أفريقيا

تسعة وخمسون عامًا من التعاون الأفريقي.. أهداف طموحة وتحديات قائمة

يأتي الاحتفال بيوم أفريقيا في 25 مايو من كل عام، ذكرى تاريخية للشعوب الأفريقية بالحرية، والإصرار على التحرر من الهيمنة والاستغلال، وأسس تعزيز الوحدة والتعاون والتضامن المشترك بين الدول الأفريقية. وجاء اختيار هذا اليوم لكونه الذكري السنوية لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) في 25 مايو 1963، من خلال توقيعّ 32 دولة أفريقية مستقلة في ذلك اليوم للميثاق التأسيسي للمنظمة بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”. وأصبحت تُعرف بالاتحاد الأفريقي (AU) منذ عام 2002، والذي يمر على تأسيسه اليوم عشرون عامًا.                                

تاريخ تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية والتحوّل للاتحاد الأفريقي  

يعمل الاتحاد الأفريقي تأسيسًا على مبادئ منظمة الوحدة الأفريقية والآباء المؤسسين، على تحقيق أسس ومبادئ خاصة بالنهضة الأفريقية، والوحدة الأفريقية، وتعزيز الهُوية الثقافية، والقيم المشتركة، وتكثيف التعاون والجهود المبذولة لتحقيق حياة أفضل لشعوب القارة، وتحسين مستويات المعيشة بين الدول الأعضاء، والحفاظ على السيادة والسلامة الأفريقية للدول الأعضاء، وتعزيز التعاون الدولي في إطار الأمم المتحدة، وتنسيق السياسات السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والتعليمية والثقافية، والصحية، والرعاية الاجتماعية بين الدول الأعضاء من خلال القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، وأجندة الاتحاد الأفريقي (2063) ، وغيرها من القوانين والصكوك القارية.

ويهدف الاتحاد الأفريقي الذي يضم في عضويته الحالية 55 دولة أفريقية، تسهيل وتسريع عملية الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين شعوب ودول القارة الأفريقية، وحل المشكلات الإقليمية داخل القارة، والبحث عن تحقيق مصالح القارة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

•النشأة: في 25 مايو 1963 في أديس أبابا، وافقت 32 دولة أفريقية حققت الاستقلال في ذلك الوقت على تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، وانضم 21 عضوًا تدريجيًا لتصل إلى 53 دولة منذ إنشاء الاتحاد الأفريقي في عام 2002. وفي 9 يوليو 2011، أصبحت دولة جنوب السودان العضو الرابع والخمسين في الاتحاد الأفريقي.

• الأهداف: كانت الأهداف الرئيسة لمنظمة الوحدة الأفريقية، على النحو المنصوص عليه في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، لتعزيز الوحدة والتضامن بين الدول الأفريقية، وتنسيق وتكثيف التعاون والجهود المبذولة لتحقيق حياة أفضل لشعوب أفريقيا، والحفاظ على السيادة والسلامة الإقليمية للدول الأعضاء، وتخليص القارة من الاستعمار والتمييز العنصر، وتعزيز التعاون الدولي في إطار الأمم المتحدة، ومواءمة سياسات الدول الأعضاء السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والصحية والرعاية الاجتماعية والعلمية والتقنية والدفاع.

• آلية عمل منظمة الوحدة الأفريقية: تعمل على أساس ميثاقها والمعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية الأفريقية (المعروفة باسم معاهدة أبوجا) عام 1991، وأجهزتها الرئيسة هي مؤتمر رؤساء الدول والحكومات، ومجلس الوزراء والأمانة العامة وكذلك لجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية، ولجنة الصحة للتربية والعلم والثقافة ولجنة الدفاع، وتم استبدال لجنة الوساطة والتوفيق والتحكيم بآلية منع النزاعات وإدارتها وتسويتها في عام 1993.

• تحوّل منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي: خلال تسعينيات القرن الماضي، ناقش القادة ضرورة تعديل هياكل منظمة الوحدة الأفريقية لتعكس تحديات العالم المتغيرة، في عام 1999، أصدر رؤساء الدول والحكومات بمنظمة الوحدة الأفريقية إعلان سرت الذي يدعو إلى إنشاء اتحاد أفريقي جديد، وكانت الرؤية للاتحاد بناء على عمل منظمة الوحدة الأفريقية من خلال إنشاء الهيئة التي يمكن أن تسرع بعملية التكامل في أفريقيا، ودعم وتمكين الدول الأفريقية في الاقتصاد العالمي ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعددة الجوانب التي تواجه القارة، وتم عقد أربعة اجتماعات للقمة في الفترة التي تسبق الإطلاق الرسمي للاتحاد الأفريقي:  

  1. قمة سرت (1999)، التي اعتمدت إعلان سرت والدعوة إلى إنشاء الاتحاد الأفريقي.
  2. قمة لومي (2000)، التي اعتمدت القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي.
  3. قمة لوساكا (2001)، التي صاغت خريطة الطريق لتنفيذ الاتحاد الأفريقي.
  4. قمة ديربان (2002)، التي أطلقت الاتحاد الأفريقي وعقد أول قمة لرؤساء الدول والحكومات.     

• مؤسسات وهياكل الاتحاد الأفريقي: تم دمج عدد كبير من هياكل منظمة الوحدة الأفريقية في الاتحاد الأفريقي. وبالمثل، فإن العديد من الالتزامات الأساسية لمنظمة الوحدة الأفريقية والقرارات والأطر الاستراتيجية استمرت في صياغة سياسات الاتحاد الأفريقي. وبالرغم من أن البصمة لمنظمة الوحدة الأفريقية لا تزال قوية، أنشأ القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي والبروتوكولات عددًا كبيرًا من هياكل جديدة، سواء على مستوى الأجهزة الرئيسية أو من خلال مجموعة من اللجان الفنية والفرعية الجديدة تطورت العديد منها منذ عام 2002 وبعضها لا يزال قيد التطوير، ويتم تنفيذ عمل الاتحاد الأفريقي من خلال العديد من أجهزة صنع القرار الرئيسية: – مؤتمر رؤساء الدول والحكومات، والمجلس التنفيذي، ولجنة الممثلين الدائمين (PRC)، واللجان الفنية المتخصصة (STCs)، ومجلس السلم والأمن الأفريقي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، ويعزز هيكل الاتحاد الأفريقي مشاركة المواطنين الأفارقة والمجتمع المدني من خلال البرلمان الأفريقي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (ECOSOCC)، وآلية مراجعة النظراء الأفارقة.  

•اللغات الرسمية للاتحاد الأفريقي: بموجب المادة 11 من بروتوكول القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، اللغات الرسمية للاتحاد الأفريقي وجميع مؤسساته هي العربية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية والسواحيلية وأي لغة أفريقية أخرى، ولغات العمل في الاتحاد الأفريقي هي العربية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية.     

أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 “أفريقيا التي نريدها”        

تعد أجندة 2063 الخطة الرئيسية لتحوّيل أفريقيا إلى قوة عالمية في المستقبل، والإطار الاستراتيجي للقارة الذي يهدف إلى تحقيق هدفها المتمثل في التنمية الشاملة والمستدامة، وهو تجسيد ملموس للسعي الأفريقي للوحدة وتقرير المصير والحرية والتقدم والازدهار الجماعي المتبع في ظل الوحدة الأفريقية والنهضة الأفريقية.

وكانت نشأة أجندة 2063 هي إدراك القادة الأفارقة أن هناك حاجة إلى إعادة تركيز جدول أعمال أفريقيا وإعادة ترتيب أولوياتها من أجل النضال ضد الفصل العنصري وتحقيق الاستقلال السياسي للقارة التي كانت محور منظمة الوحدة الأفريقية. وبدلاً من ذلك إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة والتكامل القاري والإقليمي.         

وتأكيدًا على التزام الدول الأفريقية بدعم المسار الجديد لأفريقيا لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام والتنمية، وقعّ رؤساء الدول والحكومات الأفريقية الإعلان الرسمي للذكرى الخمسين خلال احتفالات اليوبيل الذهبي لتشكيل منظمة الوحدة الأفريقية / الاتحاد الأفريقي في مايو 2013، ويُمثل الإعلان إعادة تأكيد الإصرار الأفريقي نحو تحقيق رؤية عموم أفريقيا لأفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية، يقودها مواطنوها، والتي تمثل قوة مؤثرة في الساحة الدولية، وأجندة 2063 هي تجسيد لكيفية تحقيق القارة هذه الرؤية في غضون 50 عامًا من 2013 إلى 2063.

ويعد  التحوّل إلى مسار إنمائي طويل الأجل لمدة 50 عامًا لأفريقيا أمرًا مهمًا؛ إذ تحتاج أفريقيا إلى مراجعة وتكييف جدول أعمالها الإنمائي بسبب التحوّلات الهيكلية الجارية، ومحاولات تعزيز عمليات بناء السلام وتقليل عدد النزاعات، وتجديد النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، والمساواة بين الجنسين وتمكّين الشباب، وتغيير السياقات العالمية مثل انتشار نطاق العولمة وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأهمية تعزيز الوحدة لأفريقيا مما يجعلها قوة عالمية لا يستهان بها وقادرة على حشد الدعم حول أجندتها المشتركة، وفرص التنمية والاستثمار الناشئة في مجالات مثل الأعمال التجارية الزراعية وتطوير البنية التحتية والصحة والتعليم بالإضافة إلى القيمة المضافة في السلع الأفريقية.            

تحديات القارة الأفريقية على أجندة الاتحاد الأفريقي  

أصبحت التحديات التي تواجه القارة الأفريقية أكثر تعقيدًا، مما يجعل مواجهتها بنجاح أكثر صعوبة، فعلى مدى السنوات العشر الماضية، واجهت أفريقيا تحديات؛ الإرهاب، والتطرف العنيف، والجريمة العابرة للحدود (الاتجار بالبشر، والمخدرات، والاتجار بالأسلحة)، وظاهرة الإرهاب التي تتفشى في جميع ربوع وأقاليم القارة، وخاصةً في إقليم الساحل الأفريقي، ومنطقة بحيرة تشاد في غرب أفريقيا، ومنطقة القرن الأفريقي في شرق أفريقيا، إلى جنوب ووسط القارة، وارتدادات هذه الظواهر على موارد الدول والحرمان من التمتع بالخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.

بالإضافة إلى ذلك، تفاقم حدة الصراعات العرقية والمجتمعية، وموجة الانقلابات الأخيرة، والأزمات الاقتصادية، وعبء الديون، والتداعيات السلبية لظاهرة تغير المناخ، وأزمات الغذاء، وما تركته جائحة كوفيد-19 من آثار على القطاعات الحيوية في القارة الأفريقية، وأخيرًا تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية من أزمة التضخم العالمية وارتفاع أسعار السلع الغذائية.         

تحديات جائحة كوفيد-19: أثرت الجائحة على دول القارة بشكل كبير، بما في ذلك، الجانب الصحي والاقتصادي، بجانب التداعيات المختلفة على الأوضاع في الدول الأفريقية، مع تداعي القطاع الصحي، وارتفاع أعداد الإصابة بفيروس “كورونا”، وحالة اللايقين مع ظهور طفرات جديدة، وانخفاض معدلات التطعيم في ظل عدم قدرة الدول الأفريقية على الحصول على اللقاحات، ونقص الإمدادات منها؛ إذ يتم تصنيع فقط 1% من اللقاحات في أفريقيا مقارنةً بباقي دول العالم، ويتم التعويل على وكالة الأدوية الأفريقية في هذا الصدد، فضلًا عن، دور مرفق مُبادرة “كوفاكس” لتوزيع اللقاحات العالمية التي تُواجه مشكلات الإنتاج والتأخير ونقص التمويل.                             

• تحديات التكامل الاقتصادي والاندماج القاري: هناك ضرورة تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية لتعزيز التكامل القاري وإنشاء سوق حرة مُوحدة وتجمع اقتصادي أفريقي لتذليل العقبات أمام المصدرين والمستثمرين في جميع دول القارة، وتبادل السلع والخدمات بدون قيود أو عوائق جمركية، سعيًا لدعم جهود التنمية في القارة من خلال تعزيز الترابط بين الأسواق الأفريقية، ودعم القطاعات الصناعية والزراعية في الدول الأفريقية وتطوير المنظومة الاقتصادية للقارة الأفريقية.                                             

• تداعيات ظاهرة التغير المناخي السلبية: تعد القارة الأفريقية من أكثر مناطق العالم تأثرًا بظاهرة التغير المناخي، حيث تظهر تداعيات المناخ على القارة بشكل غير مُتناسب، تتأثر بعض المناطق بشكل أكبر من الأخرى، وتبرز منطقة الساحل الأفريقي في غرب أفريقيا، والقرن الأفريقي في شرق أفريقيا في هذا الصدد، وتتشابك أبعاد التغير المناخي -موجات الفيضانات، ونوبات الجفاف المُتكررة، وموجات الحر الشديدة، والأعاصير، وغيرها-مع آثاره المُتمثلة في الهجرة المناخية، وانعدام الأمن الغذائي والمجاعات، وتفاقم ندرة الموارد، وإشكاليات المياه النظيفة، وتدهور سُبل العيش، وانتشار الأوبئة. مما يُفرز تحديات ومخاطر أخرى ناجمة عن هذا التشابك، ومنها الصراعات المناخية والعلاقات المُتداخلة مع ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة. على الرغم من صعوبات التكيف مع آثاره في أفريقيا في ظل نقص التمويل المناخي اللازم وغياب العدالة المناخية.                           

• تمدد ظاهرة الإرهاب: تستغل الجماعات والتنظيمات الإرهابية الظروف الصعبة التي تُواجهها شعوب الدول الأفريقية لتحقيق أهدافها في ظل البيئة الخصبة لهذه الجماعات من انعدام الأمن، وهشاشة النظم السياسية، وانهيار البنية التحية، وحالة عدم الاستقرار والاضطرابات، كل هذه العوامل تُشكّل مدخلًا لتمدد وانتشار الجماعات الإرهابية في بؤر المناطق المُلتهبة بالصراعات والبيئات الحاضنة للعنف والانفلات الأمني. وأصبح الإرهاب عابرًا للحدود في القارة، ولا يقتصر على دولة لوحدها. وعليه، يتوجب توحيدّ الصف الأفريقي للتصدّي لهذه الظاهرة التي تستهدف مُقتدرات شعوب هذه الدول، وتعمل على نشر الفكر المُتطرف واستنزاف موارد البلدان الأفريقية.                                        

• تفاقم حدة الصراعات الداخلية: توجد مجموعة من بؤر الصراعات والنزاعات المُسلحة النشطة في دول القارة، ومنها على سبيل المثال، الصومال، ومالي، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، ونيجيريا، وموزمبيق. مع احتلال بعض الدول الأفريقية أكثر الدول هشاشة في العالم ومنها أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا. 

وتحتل أولوية تسوية الصراعات سلميًا أجندة عمل الاتحاد الأفريقي في إطار تحقيق السلم والأمن الأفريقي وتنفيذ مُبادرة “إسكات البنادق”، وحل الصراعات بشكل سلميّ لإعادة الثقة المجتمعية وإحياء ثقافة احترام الرأي الآخر والتسامح ونبذ العنف وسياسة “الانتقام المجتمعي”، وتكثيف الدعوات لبناء السلام بين هذه المجتمعات من أجل تعزيز السلم والأمن الأفريقي.                                     

وأخيرًا، لمواجهة هذه التحديات، أشار “موسي فقي”، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بمناسبة ذكرى الاحتفال بيوم أفريقيا إلى “أن الاتحاد الأفريقي يعمل على سلسة من الإجراءات والاستراتيجيات لتحقيق الأهداف المرجوة، ومن ضمنها الإصلاح المؤسسي للاتحاد الأفريقي، وتعزيز التدابير لتحقيق أهداف اتفاقية التجارة الحرة القارية، لحرية البضائع والسلع بين الدول الأفريقية. وكذا، أظهرت الدول الأفريقية قدرة على مواجهة التحديات في ظل جائحة كوفيد-19”. فضلًا عن، إجراءات الاستجابة لأزمة الغذاء والتغذية، ومنها برنامج التنمية الزراعية الشامل، وتكريس عام 2022 لبناء القدرة على الصمود في قطاع الأمن الغذائي والتغذوي وتعزيز أنظمة الزراعة والإنتاج الصحي لتسريع رأس المال البشري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة الأفريقية. وهناك ضرورة لتوحيدّ الرؤى والتضامن الأفريقي بشكل أكثر فاعلية للتغلب على للتحديات المشتركة وتحقيق الاستقرار والتقدم والازدهار لدول وشعوب القارة الأفريقية.    

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى