مكافحة الإرهابمصر

حصاد المكاسب… أبعاد المقاربة المصرية لمجابهة الإرهاب

حظيت الجهود المصرية في مجال محاربة الإرهاب بإشادات دولية وأممية عديدة، أبرز مؤشرات ذلك تقرير صدر حديثًا عن مجلس الأمن الدولي حول التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) للسلام والأمن الدوليين؛ إذ أشار التقرير إلى انخفاض نشاط تنظيم أنصار بيت المقدس في مصر، لافتًا إلى أنه منذ عام 2019 لم يُنسب أي هجوم إرهابي إلى تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة في مصر، فضلًا عن أن التنظيمين لم يعلنا مسؤوليتهما عن أي هجوم. 

وأرجع التقرير الفضل في ذلك إلى عمليات مكافحة الإرهاب، وإلى مبادرة لدعم انشقاق قادة تنظيم أنصار بيت المقدس، والتي أضعفت الروح المعنوية لعناصر التنظيم، وعززت الانطباع بأن الجماعة آخذة في الانحسار، فضلًا عن الاستثمارات العامة في مجالات البنى التحتية والنقل والإسكان في سيناء.

ويُمكن إيعاز نجاح تجربة دحر الإرهاب في مصر إلى فاعلية وجدية استراتيجية مكافحة الإرهاب التي تبنتها الدولة المصرية، والتي أسفرت عن تصفية أعداد كبيرة من العناصر الإرهابية، وتجفيف منابع التمويل المادي والدعم اللوجيستي، وتأمين الحدود، وضرب الأساس الفكري للإرهاب، وإضعاف بنية التنظيمات الإرهابية الجديدة التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية المتمثلة في تنظيمي حسم ولواء الثورة داخل العمق المصري في الوادي والدلتا. ومن هنا، تستهدف هذه الورقة بشكل عام، تسليط الضوء على أبرز جهود الدولة المصرية في مواجهة تحدي الإرهاب.

أولًا: الجهود التشريعية

من المهم بدايةً الإشارة إلى أن تبني مصر لمقاربة شاملة في مكافحتها للإرهاب مثّل حجر الزاوية في فاعلية الجهود المبذولة على كافة الأصعدة لمحاربة نشاط الجماعات الإرهابية؛ إذ إن هذه المقاربة لم تكن مقتصرة على المواجهات المسلحة التي قامت بها المنظومة الأمنية في مصر فحسب، بل كانت مقاربة مُتكاملة حملت في طياتها كافة الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتنموية، وكذا الأبعاد الفكرية والأيديولوجية والتي تعد المحفز الرئيس لارتكاب أعمال إرهابية. وهو ما يعكس حرص الدولة المصرية على التعاطي مع مسألة مكافحة الإرهاب من “منظور شامل” يضمن اجتثاث الظاهرة من جذورها.

وعلى صعيد الجهود التشريعية، تجدر الإشارة إلى أن مكافحة الإرهاب تُعد التزامًا دستوريًا، بموجب الدستور المصري الذي ينص في المادة رقم 237 على “التزام الدولة بمواجهة الإرهاب بكافة صورة وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله”. وقد تُرجم النص الدستوري إلى حزمة متكاملة من التشريعات الوطنية التي وضعها المشرّع المصري، بما يتسق مع التزامات مصر الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب. ومنها على سبيل المثال: القانون رقم 94 لسنة 2015 لـمُكافحة الإرهاب، والقانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسيل الأموال، والقانون رقم 175 لسنة 2018 الخاص بمكافحة جرائم التنقية المعلوماتية والذي جاء ليشدد الحصار على الجرائم الإرهابية، والقانون رقم 14 المعدل بالقانون رقم 95 لسنة 2015 بشأن التنمية المتكاملة لشبة جزيرة سيناء.

 واتصالًا بالجهود السابقة، صدر عدد من القرارات التي تعزز من المنظومة المصرية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، من بينها: قرار الهيئة العامة للرقابة المالية رقم 23 لسنة 2020 بشأن الضوابط الرقابية الخاصة بقوائم العقوبات والقيود المالية المستهدفة في مجال مكافحة الإرهاب، وقرار الهيئة العامة للرقابة المالية رقم 2 لسنة 2021 بشأن الضوابط الرقابية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للجهات العاملة في مجال الأنشطة المالية غير المصرفية، وقرار وزير التجارة والصناعة رقم 38 لسنة 2020 المنظم للضوابط الرقابية لسماسرة العقارات فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ثانيًا: المواجهة الفكرية

أظهرت جهود مكافحة الإرهاب أن مواجهة الإرهاب لا يمكن أن تُؤتي ثمارها بالمقاربات الأمنية والعسكرية فقط؛ إذ إن السواد الأعظم من التنظيمات الإرهابية ينطلق من أسس فكرية وأيديولوجية تُمثل المحفز الرئيس لاستمرار نشاطها الإرهابي، رغم ما تتلقاه من ضربات موجعة بفضل جهود القوات الأمنية. فعلي سبيل المثال: رغم هزيمته في معاقله التقليدية في العراق (ديسمبر 2017) وسوريا (مارس 2019)، نجح تنظيم داعش في إعادة تجميع شتاته وتكييف استراتيجيته في ضوء المستجدات، وبدأ ينشط داخل الدولتين مرة أخري. 

واللافت هنا أن الحدود المكانية لنشاط التنظيم لم تتوقف عند الجغرافيا السورية والعراقية فحسب، بل امتدت أيضًا لتشمل مساحات شاسعة في القارة الإفريقية، وكذا امتد وجود التنظيم في آسيا عبر نشاط فرعه الخراساني، وكان أحد الأسباب الرئيسة التي تفسر استمرارية نشاط التنظيم هو الأيديولوجية التكفيرية التي يستند إليها، والتي تضمن بقاءه واستمراره رغم ما يتكبده من خسائر في بعض المناطق، وهو ما يؤكد أهمية إيلاء البعد الفكري والأيديولوجي أهمية كبرى في استراتيجيات مكافحة الإرهاب. 

وانطلاقًا مما سبق، كانت مصر سبّاقة في التحرك بشكل عملي وسريع فيما يتعلق بالشق التوعوي الوقائي، وعززت من جهود المواجهة الفكرية لجماعات التطرف والإرهاب طيلة السنوات الفائتة، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي. فقد أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة في عام 2014 لتصويب الخطاب الديني ومواجهة التطرف.

وكذا لعبت وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر الشريف دورًا كبيرًا في صد الكثير من التيارات المنحرفة التي تظهر على الساحة الفكرية بين فترة وأخرى، من خلال إنشاء عدد من الهيئات المنوطة بهذا الأمر، ومنها “مركز الأزهر للترجمة” الذي يهتم اهتمامًا مباشرًا بترجمة المؤلفات التي تعطي صورة صحيحة عن الإسلام، و”مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية”، الذي يعنى بتقديم الفتاوى الصحيحة وبيان زيف الفتاوى المتشددة، و”مرصد الأزهر لمكافحة التطرف” الذي يقوم بدور مؤثر في رصد مظاهر التطرف وتحليلها، والعمل على تفكيك الفكر المتطرف، إلى جانب قيامه بتدشين حملات توعوية لنشر صحيح الدين ومحاربة الفكر المتطرف.

ثالثًا: المواجهة الأمنية

رغم التأكيد على ضرورة عدم اقتصار مقاربات محاربة الإرهاب على الجوانب الأمنية فقط، إلا أن هذا لا ينفي أهمية البُعدين الأمني والعسكري في كسر شوكة التنظيمات الإرهابية، وقتل قياداتها، وتدمير قدرتها العسكرية، وتطويق نطاق امتداد نشاطها الإرهابي.  

وفي مصر ارتكزت الاستراتيجية الأمنية الشاملة التي وضعتها مصر لمكافحة التطرف والإرهاب على محورين أساسيين، المحور الأول: وهو محور الأمن الوقائي من خلال توجيه ضربات استباقية للتنظيمات الإرهابية لتقويض قدراتها التنظيمية، والمحور الثاني: وهو محور سرعة تعقب وضبط مرتكبي الجرائم الإرهابية باستخدام التقنيات الحديثة. 

وقد نجحت الجهود الأمنية في استهداف وتدمير العديد من البؤر الإرهابية، والقبض على العديد من العناصر التكفيرية والإجرامية، فضلًا عن استهداف البنية التحتية التي تستخدمها العناصر الإرهابية من أوكار وخنادق وأنفاق ومخازن للأسلحة وذخائر وعبوات ناسفة وغيرها من المعدات اللوجستية التي تم ضبطها بحوزة العناصر الإرهابية. وأسفرت تلك الضربات أيضًا عن انحسار النشاط الإرهابي، وتساقط العناصر الإرهابية خاصة بشمال سيناء بتعاون وتنسيق فعال للخطط الأمنية بين القوات المسلحة وقوات الشرطة.

وامتدت الجهود الأمنية على المستوى الدولي من خلال: التنسيق مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) والكيانات الإقليمية والعربية لإدراج وإصدار نشرات حمراء للقيادات والكوادر والعناصر الهاربة على المستوى الدولي، إلى جانب إدراج أبرز العناصر الهاربة خارج البلاد على القوائم وتجميد أموالهم، والعمل على تحجيم قدراتهم في تنفيذ مخططاتهم العدائية الموجهة للساحة الداخلية، فضلًا عن التوسع في إبرام اتفاقيات التعاون الأمني مع الدول لتنسيق وتطوير التعاون الأمني في مختلف المجالات لاسيما مكافحة الإرهاب.

رابعًا: جهود مكافحة تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه

تُعول الجماعات الإرهابية على جمع الأموال باستخدام الوسائل المختلفة، في الحصول على الموارد الكافية لتدريب عناصرها، ولتخطيط تنفيذ هجماتها، ولتحقيق مآربها في إقامة حلم “الخلافة” المزعوم. وهو ما دفع العديد من الدول إلى تطوير سياسات جديدة لمكافحة تمويل الإرهاب؛ إذ أثبتت التجارب العملية في هذا الصدد أن تعطيل ومنع تدفق المعاملات المالية المرتبطة بالإرهاب يعد من أكثر الطرق فاعلية لشل حركة التنظيمات الإرهابية ومن ثمّ تطويقها والقضاء عليها.

وكانت مصر من بين الدول التي وضعت عمليات مكافحة تمويل الإرهاب كجزء أساسي في معركتها ضد التنظيمات الإرهابية؛ إذ تجرم مصر تمويل الإرهاب وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وتعمل وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية على تلقي الإخطارات والمعلومات عن أي من العمليات التي يُشتبه في أنها تُشَكِّل متحصلات أو تتضمن غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، أو محاولات القيام بهذه العمليات من المؤسسات المالية وغيرها من الجهات المُبَلِّغة. وتقوم الوحدة بفحص وتحليل تلك المعلومات وتوجيه نتائج تحليلها إلى جهات إنفاذ القانون وسلطات التحقيق المختصة.  

خامسًا: المواجهة التنموية

تلعب التنمية دورًا قياديًا في محاربة الإرهاب كونها تُعد ركيزة أساسية لتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي، ولخلق بيئة طاردة للفكر المتطرف، وهو الأمر الذي تنبهت لأهميته الدولة المصرية، حيثُ عكفت كافة مؤسسات الدولة  على النهوض بالاقتصاد المصري ومؤشراته وتطوير البنية التحتية ومشروعات التحول الرقمي، وذلك بالتزامن مع اعتماد مبادرات لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين خاصة في مجالات الصحة والتعليم وتمكين المرأة والشباب، فضلًا عن الاهتمام بنشر الوعي والفكر الصحيح بقضايا التنمية والتصدي للشائعات التي تُروج لها الجماعات الإرهابية المضللة.

وأولى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمامًا متزايدًا بتنمية المناطق الحدودية خاصة سيناء، فإلى جانب الجهود العسكرية التي خاضتها الأجهزة الأمنية لتطهير أرض الفيروز من البؤر الإرهابية، انطلق قطار التنمية في كافة المجالات؛ إذ أعلن الرئيس السيسي في مطلع عام 2015، عن تخصيص 10 مليارات جنية لتنمية ومكافحة الإرهاب في سيناء، وطالب القوات المسلحة بالإشراف على عملية الإعمار والبناء إلى جانب الجهود الأمنية لملاحقة البؤر الإرهابية. وفي هذا الصدد عكفت مؤسسات الدولة المختلفة على تنفيذ مجموعة من المشروعات العملاقة والاستثمارات في مختلف القطاعات.

سادسًا: التعامل مع ضحايا الإرهاب

لم تغفل الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب عن إيجاد آلية لتعويض متضرري العمليات الإرهابية، سواء من المدنيين أو من الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، حيثُ تم إنشاء المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1485 لسنة 2011 انطلاقًا من التزام الدولة المصرية بضرورة حماية حقوق ضحايا الإرهاب.

 وتقوم الدولة المصرية بصرف مساعدات اجتماعية بصفة استثنائية لأسر الشهداء والمصابين من ضحايا الإرهاب، بالإضافة إلى تقديم دعم نفسي واجتماعي لعلاج أزمات ما بعد الصدمة مُستهدفين أطفال أسر الضحايا. وكانت مصر ضمن الدول التي بادرت بإنشاء مجموعة أصدقاء ضحايا الإرهاب بالأمم المتحدة في نيويورك، وانضمت إلى المجموعة المصغرة المعنية بصياغة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 73/305 حول “تعزيز التعاون الدولي لمساعدة ضحايا الإرهاب” الصادر في يونيو 2019.

ختامًا، نجحت الدولة المصرية في تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد مكافحة الإرهاب، انطلاقًا من تبينها مقاربة شاملة تنطوي على محاربة كافة الجوانب المحفزة للظاهرة الإرهابية، مقدمة نموذجًا حظي بإشادة المجتمع الدولي، وبات يُحتذى به للعديد من دول العالم التي تعاني ويلات النشاط الإرهابي. 

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

منى قشطة

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى