أفريقياالاقتصاد الدولي

مؤتمر بنك التصدير والاستيراد الأفريقي.. مشاكل أفريقيا على الأفارقة حلها

تحتضن العاصمة الإدارية الجديدة خلال الفترة من 15 وحتى 18 يونيو 2022 حدثًا اقتصاديًا مهمًا وهو مؤتمر بنك التصدير والاستيراد الأفريقي التاسع والعشرين، والذي جاء تحت عنوان “تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية في مرحلة ما بعد كوفيد–19، من خلال الاستفادة من طاقة الشباب”، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي مع كوكبة من المتحدثين رفيعي المستوى من الوزراء والمسؤولين ورؤساء البنوك المركزية الأفريقية، بالإضافة إلى رئيس البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير.

وينظم المؤتمر البنك المركزي المصري، في ضوء توجيهات رئاسية؛ نظرًا إلى الأهمية التي توليها الدولة المصرية للعمل الأفريقي المشترك. ويضم ذلك المؤتمر على مدار أيامه الأربعة عددًا من الاجتماعات والندوات المختلفة التي تتحدث عن عمليات تمويل التجارة وتنمية الصادرات في أفريقيا، والاجتماع السنوي للمساهمين في بنك التصدير والاستيراد الأفريقي. وتأتي أهمية ذلك المؤتمر من أنه منصة حوار لأكثر من 3000 مصرفي ومسؤول دولي وحكومي رفيع المستوى، يتبادلون الرؤى حول قدرة الدول الأفريقية على التكامل للنهوض بالمستوى الاقتصادي للقارة.

نقص التمويل

تأتي أهمية ذلك المؤتمر في خصوصية التوقيت؛ إذ يمر الاقتصاد العالمي بوضع حرج جراء الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في رفع التضخم عالميًا وتآكل أموال المواطنين، وهو ما دفع البنوك المركزية عالميًا إلى التوجه نحو تطبيق سياسات اقتصادية انكماشية؛ بغية الحفاظ على معدلات التضخم في مستويات معقولة. لكن ما زاد الوضع سوءًا هو أن العالم لم يكن قد استفاق من أزمة جائحة كورونا التي دفعت بالدين العالمي إلى معدلات غير مسبوقة، وحولت فوائض الموازنات بالدول إلى عجز، بل ودفعت العديد من الدول إلى حافة الإفلاس. 

ومن ثم وفي ظل ما يمر به الوضع الاقتصادي العالمي حاليًا من نقص شديد في التمويل نتيجة للسياسات النقدية الانكماشية، تجد الدول الأفريقية صعوبات بالغة في توفير التمويل اللازم للإنفاق على تنميتها الاقتصادية للتوافق مع حلم التنمية الأفريقي أو رؤية أجندة أفريقيا 2063. ذلك الأمر هو ما أشار إليه الرئيس السيسي خلال كلمته التي ألقاها في المؤتمر، حيث تحدث عن دور الدولة وقدراتها في تحقيق رؤيتها، ولماذا توجد العديد من حالات عدم النجاح لتحقيق خطط التنمية التي تحددها الدول، وما مدى جاهزية البنية الأساسية لدول القارة في الانطلاق لما بعد كورونا.

وضرب الرئيس مثالًا عن أعمال تطوير البنية التحتية في مصر والتي كلفت الدولة المصرية حوالي 400 – 500 مليار دولار أمريكي لتطوير حوالي 12% من مساحة مصر التي تبلغ مليون كم مربعًا، متسائلًا عن التكاليف التي يتطلبها تطوير القارة الأفريقية صاحبة المساحة المقدرة بـ 30 مليون كم مربع، ومن أين يمكن تأمين ذلك التمويل؟ طارحا تساؤلًا مهمًا لبنوك الدول المتقدمة خاصة منها الأوروبية وهو هل تلك البنوك مستعدة لمنح تمويل للدول الأفريقية على الرغم من المخاطر المرتفعة بالقارة؟

أمر آخر تم الحديث عنه وهو عدم توافر الإمكانات المالية والأساسية من البنية التحتية لدعم القطاع الزراعي في أفريقيا، على الرغم من وجود مساحات زراعية شاسعة بالقارة وخاصة ببعض الدول، وصغر سن شبابها ورخص تكاليف العمالة، إلا أن تلك الدول مساهمتها في القطاع الزراعي العالمي محدودة للغاية، بالمقارنة بأوكرانيا التي تبلغ مساحتها 600 ألف كم مربعا فقط وتوفر حوالي 60 مليون طن قمح، ومن ثم فإن العقبة الرئيسة التي تقف حائلًا أمام الدول الأفريقية للإنتاج ولاحتلال مكانة عالمية بالأسواق هو توفير التمويل اللازم لإنشاء وإدارة البنية التحتية الخاصة بها.

صناعة المعادن هي الأخرى كانت مثالًا ضربه الرئيس والذي شرح فيه متطلبات بناء مصنع لإنتاج معدن ما وإضافة قيمة مضافة إليه، حيث أشار إلى أن ذلك المصنع يحتاج إلى كهرباء، ويحتاج إلى منشآت صناعية بمليارات الدولارات، ثم خطوط سكك حديد لنقل الإنتاج إلى الموانئ، ثم إنشاء ميناء وخطوط ملاحية قادرة على نقل ذلك الإنتاج إلى باقي دول العالم، وهو ما يعني سلسلة من أعمال التنمية التي تتطلب تمويلات كبيرة وطويلة الأجل، والانتظار حتى التأسيس والإنتاج قبل أن يتم رد تلك التمويلات، وهو الأمر غير المتاح عالميًا وفقا للوضع الحالي، خاصة في حال النظر إلى الوضع الأمني والسياسي بالدول الأفريقية التي يعاني الكثير منها من نزاعات وخلافات اجتماعية على مستوى جميع الفئات والقبائل؛ إذ إن تلك المخاطر تتسبب في رفع تكلفة التمويل بالنسبة للدول الأفريقية في حال مقارنتها ببقية دول العالم.

أفريقيا للأفارقة

“مشاكل أفريقيا على الأفارقة حلها”، تلك هي الجملة المثيرة التي جاءت في كلمة البروفيسور بنديكت أوراما رئيس مجلس إدارة بنك التصدير والاستيراد الأفريقي؛ فبعد ستين عامًا من استقلال الدول الأفريقية لا تزال الدول الأفريقية مجزأة ماليًا واقتصاديًا، إذ تواجه القارة العديد من الصعوبات التي تتمثل في الصعوبات في الوصول إلى الحبوب والأسمدة والمنتجات البترولية، وهو ما دفع بنك التصدير والاستيراد الأفريقي إلى تخصيص مبلغ 4 مليارات دولار لمساعدة البلدان على احتواء الآثار قصيرة المدى للأزمة. أما في ديسمبر من عام 2021، فقد خصص بنك التصدير والاستيراد الأفريقي مبلغ 7 مليارات دولار للبنوك المركزية المشاركة لإقراض المشروعات الصغيرة المتوسطة؛ بهدف دفع عجلة التنمية للبلدان والمؤسسات الأعضاء.

يعود تأسيس بنك التصدير والاستيراد الأفريقي إلى عام 1993 عندما تم توقيع الاتفاقية الأولى التي تم بموجبها إنشاء البنك من جانب الدول الأعضاء في أبيدجان في 8 مايو 1993، مُنح البنك وضع المنظمة الدولية بموجب قوانين الدول المشاركة والتي تسمح للبنك بالحصول على بعض الحصانات والإعفاءات والامتيازات لتسهيل الأعمال المصرفية في تلك المناطق، وهو مؤسسة تعمل تحت رعاية بنك التنمية الأفريقي الذي يقع مقرة الرئيس في القاهرة.

وتتمثل رؤية البنك الأساسية في أن يكون بنك التمويل التجاري لأفريقيا، ويسعى إلى تحقيق ذلك الهدف من خلال تقديم ثلاث خدمات رئيسة، وهي الائتمان والذي يوفر التمويل اللازم لتمويل التجارة والمشاريع، وتوفير ضمان لمخاطر ممارسة الأعمال وهو ما يشمل التأمين ضد مخاطر الاستثمار والائتمان للدول الأفريقية، وتقديم خدمات المعرفة وتوفير المعلومات والخدمات الاستشارية للشركات الأفريقية العاملة في السوق الأفريقية.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى