ فعلى على الأرض، يضمن عملية التحول للاقتصاد منخفض الكربون القادر على التعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتكيف معها، ويسهم في تعزيز حجم ونوعية وآليات تمويل المناخ المتاح للدول النامية.
وأشار إلى التحديات التي تواجهها مصر من خلال رئاستها للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ COP27 في ظل ما يشهده العالم من حروب وعدم استقرار نتيجة الحرب في أوكرانيا والتي تسببت في أزمة الطاقة وأزمة الغذاء وتراكم الديون التي تلقي تبعاتها الدول النامية، فضلًا عن الآثار السلبية لأزمة كورونا وعدم استقرار الاقتصاد العالمي وما تبعه من ضعف التمويل والاستثمار في الممارسات البيئية، الأمر الذي يجب معه تكاتف وتعاون جميع الدول نحو الوفاء بالتزاماتها المناخية في اتفاقية باريس وأكدت عليه قمة جلاسكو العام الماضي.
وركز الرئيس السيسي في حديثه دول القارة الأفريقية بالنظر إلى خصوصية وضعها ومحدودية قدرتها على التعامل مع الأزمات وضعف حجم التمويل المتاح لها للتغلب على الأزمات والكوارث، إلى جانب ما يمثله تغير المناخ من تهديد حقيقي لدول القارة التي تعاني من: التصحر، وندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات، والسيول، وغيرها من الأحداث المناخية القاسية التي أصبحت تحدث بوتيرة أكثر تسارعًا وبتأثير أشد من ذي قبل. لذا يجب التأكيد على ضرورة بذل كافة الجهود الممكنة لدعم الدول الأفريقية.
رغم كل التحديات الصعبة التي يواجهها العالم كله في قطاعات عدة على صعيد الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية، إلا أن تغير المناخ يعد هو الأكثر حدة، فلو لم يتحرك العالم نحو تحويل الخطط الطموحة والتعهدات إلى واقع ملموس تدل عليه آليات التمويل الواضحة ومساعدة الدول النامية على التكيف والتخفيف، ومشروعات التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة البديلة، وكيفية إدارة الموارد والحفاظ عليها، وآليات الحد من الكوارث والأزمات، وتقنيات الإنذار المبكر؛ فإنه لن يتبقى 20 أو 30 سنة قادمة للمفاوضات، ولكن سنواجه موجات أعنف من تغير المناخ لن تفرق بين المناطق وبعضها مثل موجات الحرارة والجفاف الشديدة، وتحمض المحيطات، وارتفاع سطح البحر، ومزيد من حرائق الغابات والأعاصير والفيضانات، والكثير من الظواهر المرعبة الأخرى.
باحثة ببرنامج السياسات العامة